أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

بغداد في ذيل قائمة مدن العالم لمؤشر الرعاية الصحية الخاص بموقع “نومبيو”

لا يبتعد النظام الصحي في العراق عن واقع النظام السياسي، إذ أنَّ كليهما يتصفان بالهشاشة وعدم الاستقرار ما يعرقل تمامًا وصول السكان إلى الخدمات العادلة على الرغم من مساحيق التجميل التي تحاول تحسين الصورة القبيحة للواقع المرير.

بغداد – الرافدين
كشف احتلال بغداد المركز الأخير عالميًا ضمن مؤشر الرعاية الصحية لعام 2025 حجم تردي الواقع الصحي في العراق على الرغم من محاولات حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني تقديم صورة مغايرة لغايات الاستهلاك الإعلامي.
وحلت بغداد في المركز الأخير (309) وفقًا لتصنيف موقع “نومبيو” المختص بالإحصائيات التي تعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، بأسوأ رعاية صحية بعدما كان الموقع يصنفها كثالث أسوأ رعاية صحية قبل عامين متراجعة بذلك مرتبتين إلى الوراء خلافًا لما تروجه وزارة الصحة في حكومة السوداني من إنجازات مزعومة.
وكانت مراكز معنية بمتابعة دقة المعلومات قد صنفت تصريحات وزير الصحة في حكومة السوداني المتعلقة بالرعاية الصحية، في خانة الادعاءات غير الدقيقة بعد تزييفه معلومات تتعلق بتصنيفات دولية تظهر العراق بمواقع متقدمة في تقديم الرعاية الطبية خلافا للواقع.
وسبق أن ظهر وزير الصحة صالح الحسناوي في لقاء متلفز قائلًا إن “وزارته تعتمد معايير تصنيفات منظمة الصحة العالمية، وهي تقول إن النظام الصحي العراقي ضمن بلدان المستوى المتوسط، ويأتي تسلسلنا تقريبا في نطاق الخمسينات”.

ادعاء وزير الصحة بأن العراق في المستوى المتوسط في تصنيف الأنظمة الصحية عالميا “غير دقيق”، حيث يأتي في نهاية الثلث الثاني أو بداية الثلث الثالث من البلدان في مختلف المؤشرات والتصنيفات الصحية

وأوضح مركز “تفنيد” المعني بتدقيق المعلومات إن “تصريح الحسناوي غير دقيق، فمنظمة الصحة العالمية لا تصدر مؤشرًا موحدًا لتقييم الأنظمة الصحية، بل مجموعة مؤشرات مختلفة”.
وقال المركز إنه “عند تتبع مؤشرات منظمة الصحة العالمية، اكتشف فريقه عدم وجود تصنيف أو مؤشر تصدره منظمة الصحة العالمية لتقييم الأنظمة الصحية للبلدان، بل تعطي المنظمة مجموعة تصنيفات لمؤشرات مختلفة من بينها انتشار فقر الدم لدى النساء؛ ومعدل الوفيات عند الولادة؛ وغيرها من المؤشرات الجزئية، ولكن من بين المؤشرات يوجد مؤشر يسمى “التغطية الصحية الشاملة”، ويجمع داخله 14 من مؤشرات التتبع لتغطية الخدمات في مقياس موجز واحد”.
وأشار إلى أن “آخر تحديث لهذا المؤشر كان في عام 2021، وجاء العراق في المرتبة 127 ضمن 195 دولة، ما يعني أنه في المرتبة الأخيرة من بين الثلث الثاني من الدول، وبلغت نقاط العراق 59 من أصل 100 نقطة”.
وذكر مؤشر نيمبو في تحديثه قبل الأخير الصادر في عام 2024، أن “مؤشر الرعاية الصحية في العراق يعد منخفضًا حيث بلغت درجته 45.9 من أصل 100”.
واعتمد المؤشر على ست فقرات تمثل الرعاية الصحية في الدول، وهي مهارة وكفاءة الطاقم الطبي، والسرعة في إنجاز التقارير، والمعدات الحديثة، والثقة في اكتمال التقارير، والود واللياقة من قبل الموظفين، ومدة الانتظار.
وأضاف أن “مهارة وكفاءة الطاقم الطبي في العراق تعتبر منخفضة حيث تبلغ 43.18 بالمائة، فيما يعتبر مؤشر سرعة إنجاز التقارير منخفضًا أيضًا بنسبة 42.82 بالمائة”، مبينًا أن “مؤشر الأجهزة الحديثة والتشخيص والعلاج في العراق كان منخفضًا حيث سجل 43.02 بالمائة”.
وكان “مؤشر الدقة في تعبئة التقارير منخفضًا حيث سجل 40.8 بالمائة، بينما كان مؤشر الود واللياقة من قبل الموظفين منخفضًا قليلاً حيث سجل 48.85 بالمائة، أما مؤشر الرضا من الانتظار فقد سجل منخفضًا جدًا حيث سجل 38.22 بالمائة”.
إلى ذلك، يؤكد مسؤول في وزارة الصحة، أن النظام الصحي في العراق يواجه تحديات كبيرة وتراكمات كثيرة انعكست على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
ويبين المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن العديد من المشاكل، لا تزال قائمة وأن أسباب تراجع قطاع الرعاية الصحي في العراق يعود لعوامل عدة، أهمها تهالك البنية التحتية، ونقص الطواقم الطبية، إذ يواجه العراق هجرة مستمرة للكفاءات الطبية إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل.
ويشير إلى أن الفساد الإداري والمالي المتفشي في البلاد يُعد أحد أبرز العوائق أمام تطوير القطاع الصحي، إذ يتم تحويل الأموال المخصصة للرعاية الصحية إلى جهات غير مستحقة، ما يعرقل تحسين الخدمات.
ويشدد على أن غياب التخطيط الاستراتيجي الذي يفتقر إليه النظام الصحي العراقي، وعدم وضع رؤية واضحة للتطوير لناحية بناء مستشفيات جديدة، يفاقمان من تدهور القطاع الصحي، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الطواقم الطبية.
ويعاني القطاع الصحي في العراق من تراجع كبير وانهيار أدى إلى حرمان ملايين العراقيين من الرعاية الصحية المستحقة لهم ولعائلاتهم، بعدما أدى الفساد والفشل الحكومي إلى نقص الطواقم الطبية ونهب مخصصات الرعاية الصحية لصالح الفاسدين في الأحزاب الحاكمة والميليشيات المتنفذة سياسيًا التي باتت تمتلك المستشفيات الخاصة وتتعمد إهمال المستشفيات الحكومية لكي تتربح على حساب صحة وسلامة المواطنين.
وبحسب إحصائية نشرها “مركز البيان للدراسات والتخطيط” فإنّ عدد المستشفيات الأهلية في العراق وصل إلى 235 مستشفى في مختلف المناطق، مقابل وجود ما يقدر بـ 191 مستشفى حكوميًا تعاني من الإهمال وعدم وجود تقنيات حديثة.
وبات الإهمال المتعمد للمستشفيات الحكومية يمثل معادلة قائمة على مبدأ “كلما تردّى الوضع في المستشفيات الحكومية انتعشت المستشفيات الأهلية” وهذا يجري على حساب المواطن قياسًا بتكاليفها باهظة الثمن في محاولة للحفاظ على حياته، لتكمل الأخيرة سلسلة المساوئ المتواجدة في القطاع الصحي في العراق.
ويبدي رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان الحالي، ماجد شنكالي، قلقه من استمرار مشاكل الواقع الصحي في البلاد، مؤكداً أن النظام الصحي العراقي لا يزال متهالكًا.
ويتابع شنكالي أن حصة الفرد العراقي من الرعاية الصحية سنويًا تبلغ حوالي 200 دولار فقط، وهو مبلغ غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين، في حين أن تطبيق نظام الضمان الصحي يتطلب مبالغ كبيرة وشراكة مع القطاع الخاص، لتحقيق تغطية شاملة.
ويشدد على ضرورة إجراء معالجات فورية تهدف إلى تحسين الواقع الصحي، بما في ذلك تطوير القطاع الخاص ليكون دافعاً لتطوير القطاع الحكومي، على أن يكون الأول شريكاً وليس عبئاً على الأخير.

القطاع الصحي في العراق غارق في مستنقع الفوضى والإهمال

ويُعرب مواطنون عراقيون عن استيائهم من تدهور الواقع الصحي في البلاد، وضعف الخدمات الطبية المقدمة، فضلاً عن قلة الإمكانيات والأجهزة الطبية المتطورة والحديثة في المؤسسات الصحية.
ويشكو المواطن، محمد خلف، وهو من سكان العاصمة بغداد، ضعف الخدمات الطبية المقدمة للمرضى، فضلًا عن عدم توفر الأجهزة الطبية الحديثة في المستشفيات الحكومية، ما دفعهم إلى البحث عن مراكز ومستشفيات خاصة باهظة الثمن من أجل توفير خدمة صحية جيدة.
ويشير خلف، إلى رداءة الخدمات المقدمة في المؤسسات الصحية، وتهالك البنى التحتية للكثير من المستشفيات، وتقادم مرافقها ونقص الصيانة، بالإضافة إلى الفساد المالي المستشري في تلك المؤسسات.
ويتحدث المواطن عن ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة، وارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات، والتي عجزت المؤسسات الصحية عن توفيرها، ما يدفع المواطن إلى شرائها بأموال مضاعفة من السوق. ويطالب الحكومة باتخاذ إجراءات جادة وحقيقية لتحسين الواقع الصحي، بما في ذلك بناء مراكز متخصصة ومستشفيات جديدة، وتحديث المرافق الطبية، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
وتسجل المستشفيات الحكومية وبشكل مستمر اعتداءات على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي لتكون هذه الظاهرة علامة مسجلة للقطاع الصحي المتردي في العراق، وسط ضعف ملحوظ في تنفيذ القوانين الرادعة لهذه الانتهاكات.
وتدفع هذه الاعتداءات عددًا كبير من الأطباء إلى اتخاذ قرار الهجرة بحثًا عن بيئة آمنة بعيدًا عن العنف والتحديات اليومية، بما في ذلك الإجراءات العشائرية التي تثقل كاهلهم، فضلاً عن التهديدات بالقتل وفرض الإتاوات عليهم.
ويؤكد نقيب الأطباء في العراق، حسنين شبر، أن الاعتداءات على الطواقم الطبية في المستشفيات لا تزال تتصاعد في عموم مناطق العراق.
ويقول إن هذه الحوادث تتكرر بوتيرة مقلقة من دون تدخل أمني فعّال يحفظ سلامة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، مبيناً أن المشكلة لا تقتصر على القطاع الخاص فحسب، بل إن النصيب الأكبر من الاعتداءات يحدث في المستشفيات الحكومية التي يفترض أن توفّر بيئة آمنة للأطباء.
ويضيف شبر أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل إنها تتكرر منذ سنوات من دون إجراءات رادعة أو محاسبة حقيقية للجهات الأمنية المقصّرة في حماية الأطباء عند وقوع الاعتداءات، مشيرًا إلى أن “استمرار تجاهل هذه التجاوزات يخلق بيئة غير آمنة ويهدد النظام الصحي العراقي برمّته”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى