كيف يمكن هزيمة مشروع ترامب للتهجير؟
كان فخا، إذ جرى الترويج لدور كبير وحاسم لترامب في توقيع الكيان الصهيوني على الاتفاق مع المقاومة الفلسطينية في غزة. إذ قدم البعض دور ترامب على أنه ضمن خطواته لإحلال السلام ووقف الحروب في العالم، فلم يمر سوى وقت قصير، إلا وأفصح ترامب عن نواياه وأثبت أنه أسوأ من كل أسلافه الذين تبادلوا الجلوس على كرسي الرئاسة الأمريكية.
ترامب تحدث علانية ويمارس ضغوطا شديدة، لأجل تهجير الشعب الفلسطيني مما بقي له من الأرض الفلسطينية. قال علانية إنه يطلب من مصر والأردن أن يستقبلوا الفلسطينيين، أي هو يريد تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة. وهو ما يعنى تبنيه لمشروع المهوسين الصهاينة الذين دمروا كل وسائل الحياة في غزة، وتحولوا لارتكاب نفس الجريمة في الضفة. كما يعنى نسف المشروع الهزيل لإنشاء دويلة فلسطينية منزوعة السيادة.
لكن ترامب وصل متأخرا، وهو لن يستطيع إنفاذ مشروعه بالبساطة التي يتصورها.
ترامب لا يفهم أصالة الارتباط بأرض الوطن، والأرض بالنسبة له مجرد مكان لبناء مشاريع للسكن والفندقة، لتحقيق الأرباح. وقد كان لافتا أن قال إن موقع غزة جميل، في الوقت الذي كان يتحدث عن التدمير الشامل في غزة.
وصل متأخرا. وصل بعد أن هزم هذا المشروع في غزة، على أيدي المقاومة والشعب الفلسطيني. وحين كان يفصح عن نواياه الإجرامية تلك، كان مشهد الطوفان البشري الهادر يتحرك من جنوب غزة إلى شمالها، ليعلن أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ولا يقبل التشريد أو الهجرة. لا تحت القتل والتجويع في داخل الوطن ولا الهجرة إلى خارج الوطن.
وصل متأخرا، بعد أن أعلن الشعب الفلسطيني، أن زمن الاستضعاف، الذي كان عنوانه ما جرى في عام 48، ولى إلى غير رجعة.
ووصل متأخرا، إذ شعوبنا الآن في مرحلة العودة لا الهجرة. فالسودانيون الذي تشردوا وهجروا على أيدي الميليشيات المدعومة من كل أعداء الأمة، في طريق العودة إلى بلادهم، بعد أن حرر الجيش السوداني معظم أنحاء العاصمة الخرطوم والعاصمة التاريخية للسودان (ود مدني).
والسوريون يعودون إلى أرضهم بعد أكثر من عشرة أعوام على تهجيرهم وتدمير حواضر الشام على أيدي الميليشيات الإيرانية والشبيحة والعملاء من قيد والدول الاستعمارية، وقريبا سنبارك لأهل العراق بالعودة.
وترامب لم يصل متأخرا فحسب، بل هو بات في مواجهة مع البلدين اللذين وقعا اتفاقيات تسوية برعاية أمريكية. لقد أعلنت مصر والأردن بوضوح في بيانات وتصريحات رسمية رفضهما لتلك الخطة وأن لا قبول بتصفية القضية الفلسطينية.
ومن قبل ومن بعد، فترامب يدخل نفسه وبلاده في مأزق مع جميع الأطراف.
لقد أعلنت دول أوروبية وأخرى في مختلف أنحاء العالم، رفضها للتهجير الذي يذهب في اتجاه سيغير تركيبة التوازنات التي عملت عليها الولايات المتحدة في الداخل الفلسطيني، بعقد اتفاقية أوسلو. كذلك يدفع ترامب بمشروع التهجير الشعب الفلسطيني للتوحد في المواجهة وإنهاء حالة الانقسام.
ترامب يطيح علانية بالسلطة الفلسطينية بما سيغير المعادلات لمصلحة المقاومة الفلسطينية، إذ ما يقوله يعنى نهاية اتفاق أوسلو ونهاية دور ووجود السلطة الفلسطينية. وإذا كان الخطير في حديث ترامب، أنه يضع الولايات المتحدة بقوتها العسكرية والدبلوماسية خلف هذا المشروع، فالأمر لن يمر هكذا ببساطة، فقرار ترامب سيفتح الطريق لتحركات جماهيرية في الداخل الأمريكي على غرار ما حدث خلال العدوان على غزة. بل يمكن القول إن ترامب سيواجه تحشيدا لكل المشكلات التي يصنعها الآن لتنفجر في وجهه. ولذا؛ هو ارفق مشروعه للتهجير مع إصدار قرارات فاشية بترحيل كل من يتعاطف مع الشعب الفلسطيني.
السؤال المحوري ليس ما يريد ترامب، بل كيف يمكن مواجهة وإفشال تلك الخطة. فهل ترامب جاهز لاستخدام القوة العسكرية؟
الولايات المتحدة ليست في وارد استخدام القوة، إذ تجربتاها في العراق وأفغانستان ليست قابلة للتكرار الآن.
بقي لترامب أن يمارس الضغوط الاقتصادية والسياسية. وفي ذلك فالشعوب حاضره والوضع الدولي لم يعد كما كان.
والحل في مواجهة ترامب، ليس ما قاله أحد الدبلوماسيين الأمريكيين. قال “لا تأخذون ما يقوله ترامب بجدية”. واستشهد بما قاله ترامب خلال أزمة كورونا حين طلب من الناس تناول دواء سام للقضاء على الفيروس في أجسادهم.
الحل يكمن في قضم الوقت والذهاب به إلى دوامات الرفض والاعتراض حتى يصغر اهتمامه يوما بعد يوم بقضية التهجير.
ترامب ذاهب إلى مشكلات كبرى مع كندا والمكسيك وأوروبا والصين ودول البريكس والحبل على الجرار. وأول نتائج ما يقوم به الآن هو أنه يصيب بلاده بالعزلة وبالانخراط في مشكلات مع أقرب الحلفاء، وهو ذاهب في طريق إنهاء سطوة الولايات المتحدة على العالم وبمعدلات متسارعة يمكن المراهنة عليها.
ترامب ذاهب إلى مشكلات كبرى في داخل الولايات المتحدة، ستصيب حكمه بأعلى قدر من التدهور، وستذهب بقدرة الولايات المتحدة على ممارسة أدوار خارجية، كما كان في السابق.
فقط يجب أن نستهلك الوقت وأن يجري جر ترامب إلى رمال الشرق الأوسط التي لن يستطيع الصبر في التعامل معها طويلا.