أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

صمت حكومي مطبق أمام جفاف واندثار أهوار العراق

تحقيق لمجلة "جاكوبين الأمريكية" يكشف عن سوء الأوضاع التي يعيشها سكان الأهوار والمصير المجهول الذي ينتظرهم وهم يشاهدون جفاف المياه ونفوق مواشيهم جراء الإهمال الحكومي منذ سنوات.

ذي قار – الرافدين
حذرت تقارير دولية من خطر اندثار الأهوار العراقية نتيجة لموجة الجفاف القاسية التي تعصف بها ونزوح الكثير من سكانها بحثًا عن مصادر حياة أخرى، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة وآخرها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في درء الخطر عنها.
وكشف تحقيق لمجلة “جاكوبين الأمريكية” عن سوء الأوضاع التي يعيشها سكان الأهوار والمصير المجهول الذي ينتظرهم وهم يشاهدون جفاف مياه الأهوار ونفوق مواشيهم جراء الإهمال الحكومي منذ سنوات.
وحذرت المجلة وخبراء في البيئة من اندثار ثقافة عمرها نحو خمسة آلاف عام، نظرًا لما يواجهه السكان من كارثة إنسانية وبيئية تحل بهم، مؤكدين أن جفاف الأهوار ليست من أولويات الحكومة.
وقال الناشط البيئي جاسم دويج الأسدي، إننا “نواجه نقصًا في المياه في نهري دجلة والفرات بسبب السدود على المنبع، إلى جانب مشاكل في توزيع وإدارة المياه، فضلًا عن تخصيص معظمها للأراضي الزراعية، لذا فإن الأهوار اليوم لا يمكن أن تعتمد على التدفق الطبيعي للمياه من نهري دجلة والفرات”.
وأضاف الأسدي الذي اختطفته ميليشيا كتائب حزب الله مطلع عام 2023 بسبب فضحه التهاون في ترك الأهوار لمصير الجفاف والقضاء عليها، ثم أُفرج عنه بوساطة عشائرية، أن “موجات الجفاف المتكررة والممتدة بسبب تغير المناخ أحدثت دمارًا كبيرًا في الأهوار”.

حكومات متعاقبة تدمر ثقافة ونظامًا بيئيًا عمره لآلاف السنين
وتابع الأسدي أن “الجفاف المطول الذي بدأ في عام 2021، ولا يزال مستمرًا، هو الأكثر تدميرًا، الأمر الذي يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام البيئي.
وأوضح أن الحفاظ على الأهوار يعتمد الآن على مصادر بديلة للمياه. ولم تعد الأهوار تعتمد على النظم الطبيعية. وسواء وصلت المياه إلى الأهوار أم لا، فإنها تعتمد على القرارات المركزية التي يتخذها المسؤولون العراقيون في وزارة الموارد المائية”.
وأشار إلى أن الأولوية في العراق هي مياه الشرب أولاً، ثم الزراعة والنفط، وعندما يتبقى بعض الماء فقط يتم إطلاقه في الأهوار. وهذا ليس من أولويات الإدارة.
وتحدد وزارة الموارد المائية حصة المياه المخصصة للري لكل محافظة، حيث تستهلك الزراعة الحصة الأكبر من المياه ـ نحو 65 بالمائة. وقد أدت موجات الجفاف الشديدة إلى زيادة المنافسة، حيث يتم التضحية بمصالح المجتمعات الأضعف، مثل سكان الأهوار، لصالح المجتمعات الأكثر قوة.
وبحسب الأسدي فإن “هناك بعض المهندسين العاملين في الوزارات ممن ينظرون إلى الأهوار كمنطقة منخفضة لا يمكنهم تصريف المياه فيها إلا إذا كان هناك ما يكفي من المياه، وإذا لم يكن هناك ما يكفي، فإن الأهوار لا تخطر على بالهم”.
من جانبها تقول أستاذة علم البيئة في جامعة البصرة، والمتخصصة في الأهوار الجنوبية، نجاح حسين “إن المياه المتبقية -التي تصل إلى الأهوار- تحتوي على نسبة ملوحة عالية للغاية. ولم يعد بوسعنا حتى تصنيفها على أنها مياه عذبة. فهي عبارة عن مزيج من المياه العذبة والمياه المالحة”.
وأضافت أن التركيز العالي من الملح في الماء بالتزامن مع الجفاف يؤدي إلى قتل الجاموس إلى جانب الأسماك والنباتات.
ثروة حيوانية وطنية لم يبق منها الكثير!
ولا يخفي عيسى عمرة أحد سكان الأهوار قلقه بشأن المستقبل، فمنذ عام 2021، نفق نصف الجاموس المائي الذي يربيه بسبب أمراض ناجمة عن شرب المياه المالحة، وبسبب عجزه عن تحمل تكاليف العلف للباقي، باعها ولم يعد يملك أيًا منها.
وقال عمرة “عندما تفقد جاموسك، فإنك تفقد جزءًا كبيرًا من حياتك وهويتك”، في إشارة للعلاقة الفريدة التي تربط سكان الأهوار بجواميسهم.
ويذهب إلى ذلك أحد مربي الجواميس يدعى فلاح صغيرون بالقول “في كل مرة تفقد فيها جاموسًا، تشعر وكأنك تفقد أطفالك”، مؤكدًا على أن “الأمر مؤلم للغاية في كل مرة تموت فيها أو أضطر إلى بيعها”.
وأضاف صغيرون، أنه قبل بضعة أشهر فقط، كانت هذه المنطقة من الأهوار الوسطى مغمورة بالمياه الضحلة. ولكن عندما جفت، هجرتها الأسر بحثًا عن المياه في مكان آخر.
ويكشف صغيرون عن مخاوفه بالقول “أنا خائف جدًا من المستقبل، وإذا ساءت الأمور أكثر، فسنكون في ورطة كبيرة، حيث ينخفض منسوب المياه ومن الصعب التنبؤ بأي شيء. لا أعرف أبدًا ما إذا كان منسوب المياه سينخفض أكثر في العام المقبل وستموت بقية الجاموسات التي أملكها”.
وقبل بضع سنوات، كان صغيرون يمتلك سبعين جاموسة. لكنه الآن لم يتبق له سوى خمسة عشر جاموسة، حيث مات خمسة وعشرون منها مؤخرًا بسبب رداءة جودة المياه.
ويواجه حيدر وحيد هاشم، وهو مربي جاموس وأب لثلاثة عشر ابنًا، مصاعب مماثلة. فسوء التغذية يصيب جاموسه، مما يقلل بشكل كبير من إنتاجه من الحليب.
يقول حيدر “عادةً، عندما أبيع الحليب، يجب أن أشتري المزيد من الغذاء للجاموس وأشياء لعائلتي، بينما الآن نخسر عامًا بعد عام. وبدون الماء، لا توجد حياة في المستنقعات”.
ويروي ياسر جري “صياد سمك” معاناته في الصيد وتوفير لقمة عيش لبناته الاثنتين بالقول “لقد انهارت سبل عيش الصيادين المحليين بالكامل، فالحياة الآن ليست كما كانت من قبل، فلم يعد بإمكانك العثور على أي سمكة كبيرة في هذه المياه، فقط أسماك صغيرة”.
وتابع جري وهو جالس في قاربه الخشبي في مجرى مائي يغذيه نهر الفرات، “هذا كل ما اصطدته اليوم، وأنا هنا منذ بضع ساعات، ولن أبيع هذا حتى، إنه فقط لعائلتي”.
ومع تصاعد التحذيرات الدولية ومن قبلها الرسمية والشعبية بشأن مخاطر جفاف في العديد من محافظات العراق، وما يترتب على ذلك من هجرة سكانها واندثار النظام البيئي والأحيائي في تلك المناطق نتيجة للجفاف وتراجع الإطلاقات المائية إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن الحكومة تقف عاجزة عن وضع حلول لهذه الكارثة البيئية.
وعلى مدى السنوات الماضية، واجه العراق موجات جفاف حادة نتيجة لانخفاض معدل هطول الأمطار، بالإضافة إلى تأثير السياسات المائية التي تبنتها دول الجوار، والتي أدت إلى تقليل تدفق حصص العراق من المياه إلى أنهاره وأراضيه.
ووصلت المساحة المغمورة للأهوار العراقية قبل الجفاف الأخير قرابة 4500 كم مربع، لتتراجع مؤخرًا وتصل إلى أقل من 1400 كم مربع، بحسب الإحصائيات الرسمية.
ويذكر تحقيق المجلة الأمريكية أن التقديرات تشير إلى أن ما بين مائة ألف إلى مائتي ألف من بين خمسمائة ألف من سكان الأهوار نزحوا داخليًا، وهاجر كثيرون منهم إلى وسط العراق، إلى مدن مثل الحلة وسامراء وبلد.
وبحسب التحقيق، فإن نحو 33 بالمائة من جواميس في الأهوار قد نفقت، على مدى السنوات الأربع الماضية، في حين نفق 95 بالمائة من الأسماك بسبب الجفاف.
وكان مرصد العراق الأخضر المتخصص بشؤون البيئة، قد دعا الجهات المسؤولة والمنظمات المتخصصة إلى إنقاذ الأهوار من سوء الاحوال التي هي عليه في الوقت الحالي، مبينًا أن مساحة الأهوار تقلصت إلى أقل من ألفي كم مربع بعد أن كانت تمتد ما بين 15000 ـ 20000 كم مربع، فضلًا عن تحول الأهوار الوسطى وهور الحمار والحويزة إلى أراض جافة مع هجرة اغلب سكانها.
وكشف كفاح الأسدي، قائم مقام الجبايش، عن تسجيل نزوح أكثر من 1500 شخص من مناطق الأهوار في القضاء خلال الأشهر الستة الماضية، نتيجة للجفاف والتصحر الناجمين عن التغير المناخي وتأثيراته السلبية على البيئة وقطع تدفقات المياه من دول المنبع.
وسبق أن رصدت منظمة اليونسكو نزوح أكثر من 21 ألفًا و700 عائلة بواقع 130 ألفًا و788 فردًا، أغلبهم من المحافظات الجنوبية، وما تزال هذه المناطق في حالة نزوح بسبب حالات التغير المناخي، وكانت ذي قار الأكبر عددًا بحالات النزوح إذ وصل عددهم إلى 7890 عائلة، تليها ميسان، ومن ثم النجف.
يعيشون في حياة جافة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى