مأساة غرق الخيام بغزة تتجدد شتاءً مع غياب البدائل والحلول
غرقت مئات الخيام التي تؤوي عائلات فلسطينية بينها أطفال ومسنون، بما تحتويه من ملابس وأغطية وفراش، بالكاد تكفي العائلات التي تقطن الخيام المهترئة المصنوعة من أقمشة غير مخصصة للوقاية من تسرب الماء ولا تصمد أمام قوة الريح.
غزة – مع منخفض جوي مصحوب برياح قطبية وأمطار، تتجدد معاناة مئات العائلات الفلسطينية النازحة بقطاع غزة جراء الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل على مدار نحو 16 شهرا.
ومساء الخميس وفجر الجمعة، غرقت مئات الخيام التي تؤوي عائلات بينها أطفال ومسنون، بما تحتويه من ملابس وأغطية وفراش، بالكاد تكفي العائلات التي تقطن الخيام المهترئة المصنوعة من أقمشة غير مخصصة للوقاية من تسرب الماء ولا تصمد أمام قوة الريح.
وقضت تلك العائلات الليل دون أن تنام بعد أن تبللت أمتعتها ومفروشاتها بمياه الأمطار وسط البرد القارس الذي يقضم أجساد أفرادها الضعيفة.
بعض تلك العائلات حاولت بجهود ذاتية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أمتعتها التي تلوثت بالطين الناجم عن غرق الأرضية الوعرة التي نصبت عليها الخيام.
هذا التلوث معاناة من نوع آخر تضاف لمأساة الفلسطينيين الذين لا يجدون بديلا للإيواء إلا هذه الخيام في ظل المماطلة الإسرائيلية في إدخال 60 ألف بيت متنقل (كرفان)، ونص البروتوكول الإنساني من اتفاق وقف إطلاق النار على إدخالها في المرحلة الأولى.
وفي كانون الثاني الماضي، بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والتي تتضمن ثلاث مراحل تمتد كل منها 42 يومًا، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل استكمال المرحلة الجارية.
وتروي الفلسطينية دعاء كحيل (43 عاما)، وهي أم لستة أطفال، تفاصيل معاناتهم بعد أن غرقت خيمتهم بمياه الأمطار وتبللت ملابسهم وأغطيتهم التي بالكاد تكفيهم، قائلة “الظروف الإنسانية بدون منخفض جوي سيئة جدا”.
وتابعت في مقابلة هاتفية “مع كل منخفض جوي يصل القطاع نغرق بمياه الأمطار وأجساد الأطفال ترتجف من البرد في ظل عدم وجود وسائل للتدفئة”.
وتوضح أنها لم تجد ما تضعه على أجساد أطفالها إلا الملابس التي تبللت جراء الأمطار.
وأشارت إلى أن المنخفضات الجوية وتأثيراتها التي باتت متكررة تتسبب بإصابة أطفالها بأمراض الشتاء كالسعال والزكام.
إلى جانب ذلك، فإن تجمع المياه في الأرضية الوعرة يجعل من المكان الذي نصبت فيه الخيمة غير صالح للسكن ويسبب أمراضا مختلفة خاصة المعوية.
وتحاول كحيل بالحد الأدنى حماية أطفالها من الإصابة بالأمراض لكن استمرار هذه الظروف التي تصفها بالمأساوية يجعلها تفشل أحيانا، وفق قولها.
بدوره، يقول متحدث الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، إن مئات الخيام غرقت منذ لحظة دخول المنخفض الجوي الجديد، الخميس.
وتابع “وصلتنا مناشدات من مواطنين جراء تساقط الأمطار أو البرودة الشديدة طالبوا بتوفير بدائل وأغطية وملابس، لكن الظروف صعبة جدا”.
معاناة من نوع آخر تضاف لمأساة الفلسطينيين الذين لا يجدون بديلا للإيواء إلا هذه الخيام
واستكمل قائلا “العيش في الخيام في ظل الانخفاض الشديد بدرجات الحرارة، وسط ظروف إنسانية صعبة، أمر لا ينسجم مع طبيعة الإنسان”.
ومنذ الخميس، يتأثر قطاع غزة بمنخفض جوي مصحوب بكتلة هوائية قطبية وأمطار ضرب الأراضي الفلسطينية ومتوقع أن يستمر لأيام، بحسب الراصد الجوي ليث العلامي.
ويقول إن البرد القارس يؤثر على الأطفال والكبار في السن الذين يعيشون داخل تلك الخيام في ظل عدم وجود أي وسيلة للتدفئة أمامهم.
وذكر أن “الفلسطينيين الذين لم تدمر منازلهم خلال حرب الإبادة، يعانون من البرد القارس داخل المنازل، فما بالكم بسكان الخيام!”، وفق تعبيره.
وبيّن أن هذه المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تتجدد بشكل متكرر مع دخول المنخفضات الجوية إلى قطاع غزة.
وأشار إلى أن العائلات التي تقطن في الخيام تكون مستلزماتها وأمتعتها وأغطيتها قليلة وبالكاد تكفي أفرادها، فغرقها بمياه الأمطار يشكل “نكسة حقيقية للعائلة”.
وأضاف “اليوم في ظل هذه الظروف، بات أكبر هم للمواطن الفلسطيني بغزة توفير الحد الأدنى من الملابس والأفرشة التي يندر توفرها في الأسواق، لذا غرقها وتلفها في حال اختلطت مع الطينة يشكل نكسة كبيرة لهم”.
ولفت إلى أن غرق خيام النازحين خلال ساعات الليل، وتبلل مفروشاتهم، يعني أن الآلاف قضوا هذه الليلة دون نوم لعدم وجود بديل لديهم وعدم وجود مكان يقيهم من مياه الأمطار وبرودة الأجواء.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن قرابة 1.5 مليون شخص أصبحوا بلا مأوى بعد تدمير منازلهم، في حين يعاني جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون شخص من عدم توفر أبسط الخدمات الحياتية الأساسية وانعدام البنى التحتية.
وتنصلت إسرائيل من السماح بإدخال المساعدات الإنسانية “الضرورية” للقطاع خاصة 200 ألف خيمة و60 ألف منزل متنقل “كرفان” لتوفير الإيواء العاجل للفلسطينيين المتضررين، منتهكة بذلك اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب المكتب الحكومي وهو ما أكدته حركة “حماس”.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين تشرين الأول 2023 وكانون الثاني 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
عالم بلا ضمير يترك الأطفال تحت برد وأمطار الشتاء