هيئة علماء المسلمين في العراق: ترامب يفضح الانحياز لتحقيق “نصر قسري” لصالح المحتل في غزة
التصورات التي قد تطرأ على أذهان بعض الناس بأن مساعي رئيس الولايات المتحدة لإفراغ قطاع غزة من أهله مقتصرة على القطاع فقط، إنما هي تصورات واهمة ومغلفة بالسذاجة، لأن هدفه توسيع نفوذ ما تسمى (إسرائيل) في الشرق الأوسط ومنحها المزيد من القوة، والعبث بالمنطقة وتغيير شكلها، والعمل على إضعافها أكثر.
عمان- الرافدين
قالت الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات النزعة العنصرية المخزية بالدعوة إلى تهجير أهلنا من أبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وهم الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم وحرياتهم في سبيل الحفاظ عليه محررًا مطهرًا من دنس الاحتلال ومشاريعه التوسعية.
وأضافت الهيئة في بيان صدر الخميس السادس من شباط بشأن بتصريحات الرئيس الأمريكي الداعية إلى تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، بأنها تفضح مرة أخرى الانحياز المفضوح لتحقيق (نصر قسري) لصالح الكيان الصهيوني المحتل، الذي ما يزال حتى اللحظة عاجزًا عن إدراك حقيقة ما جرى في معركة طوفان الأقصى، بموازاة الفشل الأمريكي في تحقيق كامل أهدافه، التي أعلنها حين شرع الاحتلال في عدوانه على الرغم من الدعم غير المحدود الذي تبذله واشنطن على الأصعدة كلّها منذ ما يقرب من سنة ونصف.
وأكدت هيئة علماء المسلمين في العراق في بيانها:
أولًا: إنّ تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومراميه بتهجير أبناء قطاع غزة، ومحاولته فرض ذلك على عدد من الدول في المحيط الجغرافي لفلسطين، هي جزء من سياق العدوان الذي تشنه المشاريع الاحتلالية في أنحاء الأرض كافة، بحثٍّ ودعمٍ من الدوائر السياسية والأنظمة الغربية التي لم تعد تخجل من الإعلان الصريح عن العداوة والبغضاء ضد المسلمين وأمتهم وأوطانهم، والسعي لإحداث الفتنة بين ظهرانيهم؛ مصداقًا لقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217].
ثانيًا: على الرغم من يقيننا التام بأنّ أبناء فلسطين عامة و غزة على وجه الخصوص ومن ورائهم أبناء الأمة جميعًا؛ قادرون على إفشال هذا المخطط الخبيث مثلما نجحوا في إفشال (صفقة القرن) قبل بضع سنين، ومثلما مكّنهم الله –تعالى- من رد عدوان الاحتلال في معركة طوفان الأقصى منذ وقت قريب؛ فإن من غير الصواب الاتكال على هذه القناعة بمعزل عن الأخذ بالأسباب اللازمة لحماية قطاع غزة، ببذل الجهد، وإعلان الاستنفار، والسعي دون تباطؤ في الميادين كافة، وعلى مختلف التخصصات والوسائل: السياسية، والإعلامية، والميدانية، والمالية، والشعبية، وغيرها؛ من أجل التصدي لهذه الصفحة المستجدة من صفحات العدوان.
ثالثًا: إن التصورات التي قد تطرأ على أذهان بعض الناس بأن مساعي رئيس الولايات المتحدة لإفراغ قطاع غزة من أهله مقتصرة على القطاع فقط، إنما هي تصورات واهمة ومغلفة بالسذاجة، فإن هذا الرئيس الذي بدأ ولايته بافتعال المشكلات على مستوى العالم كلّه؛ صرّح دون مواربة بأن هدفه هو توسيع نفوذ ما تسمى (إسرائيل) في (الشرق الأوسط) ومنحها المزيد من القوة، مما يعني أن تهجير أبناء قطاع غزة هو مجرد الخطوة الأولى من المسار المفضي إلى العبث بالمنطقة وتغيير شكلها، والعمل على إضعافها أكثر مما هي عليه من ضعف؛ احترازًا مما أظهرته مواقف الشعوب ونخب الأمّة من قوة في دعم معركة طوفان الأقصى بما يهدد -لو تطور على نحو عملي راشد- بزوال كيان الاحتلال وتطهير المنطقة منه، ولعل في تصريحاته التي سمّى فيها دولًا عربية بأسمائها ما بين الافتراء عليها بمواقف مغايرة لما أعلنت عنه، أو الضغط عليها لإجبارها على الرضوخ بقبول مشروع التهجير، ما يعزز هذا الأمر.

رابعًا: في ضوء ما تقدم من حقائق ورؤى، وعملًا بمقتضى النصوص الشرعية في بيان العمل الواجب تجاه مؤامرات العدو ومخططاته، ومساعيه؛ فإن مشروع تهجير أبناء غزة يلُزم الأمّة جميعًا بأفرادها وجماعاتها، ومؤسساتها وعلمائها، وشعوبها وأنظمتها -كل بحسب تخصصه ومجال عمله-: الإعداد والعمل، والجهاد بالأنفس والأموال، وعدم ادخار أي جهد في سبيل الحفاظ على غزة وحماية أهلها من التهجير القسري، وصيانة أرض فلسطين من التوسع الاحتلالي، والسعي الدؤوب نحو تمكين المسجد الأقصى المبارك وعدم السماح بإفراغ محيطه من القوى اللازمة لحمايته، فإن الله –عز وجل- يقول: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾[الأنفال: 55-60].
خامسًا: نصيحتنا في هذا المقام نقدمها للنظام الرسمي: المسلم منه والعربي؛ بأن السواد الأعظم من هذه الأمّة -بما يمتلكه من مؤهلات وقيادات نخبوية من علماء ومفكرين وصُناع حياة- يدرك حقيقة الصراع، ويفهم جيدًا ما عليه من واجبات، ويتقن على نحو تام كيفية الدفاع عن أهله ومقدساته وأراضيه وأوطانه، وأن أمام الأنظمة فرصة تأريخية لتسجل فيها موقفًا يحسب لها في هذه المرحلة؛ وذلك بألا تعيق -أولًا- شعوبها عن العمل بما يلزم تجاه قضاياها وفي مقدمتها فلسطين، وأن تتخذ -ثانيًا- إجراءات عملية قوية لإفشال مخطط التهجير وعدم السماح بتنفيذه؛ لأنها -إن لم تفعل- ستكون هي وبلدانها أول المتضررين بسببه، على الأصعدة والمناحي كلّها.