قانون الضمان الاجتماعي معطّل وحقوق عمال العراق في مهب المصالح والصفقات السياسية
مختصون يحذرون من إهمال حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني لملف الضمان الاجتماعي ومماطلتها في إلزام القطاع الخاص، مما يترك ملايين العمال بلا حقوق تقاعدية أو أمان وظيفي.
بغداد ــ الرافدين
حذر مختصون ونقابات عمالية من استمرار إهمال حكومة محمد شياع السوداني لحقوق العاملين في القطاع الخاص، رغم وعوده المتكررة بإجراء إصلاحات اقتصادية تشمل ضمان حقوق هذه الشريحة.
فمنذ إعلان الحكومة دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال حيز التنفيذ عام 2023، لا يزال التطبيق الفعلي يراوح مكانه وسط مماطلة حكومية وتهرب أصحاب العمل، ليجد العمال أنفسهم بلا أي حماية اجتماعية أو ضمان لمستقبلهم بعد التقاعد.
وصوّت مجلس النواب على قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وسط ترويج حكومي واسع لهذه الخطوة باعتبارها إنجازًا رئيسيًا في “الإصلاح الاقتصادي” الذي وعد به السوداني، لكن بعد أكثر من عام على التشريع لا تزال نسبة العمال المشمولين بالضمان ضئيلة جدًا، حيث تشير بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى تسجيل 400 ألف عامل فقط من أصل 6 ملايين عامل في القطاع الخاص ما يعكس الفجوة الكبيرة بين الخطاب الحكومي والواقع الفعلي.
وسبق أن وعدت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني بتوفير حماية اجتماعية شاملة للعاملين في القطاع الخاص، إلا أن التنفيذ يواجه عراقيل عدة أبرزها غياب الجدية الحكومية في فرض الالتزام على أصحاب العمل، إضافة إلى ضعف الرقابة والتفتيش على الشركات والمعامل والمصانع.
وتشير التقارير النقابية إلى أن العديد من أصحاب العمل في القطاع الخاص يرفضون تسجيل عمالهم في صندوق الضمان الاجتماعي، متذرعين بالأعباء المالية الكبيرة التي يفرضها القانون، حيث يلزم أرباب العمل بدفع مستحقات مالية بأثر رجعي منذ تسجيل مشاريعهم رسميًا.
وأكد رئيس اتحاد نقابات العمال ستار دنبوس براك، أن عزوف أصحاب العمل عن تسجيل العمال يعد “مخالفة قانونية صريحة”، مشيرًا إلى أن الاتحاد يسعى لإحالة المخالفين إلى محكمة العمل، التي قد تصدر ضدهم غرامات مالية أو حتى عقوبات بالسجن.
وأضاف أن الفرق التفتيشية التابعة لوزارة العمل تخفق في إجبار الشركات وأرباب العمل على الالتزام بالقانون، إذ أن كثيرًا منهم يكتفون بتسجيل أقاربهم فقط، بينما يبقى باقي العمال بلا أي ضمان يذكر.
واعترفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بضعف تطبيق القانون بشكل مستمر وعدم فرض عقوبات على المخالفين مؤكدة أن الواقع يشير إلى أن هذه الإجراءات لا تزال شكلية وغير كافية لإجبار أصحاب العمل على الامتثال.
وقال المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي، إن الوزارة تستقبل شكاوى العمال غير المسجلين، وتعمل على إرسال مفتشين للتحقق من هذه الحالات.
وأكد على أن الإجراءات الحكومية غير كافية إذ يضيف أن بعض أصحاب العمل يتحايلون على القانون بتسجيل عدد قليل من العاملين فقط، بينما يتركون البقية بلا ضمان اجتماعي.
وكشف عضوة اتحاد نقابات العمال سميرة ناصر عن إحصائية مثيرة للقلق، إذ تؤكد أن عدد العمال الذين سجلوا أنفسهم بشكل اختياري في صندوق الضمان لم يتجاوز 10 آلاف شخص فقط، وهو رقم هزيل مقارنة بحجم القطاع الخاص في العراق.
وأضافت أن الحكومة لم تقم بأي حملات توعية جدية لحث العمال على التسجيل، كما أن الكثير من العمال يعزفون عن الاشتراك بسبب ضعف الرواتب، حيث يتم استقطاع 5 بالمائة من أجور العمال لصندوق الضمان، في وقت لا تكفي فيه الرواتب لتغطية الاحتياجات الأساسية.
ويرى مراقبون أن مماطلة الحكومة في فرض تطبيق قانون الضمان الاجتماعي تعكس استسلامها لضغوط جهات نافذة في القطاع الخاص، خاصة كبار رجال الأعمال والمستثمرين الذين تربطهم مصالح مباشرة مع السلطة.
وأكدوا أن الحكومة تمتلك كل الأدوات القانونية لفرض تطبيق قانون الضمان الاجتماعي، لكنها تماطل بسبب نفوذ رجال الأعمال الذين يعارضون أي التزام مالي إضافي، مضيفن أن السوداني وعد مرارًا بإصلاحات تشمل العمال في القطاع الخاص، لكن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يلمس العمال أي تحسن في أوضاعهم.
واجمعوا على أن ضعف الرقابة الحكومية على القطاع الخاص يسمح لأرباب العمل بالتهرب بسهولة من تسجيل العمال، خاصة مع غياب العقوبات الرادعة، مشيرين إلى أن التهاون في تطبيق هذا القانون يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق العمال، ويجعلهم عرضة للاستغلال والطرد التعسفي دون أي ضمانات.
ولا يزال العامل العراقي في القطاع الخاص محرومًا من أبسط حقوقه في الضمان الاجتماعي والتقاعد بعد أكثر من عام على تشريع القانون وفي ظل غياب الرقابة الحكومية واستمرار مماطلة حكومة السوداني في تنفيذ وعودها.
ويجد ملايين العمال أنفسهم في مواجهة مصير مجهول، بلا أي ضمان يحمي مستقبلهم أو يؤمن لهم حياة كريمة بعد التقاعد فيما تبقى إجراءات الحكومة مجرد شعارات دعائية ولا جدية حقيقية لإلزام القطاع الخاص بحماية حقوق العمال.




