أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

التقاعس الحكومي عن إزالة المخلفات الحربية يهدر المزيد من أرواح العراقيين

تستمر المخلفات الحربية في العراق بقتل وإصابة مئات المواطنين سنويًا، في بلد لم تتوقف فيه العمليات القتالية طيلة العقود الماضية، وكان آخرها الفاجعة التي ألمت بمحافظة البصرة التي خسرت ثلاثة من تلاميذها بانفجار لغم أرضي.

البصرة – الرافدين
انتقدت مراصد حقوقية وخبراء بيئيون الإهمال الحكومي في رفع المخلفات الحربية، وعدم وجود رقابة على دخول المناطق الخطرة، مع الإعلان عن وفاة ثلاثة تلاميذ من عائلة واحدة بانفجار لغم من تلك المخلفات في محافظة البصرة جنوبي العراق.
وأجمعوا على أن تطهير البيئة من هذه الألغام والمتفجرات بات ضرورة ملحة بل ووجودية ولا سيما في ظل تواصل حصد تلك الألغام لأرواح العراقيين.
وأكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق على أن الألغام الأرضية والذخائر العنقودية خلفت أكثر من 30 ألف ضحية في العراق.
وأشار المركز إلى أن العديد من الأطفال فقدوا أطرافهم من جراء انفجار الألغام الأرضية، وما زال الآلاف من العراقيين ضمن الخطر المحدق.
وطالب المركز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني باتخاذ إجراءات عاجلة لرفع كافة الألغام الأرضية وتعويض الضحايا، والإسراع بتشريع قانون حظر الألغام الأرضية والذخائر العنقودية.
كما دعا إلى تركيز الجهود على محافظة البصرة باعتبارها الأكثر تضررًا، مطالبًا الحكومة بتعويض ضحايا هذه المخلفات وإطلاق حملات توعية حول مخاطر الألغام.
وتواجه محافظة البصرة تحديات متواصلة بسبب وجود مخلفات حربية وألغامٍ أرضية متبقية منذ الحروب السابقة، ما يشكل خطرًا على حياة المدنيين، لا سيما في المناطق الزراعية والأراضي المفتوحة التي لم تخضع لإجراءات المسح وإزالة الألغام بشكلٍ كامل.
وشهدت المدينة انفجارًا آخر مطلع شهر شباط الجاري، استهدف عائلة كانت في طريقها إلى مزرعتها شمالي البصرة، وأسفر عن وفاة طفلين وشابين وإصابة امرأة بجروح بالغة.
وأخبر مصدر أمني بمحافظة البصرة الجمعة، برفع مخلف حربي في قضاء الزبير غربي البصرة، من دون تسجيل أي أضرار بشرية أو مادية، وذلك بالتزامن مع حادثي انفجار لغمين أرضيين في وقتٍ سابق.
وبحسب المصدر، فقد تمكنت الفرق المتخصصة من رفع مخلف حربي، دون أن يتسبب ذلك بأي حادث يُذكر بالتزامن مع مصرع ثلاثة أطفال مساء الجمعة أثناء لعبهم كرة القدم في قضاء أبي الخصيب جنوبي البصرة، إثر انفجار لغمٍ أرضي في المنطقة، ما أدى إلى مقتلهم على الفور.
وبين رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي أن “البصرة شهدت يوما حزينا لها ولكافة محافظات العراق، حيث راح ثلاثة من أبنائها الطلاب ضحية انفجار لغم أرضي في منطقة مدرسة كوت الزين الابتدائية للبنين في ناحية السيبة”.
وكشف الغراوي أن الضحايا هم كل من “نمر طالب خضير جادم (الصف الثاني الابتدائي)، كاظم رياض مزعل جادم (الصف الثالث الابتدائي)، وجاسم محمد خضير جادم (الصف الرابع الابتدائي)”.
وطالب الحكومة والمؤسسات الدولية بإطلاق حملة لإزالة الألغام والمخلفات الحربية، مؤكدًا ضرورة أن يُعتبر العراق خاليًا من هذه المخلفات بنهاية عام 2025.

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق: الألغام الأرضية والذخائر العنقودية خلفت أكثر من 30 ألف ضحية في العراق

وتؤكد دائرة شؤون الألغام أن الافتقار إلى خرائط حقول الألغام وقاعدة بيانات حقيقية وتغير مواقع الألغام على مدار السنين بسبب عوامل التعرية والفيضانات يفاقم صعوبة حصر الألغام وتأشيرها ثم رفعها وإبطالها.
ويؤكد مدير قسم الإعلام والتوعية في دائرة شؤون الألغام العراقية مصطفى حميد أن محافظة البصرة تتصدر المحافظات الأكثر تلوثًا بالألغام والمخلفات الحربية في العراق حيث تتجاوز مساحةُ الأراضي الملوثة فيها أكثر من 1200 كلم مربع تليها محافظات ديالى وميسان وواسط والمثنى.
ولفت حميد إلى أن محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك تعد من المناطق الملوثة بالمخلفات الحربية والعبوات الناسفة التي خلفها تنظيم داعش إبان سيطرته على هذه المدن.
وأوضح أن التلوث في العراق ينقسم إلى أربعة أنواع هي الألغام المضادة للأفراد والذخائر العنقودية والمخلفات الحربية والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش.
وأشار الى أن العمل في مجال إزالة الألغام في العراق يتم على المستوى الحكومي من خلال وزارتي الدفاع والداخلية وعلى المستوى المنظماتي وذلك بالاعتماد على دعم الدول المانحة وأبرز المانحين وزارة الخارجية الأمريكية.
ولفت حميد إلى أن عمل المنظمات الدولية تراجع في العراق خلال السنتين الماضيتين نتيجة قلة الدعم الحكومي فيما توجه جهد الدول المانحة الى مناطق الصراع في أوكرانيا.
وزاد أنه بموجب الاتفاقيات الدولية فإن السقف الزمني لإنهاء ملف الألغام في العراق هو نهاية عام 2028 في حال توفر الإمكانيات المالية والبشرية والاستقرار العام في البلاد.
ويشكك خبراء بهذا السقف الزمني بعدما فشلت الحكومات المتتابعة بالالتزام بموعد سابق كان قد حدد قبل نحو سبع سنوات.
وتصدر العراق قائمة أكثر الدول تلوثًا بالألغام والمخلفات الحربية وفق تقديرات الأمم المتحدة وتقارير دولية ومحلية نتيجة الحروب التي خاضها هذا البلد خلال العقود الماضية، إذ تبلغ مساحة الأراضي الملوثة أكثر من 6 آلاف كلم مربع.
وتقول دائرة شؤون الألغام العراقية إنها تمكنت خلال العقدين الماضيين وبدعم الدول المانحة والمنظمات الدولية من تطهير نحو 59 بالمائة من هذه الأراضي.
وسبق أن أثارت منحة المملكة العربية السعودية المالية لحكومة السوداني لتمويل مشاريع المسح وإزالة الذخائر العنقودية والألغام في محافظات عراقية امتعاض الشارع العراقي من الإهمال الحكومي المتعمد لملف الألغام في البلاد.
وعد مواطنون المنحة المالية السعودية دليلًا على حجم فساد الحكومة الحالية بالاعتماد على منح خارجية لحل قضايا عالقة تمس أمن المواطن بالوقت الذي تتمتع به الحكومة بميزانيات انفجارية.
وكان وزير البيئة في حكومة الإطار التنسيقي نزار ئاميدي قد وقع قبل استقالته العام الماضي مذكرة تفاهم مشتركة مع وفد يمثل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في المملكة العربية السعودية تتضمن تقديم منحة مالية تخصص لإزالة الذخائر العنقودية والألغام في بادية المثنى.
وعلى الرغم من بعض الجهود الخجولة محليًا فضلًا عن الدولية فإن مشكلة الألغام ما زالت قائمة في العراق وتشكل تهديدًا مستمرًا للمدنيين بعدما تحولت إلى شكل من أشكال الموت والمعاناة لضحاياها مع إهمال المتضررين من قبل السلطات الحكومية ولا سيما في محافظة البصرة.
ويقول موفق الخفاجي أحد ضحايا الألغام إن “لغمًا انفجر به في محافظة البصرة تسبب ببتر ساقه”.
ويصف الخفاجي أوضاع ضحايا الألغام بالمؤلمة قائلا “لا تعويض مادي ولا اهتمام حكومي جدي بالمتطلبات الصحية لضحايا الألغام”.

تواجه البصرة تحديات متواصلة بسبب وجود مخلفات حربية وألغامٍ أرضية متبقية منذ الحروب السابقة ما يشكل خطرًا على حياة المدنيين

وكانت محافظات عراقية أخرى إلى جانب البصرة قد شهدت حوادث تسبّبت في قتل وجرح عشرات من الشبّان والأطفال، خصوصًا من الذين يمارسون الرعي في المناطق المفتوحة، نتيجة تعرّضهم لانفجار ألغام ومخلّفات حربية أخرى.
ووفق بيانات دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن “عشرات العراقيين يفقدون حياتهم بسبب انفجار الألغام التي تهدد أيضًا حياة 8.5 مليون من إجمالي تعداد العراق البالغ عددهم 45.4 مليون نسمة”.
وسبق أن صرحت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان في وقت سابق أن “سنوات الحروب والنزاعات في العراق، جعلته واحدًا من البلدان شديدة التلوث بالأسلحة في العالم”.
وأشارت عدنان إلى أن المساحة الملوثة بالمخلفات الحربية قريبة من حجم 364 ألف ملعب كرة قدم.
وأضافت أن “معالجة مشكلة تلوث الأسلحة في العراق تتطلب موارد هائلة وجهودًا منسقة لجمع المعلومات عن التلوث وآثار الأسلحة المتفجرة وتعزيز إزالة الألغام وزيادة التوعية بالمخاطر، إضافة إلى تقديم المساعدة للضحايا”.
وكان تقرير سابق لمنظمة “ماغ” الإنسانية الدولية التي تساعد الدول على إزالة وتدمير الألغام الأرضية والقنابل غير المنفجرة، قد كشف أن العراق هو البلد الأكثر تلوثًا بالألغام في العالم، وأن جهود إزالتها ما تزال متأخرة لعقود من السنين.
ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي للمنظمة دارين كورماك قوله “نعمل في العراق منذ العام 1992 وشاهدت بأم عيني الأثر المستمر للتلوث بالألغام الأرضية الناجم عن نزاعات عديدة، بما في ذلك غزو 2003″.
وأشار إلى أن حرب 1980 إلى 1988 مع إيران، وحرب الخليج عام 1991، والنزاعات الداخلية، وغزو العراق عام 2003، كلها عوامل ساهمت في جعل هذا البلد أكثر دول العالم انتشارا للألغام”.
وحذر من أن الأطفال هم غالبًا ما يكونون ضحايا للمتفجرات وأن حقول الألغام ما زالت تحصد “الأرواح والأطراف” في العراق، كما أن انتشار هذه الألغام القاتلة، تسبب عرقلة تعافي العراق بعد الحرب.
وأوضح أن “مشكلة الألغام الأرضية تعيق التنمية أيضا، وتمنع النازحين من العودة إلى ديارهم وتحبط إعادة الإعمار بعد الصراع”.
وأشار التقرير إلى أن عمال الإغاثة في العراق حذروا من أن البلاد لا تزال “في أزمة” بعد مرور أكثر من عشرين سنة على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، حيث يعيش حوالي ثلث سكان البلاد تحت وطأة الفقر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى