ملايين العراقيين يعانون من النزوح القسري جراء الإصرار الحكومي على إغلاق هذا الملف المعقد على حساب النازحين أنفسهم
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق: أزمة النزوح في العراق إحدى التحديات الإنسانية الكبرى التي تعكس فشل السياسات الحكومية في معالجة الأسباب الجذرية للصراع والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها النازحون.
عمان- الرافدين
ركز المحور الثالث من التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق 2024، الذي أصدره قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين النزوح القسري واللجوء والهجرة.
وعالج التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق – 2024 تحت عنوان “واحد وعشرون عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد” أبرز قضايا حقوق الإنسان في العراق التي تم التعامل معها على مدار العام 2024، ويبين الأهداف التي أُعد لأجلها، والوسائل المتبعة لتحقيقها، وفق رؤية القسم والرسالة التي يحملها على عاتقه.
وتطلب إعداد هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للأدلة والمعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية والحقوقية الدولية في إخراجها إخراجًا دقيقًا وحياديًا، بهدف تقديم تقرير موضوعي، قائم على الحقائق، ويسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة.
وتنشر قناة “الرافدين” تقرير قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق على أجزاء.
المحور الثالث: النزوح القسري واللجوء والهجرة
تُعَدّ أزمة النزوح في العراق من أبرز التحديات الإنسانية التي تواجه البلاد منذ اليوم الأول من الغزو والاحتلال، وشهد البلد في ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، ولأول مرة في تأريخه الحديث، موجات نزوح قسري كبرى ونزوح متكرر ونزوح عكسي وهجرة كبيرة خلال السنين الإحدى والعشرين الأخيرة، حيث أدت التدخلات العسكرية، والعنف الطائفي والنزاعات المسلحة إلى نزوح ملايين المواطنين من مناطقهم الأصلية. حيث أجبر ملايين الأشخاص على الفرار من ديارهم بسبب الغزو والاحتلال وما رافقه من عنف طائفي مخطط له مسبقًا واضطهاد وتطهير ممنهج.
وتظل أزمة النزوح في العراق واحدة من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال التحديات الكبرى التي تواجهها قائمة. ووفقًا للأمم المتحدة، فقد نزح نحو 6 مليون عراقي منذ عام 2014، بما في ذلك 1.14 مليون شخص ما يزالون نازحين داخل البلاد وأكثر من 4.3 مليون لجأوا إلى بلدان أخرى بحثا عن الأمان. ويعيش عشرات الآلاف من النازحين داخل العراق في تجمعات عشوائية أو مخيمات أو أماكن إيواء مؤقتة أخرى، حيث يواجهون مجموعة من التحديات التي أفضت إلى أوضاع إنسانية سيئة للغاية يفاقمها تلاشي الأمل في عودتهم إلى ديارهم وتضاؤل التضامن الإنساني وتواضع الجهد الإغاثي، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، والسكن غير الملائم، والمخاطر على سلامتهم وأمنهم وضياع مستقبلهم ومستقبل أولادهم.
وعلى الرغم من التضييق الحكومي المستمر والاستهداف الممنهج لنشاطها؛ ما تزال بعض منظمات الإغاثة تعمل داخل العراق لتقديم الدعم والمساعدة للمتضررين، بما في ذلك من خلال توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم.
ولا تزال أزمة النزوح في العراق إحدى التحديات الإنسانية الكبرى التي تعكس فشل السياسات الحكومية في معالجة الأسباب الجذرية للصراع والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها النازحون. ومن خلال قراءة الواقع، يمكن القول إن جميع الحكومات المتعاقبة السابقة والحالية فشلت في تقديم حلول حقيقية ومستدامة لهذه الأزمة، حيث تكمن النقاط الرئيسة في:
الإهمال الحكومي المتعمد: طوال العقدين الماضيين، ولاسيما بعد الحرب على داعش، لم تُظهر الحكومات التزامًا حقيقيًا بتوفير الاحتياجات الأساسية للنازحين. على الرغم من تعهدات دولية ومساعدات، إلا أن مخيمات النزوح في ظل الإهمال الحكومي المتعمد ظلت تعاني من ظروف مأساوية من نقص في المياه، والخدمات الصحية، والتعليم.
الفساد الإداري الممنهج: واحدة من أكبر القضايا التي تواجه النازحين هي الفساد المستشري في جميع المؤسسات الحكومية؛ فالأموال التي يتم تخصيصها للمساعدات الإنسانية للنازحين غالبًا ما تضيع بسبب سوء الإدارة والرشوة، مما يساهم في تعميق معاناة هذه الفئة الضعيفة.
التهميش السياسي والتمييز الطائفي: هناك شعور لدى معظم النازحين بأن الحكومة تتعامل معهم بشكل غير متساوٍ؛ فالنازحون من مناطق معينة، مثل المحافظات المنكوبة وهي المحافظات السنية في العراق، الذين يشكلون أكثر من 95% من إجمالي النازحين داخليا، يعانون من التهميش السياسي، ولا يحصلون على نفس الفرص في إعادة الإعمار أو الرعاية الحكومية مقارنةً بالنازحين من مناطق أخرى.

منهجية عدم الاستقرار وغياب الأمن: مع استمرار النزاعات المسلحة في المحافظات المستهدفة والتي باتت من جراء ذلك تعرف بالمحافظات المنكوبة، غالبًا ما تواجه العائلات النازحة تهديدات من الميليشيات المسلحة التي تسيطر على تلك المحافظات، مما يجعل العودة إلى ديارهم غير ممكنة. والحكومات المتعاقبة جميعها، لم تقم بتوفير الأمن والاستقرار في المحافظات المستهدفة، مما يزيد من معاناة النازحين.
الافتقار إلى سياسات إعادة الإعمار الفعّالة: العودة إلى الديار هي أمل الملايين من النازحين، لكن الحكومات المتعاقبة لم تبذل جهودًا كافية لإعادة بناء البنية التحتية في المناطق المنكوبة من جراء الحرب، ما يجعل العودة محفوفة بالمخاطر. ومعظم النازحين الحاليين والسابقين يفضلون البقاء في المخيمات أو السكن في المناطق الآمنة بسبب تدمير منازلهم وغياب فرص الحياة الكريمة في مناطقهم الأصلية.
إن أوضاع النازحين داخل العراق تظل معقدة، وتحتاج إلى تغيير جذري في سياسة الحكومة، مع التركيز على إعادة إعمار المناطق المدمرة، وتحسين البنية التحتية، ومكافحة الفساد، وضمان حقوق الإنسان لجميع العراقيين من دون تمييز بما في ذلك النازحين.
وفي عام 2024، استمر النزوح في العراق، حيث لا يزال ملايين العراقيين يعانون من تداعيات هذا النزوح القسري؛ الذي تتعمق أزمته من جراء الإصرار الحكومي على إغلاق هذا الملف المعقد على حساب النازحين أنفسهم، وشهد العام 2024 مراحل سلبية جديدة من السياسات الحكومية الخاطئة، أبرزها إغلاق المزيد من مخيمات النزوح وفرض العودة القسرية على آلاف الأسر النازحة أو تركهم في العراء يواجهون العوز الشديد والشتات والضياع.
ويعد إغلاق المخيمات بمثابة فشل آخر للحكومة في التعاطي مع الأزمة الإنسانية للنازحين، ويزيد من تعميق الهوة بين الحكومة والمواطنين، مما يعقد بشكل أكبر أي عملية تسوية أو استقرار في المستقبل.
وقد مثل إغلاق مخيمات النزوح في العراق، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها البلد، خطوة غير مدروسة تعكس الفشل الحكومي في توفير حلول مستدامة للنازحين. من وجهة نظر حقوقية محايدة، يمكن اعتبار هذا الإغلاق بمثابة إهمال صارخ لحقوق الإنسان وغياب المسؤولية الوطنية تجاه معاناة ملايين الأشخاص الذين لم يجدوا بعد الظروف الملائمة للعودة إلى ديارهم.
وفيما يلي بعض النقاط التي تعزز هذه الحقيقة:
أولاً: إغلاق المخيمات من دون توفير بدائل حقيقية للنازحين يعني فرض العودة على آلاف الأسر التي لا تزال تفتقر إلى الظروف الأمنية والاقتصادية المناسبة في مناطقها الأصلية. بعض هذه المناطق لا تزال مدمرة بعد سنوات من الصراع، ولا يوجد فيها فرص عمل أو خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. العودة إلى هذه الظروف قد تعني ببساطة تعرض النازحين لمزيد من المعاناة.
ثانيًا: لم تبذل الحكومة المتعاقبة في العراق، الحالية وسابقاتها، جهدًا كافيًا في توفير الظروف المعيشية المناسبة للنازحين قبل اتخاذ القرار بإغلاق المخيمات. لم يتم تنفيذ مشاريع لإعادة بناء البنية التحتية في مناطق النزوح أو تقديم برامج تمويلية لدعم العائدين في بناء حياة جديدة. ببساطة، لم يُتخذ أي خطوة ملموسة تضمن إعادة الاستقرار في المناطق المتأثرة بالصراعات.
ثالثًا: يعكس إغلاق المخيمات إهمالًا متعمدا لحقوق النازحين في الحصول على فرص عادلة للاندماج في المجتمع. بعض النازحين، وخاصة أولئك الذين ينحدرون من المحافظات المنكوبة والذين يشكلون أكثر من 95% من إجمالي النازحين داخل العراق، يعانون من التمييز والاتهامات الباطلة. وإن الإصرار على إغلاق المخيمات من دون تأمين خطط دمج اجتماعي وسياسي يعنى تهميش هؤلاء الأشخاص بشكل أكبر.
رابعًا: في كثير من الحالات، تُستخدم قضايا النزوح كأداة سياسية من قبل القوى الحكومية أو الأحزاب المتنفذة للاستفادة من النزاعات لصالحهم. قد يُنظر إلى إغلاق المخيمات كجزء من سياسة تهدف إلى “تصفية الحسابات” مع فئات واسعة من الشعب العراقي الذين يُعتبرون في نظر الحكومة أو الأحزاب السياسية معارضين أو غير موالين.
خامسًا: في المحافظات المنكوبة، لا يزال الوضع الأمني هش أو غير مستقر، مما يعني أن عودة النازحين، الذين دأبت الحكومة على شيطنتهم، إلى منازلهم قد تعرضهم لخطر العنف أو الانتقام من قبل الميليشيات أو بعض الأهالي. وإغلاق المخيمات في ظل هذه الظروف قد يعرض النازحين لمزيد من المخاطر، ولا سيما وأن الحكومة لم تكن قد ضمنت بالكامل الأمن والاستقرار في تلك المحافظات.

سادسًا: إن إغلاق المخيمات بهذه الصورة قد يُعتبر بمثابة إلغاء للحقوق الإنسانية الأساسية. النازحون هم الضحايا بالأصل ولم يعد لديهم ملاذ آمن سوى المخيمات التي تقدم لهم بعض الخدمات الأساسية. حينما تغلق الحكومة هذه المخيمات، دون أن توفر بديلاً آمنًا ومناسبًا، فهذا يعني حرمانهم من أبسط حقوقهم ولا سيما الحق في الحماية والرعاية الإنسانية.
ومع استمرار حرمان النازحين من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وفي ظل العيش في ظروف قاسية داخل مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ستظل معاناتهم تتفاقم بلا نهاية. وسيبقى مصيرهم ومصير أطفالهم غامضًا ومجهولًا، دون أي أفق لحل مستدام أو تحسن حقيقي في أوضاعهم. كما أن العودة إلى المناطق الأصلية تظل محفوفة بالمخاطر، حيث تتطلب عمليات إعادة البناء والتأهيل وقتًا طويلاً وموارد كبيرة.
ويستمر وجود عدد من مخيمات النازحين في العراق، خاصة في محافظات كردستان شمالي البلاد. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد حوالي 143,000 نازح يعيشون في 22 مخيمًا في كردستان، مع ملاحظة أن هذا العدد غير شامل لجميع المخيمات، وقد شهدت بعض المخيمات عمليات إغلاق أو دمج ضمن سياسة حكومة بغداد إجبار النازحين على مغادرة المخيمات. على سبيل المثال، أُغلقت جميع المخيمات في محافظة السليمانية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخيمات أخرى في مناطق مختلفة من العراق، مثل مخيم بزيبز في محافظة الأنبار، الذي يضم أكثر من 1,500 عائلة نازحة. ويوجد في محافظات الأنبار وصلاح الدين ستة مخيمات على الأقل، منها ما يأوي نازحين من نفس المحافظة.
المخيمات التي أغلقت مع أعداد العائلات التي طردت منها
لا يزال الإصرار الحكومي على إغلاق المخيمات فشلا رسميا آخر في التعاطي مع الأزمة الإنسانية للنازحين العراقيين داخل وطنهم، ويزيد من تعميق الهوة بين الحكومة والمواطنين، الأمر الذي يعقد بشكل أكبر أي عملية تسوية أو استقرار في المستقبل.

ومن المحافظات التي شهدت إغلاقات جديدة للمخيمات خلال العام 2024، محافظة السليمانية، حيث تم إغلاق مخيم عربت الذي كان يضم 1.500 عائلة نازحة على الأقل قبل إغلاقه. وكذلك محافظة نينوى، حيث أغلقت مخيما السلامية الذي كان يستضيف نحو 2.000 عائلة نازحة، ومخيم الجدعة الذي كان يأوي حوالي 1,800 عائلة نازحة. إلى جانب ذلك جرى إغلاق مخيمين اثنين في محافظة الأنبار وهما مخيم عامرية الفلوجة الذي كان يضم نحو 3,000 عائلة نازحة. ومخيم المدينة السياحية في الحبانية الذي كان يستضيف حوالي 2,500 عائلة نازحة. وكذلك أغلقت السلطات الحكومية مخيم العلم في محافظة صلاح الدين الذي كان يضم نحو 1.200 عائلة نازحة.
ويرجى ملاحظة أن هذه الأرقام تقريبية وتعتمد على تقديرات سابقة، وقد تختلف المصادر في تحديد الأعداد الدقيقة. للحصول على معلومات أكثر دقة، ولا توجد إحصاءات رسمية دقيقة صادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين الحالية ولا عن المنظمات الإنسانية المعنية بالشأن الإغاثي.
قضية اللاجئين اللبنانيين
في عام 2024، شهد العراق تدفقًا كبيرًا للاجئين اللبنانيين الفارين من النزاع المستمر في لبنان. وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، بلغ عدد النازحين اللبنانيين في العراق حوالي 25.464 شخصًا، دخلوا عبر منفذ القائم الحدودي مع سوريا ومطاري بغداد والنجف. وشكل النساء والأطفال نحو 62% من هؤلاء النازحين.
وواجهت آلية استقبال اللاجئين اللبنانيين بعض التحديات بسبب غياب الاستعداد الكامل لهذا الملف. وتم توزيع النازحين على محافظتي كربلاء والنجف، بالإضافة إلى العاصمة بغداد.
التحديات التي يواجهها اللاجئون اللبنانيون
على الرغم من الترحيب الرسمي والتسهيلات الاستثنائية التي قدمها العراق، يواجه اللاجئون اللبنانيون تحديات تتمثل في صعوبة الحصول على فرص عمل، وتوفير السكن المناسب، والوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه بعض اللاجئين صعوبة في العودة إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية واللوجستية المعقدة.
وأبدت الحكومة والميليشيات تضامنًا كبيرًا مع النازحين اللبنانيين، حيث قدموا لهم مساعدات عينية ومالية كبيرة، وفتحوا المباني الحكومية والعمارات التي تمتلكها الميليشيات لإيواء الأسر اللبنانية. كما خصصت الحكومة ثلاثة مليارات دينار لدعم النازحين، وافتتحت مدارس وفق النظام اللبناني لتعليم الأطفال، في الوقت الذي تتجاهل الحكومة نفسها آلام النازحين العراقيين وتحرمهم من أبسط حقوقهم وتعمق معاناتهم المتفاقمة من خلال المضي في سياسة الإغلاق القسري للمخيمات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ العام 2020.
العودة إلى لبنان
مع توقف الحرب في لبنان، بدأ بعض اللاجئين اللبنانيين بالعودة إلى وطنهم. ووفقًا لتصريحات المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين في العراق، عاد قرابة 4.000 لبناني كانوا لاجئين في العراق إلى بلدهم. ومع ذلك، لا يزال الآلاف من اللاجئين يواجهون صعوبة في العودة بسبب الأوضاع الأمنية واللوجستية المعقدة.
ومرة أخرى؛ تُظهر أزمة اللاجئين اللبنانيين في العراق التحديات الإنسانية الكبيرة التي يواجهها النازحون العراقيون داخل وطنهم من جراء التمييز الواضح في التعامل الرسمي مع الملف العراقي والملف اللبناني في ظل التدهور المستمر لأوضاع النازحين العراقيين. ويظهر التمييز كذلك في التسهيلات والدعم المقدم من الحكومة في العراق للاجئين اللبنانيين، بينما تترك الحكومة نفسها النازحين العراقيين يواجهون مصيرهم المجهول في ظل التضييق الحكومي المتواصل المفروض عليهم والصعوبات الجمة في تأمين احتياجاتهم الأساسية التي تعمقها الحكومة في سبيل التنكيل بهم ويظل الضغط الدولي المستمر والجاد ضروريًا لتوفير الدعم المستدام لهؤلاء النازحين وتسهيل عودتهم إلى محافظاتهم التي نكبتها الحرب في أقرب وقت ممكن.

ويُظهر تفاوت الاهتمام والدعم الحكومي الظاهر في معالجة الملفات العراقية واللبنانية طبيعة الحكومات المتعاقبة في العراق ونهجها في التعامل مع الملفات الداخلية التي يشكل أهل السنة والجماعة السواد الأعظم من ضحاياها، ويتجلى مرة أخرى في التعاطي الرسمي في العراق مع الأزمات الإنسانية بناءً على الانتماءات الطائفية أو السياسية. وفي العراق ما بعد الغزو الأمريكي أيضا، تتأثر سياسة التعامل مع قضايا النازحين أو الفئات المجتمعية المختلفة بحسب التوازنات الطائفية والسياسية داخل الحكومة، مما يؤدي إلى تهميش بعض المكونات أو منحها أولوية على حساب الأخرى.
أماكن وجود اللاجئين اللبنانيين في العراق
عندما لجأ اللبنانيون إلى العراق في عام 2024، تم توزيعهم على عدة مناطق في البلاد، وسنستعرض أبرز الأماكن التي سكنوا فيها، بحسب نسب الإيواء وتشمل:
محافظة كربلاء: كانت واحدة من الأماكن الرئيسة التي استقبلت نسبة ليست قليلة من اللاجئين اللبنانيين. في حين ترفض السلطات الحكومية وجود النازحين العراقيين في هذه المحافظة.
محافظة النجف: مثل كربلاء، كانت النجف من بين المحافظات التي استقبلت الكثير من اللاجئين اللبنانيين. في حين ترفض السلطات الحكومية وجود النازحين العراقيين في هذه المحافظة.
محافظة بغداد: العديد من الأسر اللبنانية اللاجئة استقرت في العاصمة بغداد، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات.
محافظة البصرة: مع سيطرة الميليشيات عليها، كانت البصرة أيضًا من المدن التي استقبلت بعض الأسر اللبنانية اللاجئة.
المدن الشمالية: مثل أربيل والسليمانية في كردستان العراق، التي استقبلت بعض الأسر الفارة من النزاع في لبنان، خاصة بسبب استقرار الوضع الأمني فيها مقارنة ببقية المناطق.
هذه المناطق كانت من بين الوجهات الرئيسة للاجئين اللبنانيين في العراق، حيث توزعوا في المباني الحكومية والمجمعات السكنية الحديثة والفنادق الفارهة التابعة للميليشيات التي تحولت إلى مراكز إيواء للاجئين اللبنانيين، وأماكن أخرى بحسب القدرة على توفير المأوى والخدمات الأساسية.
المهاجرون العراقيون وأعدادهم وأبرز أسباب هجرتهم
الهجرة من العراق تُعد واحدة من أبرز الظواهر التي أثرت على المجتمع العراقي خلال العقود الأخيرة. وقد زادت معدلات الهجرة من البلاد بعد الغزو الأمريكي، إذ دفعت الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، إلى جانب الحروب والنزاعات المستمرة، أعدادًا كبيرة من العراقيين إلى مغادرة وطنهم بحثاً عن الأمان والاستقرار.
وبحسب أشهر التقديرات يوجد ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ عراقي في عموم دول العالم وفئة الشباب بالمرتبة الأولى من بين المهاجرين العراقيين.
أبرز أسباب الهجرة من العراق
الهجرة من العراق جاءت نتيجة تراكم أزمات متعددة، أبرزها:
الحروب المستمرة والغزو والاحتلال: منذ الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي مروراً بحرب الخليج عام 1991 دفع العديد من العراقيين إلى الهجرة، ولكن ظهر ذلك جليًا بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وتعرّض العراق إلى اضطرابات كبيرة دفعت الملايين إلى الهجرة.

منهجية غياب الأمن والاستقرار: شهد العراق بعد الغزو الأمريكي انتشار العنف والإرهاب الطائفي في جميع أنحائه، ما دفع آلاف الأسر إلى البحث عن أماكن أكثر أمانًا خارج البلاد.
الاضطهاد السياسي والطائفي: شهد العراق بعد الغزو الأمريكي استهدافًا لفئات واسعة من المجتمع العراقي بسبب انتماءاتهم السياسية أو الدينية، مما دفعهم للفرار طلباً للحماية.
الوضع الاقتصادي المتدهور: زادت معدلات البطالة، وارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة بعد غزو واحتلال العراق ما جعل الحياة داخل البلد صعبة على العديد من المواطنين.
البحث عن فرص تعليمية وعملية: في ظل التراجع الكبير في مستوى التعليم في العراق ما بعد الغزو الأمريكي؛ يهاجر العديد من الشباب العراقيين بحثًا عن تعليم أفضل وفرص عمل توفر لهم حياة كريمة.
لم تكن الهجرة بالنسبة للعراقيين خياراً سهلاً، بل كانت غالباً قراراً اضطرارياً فرضته الظروف القاسية ومنهجية الإنفلات الأمني وفوضى السلاح. ورغم الصعوبات التي يواجهها المهاجرون في بلدانهم الجديدة، إلا أنهم يسعون إلى بناء حياة جديدة تلبي طموحاتهم وتحقق الأمان الذي افتقدوه في وطنهم.
أبرز الدول التي تحتضن المهاجرين العراقيين
المهاجرون العراقيون منتشرون في مختلف أنحاء العالم، حيث تتفاوت أعدادهم بحسب الظروف السياسية والاقتصادية لكل دولة. ومن أبرز الدول التي تحتضنهم بحسب أعدادهم:
أمريكا وكندا: تُعد أمريكا الوجهة الأساسية للعراقيين منذ التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة بعد حرب الخليج والغزو الأمريكي للعراق عام 2003. واستقبلت كندا أيضًا عددًا كبيرًا من اللاجئين العراقيين، مستفيدة من سياساتها المرنة تجاه المهاجرين.
دول الاتحاد الأوروبي، مثل:
– ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية استضافة للعراقيين، خاصة في موجة الهجرة الكبرى عام 2015.
– السويد: تحتضن واحدة من أكبر الجاليات العراقية في أوروبا.
– هولندا والنرويج: شهدت أيضًا تزايدًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين العراقيين خلال العقدين الماضيين.

تركيا: تُعتبر تركيا محطة عبور رئيسية للمهاجرين العراقيين الراغبين في الوصول إلى أوروبا، لكنها أيضًا أصبحت وجهة استقرار لبعضهم بسبب قربها الجغرافي والثقافي.
الدول العربية، مثل:
– الأردن: يُعد من أهم الدول التي استقبلت العراقيين منذ سنوات طويلة، خاصة بعد الغزو الأمريكي.
– لبنان: استضاف عددًا من العراقيين، رغم محدودية موارده مقارنة بدول أخرى.
– دول مجلس التعاون الخليجي: تستضيف دول مثل الإمارات والسعودية مجموعات من العراقيين، لكنها هجرة عمل وليست لجوءًا.
5- أستراليا ونيوزيلندا: استقبلت هاتان الدولتان عددًا كبيرًا من العراقيين ضمن ما يسمى برامج إعادة التوطين التي تستهدف اللاجئين من مناطق الصراع.
بشكل عام انتشرت الهجرة العراقية بعد الغزو الأمريكي في جميع أنحاء العالم، حيث يُشكل المهاجرون العراقيون مجتمعات واضحة في الدول المستضيفة. ومع ذلك، فإن التحديات المتعلقة بالتكيف والاندماج لا تزال قائمة، مما يتطلب جهودًا كبيرة لتحقيق حياة مستقرة ومستقبل أفضل.
معاناة المهاجرين العراقيين
يعيش المهاجرون العراقيون معاناة كبيرة في بلدان المهجر، سواء في الدول المجاورة للعراق أو في الوجهات البعيدة مثل أوروبا وأمريكا. ورغم نجاح بعضهم في التأقلم وتحقيق الاستقرار، إلا أن الغالبية تعاني من مشكلات معقدة تؤثر على حياتهم اليومية ومستقبلهم.
وفيما يلي أبرز مظاهر المعاناة:
1- صعوبة الاندماج الاجتماعي: يواجه المهاجرون صعوبة في التكيف مع الثقافات الجديدة، خصوصاً مع وجود اختلافات كبيرة في اللغة والعادات والتقاليد، إلى جانب النظرة السلبية تجاه المهاجرين بشكل عام في بعض الدول تؤدي إلى تزايد حالات العنصرية والتمييز.
2- التحديات الاقتصادية: يجد العديد من العراقيين صعوبة في الحصول على وظائف تناسب مؤهلاتهم، خاصة في ظل متطلبات سوق العمل المختلفة. يزاد على ذلك انخفاض الدخل وزيادة تكاليف المعيشة تزيد من الضغط على الأسر المهاجرة.
3- المشكلات القانونية والإدارية: تتمثل بطول الإجراءات الخاصة بطلبات اللجوء والإقامة يجعل المهاجرين يعيشون في حالة من القلق وعدم الاستقرار. فضلاً عن أن بعض الدول تفرض سياسات صارمة تحد من فرص الحصول على إقامة دائمة أو جنسية.
4- الأوضاع النفسية والاجتماعية: يعاني الكثير من المهاجرين العراقيين من الصدمات النفسية نتيجة التجارب الصعبة التي مروا بها قبل الهجرة أو خلالها، ولاسيما الانفصال عن العائلة والوطن ما يزيد من مشاعر الوحدة والاغتراب.
5- التعليم والرعاية الصحية: يواجه الأطفال العراقيون صعوبات في الاندماج في المدارس الجديدة بسبب حاجز اللغة والاختلافات الثقافية. ويعاني معظم المهاجرين من محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية.
إن معاناة المهاجرين العراقيين تعكس الثمن الباهظ الذي يدفعه الأفراد بسبب الأزمات في وطنهم. ورغم التحديات، يسعى الكثير منهم لبناء حياة جديدة تضمن لهم ولأسرهم الكرامة والأمان. يحتاج المهاجرون إلى دعم أكبر من الدول المستضيفة والمؤسسات الدولية لتخفيف معاناتهم وتسهيل اندماجهم في المجتمعات الجديدة.
ويواجه المهاجرون العراقيون تحديات عديدة في البلدان التي هاجروا إليها، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي. هذه التحديات تؤثر بشكل كبير على قدرتهم على التأقلم وبناء حياة جديدة، حيث يواجه الكثير من العراقيين تعقيدات في تقديم طلبات اللجوء، وقد تستغرق هذه الإجراءات سنوات طويلة، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول تمنح إقامة مؤقتة فقط، مما يترك المهاجرين في حالة من عدم الأمان.

إلى جانب ذلك؛ يجد الكثير من العراقيين صعوبة في التكيف مع العادات والتقاليد المختلفة في البلدان المضيفة. ويتعرض بعض العراقيين لممارسات عنصرية أو نظرة سلبية تجاه المهاجرين في بعض الدول، ويجد العديد من المهاجرين أيضًا صعوبة في الحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم، بسبب متطلبات سوق العمل المختلفة أو ضعف اللغة، وسط ارتفاع مستمر بتكاليف الحياة في بعض الدول ما يجعل من الصعب على المهاجرين توفير احتياجاتهم الأساسية، ويكون في بعض الدول الوصول إلى الخدمات الصحية محدودًا أو مكلفًا بالنسبة للمهاجرين.
إن التحديات التي يواجهها المهاجرون العراقيون تُعد انعكاسًا للأوضاع الصعبة التي أجبرتهم على الهجرة.
غياب الدور الحكومي في معالجة ملف الهجرة
يُعد ملف الهجرة من أكثر الملفات حساسية في العراق، إلا أن تعامل الحكومة معه يثير انتقادات واسعة للسياسات الحكومية. ويُرجع غياب الجدية والفعالية في معالجة هذه القضية إلى جملة من الأسباب التي تعكس عدم اهتمام الحكومة الكافي بمعاناة المهاجرين وأسباب هجرتهم.
1- التجاهل المزمن للأسباب الجذرية للهجرة
– فشلت جميع الحكومات المتعاقبة في معالجة الأسباب الأساسية التي تدفع العراقيين إلى الهجرة، مثل البطالة، غياب الأمن، الفساد، وتردي الخدمات الأساسية. وبدلاً من تقديم حلول جذرية، يتم التعامل مع الظاهرة كرد فعل مؤقت دون خطط استراتيجية طويلة الأمد.
2- ضعف أو غياب الدعم الحكومي للمهاجرين في الخارج
– غياب الدعم الحكومي للمهاجرين العراقيين في الخارج، سواء على مستوى القنصليات أو السفارات، حيث يواجهون صعوبات قانونية واجتماعية دون مساندة تذكر.
– تفتقر برامج العودة الطوعية للمهاجرين إلى الحوافز والضمانات التي تشجع العراقيين على العودة.
3- السياسات الاقتصادية غير الفعالة
– تدهور الاقتصاد العراقي بسبب الفساد وسوء الإدارة ساهم في خلق بيئة طاردة للكفاءات، حيث يبحث العراقيون عن فرص عمل أفضل خارج البلاد.
– لم تُقدم الحكومة برامج حقيقية لدعم الخريجين والشباب العاطلين عن العمل.
4- إهمال الفئات الضعيفة
– النازحون واللاجئون في الداخل والخارج يواجهون مصيرًا مجهولاً دون تدخل حكومي فعّال لإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية أو تحسين أوضاعهم في المخيمات.
ويرى الكثير من المراقبين أن الحكومة تتحمل مسؤولية مباشرة عن تفاقم أزمة الهجرة بسبب سياساتها العشوائية وغير المخططة، ويُتهم النظام السياسي القائم في العراق بالتركيز على الصراعات الداخلية والمصالح الحزبية على حساب احتياجات الشعب.
وتؤكد الوقائع أن غياب الإرادة السياسية والشفافية في التعامل مع ملف الهجرة ساهم في تفاقم الأزمة، وأدى إلى استمرار نزيف الكفاءات والخبرات العراقية.
