أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

21 عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد: بات العراق ما بعد الغزو الأمريكي سجنًا كبيرًا للعراقيين

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين يؤكد على أنه وفي ظل حكومات الاحتلال في العراق، تشير أشهر التقديرات إلى وجود أكثر من 20 سجنًا كبيرًا معلنًا، وما لا يقل عن 35 سجنًا متوسطًا معلنًا، ومئات السجون الصغيرة المعلنة، منتشرة في عموم البلاد، التي تديرها بالغالب الميليشيات والأجهزة الأمنية الحكومية.

عمان- الرافدين
ركز محور الثاني من التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق 2024، الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري.
وعالج التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق – 2024 تحت عنوان “واحد وعشرون عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد” أبرز قضايا حقوق الإنسان في العراق التي تم التعامل معها على مدار العام 2024، ويبين الأهداف التي أُعد لأجلها، والوسائل المتبعة لتحقيقها، وفق رؤية القسم والرسالة التي يحملها على عاتقه.
وتطلب إعداد هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للأدلة والمعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية والحقوقية الدولية في إخراجها إخراجًا دقيقًا وحياديًا، بهدف تقديم تقرير موضوعي، قائم على الحقائق، ويسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة.
وتنشر قناة “الرافدين” الجزء الثالث من التقرير

المحور الثاني: لاعتقال التعسفي والاختفاء القسري

بات العراق ما بعد الغزو الأمريكي سجنًا كبيرًا للعراقيين، ولاسيما أصحاب الرأي الذين يعبرون عن الشعور السلبي بشأن الأوضاع في العراق الجديد، وأصبح العراق مكانًا صعبًا لمعظم العراقيين الشرفاء. وقد عانت البلاد من عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة والتحديات الاجتماعية لعدة سنوات، مما تسبب في صعوبات كبيرة للمواطنين.
ومنذ 2003؛ يواجه العراق العديد من التحديات الكبرى، بما في ذلك ظهور الميليشيات والتوترات الطائفية والصراعات من أجل الحكم والسلطة.
وساهمت هذه العوامل وغيرها في خلق بيئة غير آمنة للكثير من العراقيين، مما أدى إلى مخاوف حقيقية بشأن السلامة الشخصية، والحريات المحدودة، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ومن الصعب في العراق ما بعد الغزو الأمريكي تحديد العدد الدقيق للسجون نظرًا لتعدد أنواع السجون واختلاف الجهات التي تديرها، بما في ذلك السجون الحكومية المعلنة، والميليشيات المسلحة، والأجهزة الأمنية المختلفة. ومع ذلك، يمكن تقديم تقديرات عامة بناءً على التقارير الحقوقية والإعلامية.
وهناك إجماع دولي على أن ملف السجون في العراق، وخاصة السجون التابعة للميليشيات أو تلك التي تخضع لسيطرة القوات الأمنية الحكومية، يعدّ من أبرز القضايا المثيرة للقلق الدولي والحقوقي، حيث يتعرض المعتقلون في كثير من الحالات لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. هذه الانتهاكات شملت التعذيب، والاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية داخل السجون. وهذا الملف شكل محورًا رئيسيًا في تقارير قسم حقوق الإنسان وفي تقارير المنظمات الحقوقية الدولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وكذلك تقارير الأمم المتحدة.

أبرز الانتهاكات في سجون العراق

التعذيب والمعاملة القاسية من أبرز الانتهاكات في جميع السجون في العراق، سواء كانت تابعة للسلطات الرسمية أو للميليشيات، ومعظم تلك السجون قد شهدت حالات مروعة من التعذيب، حيث يتعرض يتعرضون للضرب، والحرق، والتهديدات الجنسية، واستخدام أساليب التعذيب القاسية مثل الجلد، والإيهام بالغرق، والتهديد بالإعدام. في الكثير من الحالات، تحدث هذه الانتهاكات ضمن محاولات إجبار المعتقلين على الإدلاء باعترافات على جرائم ليست لهم أي علاقة بها، أو لانتزاع معلومات تتعلق بالأنشطة السياسية أو العسكرية المناهضة للاحتلال.
ويعتبر الاختفاء القسري أيضًا من أبرز الانتهاكات التي تحدث في سجون العراق، حيث يتم اعتقال المئات من الأفراد من دون تهم واضحة أو محاكمات قانونية، ويُحتجزون في أماكن غير معروفة ويتم عزلهم عن العالم الخارجي عزلا تاما، مما يعرضهم لمخاطر شديدة من الانتهاكات المركبة والتعذيب والمعاملة السيئة. بعض هؤلاء المعتقلين قد يختفون لعدة أشهر أو حتى سنوات دون أن تتمكن عائلاتهم من معرفة مصيرهم.

أهالي المغيبين يعيشون على أمل معرفة مصير ذويهم

وفي العديد من الحالات، يتم اعتقال الأشخاص بناءً على انتمائهم الطائفي أو السياسي المناهض للاحتلال والهيمنة الإيرانية أو المعارض للفساد الحكومي وللسياسات الفاشلة أو المطالب بأبسط الحقوق المدنية وتوفير الخدمات الأساسية. وفي معظم الحالات، لم يتمكن المعتقلون من الحصول على محاكمة عادلة أو حتى معرفة سبب اعتقالهم. بعض السجون كانت تركز على اعتقال أفراد بسبب الانتماء الطائفي في المحافظات المنكوبة من قبل الميليشيات المسيطرة على تلك المحافظات.
يزاد على ما تقدم ظروف الاحتجاز غير الإنسانية داخل السجون، حيث يعاني المعتقلون من ظروف معيشية قاسية، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد، والتهوية السيئة، وعدم توفير الرعاية الصحية الأساسية، مما يساهم في انتشار الأمراض والأوبئة. في بعض السجون، قد لا يتلقى السجناء الطعام الكافي أو الماء الصالح للشرب، مما يجعل حياتهم في خطر دائم.

التوثيق الدولي للانتهاكات في سجون العراق

تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان التابعة لها أكدت في مناسبات عدة على حجم الانتهاكات في السجون الحكومية في العراق. على سبيل المثال، مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ذكرت مرارًا وتكرارًا أن السجون في العراق، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، تشهد انتهاكات مروعة لحقوق المعتقلين.
وتضمنت تقارير المنظمات الدولية المهتمة بالشأن العراقي مثل منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش توثيق حالات التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سجون العراق بشكل مفصل. وقد أصدرت تقارير عدة تدين ممارسات بعض الميليشيات في إدارة سجون غير قانونية، واعتبرت هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية.

أنواع السجون المعلنة في العراق

السجون الحكومية المعلنة: وتديرها وزارة العدل أو وزارة الداخلية، وتشمل السجون المركزية والمرافق الاحتجاز الرسمية. ويعد ملف السجون الحكومية المعلنة في العراق من أبرز القضايا المثيرة للقلق الدولي والحقوقي، حيث يتعرض المعتقلون لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. هذه الانتهاكات شملت التعذيب، والاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، بالإضافة إلى الظروف المعيشية غير الإنسانية داخل السجون. وعلى مدى العقدين الماضيين شكل هذا الملف محورًا رئيسًا في تقارير قسم حقوق الإنسان وتقارير معظم المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وكذلك تقارير الأمم المتحدة.
السجون التابعة للميليشيات: معظم الفصائل المسلحة مثل الحشد الشعبي والميليشيات الأخرى تدير سجونًا خاصة بها. وتمثل سجون الميليشيات في العراق جزءًا كبيرًا من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد، حيث تُمارس فيها العديد من الانتهاكات مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي. ورغم الجهود الدولية والمحلية للحد من هذه الممارسات، فإن استمرار النزاع السياسي والطائفي الممنهج في ظل حكومات الاحتلال في العراق يجعل من الصعب إنهاء أو حتى تقليل تأثير هذه الميليشيات على الوضع الأمني والحقوقي في البلاد.
وهناك محاولات من قبل بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الميليشيات في العراق، ولكن هذه التحقيقات غالبًا ما تصطدم بالإرادة السياسية والعقبات الأمنية الممنهجة.
السجون العسكرية: تديرها قوات الجيش الحكومي لأغراض أمنية، وتحتوي على المعتقلين العسكريين أو المشتبه بهم في الأنشطة المسلحة.

سجون خاصة في كردستان: تدير حكومة كردستان سجونًا خاصة في شمال العراق.
وفي العراق ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، نشأت العشرات من الميليشيات المسلحة التي بعضها يمثل قوى سياسية أو دينية معينة تدير شبكات من السجون غير الرسمية أو السرية. هذه السجون، التي تُدار من قبل الميليشيات، تُستخدم في الغالب لاحتجاز الأشخاص الذين يُعتبرون خصوما سياسيين أو أفرادًا مشتبهًا في ارتباطهم بالجماعات المسلحة أو مرتبطين بالحكومة نفسها.

أنواع السجون التابعة للميليشيات:

سجون غير رسمية أو سرية: جميع الميليشيات المسلحة في العراق تدير سجونًا سرية خارج نطاق القانون وبدون إشراف من السلطات الحكومية أو المنظمات الدولية. هذه السجون غالبًا ما تكون في مناطق نائية أو تحت الأرض، وأحيانًا في مناطق مأهولة يتم السيطرة عليها من قبل الميليشيات.
ومعظم السجون السرية التي تديرها الميليشيات هي سجون ذات طابع طائفي، حيث يتم احتجاز الأشخاص بناءً على انتمائهم الطائفي أو العرقي. في هذه السجون، يتعرض المعتقلون لأبشع أساليب التعذيب الوحشي والانتقام السادي بسبب خلفياتهم الطائفية أو السياسية.
سجون شبه عسكرية غير رسمية: الميليشيات المرتبطة بالحكومة أو التابعة لإيران تدير سجونًا تحت إشراف شبه عسكري. ويكون المعتقلون في الغالب من المناهضين أو المعارضين السياسيين أو من المشتبه بهم في الانتماء إلى تنظيم “داعش”.
سجون محلية: الميليشيات المسيطرة على المحافظات المنكوبة لديها أماكن احتجاز محلية تتراوح بين غرف في مقارها الأساسية إلى منشآت مغلقة مثل المعسكرات التي أصبحت مراكز احتجاز غير رسمية.
ويعدّ معتقلو الرأي المناهضون للاحتلال أو المعارضون السياسيون الذين يُعتقد أنهم يشكلون تهديدًا للنظام السياسي القائم أو يقاومون الهيمنة الإيرانية على الأرض، في مقدمة النزلاء في سجون العراق الجديد الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف من المواطنين العراقيين، والذين يشكلون 90% من إجمالي نزلاء سجون العراق الجديد.
وباعتبارها جزءًا من الهيمنة الخارجية، يتعرض موظفو الحكومة بناءً على انتمائهم الطائفي ولاسيما المناهضون للاحتلال والمعارضون للهيمنة الإيرانية، للاحتجاز غير القانوني من قبل الميليشيات ويخضعون للتعذيب في سجونها. وكغيرهم من المعتقلين في سجون الميليشيات في العراق، يعاني المحتجزون من ظروف قاسية، تشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب بأنواعه والقتل خارج نطاق القانون. وتحدث هذه الانتهاكات في سياق سياسي وطائفي ممنهج، حيث تستأثر الأحزاب المتنفذة بالسلطة وتسيطر على المؤسسات الحكومية، مما يسهم في انتشار السجون السرية وتوسيع نطاق الانتهاكات لحقوق الإنسان، ويعيق تنفيذ الإصلاحات القانونية ويعزز الفساد في الأجهزة الأمنية والقضائية. وفي هذا السياق، يواجه المعتقلون تحديات كبيرة في ضمان محاكمة عادلة وحماية حقوقهم الأساسية.

عبرت هيئة علماء المسلمين عن غضبها من إصرار حكومات بغداد المتعاقبة على منح نفسها صلاحية الإسراف في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها، وعلى اتخاذ التطرف المصحوب بالكراهية سبيلًا لتحقيق ذلك

وبسبب تصورات غير دقيقة أو بدوافع سياسية أو طائفية انتقامية، يتقدم المعتقلون في سجون العراق المدنيون من أبناء المحافظات المنكوبة بذريعة الاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم “داعش”، ومن يحالفهم الحظ منهم في تفادي الإعدامات الميدانية الموجزة على أيدي عناصر الميليشيات المسيطرة على تلك المحافظات، سيكون مصيرهم الاحتجاز غير القانوني في سجون تديرها تلك الميليشيات ويخضعون داخلها لأبشع أساليب التعذيب السادي الانتقامي.

أساليب الاحتجاز والمعاملة:

تمثل سجون العراق الجديد أماكن لتطبيق أساليب تعذيب وحشية بحق المعتقلين، ولاسيما معتقلو الرأي، بما في ذلك الضرب، والإعدام خارج نطاق القضاء، والتهديدات بالعنف الجنسي. ويُحرم معظم هؤلاء المعتقلين من الحماية القانونية ويجري اختفاؤهم لفترات طويلة في هذه السجون دون أن يتمكن أفراد عائلاتهم أو منظمات حقوق الإنسان من معرفة مكان احتجازهم أو مصيرهم.

وفي العديد من الحالات، كان يتم احتجاز الأشخاص لأسباب طائفية، حيث إن القوات الحكومية والميليشيات تركز على استهداف أفراد طائفة معينة بسبب انتمائهم السياسي أو الديني.

أبرز الميليشيات التي تدير سجونًا:

– ميليشيا “الحشد الشعبي: هي إحدى أبرز الميليشيات الشيعية في العراق التي تشكلت في عام 2014 لمكافحة تنظيم “داعش” والتي لم تقم بحل نفسها بعد إعلان هزيمته رسميا. وعلى الرغم من كونها جزءًا من القوات المسلحة الحكومية بشكل رسمي، إلا أن العديد من فصائل الحشد الشعبي تدير سجونًا غير رسمية وتُتهم بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
– ميليشيا العصائب: إحدى الميليشيات الشيعية التي لها علاقة وثيقة بحكومة العراق وإيران. وتُتهم بإدارة سجون سرية لتوقيف المعارضين والمشتبه بهم.
– ميليشيا “كتائب حزب الله”: من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، التي تشتهر بأنها تدير مراكز احتجاز خاصة في مناطق معينة لا تستطيع أعلى جهة حكومية الوصول إليها، وقد تم اتهامها بالقيام باعتقالات تعسفية واحتجاز المعارضين.
وتتعرّض سجون العراق الجديد لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان الأممية والدولية والمحلية، التي أصدرت تقارير تدين ممارسات الاحتجاز غير القانونية وتعذيب المعتقلين في السجون الحكومية المعلنة والسجون التي تديرها الميليشيات، وظل وجود هذه السجون مصدر قلق دولي ومحلي، خصوصًا بسبب الغياب الممنهج للاحتكام إلى القانون في البلاد.
وبسبب هيمنة الأحزاب المتنفذة على المنظومة القضائية في العراق؛ جرى في حالات نادرة محاكمة الميليشيات وقياداتها على انتهاكات حقوق الإنسان، لكنها غالبًا ما تواجه تحديات بسبب الدعم السياسي والإقليمي، مما يؤدي إلى تقليص فرص الملاحقة القضائية الفعّالة، ويعزز حقيقة الفشل الممنهج في تحقيق العدالة.
وتوجد محاولات متواضعة أو محدودة من قبل بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الميليشيات في العراق، ولكن هذه التحقيقات غالبًا ما تصطدم بالعقبات الأمنية والسياسية. وستظل السجون في العراق تمثل جزءًا كبيرًا من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد، وعلى الرغم من الجهود الدولية والمحلية للحد من هذه الممارسات، فإن الاستمرار الممنهج للنزاعات السياسية والطائفية في العراق يجعل من الصعب إنهاء أو حتى تقليل تأثير هذه الانتهاكات على الوضع الأمني والحقوقي في البلاد.
تقديرات أعداد السجون الرسمية في العراق

بحسب بعض التقارير، يوجد ما لا يقل عن 20 سجنًا حكوميًا كبيرًا في العراق. وتتنوع هذه السجون بين سجون مركزية، وسجون مخصصة للمحتجزين في قضايا سياسية أو أمنية، وسجون للأشخاص المتهمين بالإرهاب.
ومن أبرز السجون الرسمية: سجن أبو غريب وسجن التاجي اللذان يقعان في العاصمة بغداد وسجن الناصرية في محافظة ذي قار وسجن كربلاء جنوبي العراق وسجن الحلة في محافظة بابل وسجن الموصل المركزي في مدينة الموصل وسجون أخرى في المحافظات المختلفة.
وفقًا للتقارير الحقوقية، فإن هناك المئات من السجون السرية وغير الرسمية التي تديرها ميليشيات مسلحة تابعة للأحزاب الشيعية، إلى جانب ذلك تشير تقارير حقوقية إلى أن هناك العشرات من السجون غير القانونية، في المحافظات المنكوبة مثل محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وقبلهم محافظة ديالى.
وتوجد أيضًا سجون تابعة لحكومة كردستان في شمالي العراق. وكذلك لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد هذه السجون، لكن السجون الرئيسة تشمل: سجن أربيل المركزي وسجن السليمانية المركزي وسجون أخرى في دهوك وتختلف وفقًا للمناطق التي تُحتجز فيها المعارضة أو المتهمين بأنشطة معارضة للحكومة.

أهم أسباب افتقار العراق لإحصاءات دقيقة بأعداد السجون المعلنة:
الافتقار للشفافية: يعاني العراق الجديد من غياب الشفافية فيما يخص السجون والمعتقلات، خصوصًا السجون التي تسيطر عليها ميليشيات أو هيئات أمنية غير حكومية.
الازدحام: جميع السجون تعاني من الاكتظاظ الشديد والمتوسط بسبب العدد الكبير للمعتقلين، مما يزيد من معاناة السجناء.
انتشار السجون السرية: تدار السجون السرية من قبل جهات أمنية حكومية وميليشياوية، مما يجعل من الصعب تحديد العدد الإجمالي للمرافق الاحتجاز.

النازحون من المدن المنكوبة من أكثر الشرائح المجتمعية تضررًا بالاضطرابات النفسية بفعل ويلات الحرب ومارافقها من حرمان

وفي ظل حكومات الاحتلال في العراق، تشير أشهر التقديرات إلى وجود أكثر من 20 سجنًا كبيرًا معلنًا، وما لا يقل عن 35 سجنًا متوسطًا معلنًا، ومئات السجون الصغيرة المعلنة، منتشرة في عموم البلاد، التي تديرها بالغالب الميليشيات والأجهزة الأمنية الحكومية، إلى جانب ذلك يوجد أكثر من ألف موقف في مراكز الشرطة، ويزاد على ذلك السجون السرية وأماكن الاحتجاز الخاصة بالجهات السياسية والميليشيات وفي معظم المقرات العسكرية.
وتعاني جميع أنواع السجون في العراق من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ومن الاكتظاظ الشديد، وترتكب فيها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يجعل وضع السجون في العراق واحدًا من القضايا الرئيسية في مجال حقوق الإنسان في البلاد.

الاكتظاظ في السجون

جميع السجون الكبرى ومعظم مرافق الاحتجاز وأماكن التوقيف الأخرى شديدة الاكتظاظ بالسجناء وما يرافق ذلك من انتهاكات واسعة وفظائع وحشية، وسط تزايد مستمر وملحوظ في أعداد السجناء. ومن أبرز السجون الحكومية في العراق حالياً وفقا للمنظمات الحقوقية سجون: الناصرية والتاجي والتسفيرات والمطار والمثنى وبغداد والكاظمية والمشتل والصدر والأحداث، وهذه السجون كلّها في بغداد، إضافة إلى سجون الناصرية وسوسة وديالى والرمادي والحلة والنجف والبصرة والمعقل والعمارة والمنصورية، ويضاف إلى هذه السجون، مراكز اعتقال رئيسية غير مدرجة ضمن سجلات الصليب الأحمر الدولي أو البعثة الدائمة للأمم المتحدة في العراق وهي: لواء بغداد والاستخبارات العسكرية والمخابرات العراقية، البناية الصفراء، لواء 54 والشعبة الخامسة، ولواء 56 واستخبارات الداخلية، والفرقة السادسة وجرائم العامرية وجرائم حي العامل وجرائم الدورة ودائرة تحقيق الرضوانية، والفرقة السابعة، والفرقة 17، وجرائم اللطيفية ودائرة تحقيق كربلاء ودائرة تحقيق النجف ودائرة تحقيق البصرة. فيما تدير الميليشيات عددًا من السجون أبرزها: الزعفرانية والصدر والشعلة وجسر ديالى وطويريج.

السجون السرية في العراق

بالإضافة إلى السجون المعلنة التي تديرها الجهات الحكومية والميليشيات، يوجد سجون غير رسمية أو سرية تديرها أيضا الميليشيات والأجهزة الأمنية الحكومية، مثل الحشد الشعبي وميليشيا العصائب وكتائب حزب الله وقوات الجيش والاستخبارات العسكرية والمخابرات وغيرها، ويقع معظم هذه السجون في مناطق العاصمة بغداد وفي المحافظات المنكوبة التي تحت سيطرتها الكاملة، ويُعتقل فيها أشخاص دون محاكمات أو اتهامات واضحة. معظم هذه السجون تستخدم لأغراض انتقامية ضد أفراد ينتمون إلى طائفة معينة أو يُعتقد أنهم مناهضون للاحتلال أو معارضون للفساد الحكومي والسياسات الفاشلة لحكومات الاحتلال المتعاقبة في البلاد.
وشهدت السجون السرية عمليات استهداف طائفي، حيث كان يتم اعتقال العرب السنة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الشيعية. وهذه الممارسات أدت إلى تأجيج الانقسامات الطائفية وزيادة معدلات العنف والانتقام في العراق.
وعلى مدار السنوات، مارست منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي ضغوطًا على الحكومة العراقية من أجل تحسين أوضاع السجون وضمان محاكمة المعتقلين وفقًا للمعايير الدولية. وكانت بعض الدول قد فرضت عقوبات أو تدابير أخرى ضد المسؤولين العراقيين بسبب الانتهاكات المتواصلة.
إن انتشار السجون السرية في العراق يسهم بشكل كبير في تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري، حيث تُستخدم هذه المنشآت غير المعلنة لاحتجاز الأشخاص بشكل غير قانوني ودون أي رقابة أو محاسبة، مما يزيد من معاناة الضحايا ويعزز من حالة القلق والانتفاء التام للحقوق الإنسانية.
وفي جميع الحالات اصطدمت إجراءات تحسين ظروف السجون والحد من الانتهاكات في العراق بالفساد المتجذر أو بالتحديات الأمنية المفتعلة، حيث تبقى السجون خارج نطاق القانون. ويواجه العراق تحديات كبيرة في ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات داخل السجون. في معظم الحالات، لم تتم محاكمة مرتكبي التعذيب أو المسؤولين عن إدارة السجون غير القانونية، مما يساهم في استمرار هذه الممارسات.

ويمثل ملف السجون في العراق قضية محورية في سجل حقوق الإنسان في البلاد؛ فمن الانتهاكات المستمرة في السجون الرسمية وغير الرسمية إلى معاملة المعتقلين بشكل غير إنساني، يبقى الملف واحدًا من أكبر التحديات أمام المجتمع الدولي والحكومة العراقية. حتى مع وجود جهود دولية لتحسين الوضع، لا تزال الانتهاكات مستمرة، وهو ما يتطلب المزيد من التدابير الحاسمة لضمان تطبيق العدالة واحترام حقوق الإنسان في العراق.
وتمثل السجون السرية في العراق إحدى أبرز القضايا المثيرة للجدل في سياق حقوق الإنسان في البلاد. ويتناول الكثير من التقارير الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تحدث في السجون السرية التي تديرها الحكومة أو الميليشيات المدعومة من الحكومة، والتي تشهد اعتقالات تعسفية وتعذيبًا وحشيًا واختفاءً قسريًا. هذه السجون، التي غالبًا ما تُدار خارج إطار القانون أو دون إشراف رسمي، تعتبر من أبرز مظاهر الأزمة الأمنية والحقوقية في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وحتى الوقت الحاضر. وتتفشى السجون السرية في العراق بشكل كبير وطالما كانت محط إدانة المجتمع الدولي، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، الذي يطالب دائما بتحقيقات مستقلة وإصلاحات قانونية، لكنه لا تتم متابعة هذه الطلبات والإصلاحات.

أهالي المحكومين بالإعدام يتخوفون من تنفيذ الأحكام بشكل مباغت

والسجون السرية في العراق هي أماكن احتجاز غير قانونية، حيث يتم احتجاز المعتقلين من دون محاكمة أو دون معرفة أهاليهم بمكان وجودهم. يتم تشغيل هذه السجون في الغالب من قبل الميليشيات المسلحة أو الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة العراقية، وأحيانًا تكون خارج السيطرة الفعلية للسلطات المدنية.

وتنتشر السجون السرية في مناطق مختلفة من العراق، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الشيعية مثل جنوب العراق، وكذلك في بعض المحافظات المنكوبة بعد سيطرة الميليشيات عليها بشكل كامل، حيث تم العثور على سجون سرية أيضًا. بعض هذه السجون تكون في مرافق عسكرية أو منشآت حكومية تحت سيطرة قوات أمنية خاصة أو ميليشيات.
ويُعتقل السجناء في السجون السرية بشكل تعسفي ودون أمر قضائي. ويتم اقتيادهم من منازلهم أو أماكن عملهم دون معرفة التهم الموجهة إليهم أو حتى سبب الاعتقال. في معظم الحالات، يكون الاعتقال مرتبطًا بالانتماء السياسي أو الطائفي أو العرقي.
ومن أبرز الانتهاكات التي يتم توثيقها في السجون السرية هي أساليب التعذيب الوحشية التي يتعرض لها المعتقلون. تشمل أساليب التعذيب ضرب المعتقلين بشدة، والحرق، والتهديدات الجنسية، والإيهام بالغرق، والحرمان من الطعام والماء، والاستخدام المفرط للصدمات الكهربائية.
ويخضع المعتقلون في السجون السرية للاختفاء القسري، حيث لا يتم تسجيل احتجازهم في السجلات الرسمية أو يُسمح لعائلاتهم بمعرفة مكانهم أو مصيرهم. هؤلاء المعتقلون قد يبقون في السجون السرية لأشهر أو حتى سنوات دون محاكمة أو إشعار رسمي. وفي بعض الحالات، يُقتل المعتقلون في السجون السرية بشكل خارج عن إطار القانون، ويتم إعدام المعتقلين دون محاكمة قانونية، أو قد يكون القتل ناتجًا عن التعذيب المفرط الذي يؤدي إلى الوفاة.

وفي تقاريرها السنوية حول حالة حقوق الإنسان في العراق، أكدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وجود سجون سرية منتشرة في البلاد، حيث يتم انتهاك حقوق المعتقلين بشكل ممنهج. وطالبت المنظمة الأممية الحكومة في العراق باتخاذ إجراءات صارمة لإغلاق هذه السجون وضمان سلامة المعتقلين. وأكدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في تقاريرها العديدة، أن الحكومة في العراق وميليشياتها تقوم بتشغيل سجون سرية وتستخدمها للاحتجاز غير القانوني للمعتقلين. ووثقت المنظمات الدولية حالات تعذيب واختفاء قسري في السجون السرية التي تم العثور عليها، ودعت إلى إغلاق السجون السرية والتحقيق في الانتهاكات التي تحدث فيها.
وقدمت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تقارير مفصلة حول الانتهاكات التي تحدث في السجون السرية في العراق، وخاصة تلك التي تديرها الميليشيات. وأكدت التقارير أن هذه السجون لا تخضع لرقابة قضائية أو قانونية، مما يجعل المعتقلين في خطر مستمر من الموت والتعذيب والانتهاكات الأخرى.
وتتلخص عوامل انتشار السجون السرية في العراق في الآتي:
أولاً: التغييب الممنهج لسيادة القانون: في العراق ما بعد الغزو الأمريكي يغيب القانون والعدالة عن الساحة بشكل ممنهج ومتعمد. لذلك، حيث يمكن للميليشيات والأحزاب المتنفذة أن تدير سجونًا سرية وتقوم باحتجاز الأفراد دون أي مساءلة قانونية.
ثانيًا: التمويل والدعم السياسي للميليشيات: الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران أو التابعة للأحزاب المتنفذة تتحكم في مناطق معينة وتدير سجونًا سرية فيها تحت غطاء سياسي أو طائفي. هذه الميليشيات تتمتع بدعم سياسي وقوة عسكرية بشكل ممنهج يحول دون السيطرة عليها أو محاسبتها.
ثالثًا: الضغوط الخارجية: في بعض الأحيان، تكون السجون السرية في العراق مكانًا للاحتجاز بسبب الضغوط السياسية الخارجية. وتستخدم الحكومات المتعاقبة في بغداد هذه السجون للانتقام من خصومها أو للضغط على أفراد مشتبه بهم في قضايا أمنية.

تقديرات أعداد المعتقلين في العراق

تقدير أعداد المعتقلين في العراق أمر معقد في ظل حكومات الاحتلال، وذلك بسبب نقص الشفافية في التقارير الرسمية وحالات الاعتقال العشوائي والاعتقالات السياسية. ومع ذلك، تشير التقارير الحقوقية والمنظمات الدولية إلى أن هناك عشرات الآلاف من المعتقلين في العراق، الذين يتراوحون بين معتقلي الرأي، والمعتقلين العسكريين، والمدنيين المتهمين بالانتماء إلى تنظيم “داعش”، إضافة إلى المعتقلين بسبب خلفيات طائفية أو عرقية.
وتؤكد تقارير المنظمات الدولية أن العراق يواجه مشكلة كبيرة فيما يتعلق باكتظاظ السجون. وفي بعض التقديرات قد يتجاوز عدد المعتقلين في العراق الـ30,000 معتقل، حوالي نصفهم محكومون بالإعدام، لكن الأعداد الحقيقية قد يكون أعلى بسبب عدم وجود آلية موثوقة للرصد والإحصاء، وهذا ما يظهر في تقديرات أخرى تشير إلى وجود ما لا يقل عن 140 ألف معتقل.
وتعاني معظم السجون والمعتقلات الحكومية مثل سجن أبو غريب، وسجن التاجي، وسجن الناصرية، من الاكتظاظ الشديد، حيث قد تحتوي بعض السجون على أعداد كبيرة من المعتقلين أضعاف سعتها القانونية، من ثلاثة إلى خمسة أضعاف طاقتها الاستيعابية القانونية. ووفقًا للتقارير، هناك معتقلون غير قانونيين في سجون غير رسمية أو تحت إدارة الميليشيات.
وخلال السنوات الأخيرة، تزايدت الاعتقالات السياسية بشكل ملحوظ، خاصة بعد احتجاجات تشرين 2019، حيث تم اعتقال الآلاف من المتظاهرين السلميين والنشطاء المدنيين والصحفيين المستقلين والمدافعين عن حقوق الإنسان. ووثقت منظمات حقوقية أكثر من 5,000 حالة اعتقال تعسفي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاحتجاجات.

حمدة تحمل صورة إسماعيل زوجها المغيب قسرًا

إلى جانب ذلك توجد حالات كثيرة جدًا من الاعتقالات بناءً على الانتماء الطائفي أو العرقي، خاصة في المحافظات المنكوبة والمناطق المتوترة طائفيًا أو عرقيًا. هذه الاعتقالات غالبًا ما تكون غير موثقة وتقتصر على المناطق التي تشهد صراعات طائفية.

إن صعوبة الحصول على الأرقام الدقيقة نظرًا للغموض الذي يكتنف العمليات الأمنية في العراق، سواء من قبل الحكومة أو الميليشيات المسلحة، فمن الصعب تحديد الأعداد الدقيقة للمعتقلين. في بعض الأحيان، تكتفي السلطات العراقية بالإشارة إلى أن الأعداد تتراوح بين عدة آلاف، لكن تظل هذه الأرقام غير دقيقة أو مشكوكًا فيها.
وسيظل العدد الدقيق للمعتقلين في العراق غير معروف بسبب نقص المعلومات الرسمية في ظل حكومات الاحتلال، لكن تقديرات المنظمات الحقوقية تشير إلى أن الأعداد قد تصل إلى عشرات الآلاف، ويظل الوضع مزريًا في معظم سجون العراق بسبب الاكتظاظ الشديد والظروف الإنسانية المتردية.

ووفقًا للمعلومات المتاحة عام 2024، يُقدَّر عدد السجناء في العراق بحوالي 80 ألف سجين، وهو ما يتجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون العراقية التي تُقدَّر بـ20 ألف سجين. وتشير بعض المصادر إلى أن العدد الإجمالي للسجناء في وزارات الدفاع والداخلية والعدل يصل إلى حوالي 60 ألف معتقل، بينما ترفع جهات حقوقية مختصة هذا العدد إلى 120 ألف سجين، بالإضافة إلى آلاف المحتجزين في مراكز الاحتجاز غير الرسمية.
وفيما يتعلق بجرائم المخدرات، بلغ عدد المعتقلين خلال عام 2024 حوالي 14,438 شخصًا، منهم 512 معتقلاً بتهمة التصنيع أو الاستيراد أو التصدير، و7,271 معتقلاً بتهمة الحيازة لغرض البيع أو التشجيع على التعاطي، و6,362 معتقلاً بتهمة الحيازة لغرض التعاطي الشخصي.

تقديرات أعداد المختطفين في العراق

وينطبق ما تم ذكره أعلاه على تقدير عدد المختطفين في العراق الذي يعد أيضًا أمرًا معقدًا في ظل حكومات الاحتلال، وذلك بسبب الغياب الممنهج للإحصاءات الرسمية ووجود الكثير من حالات الاختفاء القسري التي لم يتم الإبلاغ عنها. ومع ذلك، تشير التقارير الحقوقية المحلية والدولية إلى أن الاختطاف في العراق يمثل ظاهرة مقلقة ومستشرية يتم تنفيذها من قبل جهات حكومية أو ميليشيات مسلحة.
وتشير تقارير المنظمات الأممية والدولية إلى أن أعداد المختطفين في العراق لا تزال مرتفعة، مع الإشارة إلى أن الآلاف من المدنيين والنشطاء السياسيين والصحفيين المستقلين قد تم اختطافهم أو تعرضوا للاختفاء القسري في السنوات الأخيرة.
وفي احتجاجات تشرين 2019، التي شهدت تظاهرات شعبية واسعة ضد الفساد وغياب الخدمات وطالبت بتغيير النظام السياسي القائم في العراق، تم توثيق المئات من حالات الاختطاف. ووفقًا لمنظمات حقوقية، ما لا يقل عن 600 ناشط وصحفي تم اختطافهم أو تعرضوا للاختفاء القسري خلال هذه الفترة، وقد أُفرج عن بعضهم بعد فترة قصيرة، بينما بقي آخرون في عداد المفقودين.
وفي العراق الجديد أيضًا ينتشر الاختطاف الطائفي ويُقدر أن المئات من المدنيين، خاصة في المحافظات المنكوبة مثل ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار ونينوى، تعرضوا للاختطاف بسبب انتمائهم الطائفي أو العرقي. وبقيت حالات الاختطاف الطائفي مستمرة في المناطق التي تشهد صراعات طائفية.

ويظل لوجود ميليشيات الدور الأكبر في اختطاف المدنيين في العراق ويظل الاختطاف وسيلة تستخدمها هذه الميليشيات لابتزاز الأفراد أو تصفية الحسابات مع الجماعات السياسية أو الطائفية الأخرى. هذه الميليشيات تتجاوز في كثير من الأحيان السلطة الحكومية وتنفذ عمليات اختطاف دون محاسبة. ووفقًا لتقديرات بعض التقارير، فإن الآلاف من المدنيين، بينهم رجال أعمال وشيوخ عشائر، تم اختطاف من قبل الميليشيات المسلحة، سواء لغرض الفدية أو الانتقام.
وبشأن استمرار ظاهرة اختطاف الأطفال في العراق؛ توجد أيضًا تقارير مطردة عن اختطاف أطفال في البلاد، خاصة من المحافظات المنكوبة. وبعض هؤلاء الأطفال يُختطفون لأغراض الابتزاز المالي أو التجنيد القسري من قبل الجماعات المسلحة.
ونظرًا لأن عمليات الاختطاف في العراق تتراوح بين الاختطاف العشوائي والاختطاف المدبر من قبل جهات حكومية أو غير حكومية، لا يمكن تقديم رقم دقيق وتظل الأرقام صعبة التحديد وتظل الأعداد غير محددة، ولكن يقدر أن عشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك المدنيين، والنشطاء، والصحفيين، والمواطنين العاديين قد وقعوا ضحايا لهذه الظاهرة.
إن عدد المختطفين في العراق يتراوح بشكل غير دقيق بين عدة آلاف من الضحايا إلى عشرات الآلاف منهم وفقًا للتقديرات الحقوقية، ويعكس الوضع الأمني المتردي في البلاد. ويمثل الاختطاف أداة للانتقام، والابتزاز، والتصفية السياسية، ويعكس عجز الحكومة أو تقاعسها عن توفير الأمن وضمان العدالة للمواطنين، في الوقت الذي يظل فيه المرتكبون لهذه الجرائم وغيرها في حالة إفلات دائم من العقاب.
وقائع بشأن الاعتقالات التعسفية وأوضاع السجون في العراق:
في السنوات الأخيرة، شهد العراق تظاهرات حاشدة ضد الفساد المستشري والسياسات الفاشلة وسوء الخدمات وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، خاصة في محافظات الجنوب والوسط. وكانت من أبرز الحالات التي عكست الاعتقالات التعسفية حدثت خلال الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ 2019 وحتى اليوم، حيث قوبلت جميع التظاهرات السلمية بالقمع العنيف من قبل القوات الأمنية، التي استخدمت العنف المفرط، بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

حمدة وقريبتها إلهام يعشن حياة مأساوية بعد تغييب رجال العائلتين

وتم اعتقال الآلاف من المتظاهرين وداعميهم بعد مشاركتهم في الاحتجاجات، ومنهم من تعرضوا للاحتجاز في أماكن غير رسمية لعدة أيام قبل أن يتم عرضهم على المحاكم العسكرية أو المحاكم التي لا توفر ضمانات قضائية عادلة. وفي حالات أخرى، تم احتجاز المتظاهرين السلميين لأسابيع دون توجيه أي تهم لهم أو تقديمهم لمحاكمة.
وقد تعرض الصحفيون والإعلاميون المستقلون الذين ينتقدون الحكومة أو يتابعون قضايا الفساد للاعتقال. ومن الصحفيين من تم اعتقاله بتهمة نشر أخبار “مغلوطة” بعد متابعته لقضية فساد تتعلق بوزارة الصحة وتم احتجازه عدة أيام دون محاكمة وتم تهديده بالانتقام إذا استمر في نشر هذه المواضيع. وهناك العديد من المنظمات الحقوقية التي وثقت حالات اعتقال لناشطين في حركات المجتمع المدني، الذين غالبًا ما يتعرضون للاحتجاز التعسفي بسبب دورهم في الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. وتعرضت إحدى الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بتحسين ظروف عيش هذه الفئة في العراق للاعتقال بتهم مزعومة تتعلق بالتعاون مع منظمات أجنبية. وخلال فترة احتجازها، تعرضت لتهديدات، إلا أنه تم الإفراج عنها بعد مدة.
الاعتقالات العشوائية في مناطق معينة أو مجموعات سكانية: هناك حالات يتم فيها استهداف مناطق معينة أو مجموعات سكانية مثل المحافظات المنكوبة، حيث يتم توقيف الأشخاص بناءً على انتمائهم الديني أو الطائفي، مما يعكس استخدام الاعتقال كأداة للتمييز والطائفية. على سبيل المثال، في مدينة الموصل، أُوقف الآلاف من المدنيين بتهمة التعاون مع تنظيم “داعش”، وغالبًا ما يكون الاحتجاز بلا أدلة ملموسة أو محاكمة عادلة.

وقائع أوضاع السجون والمعتقلات:

على الرغم من أن سجن أبو غريب في بغداد أصبح رمزًا عالميًا لانتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتلال الأمريكي، إلا أن الظروف فيه لم تتحسن بعد انسحاب القوات الأمريكية منه. وتظل سجون العراق تعاني من الاكتظاظ الشديد، بما في ذلك سجن أبو غريب وسجن التاجي، حيث يُحتجز أعداد ضخمة من المعتقلين في مساحات ضيقة، وتفتقر السجون إلى الأساسيات مثل التهوية الجيدة أو الرعاية الصحية المناسبة.
وتشير التقارير المستمرة إلى أن السجون في العراق تضم أكثر من ضعفي السعة المقررة لها على أقل تقدير، ما يساهم في خلق بيئة غير صحية. وبعض السجون في العراق، تضم من ثلاثة إلى خمسة أضعاف طاقتها الاستيعابية، مثل سجن الناصرية الذي يعتبر أحد أكثر السجون اكتظاظاً في البلاد، حيث يُحتجز فيه مئات السجناء في أماكن لا تكفي سوى لعدد قليل منهم.
وبشأن استمرار التعذيب والمعاملة القاسية؛ تم توثيق حالات تعذيب جسدي ونفسي في العديد من السجون الحكومية المعلنة في العراق، سواء من قبل القوات الأمنية أو عناصر الميليشيات المتحالفة مع الحكومة، حيث يُجبر المعتقلون في الكثير من الأحيان على الاعتراف بجرائم لم يرتكبونها، وذلك عبر التعذيب باستخدام أساليب متنوعة تشمل:
الضرب المبرح: باستخدام الهراوات أو الأسلاك.
الحرمان من النوم: حيث يتم احتجاز المعتقلين في ظروف قاسية تحرمهم من النوم لفترات طويلة.
التعليق من الأطراف: يتم تعليق المعتقلين من أيديهم أو أرجلهم في وضع مؤلم لعدة ساعات. في أحد التقارير، وردت شهادة أحد المعتقلين في سجن النجف الذي تعرض للضرب العنيف بشكل مستمر طوال ثلاثة أيام بسبب اشتباه في مشاركته في نشاط سياسي ضد الحكومة.
الاحتجاز في أماكن غير رسمية: واحدة من أخطر الانتهاكات التي تم توثيقها هي وجود معتقلات غير رسمية تديرها قوات الأمن أو الميليشيات. في هذه الأماكن، يتم الاحتجاز لفترات غير محددة دون توجيه أي تهم رسمية. وطوال السنين السبع الماضيات كشفت تقارير لمنظمات دولية عن وجود معتقلات سرية تحت سيطرة مليشيات شيعية مدعومة من الحكومة في مناطق مثل ديالى وبغداد ونينوى، حيث يتم تعذيب المعتقلين بأبشع الأساليب وأكثرها سادية.
المعاملة غير الإنسانية للنساء: تواجه النساء المعتقلات في العراق تحديات مضاعفة، حيث لا تحترم حقوقهن في معظم السجون. في بعض الحالات، يتم استغلالهن جنسيا من قبل القائمين على السجون أو يتم احتجازهن في زنازين مع الرجال، مما يعرضهن للتهديدات الجنسية والعنف. يُذكر أن العديد من النساء المعتقلات يتعرضن للتعذيب والاعتداءات أثناء الاستجواب.
الانتهاكات الجسيمة لحقوق المعتقلين:
الحرمان من الحق في محاكمة عادلة: في معظم الحالات، لا يحصل المعتقلون على محاكمات عادلة، حيث تتم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية أو محاكم لا توفر أي ضمانات قانونية. المحاكمات في العراق تفتقر إلى الاستقلالية، وغالبًا ما يُجبر المعتقلون على التوقيع على اعترافات تحت التعذيب أو التهديد. على سبيل المثال، تم الحكم على عدة ناشطين سياسيين بالإعدام بناءً على “اعترافات” تم انتزاعها تحت التعذيب.
التعرض للاختفاء القسري: هناك الكثير من التقارير حول حالات اختفاء قسري لمعتقلين، حيث يتم احتجازهم لفترات غير محددة دون تقديمهم للمحاكمة أو إعلان مصيرهم. في بعض الحالات، يتم اختطافهم من قبل ميليشيات مسلحة تعمل بترخيص من الحكومة.

العراق أضخم مستودع للمغيبين قسرًا في العالم

ردود الفعل الدولية:
تتعرض الحكومة في العراق لضغوط مستمرة من منظمات حقوق الإنسان الأممية والدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، للحد من الانتهاكات وحثها على إجراء إصلاحات في النظام القضائي وضمان احترام حقوق المعتقلين. إلا أن هذه الضغوط لا تتم متابعتها وغالبًا ما تصطدم بالواقع السياسي المعقد في العراق، حيث تستمر الميليشيات المدعومة من الحكومة في القيام بالانتهاكات، وسط إفلات مطلق من العقاب.

التوصيات:

إصلاح النظام القضائي جذريًا: ضرورة إصلاح القضاء في العراق جذريًا لضمان استقلاليته وعدم تدخل الأطراف السياسية فيه.
تفعيل مراقبة السجون والمعتقلات: يجب على الحكومة السماح لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية بالدخول إلى السجون والمعتقلات لمراقبة ظروف الاحتجاز.
إيقاف التعذيب فورًا: يجب على الفور إيقاف ممارسة التعذيب في جميع السجون الحكومية المعلنة في العراق، مع وجوب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

نسوة الصقلاوية يواجهن ويلات الفقدان بالصبر والإيثار

وفي ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة، تظل الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في العراق، خاصة فيما يتعلق بالاعتقالات التعسفية وأوضاع السجون، أحد التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. وعلى المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة تضمن تحسين هذه الأوضاع والالتزام بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان لضمان العدالة لكل المواطنين في العراق.

الاختفاء القسري في العراق:

تعد ظاهرة الاختفاء القسري في العراق إحدى أعمق وأخطر الانتهاكات التي تُرتكب بحق المدنيين في البلاد، حيث يعاني المواطنون العراقيون من اختفاء أفراد عائلاتهم بشكل مفاجئ وغالباً دون أي تفسير رسمي من الجهات الأمنية، ما يجعل هذه الظاهرة جزءاً من استراتيجية القمع التي تنتهجها السلطات الحكومية وميليشياتها المسلحة. ويعكس هذا الواقع غياب شبه تام للمساءلة، والانتهاك المستمر للحقوق الأساسية للمواطنين، والإفلات من العقاب للمسؤولين عن هذه الجرائم.
يتناول هذا التقرير حالات الاختفاء القسري في العراق، مع التركيز على الدور الذي تلعبه الحكومة في تسهيل أو تجاهل هذه الانتهاكات، إضافة إلى غياب التحقيقات الجادة أو المحاكمات العادلة للأشخاص المتورطين في هذه العمليات.

الاختفاء القسري:

الاختفاء القسري؛ هو احتجاز شخص أو أكثر بشكل غير قانوني من قبل جهة حكومية أو جهة مرتبطة بالحكومة أو تعمل بترخيص منها، ويُحرَم فيه الشخص من حقه في الحرية الشخصية، ويتم إنكاره أو عدم الاعتراف بمكانه أو مصيره، غالبًا ما يكون هذا الاختفاء مصحوبًا بالتهديدات أو التعذيب أو المعاملة القاسية. وتعتبر المنظمات الدولية الفاعلة في العراق مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أن هذه الظاهرة من أسوأ أنواع انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في العراق، إذ تتسبب في معاناة أسر الضحايا الذين يبقون في حالة من عدم اليقين، وقد تمتد هذه المعاناة لعقود.

سياق الاختفاء القسري في العراق

شهد العراق منذ عام 2003 تدهورًا ممنهجًا في الوضع الأمني والسياسي، وكانت إحدى نتائج هذا التدهور هو انتشار عمليات الاختفاء القسري في ظل منهجية الانفلات الأمني وفوضى السلاح في البلاد، حيث تساهم الاختلافات الطائفية والسياسية في استمرار هذه الظاهرة وتفاقمها، إذ غالباً ما تُستخدم عمليات الاختفاء كأداة لانتقام من الأفراد والجماعات من القوى المناهضة للاحتلال أو المعارضة السياسية أو المنتمية إلى طوائف أو قوميات معينة. وفي غياب ممنهج لسيطرة الحكومة على كامل المناطق، غالبًا ما تكون المليشيات المسلحة المدعومة من الحكومة هي الجهة المنفذة لهذه العمليات. وبات واضحًا أمام الجميع ميلان الحكومات في العراق إلى استخدام الاختفاء القسري ضد المناهضين للاحتلال والمعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين المستقلين، الذين يفضحون فساد الحكومة وسياساتها الفاشلة.
وتشهد المحافظات المنكوبة عمليات اختفاء جماعي بسبب السيطرة الكاملة للميليشيات على هذه المحافظات، وعقب هزيمة تنظيم “داعش”، تستمر تلك الميليشيات في استهداف المدنيين في هذه المناطق.

حالات توثيق الاختفاء القسري في العراق

شهدت العراق حالات واسعة من الاختفاء القسري للمدنيين أثناء الحرب ضد تنظيم “داعش” وبعدها، حيث تم إخفاء الآلاف من أبناء المحافظات المنكوبة قسراً من قبل القوات الحكومية والميليشيات المساندة لها دون محاكمة أو مسوغات قانونية، مما فاقم معاناة الأسر وعزز من حالة القلق والاضطراب في المجتمع العراقي.
وتصاعدت بشكل لافت حالات الاختفاء القسري في العراق، خاصة أثناء وبعد الحرب ضد “داعش”، لتصبح هذه الظاهرة مصدر معاناة مستمرة لآلاف العائلات. في ظل القصف العنيف الذي استهدف الأحياء السكنية في المحافظات المدمرة، اضطر الملايين من المدنيين إلى النزوح من منازلهم والهروب من مناطقهم. وخلال تنقلهم عبر السيطرات التي أقامتها القوات الحكومية والميليشيات المسلحة، تعرض الآلاف من الرجال والشبان وحتى الصبية للاختفاء القسري، ليظل مصيرهم مجهولًا وتظل معاناة أسرهم مستمرة.

مطالبات بالكشف عن ظروف الوفاة وهويات الجثث المجهولة في مقبرة النجف

وفي الكثير من الحالات، قامت القوات الحكومية أو الميليشيات باعتقال المدنيين عشوائيا بتهمة الانتماء أو التعاون مع داعش، مما أدى إلى إخفائهم قسرًا. كما تعرضت بعض العائلات للتهديد أو النفي القسري من قبل القوات الحكومية والميليشيات التي تسيطر على مناطقهم.
وعلى الرغم من إعلان السلطات الحكومية هزيمة “داعش”، إلا أن حالات الاختفاء القسري استمرت في المحافظات المنكوبة بسبب الانقسامات السياسية والطائفية. ولا تزال بعض الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الحكومة تستهدف المدنيين من الطائفة السنية أو تلك التي كانت تشك في انتمائها إلى “داعش”. في معظم الحالات، لم يتم توجيه تهم رسمية لأولئك الذين تم اختطافهم أو اعتقالهم، ولم تعلن السلطات الحكومية عن مكان احتجازهم، مما جعل من الصعب تتبع مصيرهم.
وتؤكد تقارير مطردة على تورطت الميليشيات المدعومة من إيران، مثل “الحشد الشعبي”، في عمليات اختفاء قسري واسعة في المحافظات التي عانت من تبعات القصف العنيف خلال المعارك ضد داعش. فقد استهدفت هذه الميليشيات أفرادًا وعائلات بتهم ملفقة، مثل التعاون مع “داعش” أو الانتماء لتوجهات سياسية معينة. كما تعرضت بعض العائلات للانتقام نتيجة روابطهم العائلية أو القبلية، مما زاد من تعقيد معاناتهم.
وفي معظم الحالات، لم يكن هناك تحقيقات حقيقية أو مساءلة قانونية فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري. وكانت هذه الحوادث تساهم في تعزيز الشعور بعدم الثقة في المؤسسات الأمنية والقضائية، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، وسط تغييب ممنهج لدور السلطة القضائية في الدفاع عن حقوق الإنسان.

وقد ترك الاختفاء القسري أثرًا عميقًا على المجتمع العراقي؛ فبالإضافة إلى الألم والمعاناة التي عاشها الأفراد المختفون قسريًا وذووهم وأقربائهم، فقد زاد من حالة الرعب والقلق بين المدنيين. وقد دفع هذا الوضع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية إلى مناشدة الحكومة في العراق والمجتمع الدولي للتحقيق في هذه الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين.
وخلال احتجاجات تشرين 2019، التي عمت العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق بسبب الفساد وسوء الإدارة، تم توثيق العديد من حالات الاختفاء القسري بحق المتظاهرين والنشطاء السياسيين، ولاسيما الذين شاركوا في قيادة الاحتجاجات الشعبية. وعلى الرغم من تداول تقارير حول تعذيبهم داخل المعتقلات، إلا أن مصيره بعضهم ما زال مجهولاً.

إلى جانب ذلك، شهدت محافظة البصرة العديد من حالات الاختفاء القسري ضد نشطاء انتقدوا فساد الحكومة المحلية. وفي إحدى الحالات، تم اختطاف ناشط مدني ولم تُعلن أي جهة رسمية عن مكانه، رغم المطالبات الشعبية والإعلامية بالكشف عن مصيره.

الاختفاء القسري والتطهير الطائفي

شهدت المحافظات العراقية ومنذ اليوم الأول من الاحتلال عمليات فرز مناطقي واسعة ومخطط لها مسبقًا على أساس طائفي، ولا سيما العاصمة بغداد ومحافظات ديالى والبصرة وذي قار والتأميم، حيث يتم تهديد العائلات من مكون معين واختطاف أفراد منهم على خلفية طائفية، وتندرج العديد من الحالات تحت عمليات انتقامية. وفي المحافظات المنكوبة التي تركها الجيش الحكومي لتكون تحت سيطرة تنظيم “داعش”، تواصل الميليشيات الطائفية حملات الاختفاء والتهجير؛ ففي ديالى يتعرض أهل السنة والجماعة للاختفاء القسري من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة. وفي معظم الحالات، تم اختطاف المدنيين العراقيين على أسس طائفية دون أن يتم الإفراج عنهم أو تقديمهم لمحاكمة عادلة.

دور الحكومة في العراق في تسهيل أو غض الطرف عن عمليات الاختفاء:

– غياب التحقيقات وانعدام المساءلة: لا تتمتع أسر الضحايا في العراق بأي أمل حقيقي في تحقيق العدالة، حيث يتم عادةً تجاهل هذه القضايا من قبل السلطات الحكومية. على الرغم من أن القوانين العراقية تحظر الاختفاء القسري، فإن هناك تقارير تفيد بعدم فتح تحقيقات جادة، وحتى لو تم فتح التحقيقات، فهي غالبًا ما تكون شكلية وتفتقر إلى الشفافية.
وفقًا للتقارير الحقوقية الدولية للعام 2024، تشير الأدلة إلى أن الحكومة العراقية ما تزال تفتقر إلى الجدية في محاسبة المسؤولين عن عمليات الاختفاء القسري. كما أن توصيات اللجان الأممية الخاصة لم تُترجم إلى خطوات ملموسة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.
– التواطؤ الحكومي مع الميليشيات المسلحة: لا يختلف اثنان على أن هناك تواطؤًا واضحًا وملوموسًا بين الحكومة والميليشيات المسلحة في العراق، حيث تتنصل الحكومة من مسؤولياتها في التحقيق أو محاسبة هذه الميليشيات. وفي كثير من الأحيان، تُستخدم الميليشيات كأداة لتنفيذ العمليات التي تكون الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في تنفيذها بشكل رسمي.

عوائل تترقب والحكومة تساعد الجناة في الإفلات من العقاب

– منهجية غموض القوانين والتشريعات: تشهد القوانين النافذة حاليًا في العراق ولاسيما قانون مكافحة الإرهاب استخدامًا سيئًا في عمليات الاعتقال والاختفاء. ويمكن للسلطات اعتقال أي شخص بناءً على شبهات في الانتماء لجماعات مسلحة أو تنظيمات معارضة دون تقديم أي دليل واضح، مما يسهل استخدام الاختفاء القسري كوسيلة قمع ضد المدنيين.

موقف المجتمع الدولي:

تتبنى منظمات حقوق الإنسان الدولية المعنية بالشأن العراقي مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مواقف مناهضة لهذه الممارسات، حيث تطالب المجتمع الدولي والسلطات الحكومية في العراق بوقف عمليات الاختفاء القسري وتحقيق العدالة للضحايا. إلا أن الضغط الدولي غالبًا ما يصطدم بالعوامل السياسية، حيث تُعطل المصالح السياسية والإقليمية تنفيذ إصلاحات حقيقية في العراق.
وفي تقارير الأمم المتحدة للأعوام الثلاثة الماضية، دعت المنظمة الحكومة في العراق إلى تفعيل آلية التحقيق في حالات الاختفاء القسري، وتوفير الدعم لعائلات الضحايا. وأوصت المنظمة الأممية بضرورة التحقيق المستقل في جميع حالات الاختفاء القسري، الذي يفضي إلى محاسبة المسؤولين في الحكومة أو الميليشيات الذين تورطوا في عمليات الاختفاء القسري، وتطبيق القوانين المحلية والدولية ضدهم وتقديمهم إلى القضاء.

جولة ناقصة وغير أخلاقية

إلى جانب ما تقدم هناك ضرورة لمراجعة قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين المتعلقة بالحرية الشخصية، لضمان احترام حقوق الإنسان وحمايتها، والعمل على تعزيز دور المجتمع الدولي في سبيل تكثيف الضغط على الحكومة في العراق لتوفير آليات محاسبة حقيقية ومتابعة تفعيلها، مع تقديم الدعم للأسر المتضررة من الاختفاء القسري.
إن الاختفاء القسري في العراق قضية حقوقية تتطلب إجراءات عاجلة لضمان العدالة للضحايا. لكن الحكومة في العراق تمارس سياسة التواطؤ مع الميليشيات المسلحة، مما يسهم في استمرار هذه الانتهاكات وارتكاب المزيد منها. وإن استمرار الاختفاء القسري يُبرز الغياب الممنهج للاستقرار الأمني والسياسي في العراق، ويُظهر عدم اكتراث حكومة بغداد الحالية والحكومات السابقة بتحقيق سيادة القانون وحماية المدنيين، وعدم اتخاذها خطوات حاسمة لضمان المحاسبة والشفافية، لضمان احترام حقوق الإنسان في العراق وتقديم العدالة لكل الضحايا والمتضررين ولاسيما من فقدوا من أحبائهم نتيجة لهذه الانتهاكات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى