أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

حكومة الإطار التنسيقي تروج لكذبة كبيرة اسمها حرية الإعلام وتحول الصحافة إلى مجرد اسم بمضمون هش

ترى أوساط صحفية أن الانتهاكات الحكومية والميليشياوية ضد الصحفيين أخذت خلال الآونة الأخيرة، منحنىً خطيرًا، تمثل في إصدار مذكرات اعتقال بحق من يعمل في الصحافة، بسبب كشفهم ملفات الفساد وانتقادهم شخصيات سياسية وطائفية فاسدة.

بغداد – الرافدين
دق عاملون في مجال الصحافة في العراق ناقوس الخطر حيال تصاعد الانتهاكات التي تطالهم في وقت باتت تستخدم فيه السلطات في بغداد سيف القضاء في مواجهة حرية التعبير وكيل التهم الكيدية ضد من ينتقدها في تواطؤ مفضوح مع السلطة القضائية التي تتولى من جانبها فرض غرامات وأحكام جائرة ضد الصحفيين.
وعد العاملون في المجال الصحفي تصاعد النهج العدواني المتبع ضدهم خلال تأدية عملهم الصحفي خطوة تقوض حرية التعبير عن الرأي وشعارات الديمقراطية المزعومة في البلاد.
وأكدوا، على استحالة مقارنة حرية الصحفي العراقي مع رفاقه ببقية دول العالم في ظل محاولات السلطات الحاكمة وضع أسس صلبة لنظام بوليسي بصبغة ميليشياوية في وقت بلغت فيه الانتهاكات ذروتها إلى جانب صدور العديد من الأحكام القضائية ضد الصحفيين ممن يكشفون حقيقة الأوضاع المزرية في البلاد.
وجاءت المخاوف التي أبدتها أوساط صحفية متزامنة مع ما أحصاه تقرير لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، للانتهاكات ضد الصحفيين العراقيين خلال العام 2024، حينما وثق ما مجموعه 457 انتهاكًا ضد الأسرة الصحفية.
ووثق التقرير “سقوط خمسة صحفيين قتلى، وإصابة أحدهم إصابة بالغة، وتعرض 16 آخرين للضرب، واعتقال 23، واحتجاز 11، وتعرض 7 الى هجمات مسلحة، ومنع وعرقلة صحافيين من التغطية 281 مرة، الى جانب إقامة دعاوى قضائية ضد 68 صحفيًا، وتعرض اثنين الى تهديدات”.
كما رصد التقرير، حظر وحجب 9 مواقع خبرية وبرامج تلفزيونية وحسابات صحفيين، و17 مخالفة لهيئة الاعلام والاتصالات بحق العمل الصحفي، و7 مخالفات لنقابة الصحفيين العراقيين، و”عشر حالات أخرى”.
ووصف التقرير ما يحدث للأسرة الصحفية بـ”الانتكاسة المهولة”، وحدد الجهات المرتبطة بتلك الانتهاكات، منها “مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني” والأجهزة الأمنية، فبعض الانتهاكات كانت “بتوجيه من قيادات أمنية وأخرى باجتهادات شخصية”، واستخدم مسؤولون حكوميون عناصرهم أو حماياتهم للانتقام أو الاستهداف، “وذهبوا الى السلك القضائي بحجة التشهير”.
وكشف التقرير عن دور الهيئات “المستقلة” والنقابات “المهنية” في الانتقام وترهيب الصحفيين في داخل البلاد، ومن بينها نقابة الصحفيين التي “رفعت دعاوى قضائية ضد صحفيين وحجبت رخص عمل عن صحف، وأصدرت أوامر الى المؤسسات الحكومية بعدم التعامل مع أصحاب الصحف التي تنتقد عمل النقابة أو شخص النقيب، فضلاً عن قيام خبراء تابعين للنقابة بإصدار توصيات الى القضاء بشأن الحكم على عدد من الصحافيين، الذين أقيمت دعاوى ضدهم من جهات حكومية”.
ولفتت الجمعية في تقريرها إلى قيام الميليشيات المسلحة باقتحام مبان تابعة لقنوات فضائية ودمرت محتوياتها، عازية السبب إلى ضعف الأداء الأمني والحكومي “وانقياد مؤسسات مستقلة لملاحقة فضائيات واقتحامها بدلاً من حمايتها، تماهيًا مع مزاج وأجندة هذه الفصائل”.

تقرير لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة يوثق ما مجموعه 457 انتهاكًا ضد الأسرة الصحفية في العراق خلال العام 2024

وبات الكثير من الصحفيين العراقيين يعتقدون أن الدولة في العراق تدار بنظام دكتاتوري متستر بديمقراطية هشة، ليس فقط بسبب ما يصفونه قمعًا لحرية التعبير عبر المحاكم، بل أيضًا لتعليمات قضائية وإجراءات اتخذتها مؤسسات حكومية ضد صحفيين وصناع رأي تعارض القانون النافذ في البلاد وتحدّ بنحو كبير من حرية التعبير.
ويبين صحفي يعمل محررًا لصالح صحيفة محلية في العاصمة العراقية بغداد، أن هنالك مخاطر ومحددات كثيرة باتت تعترض عمل الصحفي العراقي.
ويؤكد المحرر الذي طلب عدم ذكر أسمه، خشية تعرضه للملاحقة القضائية أو المساءلة من المؤسسة التي يعمن فيها أن “هنالك فصائل مسلحة يمكن أن تغتالنا أو تعتقلنا إذا نشرنا شيئًا لا يعجبها، وأيضًا هنالك برلمانيون ومسؤولون حكوميون وسياسيون بوسعهم تحريك دعاوى ضدنا لمجرد منشور أو عبارة ترد في مادة صحفية نكتبها أو نقدمها”.
وأضاف “والموجع في الأمر أن القضاة يطلبون خبراء من نقابة الصحفيين، وهم زملاء لنا ويفترض أن دورهم الرئيس يتمثل في الدفاع عن حقوقنا، لكن مع ذلك يقدمون توصيات ضدنا، وقد صدرت أحكام قضائية عدة ضد زملاء لنا بناءًا على ذلك”.
وينبه إلى أن حملة “مكافحة المحتوى الهابط” قد استُغلّت وتم تكييفها لملاحقة أصحاب الرأي من صحافيين واعلاميين، مع أن الهدف المعلن هو “منع المحتوى المخالف لأخلاقيات المجتمع”.
ولفت إلى أن “الكثير من الزملاء توقفوا عن توجيه النقد للسلطة أو مؤسسات الدولة، بسبب هذه الحملة والضغوطات التي يواجهونها في ظل احتمال اعتبار أي نقد تشهيرًا أو تهديدًا للنظام، وبعضهم خضعوا للتحقيق وزُج بهم في السجون”.
ويحذر من أن “تقييد حرية إبداء الرأي، يستهدف إدامة السلطة الحاكمة، ويفضي إلى السكوت عن الفساد المستشري في البلاد ونهب خيراته لصالح الأحزاب المتنفذة”.
ولا تقتصر الانتهاكات بحق الصحفيين على التهديدات والملاحقة القانونية، بل هناك مخاطر أكبر تتمثل بالاعتقال وتحريك الدعاوى الكيدية.
ففي الموصل مركز محافظة نينوى (405 كم شمال بغداد) لم يدر في خلد الصحفي زياد السنجري، الذي كان قد غادر المدينة لاجئًا إلى فيينا في 2014، أن عودته إليها في تموز 2024، ستفضي به إلى السجن، بناءًا على مجموعة من الدعاوى التي أقامها ضده مسؤولون حكوميون وقادة ميليشيات مسلحة.
ويعزو مصدر قريب من السنجري، سبب اعتقاله إلى نشاطه وبنحو كبير خلال السنوات الأخيرة في كشف ملفات فساد في مؤسسات حكومية بالمحافظة، من خلال ظهوره في برامج تلفزيونية أو حساباته الخاصة في منصات التواصل الاجتماعي، مقدمًا وثائق كانت تسرب إليه من تلك المؤسسات.
وأكد المصدر أن الاعتقال تم في الحادي عشر من تموز2024 من دون مذكرة قضائية، وواجه خلال التحقيقات تهمة “ملفقة” بانتحال صفة قاضي، وقد أدين بناءً على ذلك وصدر حكم ضده بالسجن في تشرين الأول 2024 الماضي بالحبس لمدة سنتين.
وتساءل المصدر “كيف يمكن أن ينتحل صفة قاض، وهو في فيينا؟ كما أنه شخصية معروفة في نينوى والعراق، فقد عمل مراسلاً لوسائل إعلام عدة بعضها معروف على نطاق واسع كقناة الجزيرة، ووكالات أنباء أجنبية”.
وينتظر زياد السنجري الخضوع لمحاكمات عن سبع دعاوى أخرى مقامة ضده يرجح أن تصدر عنها أحكام أخرى بالحبس أو السجن، يقول المصدر “إنها كيدية، والهدف منها انتقامي بسبب ما كشفه من ملفات فساد وهدر للمال العام في نينوى طوال سنوات”.

يعزو مصدر قريب من الصحفي زياد السنجري، سبب اعتقاله إلى نشاطه وبنحو كبير في كشف ملفات الفساد خلال ظهوره في البرامج التلفزيونية

وفي الموصل أيضًا، تعرض مراسل قناة الشرقية جمال البدراني، في التاسع عشر من تشرين الثاني الماضي لاعتداء مبرح بالضرب من ثلاثة مسلحين من ميليشيا بابليون التابعة للحشد الشعبي، كانوا يستقلون مركبة من دون لوحات تسجيل في الجانب الأيسر لمدينة الموصل.
أما في البصرة جنوبي العراق، فانهال عناصر حماية وزير الكهرباء زياد علي، بالضرب المبرح على المراسلين الصحفيين مصطفى الشمري وفؤاد الحلفي، أثناء سعيهما لتغطية إجراءات توقيع عقد بين وزارة الكهرباء وشركة تركية في الخامس عشر من كانون الأول الماضي.
ودانت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة الحادث ودعت الصحفي إلى تحريك دعوى قضائية ضد العناصر المعتدية، وحملت القائد العام للقوات المسلحة ومحافظ البصرة والقيادات الأمنية مسؤولية “ما آلت إليه أحوال الصحفيين في البصرة، واستهدافهم للنيل منهم وإسكات أصواتهم”.
ولا يبدو أن العام 2025، سيكون مختلفًا عن سابقه فيما يتعلق بوضع الصحفيين في العراق، إذ أقدمت قوة أمنية في اليوم الأول من كانون الثاني الجاري، على اعتقال الإعلامي في قناة البغدادية علي الخيال، بتهمة التشهير بالحكومة، وقبلها بأيام قليلة، تلقت الإعلامية في قناة الشرقية الفضائية زينب ربيع، ورقة تكليف بالحضور أمام محكمة تحقيق الكرخ الثالثة.
وحمل التكليف العدد 465، وورد فيه أن عليها الحضور أمام المحكمة خلال ثلاثة أيام من تبلغها، للتحقيق معها وفقاً للمادة 433 من قانون العقوبات العراقي، بعد شكوى قدمها ضدها ممثل رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بسبب منشور لها في موقع للتواصل الاجتماعي.
وردت زينب ربيع، بمنشور في حسابها على فيسبوك على استدعائها القضائي بتأكيدها تمسكها بآرائها وانتقاداتها للسلطة، ومواصلتها التصعيد فيما يتعلق بقضايا “التضييق على الحريات والحقوق ومخالفة الدستور والتسريبات، والفساد، والفشل، وسوء الإدارة التي تشهدها حكومة ومكتب السوداني”.
وفي ذات الفترة، نشر مقدم البرامج في قناة “العراقية” الحكومية التابعة لشبكة الاعلام العراقي، صالح الحمداني، تغريدة في حسابه الخاص بمنصة x ذكر فيها أن “الخطوات في سوريا متسارعة، وصلوا بأسبوعين لما لم نصل اليه في العراق بـ 20 سنة”.
وأثارت هذه التغريدة، بعض ردود الفعل الغاضبة ضد الحمداني، في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بخاصة المقربة من الحكومة، أبرزها التي كان مصدرها ثائر الغانمي، رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي التي تتبع لها القناة.
ورد الغانمي على تغريدة الحمداني بأخرى في حسابه الخاص قائلاً إن “الإجراءات القانونية ستكون متسارعة أيضًا، لدرجة أنها ستصل خلال أسبوع واحد إلى ما لم يصل إليه الآخرون خلال 6 أعوام، عن حقيقة الموقف من دولتنا وشعبنا وثوابتنا، ومنها إلى جدوى البقاء في شبكتنا”.
وتم بالفعل إيقاف البرنامج الذي يقدمه صالح الحمداني، وأُنهيت خدماته في القناة، وهو ما استنكرته شخصيات وجهات عدة، من بينها مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، وذلك في بيان أصدره في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول الماضي.
وانتقد بيان المركز الحقوقي ثائر الغانمي بالقول إنه “يوجه تهديدات صريحة لموظفين وصحفيين في شبكة الإعلام بسبب مواقفهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد الأزمة التي أثيرت ضد الزميل صالح الحمداني، وإيقاف برنامجه إثر منشور كتبه على صفحته الشخصية حول الأوضاع الجديدة في سوريا”.
وحذر البيان من أن هذه “الممارسات تساهم في ترهيب الموظفين والصحفيين في شبكة الإعلام التي يفترض أنها تمثل خطاب الشعب العراقي لا خطاب السلطة”.
وطالب بيان المركز مجلس النواب بضرورة “متابعة ومحاسبة الجهات والأشخاص الذين يستخدمون سلطاتهم بشكل تعسفي للنيل من الموظفين بسبب آراء ومواقف معينة”.

مراسلون بلا حدود: صحفيو العراق يواجهون تهديدات من جميع الجهات في ظل ضعف الدولة التي تفشل في واجب حمايتهم

ويكشف التدهور الخطير في الحريات بشكل عام في العراق حقيقة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، التي تفاقم القلق المتصاعد جراء ارتفاع وتيرة الاحكام القضائية وأوامر القبض والاستقدام والحكم الغيابي ضد الصحفيين وفقًا للقوانين التعسفية.
وتتنافى المنهجية الميليشياوية والملاحقات غير القانونية وعمليات إقصاء الصحفيين مع وعود السوداني الذي تعهد بحماية حرية الإعلام وترسيم الديمقراطية مما يجعله موضع اتهام بسبب العديد من الانتهاكات المسجلة والموثقة لدى الكثير من المنظمات المعنية بحقوق الصحفيين بالعراق.
وتأتي هذه الإجراءات التعسفية في وقت حل فيه العراق بالمرتبة 169 عالميًا بحرية الصحافة من أصل 180 دولة في حرية الصحافة بحسب تصنيف لمنظمة مراسلون بلا حدود في تصنيفها لحرية الصحافة للعام 2024، متراجعًا بدرجتين عن العام 2023.
ونددت المنظمة غير الحكومية خصوصًا “بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحافيين”.
وتشير البيانات التي اعتمد عليها تقرير المنظمة إلى تراجع نقاط العراق في المؤشر السياسي من 39.2 الى 20.6، وتراجع المؤشر الاقتصادي من 28 الى 22.1، وتراجع المؤشر الاجتماعي من 36 الى 29.4 نقاط، وتراجع مؤشر الأمان من 29.9 الى 28.6.
ويصف تقرير مراسلون بلا حدود العراق بأنه يعيش بين الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات، حيث يواجه الصحفيون تهديدات من جميع الجهات في ظل ضعف الدولة التي تفشل في واجب حمايتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى