أخبار الرافدين
الثورة السورية: استعادة وطن من مختطفيهتقارير الرافدينعربية

احتفاء سعودي بالشرع أمام تحديات المرحلة الانتقالية السورية في الميدان والسياسة

أولويات الرئيس السوري أحمد الشرع تتمحور حول “الإنقاذ الاقتصادي” و "المسألة الأمنية”، إضافة إلى “التحدّي الطائفي” والحؤول دون وقوع “أعمال انتقامية”.

دمشق – الرافدين
أنهى سقوط بشار الأسد نزاعا داميا وعقودا من الحكم بقبضة من حديد، لكن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بات يمسك وحده تقريبا بكل السلطات، في وقت تدخل سوريا مرحلة غير واضحة المعالم تشوبها تحديات كثيرة.
وسمّى قادة فصائل الثورة السورية التي شاركت في الهجوم الذي أطاح بالأسد في كانون الأول، هذا الأسبوع الشرع رئيسا بصلاحيات واسعة لمرحلة انتقالية لم تحدد مدّتها.
ويقول المحامي عز الدين الرايق لوكالة الصحافة الفرنسية “اعتمادنا حاليا هو على نوايا هذه السلطة… هل فعلا تريد أن تنقل البلد نقلة نوعية نحو الديموقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان… والفصل بين السلطات؟”.
وعُرف الشرع بأبي محمد الجولاني، وتزعّم هيئة تحرير الشام الإسلامية التوجه. وبعدما قاد على رأس الهيئة تحالف الفصائل التي أطاحت بالأسد، انتقل سريعا من الميدان الى السياسة، وبات يستخدم اسمه الحقيقي، واستعاض عن الزي العسكري ببزّة رسمية وربطة عنق.
وبدأ سريعا تثبيت موقعه، معززا بدعم دول تتقدمّها تركيا وقطر والسعودية. وحتى قبل تعيينه رسميا، استضاف في القصر الرئاسي وفودا أجنبية ومسؤولين رفيعين من دول عدة.
وهو يقوم الأحد بزيارة إلى السعودية، هي الأولى له الى الخارج، وتأتي بعد أيام من ترؤسه اجتماعا لقادة الفصائل أرسى معالم مرحلة التخلص من رواسب العهد السابق الذي اعتاد ترهيب السوريين والزجّ بهم في السجون وقمع المعارضة.
والتقى الشرع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في أول زيارة خارجية له منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في كانون الأولوتسميته رئيسا.
وأظهرت مقاطع مصوّرة ولي العهد السعودي وهو يستقبل الشرع الذي وصل في سيارة سوداء فارهة إلى أحد القصور الملكية في الرياض.
وأوضحت اللقطات الشرع وهو يصافح كبار المسؤولين السعوديين، وولي العهد السعودي وهو يصافح الوفد المرافق للرئيس الانتقالي السوري.
وعقد الزعيمان جلسة مباحثات موّسعة على ما أظهرت اللقطات المصورة، لكن لم تصدر بعد أي بيانات عن اللقاء.
وتقول الخبيرة في مركز “الأهرام” للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام أنّ “السعودية تلعب دورا مهما في إعادة دمج سوريا الجديدة في الصفّ العربي وعلى الساحة الدولية أيضا”.
وتتابع “تستفيد السعودية بشكل مباشر من إرساء الاستقرار في سوريا الجديدة”، موضحة أنّ “إيران أصبحت خارج المشهد في سوريا، ما أضعف نفوذها العام في المنطقة”.


معا، سنصنع سوريا المستقبل
وكانت إيران، الغريم التقليدي للسعودية، أحد أبرز دعمي نظام بشار الأسد الذي شكّل سقوطه خسارة استراتيجية كبيرة لطهران، بحسب محللين.
وتشير سيف علام إلى أن “تجارة المخدرات القادمة من سوريا إلى دول الخليج والتي كانت عنصرا مزعزعا للأمن الإقليمي أصبحت من الماضي”.
وتخلص إلى أنه “من الطبيعي جدا لهذا السبب أن تكون زيارة الشرع الأولى إلي الرياض، فهو أسدى لها خدمة استراتيجية بطرد طهران من سوريا”.
رغم تحسّن العلاقات في الفترة الأخيرة بين الرياض وطهران، إلا أن بينهما خلافات عميقة على قضايا استراتيجية، بينها الحرب في اليمن حيث تدعم إيران المتمردين الحوثيين، بينما تقود الرياض تحالفا يساند القوات الحكومية في حربها ضد الحوثيين. كما تتهم السعودية ودول خليجية أخرى إيران بالتدخّل في شؤون دول خليجية وعربية.
وفي خطابه الأول إلى السوريين الخميس، تعهّد الشرع العمل “على تشكيل حكومة انتقالية شاملة، تعبّر عن تنوّع سوريا… وتتولّى العمل على بناء مؤسسات سوريا الجديدة حتى نصل إلى مرحلة انتخابات حرة نزيهة”.
وأكد أنه تولّى المسؤولية “بعد مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين لضمان سير العملية السياسية، ضمن الأعراف القانونية، وبما يمنحها الشرعية اللازمة”.
يقول الرايق “كنا نتأمل أن تكون الطريقة أكثر ديموقراطية، أكثر مشاركة”، مضيفا “كنا نعتقد أن المؤتمر الوطني هو الذي ستنبثق عنه هذه السلطة ويكون انتخاب رئيس”، في إشارة إلى مؤتمر الحوار الذي تعهدت السلطات عقده دون أن تحدد موعده.
ويتابع “لكن الحقيقة إذا (أردنا أن) نكون واقعيين وعمليين، قد لا تصلح إلا هذه الطريقة” في الفترة الراهنة.
على مدى العقود الأخيرة، لم تعرف سوريا رئيسا سوى من آل الأسد، وقضى حكم حزب البعث على أي تعددية سياسية في بلاد اكتظت سجونها بمعتقلي الرأي.
واتخذت السلطات الجديدة خطوات جذرية لفكّ الارتباط مع الحقبة السابقة شملت إلغاء الدستور وحلّ الجيش والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب البعث.
كما أعلنت حلّ الفصائل المسلحة بما فيها هيئة تحرير الشام، والعمل على دمجها ضمن جيش سيُعمل على تأسيسه.
وفي حين يقرّ الأستاذ الجامعي زياد ماجد بأن أحمد الشرع “كان يتصرّف أساسا كرئيس انتقالي”، يرى أن تسميته “كان يمكن أن تُجرى بشكل مختلف”.
ويضيف “غالبية هذه الفصائل تعترف الآن بقيادة” الشرع، مشيرا إلى أن بعض المسائل لا تزال عالقة “مع فصائل الجنوب والسويداء والقوات الكردية”.
وتوزعت أراضي سوريا، بسبب النزاع الذي اندلع في 2011، إلى مناطق نفوذ متنوعة. وتمسك الفصائل التي أسقطت الأسد بغالبية مساحة البلاد، بينما يدير الأكراد مناطق تخضع لإدارتهم الذاتية في شمال شرق البلاد، وفي الجنوب لا تزال بعض الفصائل ومنها درزية، حذرة في علاقتها بالسلطة الجديدة.
ويرى ماجد أن هدف السلطة، أي “الشرع والمقربين منه”، هو “تعزيز سيطرتهم الميدانية وسيطرتهم على الفصائل المسلحة”.
وتتمحور الأولويات حول “الإنقاذ الاقتصادي” و”المسألة الأمنية”، إضافة إلى “التحدّي الطائفي” والحؤول دون وقوع “أعمال انتقامية” خصوصا حيال أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع.
يؤكد الرايق أن دمج الفصائل كان “ضروريا ولازما… الفصائل مختلفة كثيرا بين بعضها ومتعددة ومختلفة فكريا وعقائديا”، معتبرا أن نجاح تجربة دمجها يعني “تجاوز مرحلة الحرب المحلية”.
لكن الغموض لا يزال يحيط بمدة المرحلة الانتقالية. وألمح الشرع سابقا إلى أن الانتخابات قد تتطلب أربعة أعوام، واعتماد دستور جديد “عامين أو ثلاثة”.
لكنه تعهّد الخميس إصدار “إعلان دستوري” للمرحلة الانتقالية و”لجنة تحضيرية” لمؤتمر الحوار الوطني، وأخرى “لاختيار مجلس تشريعي مصغّر”.
وتبقى بعض المخاوف قائمة بشأن المستقبل.
فقد أطلق عشرات من المفكرين والفنانين والحقوقيين السوريين الجمعة عريضة للمطالبة بحماية الحريات في المرحلة الجديدة وانتخاب الهيئة الدستورية. وكتب الموقّعون البالغ عددهم 65 شخصا “انتهى عهد الاستبداد، ولن يقبل السوريّون تكرار ما عانوا منه طويلا”.
ويبقى الوضع الاقتصادي أولوية لكثيرين، مثل مجد (35 عاما) الذي كان يستمتع مع زوجته وأولادهما الثلاثة بأشعة الشمس في حي راقٍ بالعاصمة.
ويقول بائع قطع السيارات “تراجعت الأسعار، لكن في الوقت نفسه لا يملك الناس الكثير من المال لإنفاقه”.
ويضيف “ما يهمنا على أرض الواقع هو أن يتحسّن البلد ويتحسّن الاقتصاد”، متابعا “الشخص لا يهم بقدر ما تهمّ النتائج”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى