أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

سمك البلطي ينتشر في أنهر العراق مهددًا الثروة السمكية بمزيد من الخسائر

يشكل انتشار أسماك البلطي خطرًا على التنوع البيئي للأسماك العراقية، إذ تتسبب بانخفاض أعداد أنواع الأسماك المحلية والحد من تكاثرها لتبقى هي المتسيدة في الأنهر والمسطحات المائية، ما يؤدي إلى اختلال السلسلة الغذائية المبنية على التوازن الطبيعي.

البصرة – الرافدين
حذر مختصون في قطاع تربية الأسماك في العراق من تداعيات خطيرة لانتشار أسماك البلطي المعروفة محليًا باسم أسماك المشط على الثروة السمكية والنظام البيئي والأسماك الأصيلة التي اتخذت من البيئة العراقية موطنًا لها منذ مئات السنين مثل البني والكارب والشبوط.
وقالوا إن النظام البيئي في العراق يواجه تهديدا متناميا يتمثل في انتشار هذا النوع من الأسماك الذي يعد من الأنواع الغازية التي تشكل خطرا داهما على تنوع الأسماك المحلية، وتؤدي قدرته على التكاثر السريع والتكيف مع مختلف الظروف البيئية إلى اختلال التوازن البيئي في العديد من الأنهار والمسطحات المائية.
ويعرف سمك البلطي، بأنه نوع من الأسماك التي تنتمي إلى العائلة البلطية، وتتميز بقدرتها على التكيف مع مختلف الظروف البيئية، حيث تتمكن من مقاومة زيادة كثافة المياه والبقاء في تركيز منخفض للأكسجين الذائب في الماء.
ويعود أصل سمك البلطي إلى إفريقيا، حيث يعيش في المياه العذبة والمائلة للملوحة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.
ويؤكد رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، إياد الطالبي، إن “سمك البلطي دخيل على العراق، وبدأ دخوله من البصرة قبل سنوات، ومن ثم امتد إلى الناصرية وبابل وباقي المحافظات وهو حاليًا على مشارف بغداد”.
وأكد الطالبي أن “أكثر انتشار سمك البلطي هو في البصرة، حيث هناك كميات كبيرة منه وأصبح عبئًا على المحافظة وتسبب بتلوث كبير، فيما لا تزال إجراءات السلطات في المحافظة غير مجدية”.
وبين أن هذا التكاثر السريع يهدد أنواع الأسماك الأخرى الأصيلة ويؤدي إلى اختلال التوازن البيئي في المسطحات المائية نتيجة استهلاكه للموارد الغذائية، ناهيك عن اعتماده في بعض الأحيان في التغذية على بيوض أو صغار الأسماك المحلية.
وأشار إلى أن حجم سمك البلطي في العراق صغير ووزنه لا يتجاوز 250 غرامًا، مقارنة بنظيره المصري الذي يصل وزنه إلى كيلوغرامين، وأن الطلب عليه من قبل المستهلك العراقي ضعيف، مشددًا على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انتشار هذا النوع من الأسماك، مؤكدًا أن الأمر يتطلب خططًا ودراسات متخصصة.
وحذر الطالبي من أن استمرار انتشار سمك البلطي سيؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة في قطاع الثروة السمكية، داعيًا الحكومة والقطاع الخاص إلى التعاون من أجل التخلص من هذا النوع الضار من الأسماك وحماية الثروة السمكية العراقية.
وبين أن “سمك البلطي يخرج مع الكارب بكميات كبيرة ويؤذيه وينافسه بالتغذية، فهو منافس كبير مع الأسماك ومفترس للإصبعيات الصغيرة وللأسماك الأخرى”.

يعد سمك البلطي من الأسماك الدخيلة على البيئة في العراق بعدما بدأ دخوله من البصرة قبل سنوات ومنها إلى باقي المحافظات

بدوره يحذر المدير العام لدائرة الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة وليد محمد رزوقي ، من خطورة سمك البلطي على صحة الإنسان إذا تم تناوله خاصة أن هذا النوع من الأسماك يعيش في بعض الأحيان في المياه غير الصالحة للشرب التي تستخدم لاستصلاح الأراضي الزراعية، وقد تحتوي على مواد كيمائية ومبيدات حشرية تنتقل إلى أجسام هذه الأسماك وقشورها، مؤثرة سلبا على صحة الإنسان، على عكس الأسماك المحلية التي تعيش في المياه العذبة النقية.
وقال رزوقي، إن سمك يشبه إلى حد كبير البلطي المصري إلا أنه يختلف عنه في الحجم وقيمته الاقتصادية حيث إن سعره في السوق العراقية منخفض جدا ولا يتجاوز دولارًا واحدًا للكيلوغرام، مقارنة بالأسماك المحلية التي يصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى ما بين 5 و8 دولارات، كما أنه لا يمكن تربيته في الأحواض مثل الأسماك المحلية.
وأشار إلى عدم وجود خطط فعلية للتخلص من سمك البلطي، منوها إلى أن الحل يكمن في حماية الأسماك المحلية المهمة مثل الكارب بأنواعه العشبي والعادي والفضي بالإضافة إلى الأسماك العراقية الأخرى كالبني والكطان والشبوط وتوفير الغذاء لها لزيادة أعدادها.
ونوه إلى أنه على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لأعداد سمك البلطي في المياه العراقية فإنه يوجد بكميات كبيرة جدا ويؤثر على التوازن البيئي، نتيجة سرعة انتشاره وقدرته على التكيف مع مختلف الظروف البيئية.
وأكد رزوقي أن سمك البلطي ربما يُعتبر خيارا جيدا للتربية السمكية لغرض توفير الأعلاف، مستدركا بالقول لكنه أصبح الآن من الأنواع الشائعة وغير المرغوب فيها بسبب الشح المائي الذي يعاني منه العراق، مما يجعل استثماره في إنتاج الأعلاف السمكية أمرا صعبا في الوقت الحالي.
في غضون ذلك أعرب صيادون عن استيائهم من انتشار هذه الأسماك في العراق، ووصفوها بأنها بلا فائدة ولا قيمة اقتصادية.
وحذر الصيادون من احتمالية أن يؤدي البلطي إلى تدهور الثروة السمكية، فهو يفترس الأسماك الصغيرة ويُرسب التربة داخل المياه أثناء بحثه عن الغذاء.
كما أنه وفقًا للصيادين، ينقل الأمراض والطفيليات، مما يشكل خطرًا إضافيًا على بقية الأسماك والنظام البيئي.
ويروي وسام الجبوري، وهو صياد أسماك متمرس، قصة معاناته مع سمك البلطي، بقوله إن هذا النوع من الأسماك، هو كابوس الصيادين فهو ليس مجرد سمكة، بل هو “غازٍ شرس يهدد التنوع البيولوجي في مياهنا”.
ويصف الجبوري سمك البلطي بأنه “سفاح الأسماك”، فهو لا يكتفي بالتكاثر بسرعة هائلة، بل يتغذى على صغار الأسماك وبيضها، مما يؤدي إلى تناقص أعداد الأسماك الأخرى بشكل ملحوظ، و”هذا الأمر، بالطبع، يؤثر سلبا على عملنا ويهدد مصدر رزقنا”.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث قال الجبوري إن البلطي يتميز بقدرة تحمل عالية للأمراض والتلوث، مما يجعله قادرا على العيش في بيئات مائية صعبة، بالإضافة إلى ذلك، فإنه يتمتع بشراهة في التغذية وقوة في أسنانه، مما يمكّنه من التهام أي شيء يصادفه، إذ له القدرة على قشط الطحالب من الصخور وبإمكانه مسك الأسماك الصغيرة وسحق القواقع.
وأوضح أنه “يوجد 3 أنواع رئيسة من البلطي في مياهنا، وهي البلطي الأزرق والنيلي والأحمر أو الذيلي، وكل هذه الأنواع تنتشر بشكل واسع في شط العرب والأهوار والمسطحات المائية الأخرى، مما يزيد من خطورتها على البيئة المائية”.
ويختتم الصياد وسام الجبوري حديثه بتحذير من خطورة انتشار البلطي، مشيرا إلى أن وجود أعداد كبيرة منه يؤدي إلى تلوث المياه بسبب فضلاتها واستهلاك الأكسجين المذاب فيها، مما يهدد الحياة المائية بأكملها.
ولا يتوقف الأمر عند الأثر البيئي، بل يتعداه إلى المخاطر الصحية.
وسبق أن حذرت وزارة الزراعة في العراق من هذه الأسماك التي تعيش في المياه الملوثة بالمواد الكيميائية، مما قد يشكل خطرًا على صحة الإنسان في حال استهلاكها.
وتمثل الثروة السمكية في العراق موردًا اقتصاديًا ذا أهمية كبيرة، إلا أن هذا القطاع يعاني تدهورًا خطيرًا بسبب عدة عوامل أبرزها شح المياه والتلوث والصيد الجائر قبل أن يمثل انتشار البلطي تحديا جديدا يضاف لقائمة طويلة من التحديات.

يحذر صيادون من تداعيات خطيرة لانتشار سمك البلطي الذي يفترس الأسماك الصغيرة ويُرسب التربة داخل المياه أثناء بحثه عن الغذاء

ويواجه قطاع الثروة السمكية في العراق أزمة خانقة تهدد بفقدانه بالكامل، إذ تشير الأرقام والتقارير المحلية والدولية إلى خسائر مالية ضخمة فضلًا عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لهذا التدهور في قطاع الثروة السمكية.
ويأتي ذلك في ظل فشل الحكومات المتتابعة بعد الاحتلال في اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة التي تعدّ إحدى تجليات سوء الإدارة وغياب التخطيط الاستراتيجي لإدارة موارد البلاد.
ونشرت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) تقريرًا أوضحت فيه حجم الكارثة، مؤكدة على أن العراق يخسر ما يقارب 400 مليون دولار سنويًا نتيجة تدهور الثروة السمكية، داعيةً إلى اتخاذ خطوات عاجلة للحد من التدهور، إلا أن الاستجابة الحكومية جاءت خجولة ومحدودة، ما يفتح الباب للتساؤل حول مدى جدية الحكومة في حماية هذا القطاع الحيوي.
وتواصل الثروة السمكية في العراق الانحدار وسط سياسات حكومة الإطار التنسيقي العاجزة عن مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تضرب هذا القطاع.
ويعاني هذا المورد الحيوي الذي كان يعد أحد الركائز الاقتصادية المهمة للبلاد، من الإهمال وسوء الإدارة، مما أدى إلى تدهور الإنتاج وخسائر كبيرة في ظل غياب الخطط الحكومية الفاعلة التي باتت الأصوات المحلية والدولية تحذر من فقدان هذه الثروة إلى الأبد.
ويشير تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن العراق، الذي كان يمتلك بيئة مائية غنية بالثروة السمكية في نهري دجلة والفرات، يعاني الآن من نقص حاد في الموارد بسبب تقلص المياه بنسبة تجاوزت 50 بالمائة خلال السنوات الأخيرة ويرجع ذلك إلى السياسات المائية السيئة وتراجع تدفق المياه من الدول المجاورة، وغياب خطط استراتيجية للتعامل مع الأزمة.
وأدى نفوق الأسماك في السنوات الأخيرة وانخفاض الإنتاج المحلي إلى ارتفاع كبير في أسعار الأسماك في الأسواق المحلية والذي أثر بشكل مباشر على المستهلكين خاصة الفئات ذات الدخل المحدود التي تعتمد على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين.
وشهدت الأسواق العراقية غزوًا للأسماك المستوردة من إيران، حيث يعتبر هذا التحول انعكاسًا للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد والأجندات الخبيثة التي تسعى إلى تحول العراق من بلد معروف بثروته السمكية إلى بلد مستورد للأسماك الإيرانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى