هيئة علماء المسلمين: حكومة بغداد لا تزال مصرة على تنفيذ حملات الإعدامات غير القانونية بدوافع طائفية انتقامية
يشير استمرار ظاهرة العثور على جثث مجهولة الهوية في العراق إلى وجود أزمة إنسانية وأمنية خطيرة. وقد رصد ووثق قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين العثور على مائة وسبعَ عشرة جثة خلال 2024، في مناطق مختلفة من العراق ولاسيما مناطق شرقي العاصمة بغداد والمحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات.
عمان- الرافدين
عالج التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق – 2024 الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين تحت عنوان “واحد وعشرون عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد” أبرز قضايا حقوق الإنسان في العراق التي تم التعامل معها على مدار العام 2024، ويبين الأهداف التي أُعد لأجلها، والوسائل المتبعة لتحقيقها، وفق رؤية القسم والرسالة التي يحملها على عاتقه.
وتطلب إعداد هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للأدلة والمعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية والحقوقية الدولية في إخراجها إخراجًا دقيقًا وحياديًا، بهدف تقديم تقرير موضوعي، قائم على الحقائق، ويسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة.
وتنشر قناة “الرافدين” الجزء الثاني من التقرير
المحور الأول:
القتل خارج نطاق القضاء، والإعدام غير القانوني
والقتل خارج القانون، وفق التعريف الدولي، هو قتل الأفراد من دون محاكمة قانونية أو إجراءات قضائية عادلة، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. ويتعرض المدنيون العراقيون لهذه الظاهرة من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية والميليشيات المسلحة التابعة للحكومة أو من قبل أطراف أخرى تعمل بترخيص منها. ومعلوم من يسمح له بحمل السلاح في العراق.
أعداد الضحايا المدنيين
وسيظهر في المخططات البيانية الجاري عرضها تباعا مدى التباين الواضح في تقديرات أعداد الضحايا المدنيين في العراق، والفارق الكبير في تلك التقديرات لإضعاف الاستناد عليها.
ولهذا التباين في التقديرات أسباب عدة في مقدمتها التحيز السياسي وما يفرضه على المسائل المنهجية المستخدمة في التقديرات والتوثيق غير الكامل أو المحدود وما ينتج عنه من الاختلافات الكبيرة بين الأرقام الرسمية وغير الرسمية.
مشروع إحصاء الجثث في العراق (Iraq Body Count) الذي يهدف إلى تتبع عدد الضحايا المدنيين في العراق منذ العام 2003. ويعتمد المشروع على جمع البيانات من مصادر متعددة مثل التقارير والبيانات الرسمية ويركز المشروع على ضحايا القصف الجوي، والاشتباكات البرية، والهجمات الإرهابية.
ويقدر المشروع أن عدد الضحايا المدنيين في العراق يتراوح بين 220.000 و250.000 قتيل، مع التأكيد على أنه من الممكن أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير بسبب صعوبة جمع البيانات في البلاد.
توقف المشروع لعدة سنوات بسبب نقص التمويل، حيث كان يعتمد بشكل رئيسي على التبرعات، وهذا النقص أدى إلى توقف العمل في المشروع، لكنه استعاد نشاطه في السنوات الأخيرة بفضل التمويل الذي تم توفيرها من قبل جهات حكومية.
وفي دراسة نشرتها مجلة لانسيت العلمية الرصينة عام (2006)؛ قدرت الدراسة أعداد القتلى من المدنيين العراقيين للمدة ما بين آذار/مارس 2003 وأواخر 2006 بأكثر من 600,000، وشملت الدراسة أيضا الوفيات الناتجة عن انهيار البنية التحتية والنظام الصحي في العراق من جراء الاحتلال. واعتمدت المنظمات الدولية على هذه الدراسة وقامت بإحصاء أعداد الضحايا المدنيين في العراق حتى خلصت إلى أن التقديرات تشير إلى أن أعدادهم تتجاوز 650000 ضحية.
وتعد هذه الدراسة محاولة جادة لتحديد العدد الفعلي للقتلى المدنيين في العراق في فترة ما بين عامي 2003 و2006. ولفت الرقم الذي خلصت إليه الدراسة الانتباه على المستوى العالمي إلى التداعيات الإنسانية العميقة لغزو العراق واحتلاله. وظلت الدراسة إحدى أكثر الدراسات شمولًا حول تأثيرات الاحتلال على المدنيين في العراق.

وبشأن ما تم اعتماده في قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين فإننا نقدر أن تقديرات أعداد الضحايا من المدنيين الذين قتلوا نتيجة الاحتلال الأمريكي تتفاوت بشكل كبير، لكن التقديرات الشائعة تشير إلى أن أعداد القتلى المدنيين يتراوح بين 1150.000 إلى 1250.000. علما أن تقديرات أخرى أشارت إلى أن أعداد الضحايا من المدنيين قد تجاوزت مليونين ونصف المليون شخص، ولعل أعداد الأرامل في العراق تعضد أرقام هذه التقديرات؛ فوفقًا للإحصاءات السابقة والتقارير الدولية، فإن أقل التقديرات تشير إلى أن عدد الأرامل في العراق ما بعد الغزو الأمريكي قد تجاوز المليوني أرملة.
ونحن في القسم نعتمد أعداد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا بنيران قوات الاحتلال والقوات الحكومية والميليشيات في العراق بنحو 1200000 ضحية.
وبالمقارنة يتضح للجميع أن عدم تطابق التقديرات الرسمية مع الواقع منهجٌ سياسيٌ معتمدٌ لدى جميع الحكومات المتعاقبة في العراق، في محاولة منها لطمس وتشويه الحقائق خدمةً للمحتل، مما يؤدي إلى إهدار دماء الضحايا، ويعكس رغبة تلك الحكومات في استمرار معاناة الشعب العراقي الذي يعجز عن الرد أو مقاومة هذه السياسات. لذلك نحن نؤكد في كل فرصة تتاح لنا على التوثيق ثم التوثيق ثم التوثيق.
ويظهر جليًا الدور الكبير للسياسة في تحديد وتوزيع البيانات المتعلقة بالضحايا في العراق، حيث تسعى الحكومات إلى التقليل من تقديرات الضحايا من أجل تجنب الضغوط الدولية أو لتحسين صورتها العامة. وهذا بالضرورة يؤدي إلى التقليل من عدد الضحايا الموثقين رسميًا.
كما أن المنظمات التي تتلقى تمويلات من دول أو حكومات قد تمارس ضغوطًا لتقديم أرقام أقل بكثير من الأعداد الحقيقية من أجل تجنب التداعيات السياسية أو الدبلوماسية.
وفي السياق ذاته؛ يشير استمرار ظاهرة العثور على جثث مجهولة الهوية في العراق إلى وجود أزمة إنسانية وأمنية خطيرة. وقد رصد ووثق القسم العثور على مائة وسبعَ عشرة جثة خلال 2024، في مناطق مختلفة من العراق ولاسيما مناطق شرقي العاصمة بغداد والمحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات، ولاستمرار هذه الظاهرة العديد من الدلالات، منها:
العثور على جثث مجهولة الهوية يعد مؤشرًا واضحا على استمرار الجرائم مثل القتل خارج نطاق القانون، التعذيب، أو تصفية المعارضين السياسيين، حيث يتم التخلص من الجثث من دون تحديد هويتهم لمنع المحاسبة.
يرتبط الأمر أيضا بحالات الاختفاء القسري، حيث يتم إخفاء الضحايا قسرًا بواسطة السلطات أو مجموعات مسلحة تابعة لها أو تعمل بترخيص منها، ومن ثم العثور على جثثهم لاحقًا.
يعكس هذا الوضع الضعف الممنهج للمؤسسات الأمنية والقضائية في العراق، مما يسمح بارتكاب الجرائم دون محاسبة أو تحقيق.
تكرار العثور على جثث مجهولة قد يكون نتيجة صراعات داخلية، مثل النزاعات الطائفية أو العرقية، حيث تتم تصفية الأشخاص بسبب انتمائهم إلى فئة معينة.
في العراق الذي يعاني من منهجية الانفلات الأمني وفوضى السلاح، يكون العثور على جثث مجهولة هو نتيجة مباشرة لفقدان السيطرة الأمنية، مما يؤدي إلى انتشار العنف.
6. إن دفن الجثث في مقبرة مخصصة لمجهولي الهوية في محافظة النجف حقيقة بحد ذاتها تعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وضعفًا كبيرًا في الرقابة والمساءلة الحكومية، ودليلًا على قمع النظام وعدم اهتمامه بالعدالة أو حقوق الضحايا لإن هذه العملية تعد وسيلة لإخفاء الأدلة على الجرائم التي ارتكبت وطمس الحقائق ومنع تحديد هوية الضحايا، مما يجعل من الصعب محاسبة المسؤولين.
7. إن هذا النوع من التعامل مع الجثث يُعتبر استمرارًا للأساليب القمعية التي تمارسها الحكومة ضد المعارضين أو الأفراد الذين يعتبرون تهديدًا للنظام، مما يعكس استراتيجية في التضييق على حرية التعبير والحقوق المدنية.
ونحن في قسم حقوق الإنسان نجدد تأكيدنا أن استمرار ظاهرة العثور على جثث “مجهولة الهوية” يعكس تهديدًا خطيرًا على حقوق الإنسان ويستدعي تحقيقات عاجلة وحاسمة لضمان المحاسبة وتحقيق العدالة.
أما بشأن الإعدامات والوفيات في السجون؛ فعلى الرغم من إصدار الأمم المتحدة قرارًا يدعو العراق إلى تعليق تنفيذ أحكام الإعدام؛ وعلى الرغم من التحذيرات الدولية المتزايدة من استمرار ممنهج لتنفيذ هذه الجرائم التي تتسبب في إعدام الكثير من الأبرياء في العراق والتي ترقى إلى مستوى الحرمان الممنهج من الحياة ضد مكون معين في العراق وجريمة ضد الإنسانية وراؤها إرادة سياسية -وفق خبراء أمميين-؛ فإن حكومة بغداد لا تزال مصرة على تنفيذ حملات الإعدامات غير القانونية بدوافع طائفية انتقامية وعلى نطاق واسع في العراق، وتسريع وتيرة الإعدامات الجائرة المعلنة وغير المعلنة بشكل ملحوظ، إلى الحد الذي يوشك فيه العراق على تصدر قائمة تنفيذ الإعدامات غير القانونية عالميا، وبات ضمن الدول العشر الأولى في العالم في تنفيذ أحكام الإعدام.

وقد شهد العام الماضي استئناف حملات الإعدام الجماعي وفق المادة 4 إرهاب المعلنة وغير المعلنة، وشهد العام أيضا أعلى حصيلة إعدامات في يوم واحد؛ إذ تم يوم 25 أيلول سبتمبر الماضي تنفيذ حكم الإعدام بحق 21 معتقلا على الأقل بينهم امرأة كانوا محتجزين في سجن الناصرية المركزي المعروف بسجن الحوت، وفق مصادر أمنية وطبية.
وخلال 2024، سجل القسم ووثق وفاة وإعدام 183 معتقلا على الأقل، بينهم معتقلون جرى إعدامهم مع أنهم كانت لديهم تقارير رسمية من لجنة طبية تابعة لـ”مجلس القضاء الأعلى” تشهد بتعرضهم للتعذيب وتمكنُّهم من تحديد هوية الذين قاموا بتعذيبهم،
وبينهم من ظل تحت الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي مدة طويلة، حتى أبلغت أسرته بأنه أُعدم، منهم من تم تسليم جثثهم لذويهم بعد أشهر من الإعدام.
ومنهم من لم يُزَوَّد ذووهم بمحضر تشريح الجثة أو لم يُدرج سبب الوفاة في الشهادة الرسمية، وتم منع عائلات المغدورين من قبل السلطات الحكومية من إجراء تشريح مستقل وتمت مضايقة العائلات من قبل القوات الحكومية خلال زيارتهم لقبور أبنائهم المغدورين في سبيل منعهم من إجراء أي تحقيق في ظروف وفاة أبنائهم أو تشريح لجثثهم.
ومن خلال مراجعة الصور؛ تبين أن معظم الجثث التي أُفرج عنها بعد الإعدام ظهر عليها علامات مرئية واضحة لسوء المعاملة أو التعذيب، بما في ذلك فقدان الأظافر وتساقط جميع الأسنان وكدمات شديدة وكسور مركبة في العظام وجروح عميقة وهزال عام.
وتُظهر الحالات التي تم توثيقها قيام السلطات المعنية بتنفيذ هذه الإعدامات من دون إشعار المحامين أو أفراد أسرة المغدورين مسبقًا، وتجاهل القضاء لشهادات ذات مصداقية عن تعرض الضحايا للتعذيب المتكرر وأصدر القضاة بحقهم هذه الأحكام الجائرة خلال محاكمات انتُهكت فيها أبسط معايير العدالة.
ونسجل هنا استمرار خضوع النظام القضائي في العراق لسلطة الأحزاب المتنفذة وهو ما يفسر استمرار فشله في معالجة هذه الانتهاكات، حيث يُدان المعتقلون بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، دون النظر إلى شهادات الشهود أو الأدلة الموثوقة.
وتُعد هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا للمعايير القانونية الدولية، مما يساهم في استمرار دورة الظلم وإفلات الجناة الحقيقيين من العقاب. وسط إقرارات حكومية بالتعذيب وإخضاع القضاء وإفساد الحقائق وتشويهها وهو أخطر ما تعرض له العراق بعد الغزو والاحتلال.
وشكلت التصديقات على تنفيذ هذه الإعدامات غير القانونية ضوءا أخضر لارتكاب المزيد من القتل خارج القانون على نطاق واسع ومرعب، وأظهرت جانبا من الفشل المنهجي في احترام حقوق الإنسان في العراق، وتركت إرثا ملطخا بالدماء للجهة التي توصف نفسها بأنها حامية للدستور.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 13 ألف معتقل عراقي صدرت بحقهم أحكام إعدام جائرة، تسعى السلطات الحكومية إلى الإسراع في تنفيذها ومن دون سابق إنذار؛ وأصبح العراق في ظل حكومات الاحتلال البلد الذي يحوي العدد الأكبر من المحكومين بالإعدام على مستوى العالم.
ولا تزال السلطات الحكومية في العراق رافضة إعطاء أي معلومات عن ظروف الاحتجاز داخل المعتقلات وعن تنفيذ الإعدامات، وتمنع زيارة المنظمات الدولية والمحلية للسجون الحكومية المعلنة.
وقد دعت الهيئة إلى تشكيل لجنة وطنية لمناهضة الإعدامات ومتابعة شؤون المعتقلين في السجون الحكومية.

ابتسامة هذال صبار لا تخفي سنوات من الكوابيس
ونحن في القسم نجدد الدعوة للأمم المتحدة ولمنظمات حقوق الإنسان الدولية كافة إلى اتخاذ موقف حازم لإيقاف تنفيذ الإعدامات الجائرة في العراق، وعدم الاكتفاء بالمراقبة السلبية لهذه الجرائم، ونؤكد الحاجة الملحة لتدخل دولي لضمان محاسبة الجناة الحقيقيين وتحقيق العدالة للضحايا المغدورين. وأن الفشل في معالجة هذه القضايا سيشجع مرتكبي الجرائم على مواصلة انتهاكاتهم وسيؤدي إلى استمرار دورة العنف وانتهاكات حقوق الشعب العراقي الذي يستحق العدالة والحماية من هذه الانتهاكات المستمرة.
إن استمرار ظاهرة الانتحار في العراق يعد دليلاً على فشل الحكومة في توفير البيئة المناسبة لحياة كريمة وآمنة للمواطنين. وهذا الاستمرار يُمكن أن يُعد نتيجة مباشرة لعدة عوامل:
الإهمال الحكومي المزمن في توفير الدعم النفسي: الحكومة لا تقدم الدعم النفسي الكافي للمواطنين، ولا توجد برامج أو مراكز متخصصة لمساعدة الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية. هذا الإهمال يفاقم الوضع ويؤدي إلى تزايد حالات الانتحار.
انتشار الفساد وفشل السياسات الاقتصادية: السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة تُجبر المواطنين على مواجهة صعوبات حياتية متزايدة. الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية يُحول دون تحسين الأوضاع الاقتصادية ويزيد من الإحباط العام.
غياب الأمن والاستقرار: الحكومة عجزت عن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد بسبب الفوضى المستمرة والنزاعات الداخلية، مما يزيد من الضغوط النفسية على المواطنين ويعزز الشعور بالعجز وفقدان الأمل في المستقبل.
التقاعس عن محاسبة المسؤولين: مع تفشي حالات الفساد والانتهاكات من قبل المسؤولين، يشعر المواطنون بأن هناك غيابًا للمساءلة وإفلاتًا من العقاب. وهذا الواقع يُشعرهم باليأس ويزيد من معدلات الانتحار.
عدم وجود رؤية للمستقبل: مع تزايد حالة القمع السياسي، القمع الإعلامي، وتقييد الحريات، يزداد الشعور بأن لا وجود لمستقبل أفضل في العراق. الحكومة لا تقدم حلولًا فعالة لهذه التحديات، مما يعزز القنوط ويُسهم في تزايد حالات الانتحار.
بالمجمل، استمرار ظاهرة الانتحار في العراق يُظهر فشل الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ويكشف عن الحاجة الماسة إلى إصلاحات سياسية جذرية لحماية المواطنين وتوفير حياة أفضل لهم.
أعداد الضحايا من المدنيين:
تقديرات أعداد الضحايا من المدنيين الذين قتلوا نتيجة الاحتلال الأمريكي تتفاوت بشكل كبير، لكن التقديرات الشائعة تشير إلى أن أعداد القتلى المدنيين يتراوح بين 1150.000 إلى 1250.000. علما أن تقديرات أخرى أشارت إلى أن أعداد الضحايا من المدنيين قد تجاوزت مليونين ونصف المليون شخص، ولعل أعداد الأرامل في العراق تعضد أرقام هذه التقديرات؛ فوفقًا للإحصاءات السابقة والتقارير الدولية، فإن أقل التقديرات تشير إلى أن عدد الأرامل في العراق ما بعد الغزو الأمريكي قد تجاوز المليوني أرملة.
وفي دراسة نشرتها مجلة لانسيت العلمية الرصينة عام (2006)؛ قدرت الدراسة أعداد القتلى من المدنيين العراقيين للمدة ما بين آذار/مارس 2003 ونيسان/أبريل 2006 بأكثر من 600,000، وشملت الدراسة أيضا الوفيات الناتجة عن انهيار البنية التحتية والنظام الصحي في العراق من جراء الاحتلال.
عدد المصابين:
أصيب أكثر من 4 ملايين مواطن عراقي خلال الغزو والاحتلال المستمر للعراق، 30% منهم أصيبوا إصابات بليغة نتج عنها عاهات دائمة تسببت بنسب عجز متفاوتة.
النازحون:
الحرب أجبرت الملايين من العراقيين على ترك منازلهم. بحلول عام 2013، كان نحو 6 ملايين عراقي قد تم تهجيرهم بسبب العنف والتطهير الطائفي والعرقي وتدمير البنية التحتية. عاد بعض النازحين إلى مناطقهم، لكن عددًا كبيرًا منهم ظلوا مشردين داخل العراق أو كلاجئين في الدول المجاورة.
القتل خارج القانون في العراق
يواجه العراق تحديات كبيرة في مجال حقوق الإنسان، خصوصًا في ظل النزاعات المستمرة وعدم استقرار الوضع الأمني والسياسي. وإن واحدة من أبرز القضايا التي تثير القلق هي ظاهرة القتل خارج القانون، حيث يتم قتل الأفراد من دون محاكمة قانونية أو إجراءات قضائية عادلة، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. ويتعرض المدنيون العراقيون لهذه الظاهرة من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية والميليشيات المسلحة التابعة للحكومة أو من قبل أطراف أخرى تعمل بترخيص منها. ومعلوم من يسمح له بحمل السلاح في العراق.
ووفقا لما تم رصده وتوثيقه من قبل قسم حقوق الإنسان في الهيئة، ولتقارير المنظمات الدولية أو المواقع الإخبارية الحكومية؛ فإن أعداد حالات القتل خارج القانون في العراق خلال العام 2024 بلغت 693 مدنيا، بينهم عشرات القاصرين، بارتفاع نسبته 45% مقارنة بالعام 2023.
ولم يتم التحقق من أكثر من 160 حالة منها للأسباب المذكورة أعلاه.
في حين ذكر موقع “إحصاء الجثث في العراق” (Iraq Body Count)، أن عدد القتلى المدنيين في العراق خلال عام 2024 بلغ 419 شخصًا.

وهنا أيضا يظهر التباين الكبير في أعداد الضحايا المسجلين للأسباب المذكورة أعلاه.
وتمثل جرائم القتل خارج القانون انتهاكًا مستمرا للحقوق الإنسانية الأساسية المقررة في المعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، بما في ذلك الحق في الحياة والحماية من الإعدام التعسفي أو القتل.
أما بشأن الأطراف المتورطة في هذه الجرائم: فإنها تنحصر بين:
القوات الحكومية بأنواعها: هناك تقارير عن تورط قوات الأمن الحكومية في عمليات قتل خارج القانون، خاصة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، حيث حدثت هذه العمليات غالبًا تحت غطاء العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، مثل تنظيم داعش، حيث يتم قتل المدنيين أو المشتبه بهم ميدانيًا.
الميليشيات المسلحة المدعومة من قبل الحكومة، مثل الحشد الشعبي: ارتكبت هذه الميليشيات جرائم قتل خارج القانون في المحافظات المنكوبة التي تسيطر عليها بشكل كامل.
أطراف تحمل السلاح بترخيص من الحكومة أو بعلمها.
أنماط القتل خارج القانون:
القتل الجماعي: شهد العراق عدة عمليات قتل جماعي للمدنيين، خاصة في المحافظات المنكوبة التي شهدت عمليات عسكرية واسعة. وتمثل هذه العمليات في كثير من الأحيان جرائم حرب أو عمليات تصفية عرقية أو طائفية.
الاختفاء القسري: الكثير من الضحايا يختفون قسرًا ويتم قتلهم خارج القانون بعد احتجازهم من قبل القوات الأمنية أو الميليشيات. ويظل مصير هؤلاء الأفراد مجهولًا في الكثير من الأحيان، مما يعمق معاناتهم ومعاناة ذويهم وأحبائهم.
القتل الفردي: هناك تقارير توثق حالات قتل لأفراد.

إن معظم حالات القتل خارج القانون في العراق جرت على خلفية طائفية أو دينية.
وكان لجرائم القتل خارج القانون آثارها على المدنيين:
الخوف والتهجير القسري: القتل خارج القانون يؤدي إلى زيادة حالة الخوف والاضطراب في المجتمع، مما يدفع العديد من السكان إلى النزوح والتهجير القسري بحثًا عن الأمان في مناطق أخرى. وهنا نفهم سببا من أسباب استمرار جرائم القتل خارج القانون في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة.
تكريس انعدام الثقة في النظام القضائي: منهجية عمليات القتل خارج القانون في العراق تقوض ثقة الناس في النظام القضائي وفي قدرته على تحقيق العدالة. وهذا يؤدي إلى تعميق الشعور بالإحباط والظلم لدى المدنيين، رغبة من الحكومات المتعاقبة في استمرار دورة العنف في البلاد.
وقد قام قسم حقوق الإنسان في الهيئة بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، بما في ذلك القتل خارج القانون، وقد دعا القسم في مناسبات كثيرة إلى التحقيق في هذه الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها. واليوم نجدد الدعوة لإجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
وعلى الرغم من التقارير الدولية المطردة بشأن استمرار هذه الجرائم في العراق، إلا أن حكومة بغداد لم تتخذ خطوات فعالة لمعالجة هذه القضية. بل تم التستر على الجرائم في الكثير من الحالات من خلال تواطؤ السلطات أو ضعف التحقيقات.
المسؤولية القانونية:
تُعد حالات القتل خارج القانون من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تتحمل سلطة الاحتلال وحكوماتها المتعاقبة المسؤولية القانونية عنها، ووفقًا للمواثيق الدولية مثل (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) و (اتفاقية جنيف)، فإن الجهات المذكورة ملزمة بحماية الحق في الحياة وعدم التمييز في توفير العدالة، ومن الواجب عليها تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم للمحاكمة.
التوصيات:
دوليًا؛ من الواجب على الأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في حالات القتل خارج القانون التي جرت في العراق، وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى القضاء.
أما محليًا؛ فيجب على الأجهزة الأمنية الحكومية الخضوع الكامل لسيادة القانون، وضمان الالتزام بحماية حقوق الإنسان في جميع الحالات.
ويجب أيضًا العمل على إصلاح النظام القضائي في العراق وضمان استقلاله، ليتمكن من محاكمة المجرمين بشكل عادل.
ويدعو قسم حقوق الإنسان المجتمع الدولي وجميع الأحرار في العالم إلى الاستمرار في الضغط على حكومة بغداد في سبيل توفير تعويضات مجزية للضحايا وعائلاتهم، بما في ذلك الدعم النفسي والمساعدة القانونية.
ويدعو القسم أيضًا جميع المنظمات الدولية المعنية بالشأن العراقي إلى تعزيز العمل المشترك لتفعيل آليات حقوق الإنسان في العراق وحماية حياة المدنيين العراقيين في ظل استمرار منهجية الانفلات الأمني وفوضى السلاح في البلاد وعدم اتخاذ الحكومة في بغداد أي إجراءات فورية وفعّالة لمعالجة هذه المشكلات.
وعلى الرغم من التقارير الدولية المطردة بشأن استمرار هذه الجرائم في العراق، إلا أن حكومة بغداد لم تتخذ خطوات فعالة لمعالجة هذه القضية. بل تم التستر على الجرائم في الكثير من الحالات من خلال تواطؤ السلطات أو ضعف التحقيقات.
وختامًا؛ فإننا في قسم حقوق الإنسان نجدد الدعوة لتوثيق الانتهاكات في العراق باعتباره ضرورة لا غنى عنها لكشف التجاوزات الحكومية وإفلات المسؤولين من العقاب. ونؤكد مرة أخرى على أن التوثيق يعزز المساءلة والشفافية، ويوفر ضغطًا دوليًا على الحكومة، كما يُسلط الضوء على معاناة الشعب ويُظهر عجز الحكومة عن حماية حقوق المواطنين.
