انكسار إرادة نتنياهو والجيش واليمين الفاشي
رضخ نتنياهو وفتح الطريق لتطبيق نفس الاتفاق الذي كانت حركة المقاومة قد وافقت عليه منذ عدة أشهر فيما رفض التوقيع عليه. الأهم فيما يجري الآن، أن نتنياهو رضخ وانكسرت إرادته هو واليمين الصهيوني الفاشي والجيش الصهيوني.
كان نتنياهو قد راهن على كسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر عمليات القتل والإبادة والتجويع الأشد اجراما في القرن الحادي والعشرين. وتصور أن جيشه قادر على الصمود ومواصلة القتال في مواجهة المقاومة لتحقيق ما أطلق عليه النصر المطلق. وروج لقدرة هذا الجيش على إطلاح سراح الأسرى بالقوة دون حاجه للتفاوض. ووقف مقاتلا ضد من قال له بغير ذلك في أوساط النخب العسكرية والخبراء الصهاينة بل حتى الأمريكيين. وكان يتصور بإمكانية إنهاء وجود الجناح العسكري للمقاومة والعودة إلى النشاط الاستيطاني في أرض غزة. وفي كل ذلك كان يحمي ظهر قراره ورؤيته عبر التحالف مع المجموعات الفاشية التي انتجها الكيان الصهيوني في مرحلة انحطاطه الحالية، وقد تحولت من مجموعات هامشية إلى مجموعات تحظى بشعبية وتشارك في تشكيل الحكومات.
كسرت إرادته واليمين الفاشي بهذا التوقيع على الاتفاق، وقبلها كسرت إرادة التجمع الصهيوني، إذ أظهرت استطلاعات الرأي اتساع نسبة المؤيدين للصفقة الى نحو 70 بالمائة.
انتهت مقولات تاريخية واستراتيجية محفوظه-وكأنها مقدسات- في عقول النخب العسكرية والسياسية، وأبرزها مقولة إن ما لا يحل بالقوة، يحل بمزيد من استخدام القوة، إذ ارتكب الجيش الصهيوني أبشع الجرائم لكنه انتهى للهزيمة. وثبت أن إرادة الشعب الفلسطيني عصية على الانكسار، وقد زاد حجم الحمم التي سقطت على غزة بعدة مرات القوة التدميرية للقنابل النووية التي سقطت على هيروشيما وناجازاكي. وثبت أن إرادة المقاومة وقدرتها على صياغة خططها القتالية والتعامل مع تغييرات الوضع الميداني باتت أشد كفاءة من الجيش الصهيوني.
ولعل ما قاله وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن يكشف فشل كل ما قامت به القوات والقيادة الصهيونية، عندما أشار إلى أن التقديرات الأمريكية تؤكد أن حركة حماس جندت مسلحين جدد بنفس العدد الذي فقدته في الحرب، وأن ما حصل في هذه الحرب هو وصفه للتمرد الدائم والحرب الدائم لمائة عام قادمة. وقد وصل حجم الاعتراف بأن لا قدرة على كسر إرادة الشعب الفلسطيني عندما اعترفت جريدة “هآرتس” بعنوان ملفت “الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم”، وقارنت بين تمسك اليهود بالأرض مقارنة بتمسك الفلسطينيين بالأرض، فأشارت إلى هجرة اليهود بقولها “لو أن شعبنا متمسك بالأرض لما رأينا هجرة اليهود بهذه الأعداد الهائلة منذ أول يوم لبدء الحرب”.
وذكرت الصحيفة في مقالها “التجربة تثبت أن الفلسطيني سيبعث من جديد وسيأتي هذه المرة راكبا فرسه متجها نحو تل أبيب”.
لكن الأمر اللافت هو أن عددا من وسائل الإعلام العربية تروج للعكس وبخبث شديد.
هذا الإعلام ينسب رضوخ نتنياهو لضغوط لترامب. تلك لعبة رأيناها دوما لحرف بوصلة تفكير الشعوب عن الإيمان بدورها وقدرتها على هزيمة العدو المتفوق عددا وعدة، إذ يجري تحاشي نسبة الفضل للشعوب والمقاومة عبر التضخيم في أدوار اخرى، وتفادي وصف ما حدث بالنصر للشعب المقاوم والهزيمة للمعتدين.
لا ترامب ولا حركة أهالي الأسرى في الكيان الصهيوني لهما فضل في رضوخ نتنياهو. الشعب الفلسطيني والمقاومة هما من ركعوا نتنياهو وهم من أفشلوا كل خططه وجعلوه عاريا من كل نصر. ولو كان الجيش الصهيوني قد تمكن من تحقيق النصر أو حتى أعاد الأسرى بالقوة ولو انتهى أمر الشعب الفلسطيني في غزة لترك أرضه وهرب، ولو استسلمت المقاومة، ما كان هناك حركة أهالي الأسرى وما كان لترامب أن يتدخل إن كان قد تدخل فعلا. بل، لو كان الجيش الصهيوني انتصر لكان ترامب في تل أبيب لتقديم التهاني.
يريدون أن تصل للشعب الفلسطيني رسالة مفادها أن عدوهم الذي يقتلهم هو نفسه من قرر وقف قتلهم والانسحاب وأن لا دور للمقاومة ولا للشعب في صناعة النصر.
المقاومة والشعب الفلسطيني من صنعوا النصر، بل هم من فتحوا الطريق لإنهاء المسيرة السياسية لنتنياهو مهزوما، وإعادة ترتيب عوامل القوة والضعف بين مكونات أو مفردات القوى السياسية الصهيونية.
وتلك الأيام ما بعد بدء تطبيق الصفقة حتى إنجاز كل مراحلها ستكون آخر أيام نتنياهو في الحياة السياسية الصهيونية، ولذا قد يخرج نتنياهو ثعابينه في لحظة ما لتعطيل تنفيذ الصفقة تحت الخوف من الاندثار.
وبذكر ترامب والإشادة به في كثير من وسائل الإعلام العربية، فالخشية أن يكون هناك من يلعب لعبه خلفية خطرة .أن يكون هناك من يمهد لتحرك ترامب لاستكمال خطته التي عمل عليها خلال ولايته الأولى، باتجاه التطبيع والالتفاف حول حقوق الشعب الفلسطيني .
وكم من نصر عسكري لعبت السياسة والإعلام لتحوله إلى هزيمة بالاستعانة بأوراق وأدوات أخرى .