أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيالأخبارتشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

مقابل كل صحفي ينجو من الموت في العراق يتم إطلاق النار على 100 آخرين

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين: الاستهداف المستمر للعاملين في مجال الإعلام المعنيين بإظهار الحقائق وفضح الانتهاكات المرتكبة في العراق، هو تكتيم ممنهج وتغييب قسري لحقيقة ما يجري في العراق بعد 2003، حيث اتخذت جميع الحكومات المتعاقبة نقل الأحداث من وجهة واحدة من قبل وسائل إعلام مرتبطة بها.

عمان- الرافدين
تناول المحور التاسع من التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق 2024، الذي أصدرته هيئة علماء المسلمين، وضع الحريات العامة والصحفية.
وعالج التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق – 2024 تحت عنوان “واحد وعشرون عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد” أبرز قضايا حقوق الإنسان في العراق التي تم التعامل معها على مدار العام 2024، ويبين الأهداف التي أُعد لأجلها، والوسائل المتبعة لتحقيقها، وفق رؤية القسم والرسالة التي يحملها على عاتقه.
وتطلب إعداد هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للأدلة والمعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية والحقوقية الدولية في إخراجها إخراجًا دقيقًا وحياديًا، بهدف تقديم تقرير موضوعي، قائم على الحقائق، ويسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة.
وتنشر قناة “الرافدين” المحور التاسع كجزء من نشر التقرير كاملا على أجزاء.

وضع الحريات العامة والصحفية

يتعرّض الوضع الحقوقي في ظل الاحتلال المستمر للعراق، وخاصةً فيما يتعلق بالحريات العامة والصحفية؛ إلى تحديات هائلة ناتجة عن القمع الحكومي وسطوة الميليشيات، اللذين يقيدان الحقوق الأساسية للمواطنين. وعلى الرغم من وجود نصوص دستورية تضمن الحقوق والحريات الأساسية، إلا أن الواقع يشهد انتهاكات وفظائع متواصلة تمارسها السلطات الحكومية والميليشيات المسلحة، ما يجعل هذه الحقوق في ظل الاحتلال المستمر عبر حكوماته المتعاقبة مجرد حبر على ورق.
وبدأت المفارقة القاتمة في العراق منذ الساعة التي قال جورج دبليو بوش لمواطنيه إن القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها بدأت بشن الحرب العدوانية لغزو العراق ونزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة و “تحرير” الشعب العراقي و “الدفاع” عن العالم من خطر جسيم. ومنذ ذلك الحين انهارت الدولة في العراق وتمت سرقة جميع الوزارات والمؤسسات والمنشآت العامة من قبل فضلات المجتمع العراقي وظهرت الميليشيات التي تدعمها وتمولها وتدربها طهران وتبارك وجودها واشنطن، وباتت المتحكم المطلق بالبلاد؛ وبدأت فوضى السلاح وعمليات القتل خارج القانون والاعتقالات التعسفية وجرائم الاختفاء القسري والانفجارات بجميع أنحاء العراق ولاسيما العاصمة بغداد.

الإعلام في العراق الجديد: واقع مؤلم وتحديات مستمرة

لعل ما تعرض له العاملون في مجال الإعلام في العراق الجديد –وما يزالون- في ظل الديمقراطية والحرية المزعومتين؛ يتلخص في أنه مقابل كل صحفي ينجو من الموت، يتم إطلاق النار على 100 آخرين. وفي السنوات الإحدى والعشرين الماضية، قُتل في العراق مئات الصحفيين الذين يشكلون ثلث أعداد الصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم خلال المدة نفسها، إلى جانب تعرُّض آلاف آخرين منهم للتهديد، أو الاختفاء القسري والتعذيب أو الاختطاف أو الاحتجاز بشكل غير قانوني. وبالمقابل يفلت جميع القتلة من العقاب في العراق.
إن الاستهداف المستمر للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام المعنيين بإظهار الحقائق وفضح الانتهاكات المرتكبة في العراق، هو تكتيم إعلامي ممنهج وتغييب قسري لحقيقة ما يجري في العراق بعد 2003، وما اتخاذ جميع الحكومات المتعاقبة من طبيعة نقل أحداث ما جرى ويجري في البلاد وتناولها من وجهة واحدة من قبل وسائل إعلام مرتبطة بها إلا دليل دامغ على ذلك، وسط تعتيم إعلامي متواصل على حقيقة ما حدث في البلاد وما يصاحبه من سهولة كيل التهم دون إجراء تحقيقات أو قبل الإعلان عن نتائجها لكل مناهض للاحتلال الأمريكي-الإيراني للعراق أو رافض لمشاريعه وإفرازاته، وبالمقابل يجري تبرئة الجهات مشاركة بالعملية السياسية القائمة على المحاصصة، التي لديها سجل مزدحم بالجرائم الوحشية ضد الصحفيين والناشطين الإعلاميين ولاسيّما الميليشيات الولائية المهيمنة بشكل كامل على مناطق واسعة من البلاد والمرتكبة لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والمنفذة لحملات تطهير طائفي وعقاب جماعي في معظم محافظات العراق؛ الأمر الذي يعكس الواقع المرعب لمهنة الصحافة الحرة في العراق وغياب دور الإعلام المستقل في البلاد والمستقبل المجهول للعاملين في هذه المهنة، جرّاء الاستهداف المستمر للصحفيين الذي يدفع المجتمع نحو الارتباك والتضليل.
ويُظهر هذا التقرير جانبًا من الحالة المزرية للحريات العامة والصحفية في العراق، ويبرز التحديات الكبيرة التي يواجهها الصحفيون والمواطنون في العراق نتيجة للقمع الحكومي والنفوذ الذي تتمتع به الميليشيات المسلحة، وكيف أن هذه الممارسات تؤثر بشكل مباشر على بيئة الحريات العامة وحرية الصحافة في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الشهادات التي أدلى بها الصحفيون الذين حالفهم الحظ وظلوا أحياءً بعد استهدافهم، تفيد بأن ما حصل خلال الهجمات التي تعرضوا لها جرى على أعين القوات الأمنية التي لم تحرك ساكنًا تجاه ذلك. وسنتناول في هذا التقرير المحاور التالية:

1 – الإطار الدستوري والقانوني للحريات العامة والصحفية في العراق.

2 – واقع الحريات العامة في العراق.

3 – واقع الحريات الصحفية في العراق.

4 – الانتهاكات والتهديدات التي يواجهها الصحفيون المستقلون.

5 – التحديات الأمنية وتأثيراتها على الحريات العامة والصحفية.

6 – التغطية الإعلامية في العراق: الإعلام الحكومي مقابل الإعلام المستقل.

7 – دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

الإطار الدستوري والقانوني للحريات العامة والصحفية في العراق ومدى الالتزام الحكومي به

دستور 2005: رغم تضمينه نصوصًا كثيرة تكفل حرية التعبير وحرية الصحافة، فإن التنفيذ الفعلي لهذه المواد في الواقع يشهد عقبات كبيرة، وينطوي على انتهاكات مستمرة من قبل الحكومة والميليشيات والجهات المؤثرة الأخرى.

المادة 38 من الدستور

تنص المادة 38 من دستور العراق لعام 2005 على أن (تكفل الدولة وبجميع الوسائل المتاحة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والنشر والإعلان، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي). ومع ذلك، يُلاحظ أن الواقع العملي في العراق لا يعكس هذا التوجه الدستوري، بل يشهد قمعًا متزايدًا ضد الصحفيين المستقلين والمحتجين السلميين والمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم:
التضييق على الصحفيين: تتعرض وسائل الإعلام المستقلة والصحفيين إلى تهديدات مستمرة من قبل السلطات الحكومية والجماعات المسلحة. الصحفيون الذين يغطون الاحتجاجات أو ملفات الفساد وانتهاكات الميليشيات يتعرضون للاعتقال أو الاختطاف أو حتى القتل، مما يجعل تطبيق المادة 38 مجرد نصوص فارغة في الواقع.
الرقابة الحكومية: الحكومة تفرض رقابة مشددة على الإعلام، سواء من خلال القوانين التعسفية أو من خلال الضغط السياسي، مما يعيق الصحافة الحرة. الإعلاميون الذين ينتقدون الحكومة أو يتناولون القضايا الحساسة مثل الفساد أو الميليشيات يتعرضون للمضايقات.
القوانين والممارسات الحكومية التي تعيق تنفيذ المادة 38
قانون الإرهاب: تستخدم الحكومات المتعاقبة في العراق قانون مكافحة الإرهاب بشكل انتقائي لملاحقة الصحفيين المستقلين والناشطين المدنيين الذين ينتقدون الحكومة أو يسلطون الضوء على الانتهاكات الحقوقية. هذا القانون يضع الصحفيين في وضع خطر، حيث يمكن أن تُتهم وسائل الإعلام بنشر معلومات مغلوطة أو إثارة الفتن تحت مسمى “تهديد الأمن القومي”.
قانون المطبوعات: يُعتبر قانون المطبوعات في ظل حكومات الاحتلال أداة لتقييد حرية الصحافة. حيث يفرض هذا القانون شروطًا صعبة على وسائل الإعلام والمطبوعات، كما يعطي السلطات الحكومية القدرة على إغلاق الصحف أو التهديد بالتحقيق ضد الصحفيين الذين لا يلتزمون بتوجهات الأحزاب المتنفذة والميليشيات.

التحديات الأمنية وميليشيات السلطة

الميليشيات المسلحة: في ظل سيطرة الميليشيات المسلحة على المشهد العراقي، فإن الصحفيين الذين لا يخضعون لرغبات الأحزاب المتنفذة يجدون أنفسهم عرضة للتهديدات والاعتداءات. هذه الجماعات المسلحة تتدخل بشكل مباشر في حرية الصحافة، فتفرض رقابة على الإعلام المحلي والدولي في العراق.
الاختطاف والتهديدات: يتعرض العديد من الصحفيين والمواطنين الذين يعبرون عن آراء ناقدة للسلطة إلى الاختطاف والتعذيب أو حتى القتل، ما يعكس فشل حكومي ممنهج في حماية الصحفيين وتطبيق الحريات المكفولة دستوريًا.

الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات السلمية

القمع الحكومي ضد الاحتجاجات: رغم أن المادة 38 تنص صراحة على حرية التظاهر السلمي، إلا أن الحكومة لا تتردد في قمع التظاهرات، سواء عبر الاعتقالات العشوائية أو استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين. الصحفيون الذين يغطون هذه التظاهرات يصبحون في خطر دائم، حيث يتم تهديدهم أو منعهم بكل الأساليب من التغطية الصحفية، في خرق صريح للمادة الدستورية.

ثورة تشرين فاصلة في تاريخ العراق المعاصر

الأثر السياسي والاقتصادي على حرية الصحافة

السيطرة السياسية: تستمر الأحزاب المتنفذة في السيطرة على معظم وسائل الإعلام، مما يخلق احتكارًا إعلاميًا. ونتيجة لذلك، لا يتمكن الصحفيون من نشر تقارير مستقلة أو معلومات دقيقة* عن القضايا السياسية أو الاقتصادية، وهو ما يعد انتهاكًا صريحًا لحرية الصحافة وفقًا للمادة 38.

التمويل والضغط الاقتصادي: الحكومة والأحزاب المتنفذة تستخدم الضغط الاقتصادي ضد وسائل الإعلام المستقلة، مثل حجب التمويل أو فرض ضغوط اقتصادية على المؤسسات الإعلامية التي تتخذ مواقف ناقدة للحكومة.

في العراق الجديد، وعلى الرغم من وجود نصوص دستورية تضمن حرية التعبير وحرية الصحافة، إلا أن التنفيذ الفعلي لهذه المواد في الواقع يعاني من تحديات خطرة وباقية ما بقت حكومات الاحتلال والميليشيات؛ فالقمع الحكومي وسطوة الميليشيات على الساحة الإعلامية يعكسان صورة قاتمة لحالة الحقوق والحريات في البلاد، الأمر الذي يؤكد أن جميع الحكومات المتعاقبة في العراق غير جادة في تنفذ المواد الدستورية المتعلقة بالحرية، بل ساهمت وتساهم في تقويض حقوق الصحفيين والمواطنين من خلال استغلال القوانين التعسفية والقمع الأمني، مما يجعل الحرية الصحفية مجرد وهم في الواقع العراقي.

واقع الحريات العامة في العراق

على الرغم من النصوص الدستورية التي تكفل الحق في التعبير والاحتجاج السلمي في العراق، إلا أن القيود الحكومية المفروضة على التظاهرات السلمية وحرية التعبير عبر الإنترنت تمثل انتهاكًا صارخًا لهذا الحق. وفي الوقت الذي يتم فيه استخدام جميع أدوات القمع السياسي والأمني من قبل السلطة لكبح حرية الرأي وفض التظاهرات ومنع التعبير عن الرأي الشعبي المناهض أو المعارض للسياسات الحكومية أو الميليشيات؛ يتم السماح من قبل نفس السلطات للتظاهرات والتجمعات التي تطبل للنظام القائم وللمليشيات ويتم دعمها بكل ما تحتاجه لاستغلالها إعلاميا وإظهار مظهر مزيف لحقيقة الواقع الجاري في العراق.

القيود على التظاهرات السلمية

القمع الأمني ضد المحتجين: يشهد العراق قمعًا مفرطًا ضد المظاهرات السلمية التي تشهدها البلاد. في العديد من الحالات، يتم استخدام القوة المفرطة من قبل القوات الأمنية لتفريق المحتجين، حيث يتم الاعتداء بالضرب أو استخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين. كما تَعرض العديد من الناشطين والصحفيين للتهديدات والاعتقالات التعسفية، مما يحد من قدرة المواطنين على التعبير عن مطالبهم المشروعة.

القوانين التعسفية: رغم أن الدستور العراقي يضمن الحق في التظاهر السلمي، إلا أن السلطات الحكومية تستخدم قوانين الطوارئ والقوانين الأمنية لتبرير القمع والاستخدام المفرط للقوة المميتة. حيث تُفرض قيود على التنقل، ويتم منع المظاهرات في البلاد بحجج الحفاظ على الأمن أو مكافحة الإرهاب، وهو ما يُستخدم عادة للحد من الاحتجاجات ضد فساد وفشل الحكومة أو ممارساتها غير القانونية.

القيود على حرية التعبير عبر الإنترنت

الرقابة على الإنترنت: في ظل الطبيعة القمعية للحكومات المتعاقبة، يتم فرض رقابة مشددة على الإنترنت والمنصات الاجتماعية. وحجب المواقع الإلكترونية التي تُنشر فيها محتويات ناقدة للحكومة أو تدعو إلى التظاهر السلمي أصبح أمرًا شائعًا. إضافة إلى ذلك، يتم اعتقال الناشطين الرقميين الذين ينتقدون السلطات أو يشاركون في تظاهرات إلكترونية، تحت ذرائع تتعلق بـ”الأمن القومي” و “النظام العام”.

التهديدات الإلكترونية: الصحفيون المستقلون والمدونون الذين يعبّرون عن آرائهم عبر الإنترنت يواجهون تهديدات بالقتل أو الاختطاف من قبل الجهات الأمنية أو الميليشيات المسلحة. حيث يتم استخدام التكنولوجيا وصرف الأموال من قبل الحكومة لتعقب المحتوى المعارض وتوجيه التهديدات ضد من يقوم بنشره.

قانون الجرائم الإلكترونية: يُستخدم قانون الجرائم الإلكترونية من قبل الحكومات المتعاقبة في العراق كأداة لتقييد حرية التعبير على الإنترنت. حيث يُمكن للسلطات استغلال هذا القانون لإغلاق الحسابات التي تنتقد الحكومة أو المؤسسات الأمنية، أو حتى لتوجيه تهم بالإرهاب أو إثارة الفتن ضد من ينشرون محتوى يعارض الحكومة.

الاحتجاجات العامة وحظرها

الاحتجاجات الشعبية: جميع الحكومات المتعاقبة العراق بعد الاحتلال سعت وتسعى إلى تقييد الاحتجاجات الشعبية التي تناهض الاحتلال أو تعارض الفساد أو الهيمنة الأجنبية أو سياسات الحكومة الأمنية. حيث يتم فرض حظر على مثل هذه التظاهرات أو إعاقة أي محاولة للتجمع في ساحات عامة تحت الذرائع الأمنية، بينما في المقابل، يُسمح بمظاهرات مؤيدة للحكومة أو الميليشيات المسلحة.

التخويف من العنف: غالبًا ما يتم تصوير الاحتجاجات السلمية على أنها مؤامرات تهدد الاستقرار الوطني، مما يساهم في تشويه سمعة المتظاهرين وإظهارهم على أنهم مثيرو شغب أو داعمون للإرهاب. وهذا النهج الحكومي يشجع على التخويف والمزيد من الضغط النفسي على المواطنين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة.

التأثيرات على البيئة الحقوقية العامة

آثار التضييق على الحياة السياسية والاجتماعية: جميع حكومات الاحتلال المتعاقبة عملت على تقييد حرية التعبير وفرض الرقابة على المظاهرات ووسائل الإعلام وهذا النهج الحكومي يقتل روح الديمقراطية ويؤثر سلبًا على تطور المجتمع. حيث لا يمكن للمواطنين التعبير عن آرائهم بحرية في ظل التخويف المستمر والممارسات القمعية.

تقويض الحق في الحصول على المعلومات: فرض الرقابة غير القانونية على الإنترنت ووسائل الإعلام المستقلة بهدف إعاقة حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، مما يجعل من المستحيل لهم اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن قضايا حقوق الإنسان والسياسات الحكومية.

ويُعتبر الحق في التعبير في العراق الجديد مقيدًا بشدة من خلال التضييق على التظاهرات السلمية ومنعها، وفرض الرقابة غير القانونية على الإنترنت، والقمع الوحشي المستمر ضد المحتجين السلميين والناشطين المدنيين. ورغم أن الدستور يضمن هذه الحقوق، إلا أن الحكومات المتعاقبة تصر على استخدام القوانين التعسفية والإجراءات الأمنية القمعية لإخماد أي صوت معارض أو مطالب إصلاحية، مما يجعل الحرية السياسية والحقوق المدنية في العراق الجديد في خطر دائم.

قلم الصحافة يرعب الفاسدين في العراق

واقع الحريات الصحفية في العراق

يعكس واقع الحريات الصحفية في العراق بعد الاحتلال صورة قاتمة مليئة بالتحديات والانتهاكات المستمرة التي تقيد حرية التعبير وتُهدّد استقلالية الصحافة. وعلى الرغم من أن دستور 2005 يضمن الحق في حرية التعبير والصحافة المستقلة، فإن التطبيق الفعلي لهذه الحقوق يعاني من تحديات جسيمة نتيجة للسيطرة الحكومية والضغوط الأمنية. يواجه الصحفيون في العراق مضايقات من قبل السلطات والميليشيات، التي تستخدم أدوات القمع والتخويف لإسكات الأصوات المنتقدة وتقييد التغطية الإعلامية للفشل الحكومي وملفات الفساد والقضايا الاجتماعية الحساسة.

القمع الحكومي وتهديد الصحفيين

الاعتقالات والتهديدات: الصحفيون المستقلون الذين يغطون القضايا الحساسة أو ينتقدون الحكومة بشكل مباشر، سواء كانت قضايا فساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، غالبًا ما يتعرضون للاعتقال التعسفي أو التهديدات بالقتل أو حت القتل الفعلي. السلطات تستخدم القوة المفرطة في مواجهة أي تغطية إعلامية ناقدة، ما يجعل من الصحافة المستقلة من أخطر المهن في العراق الجديد.

القتل والاختطاف: شهد العراق بعد الاحتلال معدلات مرتفعة من قتل الصحفيين أو اختطافهم من قبل قوات الاحتلال أو القوات الحكومية أو الميليشيات. ورغم الجهود الدولية والمحلية المطالبة بحماية الصحفيين، فإن جميع الحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا في تقديم حماية فعالة لهذه الفئة المهمة في المجتمع، أو في تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى القضاء. وبهذا أصبح العراق في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة من بين الدول الأكثر خطرا على حياة الصحفيين والإعلاميين في العالم.

الرقابة والسيطرة على الإعلام

الرقابة الحكومية: تمارس الحكومات المتعاقبة في العراق بعد الاحتلال رقابة شديدة على وسائل الإعلام، وخاصة الصحف المستقلة. وتتدخل السلطات الأمنية بشكل مباشر في المحتوى الإعلامي، وتفرض قيودًا على نشر الأخبار المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الاحتجاجات الشعبية أو قضايا الفساد. ويتم استخدام القوانين واللوائح كأداة للضغط على وسائل الإعلام المستقلة وتوجيهها إلى خطوط التحرير المواتية للحكومة.

إغلاق وسائل الإعلام: الصحف أو القنوات التلفزيونية المستقلة التي لا تلتزم بالتوجيهات الحكومية يتم إغلاقها أو إيقافها، وهو ما يعكس انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة. وفي العديد معظم الحالات، يتم إغلاق المؤسسات الإعلامية المستقلة تحت مسميات مثل “التشهير” أو “تحريض الرأي العام ضد الدولة”.

نفوذ الميليشيات المسلحة

الميليشيات والسيطرة على الإعلام: تتدخل الميليشيات المسلحة، المدعومة من الحكومة والأحزاب المتنفذة، في حرية الصحافة من خلال تهديد الصحفيين والمحررين أو فرض رقابة على بعض المواضيع الحساسة. الصحفيون الذين يتناولون انتهاكات الجماعات المسلحة أو ينقدون التدخلات الخارجية يعرضون أنفسهم للترهيب من قبل هذه الميليشيات، مما يجعل العمل الصحفي الحر مستحيلا في العراق الجديد.

التشويش على التقارير الصحفية: الميليشيات لا تكتفي بتهديد الصحفيين، بل تتدخل في صياغة الأخبار أو تمنع التحقيقات الصحفية التي تفضح نشاطاتها المشبوهة. وتساهم هذه الميليشيات بشكل كبير في ترهيب الصحفيين وتحريف الحقائق وتشويهها من خلال توجيه الإعلام بما يتماشى مع رغباتها ومخططاتها.

القوانين التعسفية والممارسات القضائية

قانون المطبوعات: يشترط قانون المطبوعات في العراق الجديد أن يلتزم الصحفيون بعدد من المعايير المقررة من قبل الدولة، بما في ذلك تجنب انتقاد الحكومة أو التطرق إلى قضايا الفساد وملفات هدر أموال الدولة. وأي مخالفة لهذه المعايير تؤدي إلى الغرامات أو الحبس أو إغلاق الصحف وقبل ذلك الملاحقة من قبل الميليشيات. وفي الكثير من الحالات، يتم توجيه تهمة الإرهاب للصحفيين الذين ينشرون تقارير غير مرضية للسلطات الحكومية.

قانون الإرهاب: يُستخدم قانون مكافحة الإرهاب من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة كأداة قمعية ضد الصحفيين المستقلين الذين ينشرون تقارير تنتقد الحكومة أو تفضح الفساد والفشل الحكوميين أو تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في العراق الجديد. ويمكن توجيه التهم إليهم على أنها تحريض على الإرهاب أو تهديد للأمن الوطني، مما يعرضهم للسجن لفترات طويلة.

الصحافة الإلكترونية والشبكات الاجتماعية

القيود على الإنترنت: في ظل النظام الحكومي القمعي، تم فرض قيود صارمة على الصحافة الإلكترونية ووسائل الإعلام عبر الإنترنت في العراق، حيث يتم حجب المواقع الإلكترونية التي تنشر معلومات ناقدة للحكومة أو تقارير حول الفساد أو التدخلات الأجنبية السلبية. علاوة على ذلك، يتعرض الصحفيون الإلكترونيون للهجوم الرقمي أو الاختراق من قبل جهات أمنية أو ميليشيات، في محاولات لحجب حساباتهم والضغط عليهم أو تقييد حرية النشر على الإنترنت.

ملاحقة المدونين وناشطي الإنترنت: الصحفيون الرقميون الذين يروجون للآراء المناهضة أو المعارضة يواجهون تهديدات واعتقالات، ويتم توجيه التهم إليهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية أو قوانين الإرهاب. هذه الممارسات تدل على أن الحكومات المتعاقبة تحاول تقويض حرية التعبير على الإنترنت.

وفي ظل حكومات الاحتلال، يُعد واقع الحريات الصحفية في العراق حالة طوارئ حقيقية، حيث يتم التضييق على الصحفيين المستقلين بشكل ممنهج بواسطة الحكومة والميليشيات المسلحة. ورغم أن الدستور العراقي يكفل الحق في حرية التعبير، فإن السلطات الحكومية تواصل استخدام القمع السياسي والقوانين المقيّدة لتوجيه الإعلام وإسكات الأصوات المناهضة والمعارضة. وفي هذا السياق، يظل الصحفيون المستقلون في العراق عرضة لمخاطر كبيرة، فيما تستمر الحكومات المتعاقبة في انتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين، وبالتالي قمع حرية الصحافة.

حكومة السوداني توظف القانون في ملاحقة الناشطين

الانتهاكات والتهديدات التي يواجهها الصحفيون المستقلون

في العراق الجديد، يعمل الصحفيون الذين يتبنون وجهات نظر مناهضة للحكومة في بيئة شديدة التوتر والصعوبة، إذ يواجهون العديد من التحديات والمخاطر الضخمة التي تهدد حريتهم وحياتهم المهنية والشخصية، والتي تشمل مجموعة متنوعة وممنهجة من التهديدات والانتهاكات التي تحد من قدرتهم على أداء مهنتهم بحرية وأمان، وتمنعهم من ممارسة دورهم في الكشف عن الحقيقة ومساءلة الحكومة، كما تؤثر على حريات الإعلام في المجتمع بشكل عام. وفيما يلي أبرز تلك التحديات:

التهديدات الجسدية والعنف

الاغتيالات: يُقتل الصحفيون بشكل دوري في العراق بسبب ممارستهم للصحافة المستقلة. في العديد من الحالات، يتم اغتيال الصحفيين الذين يغطون قضايا الفساد أو الميليشيات المسلحة أو السلطات الحكومية. ومعظم الصحفيين الذين تم اغتيالهم كانوا يحققون في قضايا فساد داخل الحكومة أو يرتبطون بتغطية الاحتجاجات الشعبية.

الاختطاف: يتعرض الصحفيون المستقلون للاختطاف من قبل ميليشيات مسلحة أو جهات حكومية للضغط عليهم من أجل إسكاتهم أو لتخويفهم. قد يستمر الصحفيون في الاختفاء لعدة أيام أو أسابيع دون أي محاكمة أو محاسبة للمسؤولين عن اختطافهم.

الاعتداءات الجسدية: الصحفيون المستقلون الذين يغطون الاحتجاجات أو المواجهات السياسية غالبا ما يتعرضون للضرب أو الاعتداءات البدنية من قبل قوات الأمن أو الميليشيات المسلحة.

التهديدات القانونية

القوانين القمعية: السلطات الحكومية في العراق الجديد وعلى مدار السنوات الإحدى والعشرين الماضية، استخدمت القوانين من أجل تقييد حرية الصحافة وليس لحماية الصحفيين. على سبيل المثال، يمكن أن يواجه الصحفيون المحاكمات بناءً على اتهامات مثل “التحريض على الفتنة” أو “التشهير” أو “إهانة الرموز الوطنية”، وهي تهم قد تؤدي إلى عقوبات بالسجن أو الغرامات.

قوانين مكافحة الإرهاب: يتم استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأداة قمعية ضد الصحفيين الذين يوجهون انتقادات للحكومة أو الميليشيات المسلحة. والصحفيون الذين يفضحون انتهاكات الأجهزة الأمنية أو يكشفون عن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الحكومي، والتي قد تشمل محاولات تطهير طائفي أو تغييرات ديموغرافية، يتعرضون للملاحقة القانونية، حيث يتم توقيفهم أو التحقيق معهم، وما يترتب على ذلك من انتهاكات جسيمة لحقوقهم وحرياتهم الشخصية، في محاولة لتخويفهم وإجبارهم على الصمت أو التراجع عن كشف الحقائق.

التهديد بالحبس الاحتياطي: في بعض الحالات، يواجه الصحفيون تهديدًا بالحبس الاحتياطي لمجرد ممارسة عملهم الإعلامي بشكل حر. وفي حال نشروا تقارير تضر بمصالح بعض الأطراف المتنفذة في البلاد، فإنهم يتعرضون للسجن أو التحقيق.

الرقابة على وسائل الإعلام

الرقابة الحكومية المباشرة: تمارس الحكومات المتعاقبة في العراق الجديد ضغوطًا كبيرة على وسائل الإعلام المستقلة لتجنب نشر التقارير التي تضر بالسلطة. من أمثلة الرقابة قيام السلطات بحجب مواقع الإنترنت التي تناهض أو تعارض السياسات الحكومية، وتوجيه الصحف ووسائل الإعلام لتجنب نشر موضوعات معينة.

الضغوط الحكومية على الإعلام: في معظم الحالات، يتم تهديد وسائل الإعلام بتقليص أو قطع التمويل إذا نشرت تقارير تنتقد الحكومة أو الميليشيات المسلحة. كما قد يتم تهديدهم باتهامات قانونية أو فرض غرامات ضخمة عليهم.

التهديدات الإلكترونية

القرصنة الإلكترونية: تتعرض العديد من المواقع الإلكترونية التي تديرها وسائل الإعلام المستقلة للهجمات الإلكترونية، بما في ذلك اختراق الحسابات والمواقع. وغالبًا ما يُستخدم هذا النوع من الهجمات لإيقاف أو تدمير المعلومات التي تكشف فسادًا أو تجاوزات.

التهديدات عبر الإنترنت: الصحفيون المستقلون يتعرضون للتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي كثير من الأحيان، يتم التشهير بهم أو مهاجمتهم بالتحريض على العنف، في محاولة لثنيهم عن مواصلة عملهم الصحفي.

المضايقات الاقتصادية

تأثير الممولين: العديد من الصحف ووسائل الإعلام التي تحاول العمل بحرية تواجه صعوبة في الحصول على تمويلات مستقلة، حيث قد تتعرض للضغوط من قبل الجهات التي تدعم أو تجامل الحكومة والأحزاب ذات النفوذ.

الفقر المهني: الصحفيون المستقلون في العراق الجديد يعانون من مشاكل اقتصادية، حيث تُدفع أجور منخفضة في وسائل الإعلام المستقلة، مما يدفع بعض الصحفيين إلى قبول تمويلات أو علاقات مع جهات قد تفرض عليهم نشر تقارير معينة أو التوقف عن نشر مواضيع حساسة.

المناخ السياسي والضغط الاجتماعي

التهديدات من الأحزاب المتنفذة: الصحفيون المستقلون الذين ينتقدون الحكومة أو الأحزاب المتنفذة يتعرضون لضغوط كبيرة، وقد يتعرضون لحملات تشويه من وسائل الإعلام الموالية للنظام. بعض الصحفيين يتعرضون لهجوم من جماعات دينية أو مسلحة تهددهم بالملاحقة إذا استمروا في نشر تقارير قد تضر بسمعة تلك الجماعات.

نقابة الصحفيين أداة للنفوذ السياسي: تحولت نقابة الصحفيين في العراق الجديد، التي كان من المفترض أن تكون الحامي الأول لحقوق الإعلاميين، إلى أداة تابعة للأحزاب المتنفذة في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة. وبدلاً من أن تعمل كجسرٍ بين الصحفيين والدولة، أصبحت النقابة خاضعة لرغبات القوى السياسية المتنفذة، مما أفقدها استقلالها ووظيفتها الحقيقية. في هذا السياق، وقفت النقابة مكتوفة الأيدي أمام الانتهاكات المستمرة التي تُرتكب بحق الصحفيين، وهو ما يعكس تراجعًا خطيرًا في دورها كحامية للحقوق والمدافعة عن الإعلاميين. إن هذا الوضع يُعدّ مؤشرًا بالغ الخطورة ويكشف عن مدى التدهور الذي أصاب عمل النقابة في ظل هذه الحكومات، مما يتطلب من أعضائها أن يكونوا أكثر وعيًا وحذرًا في مراقبة أداء هذه المؤسسة التي يفترض بها أن تكون المدافع الأمين عن حقوقهم.

نقابة الصحفيين تتحول إلى هامش لخطاب الحكومة والميليشيات الطائفية

الضغط الاجتماعي: في بعض الأحيان، يتعرض الصحفيون للتهديدات من أطراف نافذة في المجتمع إذا نشروا مواضيع تتعلق بقضايا الفساد وحقوق الإنسان، أو الصراع بين المجموعات العرقية والطائفية. هؤلاء الصحفيون يواجهون صعوبة في الاستمرار في العمل عندما يواجهون معارضة قوية من تلك الأطراف.

التحديات المتعلقة بالاحتجاجات والمظاهرات

إعاقة التغطية: الصحفيون الذين يغطون الاحتجاجات أو التظاهرات في العراق يواجهون تهديدات مباشرة من قوات الأمن أو الميليشيات المسلحة لمنعهم من التغطية الصحفية المستقلة. في معظم الحالات، تم تفريق الصحفيين بالقوة أو تم منعهم من الوصول إلى ساحات الاحتجاجات.

التخويف والترويع: الصحفيون الذين يحاولون تغطية أحداث الاحتجاجات يتعرضون للمضايقات من السلطات أو الجهات المسلحة الموالية للحكومة. وتم تهديدهم بتوجيه تهم كاذبة ضدهم أو منعهم من دخول مناطق معينة.

إن الانتهاكات الجسيمة لحق العراقيين في حرية التعبير لها أهمية خاصة في ضوء تجدد التظاهرات في وسط وجنوب العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وقد تجاوزت هذه التظاهرات التركيز على الفساد الحكومي، وانعدام الخدمات الأساسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والانتهاكات المستمرة من قبل قوات الأمن، تجاوزت كل ذلك إلى المطالبة الصريحة بإسقاط النظام السياسي القائم في البلاد. وقد استخدمت قوات الأمن الحكومية القوة المفرطة والمميتة، بما في ذلك إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين، لقمع الاحتجاجات، مما أسفر عن مقتل المئات وإصابة آلاف آخرين، كما قامت السلطات الحكومية بإغلاق عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعية الداعمة للتظاهرات أو المتعاطفة معها.

ولم تكتف حكومة الاحتلال التاسعة بتجاهل التضحيات العظيمة للمتظاهرين؛ بل أمعنت في قمع التظاهرات السلمية ومطاردة الناشطين المدنيين الداعمين لها، في رسالة مفادها أن قوى وميليشيات (الإطار التنسيقي) ملتزمة بالنهج الذي تسير عليه منظومة العملية السياسية بإلحاق الأذى بالعراقيين وإزهاق أرواح من يطالبون بحقوقهم منهم، ومنح الوالغين بدمائهم إفلاتًا مطلقًا من العقاب.

الانتهاك الدولي وحقوق الإنسان

الضغط الدولي: بعض المنظمات الحقوقية الدولية تحذر من أن العراق يعاني من انتهاكات كبيرة لحرية الصحافة لكنها لا تتابع مسارات تلك التحذيرات أو ما يفترض أن يترتب عليها، لذا نجد أن الحكومات تواصل ممارساتها القمعية تجاه الصحفيين.

عدم محاسبة المعتدين: حتى تأريخ إصدار هذا التقرير، لم تتم محاسبة الأفراد أو الجهات التي ارتكبت انتهاكات ضد الصحفيين، سواء كان ذلك في شكل اعتداءات جسدية أو تهديدات.

21 عامًا من القمع: العراق يتذيل المؤشر العالمي لحرية الصحافة

مع استمرار التهديدات وجرائم قتل واختطاف الصحفيين في العراق الجديد وعدم الكشف عن ملابسات عمليات اغتيال التي تطال الناشطين والصحفيين وزيادة في جرائم قتل المتظاهرين وتحميل دولي غير رسمي للحكومة في بغداد المتجاهلة للمطالبات المحلية والدولية في الكشف عن نتائج التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين واستمرار المضايقات للقنوات المتعاطفة مع التظاهرات والتهديدات الموجهة ضدها، وسط إصرار حكومي على قمع التظاهرات السلمية بالقوة المميتة، وتشديد الخناق على المتظاهرين المناهضين للحكومة في العراق وبث المعلومات السياسية المضللة المسيئة للتظاهرات الشعبية السلمية الجارية في البلاد عبر وسائل الإعلام الرسمية أو التابعة للأحزاب المتنفذة أو عبر المنصات الاجتماعية من خلال الذباب الإلكتروني، التي تسهم في تشويه سمعة المتظاهرين والناشطين المدنيين المتعاطفين معهم وتضليل الرأي العام.

ومنذ العام 2003، وعلى الرغم من التغيرات السياسية الكبرى التي مر بها العراق، ورغم وعود “التحول الديمقراطي” بعد الغزو والاحتلال، إلا أن الوضع الصحفي في البلاد ظل يعاني من تحديات وصعوبات هائلة، وواصلت الصحافة العراقية صراعها مع القيود والانتهاكات، مما جعل العراق يتذيل بشكل مستمر المؤشر العالمي لحرية الصحافة.

تأثير الغزو والاحتلال على حرية الصحافة

بعد الغزو الأمريكي للعراق، شهدت البلاد دمارا هائلا وصراعات طائفية، بالإضافة إلى ظهور الميليشيات التي فرضت بدورها قيودًا شديدة على وسائل الإعلام والصحفيين. في هذا السياق، أصبح الصحفيون هدفًا للتهديدات والاعتداءات، حيث تعرض العديد منهم للقتل أو الاختفاء القسري أو الخطف، بالإضافة إلى التضييق على وسائل الإعلام التي تحاول نقل الحقيقة.

الضغط السياسي والميليشيات المسلحة

منذ الغزو الأمريكي للعراق، أصبحت الأحزاب المتنفذة والحكومات المتعاقبة تستخدم وسائل الإعلام كأداة لصالحها، ما أدى إلى وجود رقابة غير رسمية على الصحافة. وفي ظل النفوذ الكبير للأحزاب والميليشيات، تعرض الصحفيون للتهديدات والمضايقات سواء من قبل الحكومة أو من قبل هذه الجماعات المسلحة. والصحفيون الذين يغطون الفساد أو الانتهاكات العسكرية أو الأحداث الأمنية في البلاد هم الأكثر عرضة للهجوم والتهديد والاعتقال، بل ويتم اتهامهم بالخيانة أو الإرهاب.

الانتهاكات القانونية

تعد القوانين القمعية مثل “قانون مكافحة الإرهاب” من أبرز الأدوات التي تستخدمها حكومات الاحتلال المتعاقبة للحد من حرية الصحافة. حيث يُستخدم هذا القانون ضد الصحفيين المستقلين الذين يتناولون قضايا حساسة، مثل الفساد الحكومي أو انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يتم اتهامهم بالترويج للأخبار الكاذبة أو تهديد الأمن القومي. كما تتعرض الصحف ووسائل الإعلام المستقلة للملاحقة القانونية إذا خرجت عن الخطوط الحمراء التي تضعها السلطات.

التقييد الاقتصادي والإعلام الموالي

في ظل ما تواجه من صعوبات اقتصادية كبيرة وضغوط سياسية مستمرة، باتت وسائل الإعلام المستقلة نادرة الوجود في العراق الجديد، حيث يعاني العديد من الصحفيين من تدني الأجور والمشاكل التمويلية. في بعض الأحيان، يتم الضغط على وسائل الإعلام للقبول بتمويل من أحزاب أو ميليشيات معينة، ما يحد من قدرتها على ممارسة الصحافة بشكل مستقل. إذ تواجه وسائل الإعلام التي لا تتبع هذا النهج عمليات حجب أو تخريب لها، ما يفاقم الأزمة.

الإحصاءات الدولية

تستمر التقارير الدولية في تصنيف العراق ضمن أسوأ الدول في مجال حرية الصحافة. ووفقًا لمؤشر حرية الصحافة لعام 2024 من “مراسلون بلا حدود”، احتل العراق المركز 162 من أصل 180 دولة، وهو ما يعكس استمرار القمع الحكومي والتهديدات الموجهة ضد الصحفيين المستقلين. ورغم وجود وسائل إعلام متنوعة في العراق، لا يزال الصحفيون يواجهون العديد من الممارسات التي تقيد قدرتهم على تقديم تقارير حرة ومستقلة، وسط انعدام الصحافة الاستقصائية بشكل تام في العراق الجديد.

على الرغم من هذه الظروف الصعبة، هناك بعض المحاولات لتقوية الصحافة المستقلة في العراق، حيث تعمل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على دعم الصحفيين وتوفير الحماية لهم. ومع ذلك، يبقى العراق يعاني من وضع هش للصحافة، ويحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان بيئة صحفية حرة وآمنة.

الصحافة المستقلة في العراق: صراع لا ينتهي بين الحرية والقيود

بعد 2003، يظل العراق يتذيل المؤشر العالمي لحرية الصحافة، نتيجة للمنهجيات التي فرضها الاحتلال لتنفيذ جرائمه بعيدًا عن أنظار الحقيقة، وهي منهجيات استمرّت حكومات ما بعد الاحتلال في تبنيها، لا سيما في ظل الانفلات الأمني، وفوضى السلاح، وهيمنة الميليشيات على المشهد السياسي والعسكري، إضافة إلى ظروف سياسية مضطربة وصراعات داخلية مستمرة. في هذا السياق، تُستخدم وسائل الإعلام كأداة لتنفيذ مخططات السلطة السياسية والقوى المسلحة، مما يحول الصحافة إلى مجرد أداة تابعة. تحت هذه الظروف القاسية، يظل الصحفيون في العراق عرضةً لمخاطر مستمرة، ويواجهون تحديات هائلة في سعيهم لأداء مهامهم بحرية واستقلالية، ما يستدعي ضرورة توفير الدعم والحماية لهم لضمان قدرتهم على كشف الحقيقة وتوثيقها دون خوف أو تهديد.

القتلة خارج السجون والنشطاء في المعتقلات

الصحافة في العراق شهدت تحولات كبيرة بعد الاحتلال الأمريكي المستمر للبلاد، حيث أصبحت في صراع دائم مع القيود والقمع الذي تفرضه الجهات الحكومية والميليشيات. ورغم الدور الحيوي الذي تلعبه الصحافة في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن الصحفيين في العراق يواجهون تحديات ضخمة تتمثل في الرقابة على وسائل الإعلام، وتهديدات العنف، وتقييد حرية التعبير. هذا الصراع المستمر بين رغبة الإعلام في تقديم تغطية مستقلة وبين محاولات السلطة السياسية لإحكام السيطرة على المعلومات يضع الصحافة العراقية في موقف صعب للغاية. وعلى الرغم من التحديات الجمة التي تحيط بالصحافة الحرة في العراق الجديد، والتي استعرضنا جانبًا منها، تظل الصحافة العراقية المستقلة مرآة حية للواقع السياسي والاجتماعي، تؤدي دورًا حاسمًا في نقل الحقيقة بكل موضوعية، متحديةً بذلك كل التهديدات المستمرة والمخاطر المتصاعدة.

التغطية الإعلامية في العراق: الإعلام الحكومي مقابل الإعلام المستقل

في العراق، يظل الإعلام أحد الأدوات الأساسية التي تشكل الوعي العام وتوجه مسارات السياسة والاقتصاد في البلاد. بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003، شهدت وسائل الإعلام العراقية تحولات جذرية، حيث أصبح الإعلام الحكومي والإعلام المستقل في مواجهة مستمرة، مع اختلافات جذرية في أهدافهما وطرق عملهما.

الإعلام الحكومي في العراق الجديد أصبح أداة قوية بيد السلطات الحاكمة والميليشيات، تستخدمها لترويج السياسات الحكومية، وتعزيز مواقف الأحزاب المتنفذة، ومواكبة التوجهات الرسمية. في المقابل، يواجه الإعلام المستقل تحديات كبيرة في محاولاته لتقديم إعلام موضوعي بعيد عن التأثيرات السياسية، في ظل بيئة مليئة بإجراءات التضييق والملاحقات والتهديدات.

تتناول هذه المقارنة تأثير الإعلام الحكومي والإعلام المستقل على المجتمع العراقي، مع التركيز على التحديات التي يواجهها كل منهما، وأثرهما في تعزيز أو تقويض حرية الصحافة، وبناء رأي عام واعي ونقدي.

بعد الغزو الأمريكي للبلاد، تحولت وسائل الإعلام الحكومية في العراق إلى أدوات قوية في يد السلطة السياسية والأحزاب الحاكمة، حيث استخدمتها للترويج لأجنداتها السياسية، وتقليص مساحة حرية الصحافة، وتوجيه الخطاب العام بما يتناسب مع مصالحها. وأصبحت الرقابة على وسائل الإعلام جزءًا أساسيًا من استراتيجية السلطة لتثبيت سيطرتها، مما جعل الصحافة في العراق تواجه تحديات كبيرة في أداء مهامها بشكل مستقل وموضوعي.

وتأثرت الصحافة في العراق الجديد بشكل عميق نتيجة لتدخل الأحزاب المتنفذة في توجيه وسائل الإعلام. وأدى التضييق الحكومي الممنهج على حرية الصحافة إلى تدهور دور الإعلام كسلطة رابعة يمكنها الحفاظ على الشفافية والعدالة. ومع مرور الوقت، أصبح الإعلام أداة للترويج لأجندات حكومات الاحتلال، مما أثر على جودة المعلومات المتاحة للناس، وأضعف من قدرتهم على ممارسة النقد البناء والتفاعل مع القضايا الوطنية بشكل عادل.

وشهدت وسائل الإعلام العراقية بعد 2003، تحولات كبيرة تأثرت بالظروف السياسية والاقتصادية التي نشأت في البلاد. وسائل الإعلام الحكومية التي كانت مملوكة للدولة قبل الاحتلال تحولت إلى أداة سياسية في يد الأحزاب الحاكمة والميليشيات، وهذا التغيير كان له تداعيات عديدة وكبيرة على حرية الصحافة وأداء وسائل الإعلام بشكل عام.

التحولات السياسية في وسائل الإعلام

1 . الاحتلال وأثره على الإعلام: بعد سقوط النظام السابق، تعرضت وسائل الإعلام في العراق لفراغ كبير في السلطة. ومع تدخل القوات الأمريكية، بدأ العديد من وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية في التأسس. في البداية، سادت حالة من الانفتاح في المجال الإعلامي حيث ظهرت وسائل إعلام جديدة (محطات فضائية، وصحف مستقلة، ومواقع إلكترونية) ذات توجهات متنوعة. لكن هذه الفترة لم تستمر طويلاً، إذ بدأت الأحزاب الحاكمة بعد الاحتلال في الاستحواذ على معظم وسائل الإعلام.

2. استغلال وسائل الإعلام من قبل الأحزاب المتنفذة: مع مرور الوقت، أصبح الإعلام الحكومي والإعلام الخاص داخل العراق جزءًا من إستراتيجيات الأحزاب المتحكمة بالبلاد. كل حزب يستخدم وسائل الإعلام للترويج لأجنداته السياسية، وكان هناك تصاعد ملحوظ في التأثير السياسي على الأخبار والتقارير الإعلامية، حيث أصبحت هذه الوسائل أداة لنقل رسائل الحزب الحاكم أو تحشيد الدعم لمواقف معينة.

3. الرقابة والتضييق على الإعلام: مع تسارع الأحداث السياسية في العراق، أصبحت الرقابة على وسائل الإعلام جزءًا أساسيًا من أدوات السلطة الحاكمة، حتى وإن كانت هذه الرقابة غير معلنة أو بشكل غير مباشر. وتشمل الرقابة منع نشر الأخبار التي قد تكون مؤذية لمصالح الحكومة، أو تحريف الأخبار لتتناسب مع توجهات السلطة.

التحديات التي تواجه الصحافة العراقية بعد الاحتلال

1- التعرض للتهديدات والعنف: بسبب الإنفلات الأمني الممنهج في العراق، تعرض الصحفيون في كثير من الأحيان للتهديدات بالعنف أو القتل. وبدأت الميليشيات ومنذ أول ظهور لها باستهداف الصحفيين. وهذا الوضع جعل الصحافة في العراق الجديد تقع في مأزق بين التغطية الصحفية المستقلة وبين الحفاظ على حياتهم الشخصية.

2- الضغوط الحكومية: بعد الاحتلال، تزايدت الضغوط الحكومية على الصحفيين ووسائل الإعلام، سواء كانت هذه الضغوط مباشرة أو غير مباشرة. على سبيل المثال، تم تقييد حرية الصحافة من خلال القوانين التعسفية التي تُعاقب الصحفيين المستقلين على نشر معلومات تُعتبر مسيئة أو غير متوافقة مع سياسات الحكومة.

3- التضييق على الإعلام المعارض: وسائل الإعلام المستقلة أو التي تُعارض حكومات الاحتلال اضطرت لترك العراق بسبب التهديدات المستمرة والمتزايدة، وباتت تواجه صعوبات في التمويل والانتشار. حيث فرضت الحكومات المتعاقبة والأحزاب الحاكمة حصارًا اقتصاديًا على هذه الوسائل من خلال منع الدعم المالي أو إغلاق القنوات التي تُنتج برامج معارضة. هذا خلق حالة من انعدام التوازن الإعلامي، وصادر المساحة المتاحة للإعلام المستقل.

4- التأثيرات الاقتصادية: عانت الصحف ووسائل الإعلام العراقية المستقلة من ضغوط اقتصادية شديدة. بعد الاحتلال، تم تدمير البنية التحتية للإعلام، بما في ذلك المطبوعات والمعدات، وهذا عرقل قدرة الصحفيين على أداء عملهم بشكل احترافي وأدى إلى تراجع في جودة التقارير الصحفية.

آثار السيطرة على الإعلام على المجتمع العراقي

1- تشويه الحقائق: سيطرة الأحزاب الحاكمة على وسائل الإعلام أدت إلى تشويه الحقائق وإعطاء صورة غير حقيقية للأحداث والوقائع. مما جعل المواطنين العراقيين في حالة من الضبابية والشك حول الحقيقة، وبالتالي تقلصت قدرتهم على اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية قائمة على معلومات موضوعية.

2- استمرار الانقسام الاجتماعي: أصبحت وسائل الإعلام في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة مسارًا للصراعات السياسية، حيث باتت تخدم مصالح خارجية طائفية أو سياسية معينة، وهذا فاقم الانقسامات في المجتمع العراقي وأدى إلى تعزيز الانقسام بين المكونات المختلفة في العراق.

3- فقدان الدور الإصلاحي للإعلام: عندما تصبح وسائل الإعلام أداة بيد السلطة، يقل تأثيرها في العمل على الإصلاح أو تقديم النقد البناء. والصحافة المستقلة غالبًا ما تكون موجهة ضد الفساد الحكومي أو فساد الأحزاب المتنفذة والميليشيات، ولكن مع انحصار حرية التعبير، أصبح من الصعب على الإعلام أن يلعب دورًا فعالًا في محاربة الفساد أو دعم التغيير.

الاختلافات الجذرية بين الإعلام الحكومي والإعلام المستقل في العراق

تتفاوت الاختلافات بين الإعلام الحكومي والإعلام المستقل في العراق الجديد بشكل كبير من حيث الأهداف، والمنهجية، والأدوات المستخدمة. وفيما يلي أبرز هذه الاختلافات:

1 – الأهداف السياسية:

– الإعلام الحكومي: يهدف الإعلام الحكومي في العراق إلى دعم السياسات الحكومية والترويج لها، ويعمل عادة على تعزيز مواقف السلطة السياسية والأحزاب الحاكمة، ويكون أداة للسلطة لتوجيه الرأي العام بما يتماشى مع مصالح الحكومة والأحزاب المتنفذة.

– الإعلام المستقل: يسعى الإعلام العراقي المستقل إلى تقديم محتوى محايد وموضوعي بعيدًا عن التأثيرات السياسية. الهدف الأساسي هو نقل الحقيقة كما هي، وتقديم التقارير الموثوقة، وتحقيق التوازن في عرض الأحداث من دون انحياز لأي طرف سياسي أو حكومي.

2 – الحرية التحريرية:

– الإعلام الحكومي: في وسائل الإعلام الحكومية، توجد قيود واضحة على حرية التحرير، حيث يتم الإشراف على المحتوى الرقابي من قبل السلطات الحاكمة مباشرة. وهذا يجعل الإعلام الحكومي موجهًا ومؤثرا عليه من قبل الحكومة.

– الإعلام المستقل: يتيح الإعلام المستقل حرية أكبر في التحرير والنقد، ويعتمد على الصحافة الحرة والمستقلة التي تُعنى بتقديم تقارير حقيقية تعكس الواقع وإن كانت تحتوي على انتقادات مباشرة للسلطة أو الحكومة.

3 – الرقابة:

– الإعلام الحكومي: يخضع الإعلام الحكومي لرقابة صارمة من قبل الحكومة أو الأحزاب الحاكمة. ويتم تحديد الموضوعات التي يمكن تناولها والمعلومات التي يمكن نشرها وتحديد السقف لكل موضوع أو معلومة، مع منع أو تعديل أي محتوى قد يتعارض مع السياسة الرسمية أو قد يكون حساسًا سياسيًا.

– الإعلام المستقل: يلتزم الإعلام المستقل برقابة ذاتية تقوم على المبادئ الأخلاقية والمهنية، حيث يسعى إلى تقديم محتوى موثوق وموضوعي بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية. ورغم أنه لا يخضع لرقابة رسمية كما هو الحال مع الإعلام الحكومي، إلا أن الصحفيين العاملين في هذا المجال يواجهون تهديدات أو ضغوطًا من جهات سياسية أو أمنية، ما قد يعرقل قدرتهم على نشر تقارير مستقلة ويؤثر على حرية عملهم.

4 – التمويل والموارد:

– الإعلام الحكومي: يحصل الإعلام الحكومي على تمويل مباشر من الدولة أو عبر الموارد الحكومية، مما يضمن استمراريته لكن في نفس الوقت يجعله مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالسلطة السياسية، ما يؤدي إلى التبعية السياسية في التحرير.

– الإعلام المستقل: يعتمد الإعلام المستقل عادةً على التمويل الخاص. وفي كثير من الأحيان، يواجه الإعلام المستقل صعوبات مالية، ما قد يؤثر على استدامته وقدرته على مواصلة تقديم محتوى مستقل بعيدًا عن أي ضغوط.

5 – التمثيل الاجتماعي والتنوع:

-الإعلام الحكومي: يميل الإعلام الحكومي إلى تقديم صورة قاصرة للرأي العام تستند إلى التصورات الحكومية والرؤية الرسمية، مما يحد من تنوع الآراء والمواقف في المجتمع. وينحصر التمثيل الإعلامي في فئات معينة بالمجتمع التي تتماشى مع الأيديولوجية الحاكمة.

-الإعلام المستقل: يسعى الإعلام المستقل إلى تقديم تنوع واسع في الآراء والأصوات، ما يعكس مواقف متعددة من مختلف فئات المجتمع، بهدف تقديم تغطية متنوعة تشمل الآراء المعارضة والنقدية، مع محاولة تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف.

6 – توجيه الرأي العام:

– الإعلام الحكومي: يُستغل أساسًا كأداة لتوجيه الرأي العام نحو مصالح الحكومة أو السلطة الحاكمة، حيث يُستخدم غالبًا لنشر رسائل سياسية محددة، وتعزيز مواقف معينة، أو دعم قرارات حكومية قد تثير الجدل. ورغم ذلك، يظل تأثيره محصورًا، إذ يتسم بأجندات واضحة ومعروفة، مما يقلل من مصداقيته لدى قطاعات واسعة من الجمهور.

مراسلون بلا حدود: صحفيو العراق يواجهون تهديدات من جميع الجهات في ظل ضعف الدولة التي تفشل في واجب حمايتهم

– الإعلام المستقل: يولي الإعلام المستقل اهتمامًا بتقديم معلومات دقيقة ومتنوعة للجمهور، مما يتيح للأفراد حرية تشكيل آرائهم الخاصة بعيدًا عن أي تأثيرات. وهدفه الرئيس تسليط الضوء على القضايا المختلفة بنزاهة وموضوعية، دون محاولة التأثير على الرأي العام لصالح جهة معينة.

7 – المصداقية والموثوقية:

– الإعلام الحكومي: غالبًا ما يواجه الإعلام الحكومي انتقادات بشأن مصداقيته، بسبب الانحياز الصريح لصالح الحكومة أو الأحزاب الحاكمة، مما يقلل من مصداقيته لدى شرائح واسعة من الجمهور.

– الإعلام المستقل: يتمتع الإعلام المستقل بمصداقية أكبر في نظر معظم المتابعين، حيث يسعى للحفاظ على الموضوعية والنزاهة، وبفضل التزامه بالشفافية والمصداقية، يحظى بقبول واسع لمهنيته في نقل الحقيقة. لكنه قد يواجه تحديات تتعلق بالتمويل أو الملاحقة من قبل السلطة.

8 – التغطية والتحليل:

– الإعلام الحكومي: يغلب عليه نقل الأخبار بشكل سريع من دون التحليل العميق. ويركز في الغالب على الإيجابيات ويتجاهل السلبيات أو القضايا الحساسة.

– الإعلام المستقل: يولي اهتمامًا أكبر للتحليل المعمق للأحداث، ويعطي مساحة أكبر لتغطية القضايا التي يتعمد الإعلام الحكومي تجاهلها. ويعرض وجهات نظر متنوعة ويحاول تقديم صورة شاملة للأحداث.
في النهاية، لا يتعدى الإعلام الحكومي كونه أداة للسلطة الحاكمة لتحقيق أهداف سياسية وضمان السيطرة على الرأي العام، بينما يسعى الإعلام المستقل إلى تقديم إعلام مهني يتسم بالحرية والموضوعية، بغض النظر عن التأثيرات السياسية أو الحكومية. وبالرغم من تحديات الرقابة والتهديدات التي يواجهها، يسعى الإعلام المستقل إلى نشر الحقيقة وتحقيق العدالة في التغطية الإعلامية.

النضال مستمر ضد القمع والقتل

الصحافة في العراق الجديد بحالة نضال مستمر ضد القمع والتهديدات التي تشمل الاعتقالات وحتى القتل. ورغم هذه المخاطر الكبيرة، يواصل الصحفيون عملهم بشجاعة لنقل الحقيقة وكشف الواقع، متحدين القيود التي تفرضها الجهات السياسية والأمنية والميليشيات. ويبقى الإعلام المستقل في العراق حجر الزاوية في تسليط الضوء على قضايا المجتمع، رغم التحديات التي تهدد سلامتهم الشخصية.
وبعد مرور نحو واحد عشرين عاما من الاحتلال المستمر للعراق؛ يتبين للجميع أن تفاقم واقع حقوق الإنسان العراقي يفند مزاعم الحرية والديمقراطية التي جاءت بها أمريكا، وتتحمل سلطة الاحتلال وجميع الحكومات المتعاقبة الحالية وسابقاتها مسؤولية ما آل إليه الواقع الحقوقي في البلاد من خلال منحها الجهات المتورطة بالجرائم نفوذًا وحصانةً وقوّة، ولا يزال الصحفيون المستقلون مناهضو الحكومة يواجهون تهديدات جسيمة تتنوع بين القمع القانوني والجسدي والعنف الرقمي والاجتماعي. هذه التهديدات تقوض حريات الإعلام في المجتمع بشكل عام وتحد من قدرة الصحفيين المستقلين على ممارسة دورهم في الكشف عن الحقيقة ومساءلة الحكومة. وفي ظل المعطيات الحالية، فإن ظاهرة إفلات المرتكبين من العقاب في العراق ستستمر بالتفاقم؛ الأمر الذي ينذر بالمزيد من الانتهاكات والفظائع وتصاعد معدلاتها إلى مستويات غير مسبوقة.
ويهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أهمية الحرية الصحفية وحق التعبير كحقوق أساسية في سياق حماية حقوق الإنسان في العراق بعد الاحتلال. كما يسعى إلى التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات فعالة نحو تحقيق التحرير والاستقلال الإعلامي، لضمان تمكين الصحفيين من ممارسة هذه الحقوق في بيئة آمنة ومستدامة.

ونحن في قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق نجدد الدعوة بضرورة العمل الجاد والمتواصل في سبيل توفير ما يضمن الالتزام بالدفاع عن الصحافة الحرة، الذي تكفله جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ونؤكد على أن الإفلات المستمر من العقاب يؤدي إلى تشجيع مرتكبي الجرائم على أعمالهم، ويكرس فقدان ثقة المجتمع بصلاحية المنظومة القضائية في العراق.

أين سلطة القانون عن محاسبة القتلة في العراق؟
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى