التوازنات الإقليمية والدولية وتحرير العراق

أهل مكة أدرى بشعابها، ولذا، فالتقدير الوارد هنا، يتعلق بالوضع العربي والإقليمي والدولي والدور الخارجي بالغ الأهمية في شأن التغيير في العراق، إذ كان الدور الخارجي هو ما أدخل العراق في حالة الاحتلال والتدمير وحكم الميليشيات الإجرامية والإقصائية.
لم يصل العراق إلى الحال الذي عليه بسبب أو نتيجة لتفاعل عوامل داخلية، بل بفعل غزو واحتلال أمريكي وسبب تسليم سلطة الاحتلال هذا البلد لإيران وميليشياتها.
وقتها كان الدور الإقليمي والوضع الدولي غير قادر على تقديم أية مساندة للعراق. كانت الولايات المتحدة هي المهيمنة بلا منازع على الوضع الدولي. كانت الدول الكبرى في العالم غائبة. كانت موزعة بين من كان يعاني التفكك والضعف “كما حالت روسيا” ومن كان منغمسا في التحضير للقفز في مستويات التنمية والحصول على معالم القوة “الصين” وهو ما كان يجرى بالتعاون مع الولايات المتحدة ذاتها. ومن كان منغمسا في تجربة بناء هيكل إقليمي “أوروبا والاتحاد الأوروبي”. وفي تلك الأيام كانت إيران تعيش بريق عرض النفس على الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها. وكانت تركيا في بداية مشوارها للاستقلال الحضاري وفي بداية مشروع تقدمها الاقتصادي والعسكري.
وإن بقي من الصورة الوضع الرسمي العربي، فلم يكن هناك من هو قادر حتى على الاعتراض على تدمير العراق أو حتى على تسليمه لإيران وميلشياتها!
الآن كل شيء تغير.
لقد تغير الوضع الداخلي في العراق، إذ انكشفت تجربة الميليشيات أمام الشعب العراقي وفي كل المجالات، سواء على صعيد عمالتها لإيران، أو على صعيد فشلها في تأسيس نظام حكم أو لمجرد تحسين الخدمات.
لم تنجح الميليشيات سوى في التخريب والقتل وتدمير البناء الوطني المجتمعي.
كان اندلاع مظاهرات تشرين 2019 وما بعدها، ذي دلالات كبرى على حدوث التغيير، إذ كان الاحتشاد والمواجهة مع الميليشيات في ذات المناطق التي ادعت الحكم باسمها.
وفي موضوعنا، فالوضع العربي والإقليمي والدولي الذي أتاح فرصة لاحتلال العراق دون رد فعل، وفتح المجال لكل هذا التدمير قد تغير وبحده. الآن، ويمكن القول بأن المحصلة لتلك المواقف قد تجلت فيما أحداث في سوريا.
في الإقليم لدينا مؤشرات واضحة، إيران الآن في أضعف حالاتها على الصعيد الداخلي والإقليمي. مؤشر ما حدث في سوريا بالغ الدلالات، ليس فقط لأن إيران خرجت بكل قوتها وميلشياتها، بل بالأساس لأنها هربت بقواتها وميلشياتها دون قتال في لحظة الحسم. والمعنى هنا أنها وصلت إلى تقدير بأنها ستهزم فقررت الهرب.
إيران الآن أضعف وهي تحت ضغط هائل، وأوضاعها الداخلية هشة، وهي ليست في وارد التدخل المباشر لمواجهة عملية تغيير في العراق.
وفي المقابل، فإن تركيا التي اقتصر دورها خلال الغزو والاحتلال في عام 2003، على منع استخدام قاعدة أمريكية على أراضيها، قويت ويشهد دورها الإقليمي طفرة، ويمكن المراهنة على دورها في كف أذى الآخرين.
وعلى الصعيد العربي، وإذ يغيب الدور الأمريكي المباشر في المواجهة، موازنة بأيام الغزو والاحتلال. وقياسا على الموقف العربي الذي تجلت ملامحه عقب التغيير في سوريا، فيمكن المراهنة على دور عربي داعم في مرحلة ما من صراع التغيير.
وعلى الصعيد الدولي فالمساحة مفتوحة الآن أكثر من أي وقت مضى.
ترامب مشتبك مع كل دول العالم. مشتبك مع الحلفاء لا الأعداء فقط. هو معزول وليس من صالحه الآن التورط في مشكلات بالعراق وقد يرى أن إضعاف الميليشيات أمر، إن لم يدعمه فهو -على الأقل- لن يقاوم حدوث.
وترامب يعلن عن سعيه لتقليص ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية وهو داخل في معارك لا حصر لها مع الدولة الأمريكية العميقة.
دعونا نقل إن ما طرحه بشأن غزة والرد العربي وتأثيره عليه، وانعزاله المتنامي في العالم، وفي داخل الولايات المتحدة إلى درجة تقديم 143 برلمانيا أمريكيا مذكرة تحذير لما طرحه بشأن التطهير العرقي في غزة، يظهر مؤشرات جدية على قدرة الإدارة الأمريكية على الوقوف في مواجهة التغيير في العراق.
الوضع العربي والإقليمي والدولي تغير لمصلحة التغيير في العراق، بل يمكن القول، إنه أصبح جاهزا للتعاطي مع عملية تغيير محسوبة وذكية في العراق.
ويبقى تقدير الأوضاع الداخلية وحساب كلفة التغيير…