أخبار الرافدين
كرم نعمة

أوبريت حمائم الإطار التنسيقي

ستجد نفسك في مأزق تحليلي بمجرد استخدام مصطلحات في العلوم السياسية على ما يجري في العملية السياسية بالعراق، وستحاج إلى كم من التبريرات والهوامش كي تبرر استخدام مثل هذه المصطلحات، لأنك بالأساس أمام اختراع سياسي مزيف في المنطقة وبغلاف ديمقراطي هش، ويراد للتاريخ أن يوثقه كواقع مستمر رغما عن أنفه.
وفي ذلك ما يتم استخدامه بكثافة اليوم عن وجود “صقور” و”حمائم” في الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحت جبته أحزاب وميليشيات إيران في العراق، في محاولة لتفكيك وإبقاء في آن واحد! على الميليشيات المسلحة بذريعة إبرام صفقة سياسية وفق سياسة التخادم الأمريكي الإيراني.
لا أحد من كل الذي يستخدمون مصطلحات الحمائم والصقور المتواجدة داخل أحزاب وميليشيات إيران في العراق، بمقدوره الدفاع المنهجي عن صحة استخدام هذه المفردات، فليس لديه ما يكفي من المؤشرات ليضعها في متن التحليل السياسي المعتد بأفكاره.
يمكن لي ولغيري أن يستخدم تسمية أحزاب وميليشيات إيران بلا تردد بديلا عن الإطار التنسيقي، ولن نجافي الموضوعية أو نتنازل عن الحساسية العالية في الكتابة السياسية، مع ذلك فأن المثير أن الجزء الواقعي في ذلك الأوبريت السياسي مضلل ولا علاقة له بواقع ما يحدث من سياسية في المنطقة الخضراء، فما يجري طرحه عن وجود حمائم وصقور في الإطار التنسيقي عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع الولايات المتحدة وإيران مجرد تهريج ومحض خيال أو أمنيات يتم الترويج لها لتمريرها على الرأي العام.
فعندما يتم احتساب عمار الحكيم مثلا على الحمائم فأننا لا ندخل إلى مرحلة سوريالية، بل إلى تراجيديا كوميدية بمجرد احتساب المرات التي استخدم فيها الحكيم في أحاديثه جملة “المكون الأكبر” وحقه في حكم العراق! ووضع حكم الطائفة وعلاقتها المصيرية مع إيران فوق أي اعتبار وطني عراقي.
يمكن أن نكرر هذه اللعبة الوصفية مع أي من زعماء الإطار بما فيهم حيدر العبادي ومحمد شياع السوداني بوصفهما الأهدأ في لعبة المكون، دع عنك نوري المالكي الذي لم يستطع التخلص من خوائه الطائفي وهو يتحدث عن شيعة سوريا! وقيس الخزعلي وزعماء الميليشيات الأخرى.
فـ “الحمائم” إن وجدت أصلا فهي تعمل للحفاظ على حكم المذهب للعراق بوصفه الهدف الذي يجب المحافظة عليه، وفي هذا المبدأ تنتفي دلالة التسمية، فمن يريد رفع الطائفة فوق مفهوم الوطنية لا يمكن أن يكون حمامة سلام سياسي.
ذلك ما يعترف به السوداني نفسه المصنف على حمائم الإطار التنسيقي فعندما جلس بوصفه رئيس حكومة أمام خامنئي في أول زيارة له إلى طهران، طلب حمايته من قبل المرشد الإيراني ليس من الأمريكان بل “من جماعتنا” فهم أخطر على حكم المذهب للعراق من الأمريكان أنفسهم، وفق تعبير السوداني.
السوداني الذي يعترف في مجالسه مع زعماء الإطار التنسيقي بأنه ليس الضمانة لاستمرار حكم الشيعة للعراق ولا أي أحد من قادة الإطار! بل الأمريكان هم أملنا الأخير للبقاء في سدة الحكم، وبمجرد أن نخسرهم، سنخسر كل شيء. وهو أمر يبدو من الوهلة الأولى فلسفة سياسية برغماتية ناجحة بالنسبة للسوداني من أجل استمرار حكم المذهب. وهذه طريقة التفكير تنفي بشكل تام وجود تصنيف يمكن اعتباره محسوب على الحمائم!
يتبدد مفهوم “الحمائم” أما حقيقية الانكسار الإيراني في المنطقة وذلك يعني بالضرورة كسر ما تبقي من أضلاع المثلث الطائفي الذي أرادته طهران للإقليم، فالانحناء للعاصفة السياسية لتفكيك ميليشيات إيران في العراق هو التسمية الأدق مقابل “الحمائم”.
ذلك ما أوضحه أحد أقارب خامنئي بتصريح لصحيفة فايننشيال تايمز بقوله “بينما نقاوم الضغوط الأمريكية، فإننا سنشير أيضا إلى استعدادنا للتفاوض. تعمل إيران على تقليص الإجراءات التي قد تستفز واشنطن، حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف”
واعترف قريب خامنئي بأن هجمات إسرائيل على إيران وعلى ما يسمى “محور المقاومة” للجماعات المسلحة المدعومة من طهران، بما في ذلك حزب الله، دفعت القادة الإيرانيين إلى إعادة تقييم تصورهم لقوة إيران في الشرق الأوسط.
أو يمكن اقتباس من الباحث الأمريكي ومدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جيريمي شابيرو مصطلح “الرجولة الجيوسياسية “Geopolitical Manhood” التي سُحقت في إيران ولم يتبق غير أن تسحق ميليشياتها في العراق.
وذلك ما يقوله أيضا جوناثان شانزر، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فانهيار نظام بشار الأسد في سوريا كان اللحظة الحاسمة للتحرك ضد الميليشيات الإيرانية في العراق.
وقال شانزر “في الوقت الحالي، يتساءل العراقيون عما إذا كانوا التاليين ويخشى الجميع من التأثير السام والطبيعة التآكلية للنفوذ الإيراني في الدولة”.
اما من يستخدمون مفردات الحمائم في الإطار التنسيقي فأنهم لا يريدون فقط قسر التاريخ على القبول بتعبير شاذ عن الحقيقة، وإنما يريدون موائمة قطع الأحجية الخاطئة، فأطفال السياسية في المنطقة الخضراء سيتركون كل صخب النحيب الطائفي عندما يخيرون ما بين مجلس نحيب مستمر بوصفه أكبر منجزات سياسة المذهب! وبين خزائن مصرف العراق المفتوحة لهم! سرعان ما سيقولون سنستولي على الأموال كي نديم استمرار مجلس النحيب! وابحث بعدها عما إذا كان بمقدورك موائمة مصطلح الحمائم معهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى