أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الازدحامات المرورية تخنق الاقتصاد العراقي وتكلفه ملياري دولار سنويًا

العراق يمتلك موارد مالية ضخمة كان يمكن استثمارها في تطوير منظومة نقل حديثة، لكن سوء الإدارة والسياسات العشوائية حولت شوارع المدن إلى ساحات ازدحام دائمة تخنق الاقتصاد وتضاعف معاناة المواطنين.

بغداد – الرافدين
أجمعت أوساط اقتصادية وبيئية على أن “الاختناقات المرورية في العراق لم تعد مجرد أزمة يومية، بل أصبحت نزيفًا اقتصاديًا يستنزف نحو 2 مليار دولار سنويًا، وسط فشل حكومي في إيجاد حلول جذرية”.
وبينت أن “غياب التخطيط الحضري الحديث، وانتشار السيطرات الأمنية العشوائية، وسوء تنظيم النقل العام، عوامل رئيسية تفاقم الأزمة، مما يؤثر على الإنتاجية ويزيد من تكاليف الوقود والصيانة”.
وأوضحت أن “شوارع بغداد والمحافظات تشهد ازدحامًا خانقًا، حيث يقضي المواطنون ساعات طويلة في الطرق، ما يؤدي إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الوطني، في وقت تواصل فيه حكومة السوداني تجاهل الحلول الفعالة”.
وشددت على أن “غياب المشاريع الاستراتيجية، مثل تطوير النقل الجماعي والجسور والطرق البديلة، يعكس فشلًا إداريًا وفسادًا مستشريًا يعرقل أي تقدم حقيقي في البنية التحتية”.
ولفتت إلى أن “العراق يمتلك موارد مالية ضخمة كان يمكن استثمارها في تطوير منظومة نقل حديثة، لكن سوء الإدارة والسياسات العشوائية حوّلت شوارع المدن إلى ساحات ازدحام دائمة تخنق الاقتصاد وتضاعف معاناة المواطنين”.
وأكدت على أن استمرار هذه الأزمة دون حلول واقعية سيؤدي إلى تفاقم الخسائر، داعية إلى تبني خطط مستدامة تنهي حقبة الفوضى المرورية.

سكان العراق يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا في الازدحام المروري

وحذر رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، من التداعيات الاقتصادية الخطيرة للازدحامات المرورية التي تعاني منها المدن العراقية، مؤكدًا أنها تمثل تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد الوطني، حيث تؤدي إلى هدر مليارات الدولارات سنويًا، وتؤثر بشكل مباشر على سوق العمل ومستوى الإنتاجية.
وأوضح الغراوي أن الدراسات تشير إلى أن “الموظفين في المدن الكبرى يفقدون سنويًا ما بين 100 إلى 150 ساعة بسبب الاختناقات المرورية، وفقًا لتقرير (غلوبل ترافيك سكور كارد) لعام 2023، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تتراوح بين 2 بالمائة إلى 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول، أما في العراق، فتُقدر الخسائر السنوية الناجمة عن هذه الأزمة بين 1 إلى 2 مليار دولار، نتيجة لهدر الوقت، والاستهلاك المتزايد للوقود، والتكاليف الباهظة لصيانة البنية التحتية”.
وأشار الغراوي إلى أن “هذه الظاهرة لا تقتصر على الأثر الاقتصادي فقط، بل تتسبب أيضًا في تفاقم التلوث البيئي بسبب الانبعاثات الناجمة عن توقف المركبات لفترات طويلة، مما يزيد من معدلات الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء، ويرفع الأعباء الصحية والتكاليف الطبية على المواطنين والدولة”.
وأكد أن “سكان العراق يقضون أكثر من ثلاث ساعات يوميًا في الازدحام المروري في بعض المناطق، مما يرفع تكاليف النقل بنسبة تصل إلى 40 بالمائة، داعيًا إلى اعتماد حلول مستدامة لمعالجة هذه الأزمة التي تستنزف الاقتصاد وتؤثر سلبًا على جودة الحياة”.
وصفت مجلة الإيكونومست البريطانية في آذار 2024، بغداد في تقرير بأنها واحدة من أسوأ المدن في حركة السير، حيث تشهد ازدحامات مرورية خانقة بسبب تهالك الطرق وانتشار نقاط التفتيش وزيادة أعداد السيارات وتلكؤ وفساد في مشاريع البنى التحتية، وفشل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 في حل المشكلة”، حيث أكدت “إيكونوميست” أنه “لدى بغداد أسوأ حركة مرور في الشرق الأوسط.
وتعاني العاصمة بغداد من اكتظاظ بالحجم السكاني، وكثرة المجمعات السكنية داخلها، باستثناء مجمع بسماية، الذي يشكو ساكنوه من اختناقات مرورية حين يدخلون إلى العاصمة، بسبب رداءة الطريق.
ودخلت العاصمة ملايين السيارات في العقدين الأخيرين، من دون أية توسعة في شبكة الطرق والجسور، ولا أي تحديث بوسائل النقل العام، في ظل قطع مستمر للعديد من الطرق الرئيسة والفرعية، لأسباب مختلفة بينها الأحداث الأمنية والتجاوزات عليها وتحويل بعضها لأماكن وقوف.
ويؤدي قضاء وقت طويل في الازدحامات يومياً، إلى زيادة مستويات التوتر والإجهاد لدى الأفراد، كما يقول الطبيب النفسي حسن الشمري ويوضح أن “الازدحام ليس مجرد تأخير عن العمل أو المنزل، بل هو بيئة مليئة بالعوامل الضاغطة مثل الأصوات المرتفعة، والانتظار الطويل، والإحساس بالعجز عن التحكم في الموقف.
وأضاف “كل هذا يوجد حالة من التوتر المزمن الذي يمكن أن يتطور إلى مشاكل نفسية مثل القلق أو حتى الاكتئاب”.
وأكد أن “الازدحامات تؤثر في قدرة الأفراد على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، إذ يعود كثيرون إلى منازلهم مرهقين جسدياً ونفسياً، ما يؤثر على حياتهم الأسرية والاجتماعية”.
وأشار إلى أن “الازدحامات المرورية كانت عاملاً رئيسياً في معاناة الكثير من المرضى من أعراض مثل العصبية الزائدة، ونوبات الغضب، أو اضطرابات النوم، بالإضافة إلى الأمراض العضوية”.

الازدحامات المرورية التي تشهدها الشوارع تمثل ضغوطًا نفسية للعراقيين

ويشكو المواطنون والسائقون من “تفاقم أزمة الازدحامات المرورية، حيث يستغرق قطع مسافة من المفترض أن تستغرق 20 إلى 30 دقيقة نحو أربع ساعات، مما يؤدي إلى هدر الوقت وزيادة الإرهاق النفسي”.
ولا تقتصر الأضرار على التأخير فحسب، بل تمتد إلى تعطل الحالات الطارئة، حيث يجد المرضى صعوبة في الوصول إلى المستشفيات في الوقت المناسب، كما يتأخر الموظفون عن أعمالهم، مما يؤثر على الإنتاجية العامة.
ويؤكد المواطنون أن “هذه الأزمة تتطلب حلولًا جذرية وسريعة ليس تحسين البنية التحتية وتطوير أنظمة النقل فحسب، بل النظر في الزيادة الهائلة لأعداد المركبات وتأثيراتها السلبية على الحياة اليومية والاقتصاد”.
وقال المواطن سعد فواز إن المسافة بين منزله الكائن في أطراف بغداد الشمالية ومقر عمله وسط العاصمة تُقدّر بـ 30 كيلومتراً، وهي مسافة تستغرق في الظروف الطبيعية نحو 40 دقيقة، لكن بسبب الازدحامات الشديدة، يضطر فواز إلى قضاء ساعتين على الأقل في الطريق، وأحياناً أكثر.
وأوضح أنه يعود إلى المنزل منهكاً تماماً، ويشعر كأنه استنفد كل طاقته في الازدحام، مضيفاً: “حتى التواصل مع عائلتي أو قضاء وقت هادئ أصبح مستحيلاً بسبب المزاج السيئ الناتج عن الإرهاق”.
ويرى المواطن أكرم صبيح، الذي يعمل سائقاً لتوزيع منتجات غذائية “كل يوم هو صراع جديد على الطريق. أصوات الأبواق، الانتظار الطويل، والشجارات بين السائقين تجعلني أشعر بالإجهاد النفسي حتى قبل أن أنهي عملي”.
وقال “أفقد كثيراً من قدرتي على التواصل مع الآخرين، حتى مع أسرتي، ظروفي المعيشية تضطرني للاستمرار في هذا العمل الذي تسبب لي بتداعيات صحية”.
وأضاف “أقود قرابة 12 ساعة يومياً أحياناً. يضطرني عملي إلى السير في المناطق المزدحمة لإيصال البضائع. وهذا يعني أنني أقضي أكثر من نصف وقت عملي في الازدحامات”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى