نساء غزة يعشن مأساة الإبادة بالنزوح والجوع وفقدان المُعيل
المسؤولة الأممية ماريس غيمون: مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب، جائعات منهكات مريضات، يحافظن على بقاء الأسر معا على الرغم من أنهن يعشن في خوف مستمر وفقدان.
غزة – تجربة قاسية جدًا عاشتها السيدات الفلسطينيات بقطاع غزة أثناء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل لأكثر من 15 شهرًا، بحيث تنوعت تلك المعاناة ما بين النزوح والجوع وفقدان المعيل، إضافة لتحديات الحياة اليومية.
المسؤولة الأممية ماريس غيمون قالت إن “مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب ممتدة”.
وأضافت أن “النساء في غزة جائعات منهكات مريضات، يحافظن على بقاء الأسر معا على الرغم من أنهن يعشن في خوف مستمر وفقدان”.
بجانب ذلك، طرح خبراء أمميون وحقوقيون مصطلح “الإبادة الجماعية للإناث” لوصف الفظائع المرتكبة بحق الفلسطينيات على مدار شهور الإبادة.
هذا المصطلح أيدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، التي قالت إن “اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من استراتيجية إبادة جماعية ممنهجة”.
وأكدت السالم الأحد، أن “قتل الفلسطينيات لمجرد أنهن نساء يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”، مبينة أن “قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية يستخدمان كأداة ضمن الإبادة الإسرائيلية الجماعية بقطاع غزة”.
وبحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن الجيش الإسرائيلي قتل على مدار أكثر من 15 شهرا 12 ألفا و316 سيدة.
وقالت السيدة منيرة شبات، من بلدة بيت حانون شمال القطاع “إنّ المعاناة في الحرب كانت مضاعفة على الجميع خاصة النساء اللواتي حملن أعباء كبيرة خلالها”.
وتفيد بأن الجيش الإسرائيلي قتل زوجها سندها في الحياة ومصدر الأمان لعائلتها والمعيل الوحيد لها، في الشهر الثاني تشرين الثاني 2023 من الحرب، تاركا لها طفلين لإعالتهما.
تصف ذلك قائلة “كان الأمر شاقا، خاصة كوني نازحة داخل مدرسة منذ بداية الحرب، وفقدنا منزلنا في بيت حانون”.
وعن معاناة المعيشة تضيف “اضطرت للوقوف على طوابير تعبئة المياه، وانتظرت على طابور المخبز أكثر من 7 ساعات للحصول على ربطة خبز، وفي أيام المجاعة بقيت لأيام مع أطفالي دون طعام”.
وتلفت إلى أن عائلتها وعائلة زوجها نزحتا بداية الحرب إلى جنوب القطاع، “لكن زوجي رفض النزوح وأصرّ على الصمود بالشمال، وبعد استشهاده اخترت أن أبقى”، وفق تعبيرها.
ووفق بيانات المكتب الحكومي بغزة، فإن 13 ألفا و901 سيدة فقدن أزواجهن خلال حرب الإبادة الجماعية.
أما إيمان الغزالي وهي أم لسبعة أبناء وتقطن في حي التفاح شرق مدينة غزة، فتسرد قسوة المعيشة التي مرت بها أثناء الإبادة.
وتقول “في أيام المجاعة التي عشناها كنت أتألم كلما طلب مني أحد أبنائي طعاماً ولا أجد ما أسد رمقهم به”.
وتتابع “الأمومة في الحرب مأساة بكل تفاصيلها، نحن النساء أكثر المتضررين خلال الحرب الطاحنة، تحملنا أعباء لم نعتد عليها طوال حياتنا”.
وتشير إلى أن ابنتها الكبرى “ريم” وضعت أول مولود لها بعد اندلاع الإبادة بنحو 6 شهور وسط ظروف حياتية ومعيشية وصحية متردية للغاية وحينما كانت المجاعة بأشد حالاتها.
وتلفت الغزالي إلى أنهم بالكاد كانوا ينجحون بتأمين وجبة طعام واحدة لها طوال اليوم، فيما غابت آنذاك مستلزمات الأطفال من حفاضات وحليب.
وتعرب عن آمالها في أن يكون وقف إطلاق النار باباً لإنهاء الحرب المجنونة بالكامل، وأن يكون هناك خطة لترميم نفسيات المواطنين خاصة النساء كأكثر فئات المجتمع تضررا.
أما وفاء شلوف، التي نزحت إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فلم يكن حالها أفضل من سابقاتها، فقد عايشت مرارة الحرب وانعدام الخصوصية والظروف القاسية بكل تفاصيلها.
وتقول “خلال الحرب الإسرائيلية عشنا معاناة صعبة جدًا، لم تكن المياه متوفرة، وكان إشعال النار لطهي الطعام تحديا يوميا، حتى الطعام لم يكن متاحا لنا إلا بصعوبة عبر التكيات، ومع ذلك، كنا نعاني للحصول عليه”.
وتضيف “في مخيمات النزوح، كانت المرأة هي المسؤولة الأولى عن توفير الاحتياجات الأساسية لعائلتها، حتى وإن تطلب الأمر الوقوف في طوابير لساعات للحصول على ربطة خبز أو غالون ماء”.
أما أم سميح دولة، النازحة منذ أكثر من 15 شهرا من منزلها ومكان سكنها، فتصف معاناة النزوح بـ”الهموم والصعوبات المتراكمة”.
تقول إنها وعائلتها تعيش على المساعدات، وإنه لو لم يتوفر تكيات في الوقت الحالي بعد انتهاء الحرب، فإنها لن تجد طعاما لأولادها.
وتضيف “الحياة قاسية جدا، البرد يفتك بنا، ووسيلتنا الوحيدة للدفء هي احتضان بعضنا، لكن ذلك لا يجدي نفعا دون غطاء يحفظ حرارة أجسادنا”.
معاناة النساء لم تقتصر على الجانب المعيشي فحسب، بل امتدت إلى الجانب النفسي أيضا، حيث أثر النزوح والدمار ومشاهد الموت على صحتهن النفسية والجسدية، وفق الأخصائية النسوية روان شتات.
وتؤكد شتات أن النساء في غزة تعرضن لضغوط نفسية هائلة خلال حرب الإبادة ما أدى إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر بينهن.
وتقول “الحرب والنزوح أثرا بشكل كبير على صحة النساء النفسية، فالكثيرات يعانين من القلق المستمر والتوتر، حتى أن بشرة العديد منهن تغيرت بسبب سوء التغذية والإجهاد النفسي، وهناك حاجة ماسة لجلسات دعم نفسي لمساعدتهن على التعافي”.
إلا أن الوصول إلى هذه الجلسات ليس بالأمر السهل، وتوضح شتات أن النساء غير قادرات على الالتحاق بها بسبب انشغالهن بتأمين أساسيات الحياة اليومية لأسرهن، إضافة إلى صعوبة التنقل بسبب ندرة وسائل المواصلات جراء شح الوقود.
واعتبرت أن “وقف إطلاق النار هو المدخل الأساسي لتمكين النساء من الوصول إلى الدعم النفسي واستعادة بعض الاستقرار في حياتهن”.
وفي التاسع عشر من كانون الثاني الجاري، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل.
وارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.