حكومة الإطار التنسيقي مسلوبة الإرادة أمام التوغل الإيراني في النظام المصرفي العراقي
واشنطن تضيق الخناق على نشاط إيران الاقتصادي في العراق بعد إصدار ترامب ووزارة الخزانة ووكالات أمريكية أخرى قرارا يحول دون استغلال إيران للنظام المصرفي العراقي لتهريب العملة والتهرب من العقوبات الأمريكية.
بغداد – الرافدين
أكد خبراء اقتصاديون أن السلطات الحكومية في العراق المعروفة بأنها مسلوبة الإرادة أمام التغول الإيراني أمام “امتحان صعب” عقب توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مذكرة رئاسية لاتخاذ إجراءات فورية من الوكالات الفيدرالية لمنع إيران من استخدام النظام المالي العراقي.
وقالوا إن الحكومة في بغداد تقف أمام مفترق طرق بين عقوبات أمريكية قد تطال نظامها الاقتصادي الذي يسمح لنمو علاقة طفيلية مع النظام الاقتصادي الإيراني من جهة وبين استمرارها في الانصياع لإيران التي تتحكم في المشهد العراقي بكافة تفاصيله ولاسيما الاقتصادية.
وجاءت هذه التحليلات متزامنة مع ما كشفته الأرقام الضخمة لمبيعات البنك المركزي من العملة الصعبة، والتي بلغت أكثر من 81 مليار دولار خلال العام 2024 مقارنة مع نحو نصف هذا المبلغ من عام 2023 الذي بلغ حينها قرابة 41 مليار دولار.
وتكشف هذه الأرقام والزيادة في المبيعات عن نشاط محموم لإيران وأذرعها في استغلال هيكلية الاقتصاد العراقي في تدفق مليارات الدولارات لصالحها بعدما ذهبت غالبية هذه المبالغ لتغطية تمويل التجارة الخارجية، بسعر الصرف الرسمي الذي حدد بـ 1305 دنانير مقابل كل دولار.
وتعمد إيران على استغلال النظام المالي في العراق من أجل التحايل على العقوبات الدولية، وإيجاد منفذ هام للحصول على العملة الصعبة وتهريبها إلى طهران.
ويحدد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية، عبد الرحمن المشهداني مجموعة من الأساليب التي تتبعها إيران في العراق، والتي تظهر بشكل جلي في ميزان التجارة الذي يميل لصالح طهران، حيث تصدر بغداد بما قيمته أقل من مليار دولار لهذه الدولة المجاورة التي لطالما عانى العراق منها.
وقال إن القطاع الخاص العراقي الذي يستورد بالمليارات من إيران، عادة ما يعتمد على تحصيل الدولار من السوق الموازية، من خلال شبكات صرافة محددة أو حتى من الأفراد بشكل مباشر.
وأكد على أن هذه التعاملات المالية مع إيران عادة لا تتم عن طريق البنك المركزي، خاصة بعدما فرضت المنصة الإلكترونية في فترة سابقة.
ولفت المشهداني إلى وجود معلومات تؤكد أنه يوجد عملة عراقية مزيفة يتم طباعتها في إيران، ويتم ضخها في السوق العراقية للحصول على الدولار.
وأضاف إن هناك فصائل موالية لإيران في العراق، أسس بعضها شركات استثمارية، تقوم بتحويل مليارات الدولارات بشكل مباشر إلى إيران.
وأشار إلى أنه “بالرغم عن الحديث عن وجود تبادلات عراقية إيرانية تستخدم فيها التومان الإيراني، إلا أن الجزء الأكبر من الصفقات تتم بالدولار الأمريكي”.
وتساءل كيف تجرى عمليات شراء بضائع بنحو 25 مليون دولار يوميا من إيران؟
وأوضح “من بين الوسائل أيضا التي تستغل فيها طهران بغداد، عمليات النقل أو بيع النفط الإيراني على أنه نفط عراقي، حيث تجرى المبادلات في المياه الإقليمية في خطوة للتحايل على العقوبات الدولية.
وحدد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية الآلية التي يتم بموجبها فبركة شهادات منشأ وتصدير لهذا النفط على أنه من العراق، ويتم إعادة تصديره إلى دول في شرق آسيا، والتي تقوم بإعادة بيعه.

وسبق أن كشف النائب الجمهوري، جو ويلسون، في وقت سابق من شهر شباط الجاري أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصدر توجيها دعا فيه إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران من أجل التهرب من العقوبات أو تجاوزها.
وأوضح ويلسون في منشور عبر منصة إكس أرفقها بصورة من القرار الذي وقعه ترامب، أن هذه الخطوات يجب أن تضمن عدم استخدام إيران للنظام المالي العراقي للتهرب من العقوبات، أو تجاوزها، وعدم استخدام دول الخليج كنقاط إعادة شحن لصالح طهران.
ومنعت الولايات المتحدة 14 مصرفا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأمريكية إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات في الشرق الأوسط، وفقا لما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
ولضمان الالتزام بالمعايير الأمريكية فيما يتعلق بتبييض الأموال والعقوبات على إيران، منع أكثر من 20 مصرفا عراقيا من القيام بتحويلات بالدولار، لكنها لا تزال تعمل في العراق باستخدام الدينار.
وفي حال توسع العقوبات لتشمل الجهاز المصرفي الذي يعمل جزء كبير منه لصالح النظام الاقتصادي الإيراني فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التبعات الكارثية على الاقتصاد العراقي، خاصة وأن 28 بنكا خاضعة لعقوبات من بين 62 بنكا في العراق.
في غضون ذلك يؤكد الأكاديمي وأستاذ علم الاقتصاد، نبيل المرسومي أن إيران تصدر رسميا منتجات وسلعا تقدر بحوالي 12 مليار دولار للعراق، وهذه كلها إيرادات متحققة بالدولار لصالح طهران.
وأشار إلى أن هذه الأرقام تعكس فقط ما يحصل على صعيد التجارة، ولكن هناك الكثير من المبالغ التي يتم تهريبها عن طريق شبكات معقدة.
ويتفق المرسومي مع ما ذهب إليه المشهداني بما يتعلق بوجود مجموعة من المستوردين والمصارف ومكاتب تحويل الأموال لتشكيل شبكات تعتمد على وثائق مفبركة، أكان بالكميات أو بالقيمة، من أجل تحويل مليارات الدولارات سنويا.
ويؤكد وجود نوعين من التهريب للدولار في العراق، واحدة لإدخال العملة الصعبة للسوق العراقية، والثانية لإعادة تهريبه إلى إيران.
وأضاف أنه في بعض الأسواق العراقية يتم إجراء معاملات بالتومان الإيراني، ولكن يتم استبدال هذه المبالغ مرة أخرى في الداخل العراقي بالدولار.
وأشار إلى إن الآليات التي وضعت خلال الفترة الماضية لكبح تهريب العملة إلى ومن العراق، لم تنجح خاصة المنصة الإلكترونية.
وذكر أن المنصة لم تؤد الغرض المطلوب منها، إذ زادت مبيعات البنك المركزي من الدولار خلال الفترة التي تلت افتتاح المنصة، ببساطة كان المستوردون يقدمون فواتير مفبركة وحتى إن تتبعوها بطريقة أصولية لا يمكن كشف تزويرها.
وفي مطلع العام الحالي أوقف البنك المركزي العراقي العمل بآليات المنصة الإلكترونية المتعلقة ببيع الدولار، فيما أشار إلى استمرار آلية منح الدولار للمسافرين في المطارات.
ويؤكد عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب جمال كوجر أن “المنصة الإلكترونية لتحويل الأموال لم تتمكن من إيقاف تهريب العملات الصعبة من العراق إلى إيران، وتنشط شبكات في تحويل الدولار الكاش الموجود في الأسواق الموازية”.
وقال كوجر إن “الآليات التي تتبعها طهران في العراق تستهدف المؤسسات الرسمية مثل البنك المركزي، أو البنوك الخاصة التي يعد بعضها واجهات لأحزاب سياسية عراقية”.
وتابع “من بين أبرز الطرق التي تتبعها إيران باستغلال القطاع التجاري يتمثل في استيراد بضائع يتم تضخيم فواتيرها، وعلى سبيل المثال قد تكون الصفقة بقيمة مليون دولار، لتصبح على الورق بقيمة أربعة ملايين دولار”.
وزاد أن الطريقة الثانية التي بدأت تنتشر بإنشاء مصانع إيرانية في الداخل العراقي، ويتم بيع منتجاتها في السوق، والإيرادات يتم تحويلها لإيران عبر شبكات متخصصة.
وحتى أن بعض المبالغ النقدية يتم إرسالها بشكل مباشر عن طريق أفراد يعبرون الحدود إلى إيران، خاصة مع تراخي المنافذ الحدودية في تتبع أو منع تهريب العملة.
وخلص بالقول إن “المعادلة معقدة في العراق، إذ أن العديد من القوى السياسية مرتبطة بإيران، وأي فك لارتباط مع طهران سيواجه رفضا كبيرا.
وتحتاج إيران إلى عملة الدولار من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تضرر بشدة من العقوبات الأمريكية، بينما فقدت العملة الإيرانية المضطربة الكثير من قيمتها في الوقت الذي تستغل فيه البنك المركزي العراقي في امدادها بمعظم ما تحتاجه من الدولارات.

وسبق أن كشف موقع “إنتلجنس أونلاين” عن قيام السلطات الأمريكية بفرض فريق من الخبراء الماليين لما أسمته “تنظيف” البنك المركزي العراقي من الفساد.
وذكر الموقع الفرنسي المعني بالشؤون الاستخباراتية عن تواجد فريق من المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة الأمريكية لإصلاح البنك بعد حملة ضغوط على حكومة محمد شياع السوداني لمنع تهريب العملة إلى إيران.
ويرأس الفريق الأمريكي تشيب بونسي المدير السابق لمكتب السياسات الاستراتيجية لتمويل الارهاب والجرائم المالية، ويدير شركة “كي 2 إنتيجريتي” في واشنطن وله اطلاع شامل بملفات العراق المالية وما يتعلق منها بما يسمى بـ “نظام الصرف الصحي لبيع العملة” وهو أكبر ملفات الفساد في تهريب العملة إلى إيران.
وذكر الموقع أن مهمة بونسي في البنك المركزي العراقي تتلخص بمناقشة التغييرات التي طرأت على القطاع المالي. من ثم القيام بتنظيف بنك الرافدين، الذي كان محور تحقيقات فساد كبرى على مدى العام الماضي.
وكان البنك المركزي العراقي قام ببيع وشراء الدولار لمصارف تابعة لسياسيين وأحزاب متنفذة خلال شهر واحد فقط بمبلغ يصل إلى 4 مليارات و348 مليوناً و889 ألفاً و811 دولار.
ولطالما منحت الولايات المتحدة العراق إعفاءات من تطبيق العقوبات بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.
وألغى ترامب في وقت سابق من شهر شباط الجاري، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران فيما قرر أيضا منع طهران من “استغلال أموال بغداد”.
ويعد ملف الكهرباء حساسا في العراق، فسكانه البالغ عددهم 43 مليون نسمة يعانون بشكل يومي انقطاعا متكررا للكهرباء قد يصل إلى 10 ساعات. ويزيد الأمر سوءا ارتفاع درجات الحرارة حتى الخمسين خلال الصيف.
وتعتمد المحطات الكهربائية العراقية بشكل كبير على الغاز الإيراني، لكن بفعل العقوبات الأمريكية على طهران، لا يمكن لبغداد أن تدفع مستحقات استيراد الغاز من إيران في الأشهر القادمة.