أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

حكومة السوداني تحافظ على المراتب المتأخرة للبلاد في مجال بيئة الأعمال

يعرب خبراء اقتصاد عن استيائهم من تحول العراق إلى بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية جراء الضغوطات والإتاوات المفروضة من قبل الميليشيات والأحزاب المتنفذة على المستثمرين الأجانب ما يحول دون نهضة البلاد وتطورها.

النجف – الرافدين
حذرت أوساط اقتصادية من استمرار الإخفاق الحكومي في حماية ملف الاستثمار في العراق وعدم اتخاذ خطوات جادة لحماية شركات الاستثمار والمستثمرين ولاسيما الأجانب منهم من دوامة الفساد والروتين إضافة إلى التهديد الأمني الذي يعرقل الاستثمار داخل البلاد.
وقال خبراء اقتصاد إن تدفق الاستثمار الأجنبي إلى العراق لا يزال ضعيفًا نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية والبيروقراطية الإدارية التي تسهم في تعاظم المخاطر الاستثمارية مقارنة بالدول الأخرى على الرغم من امتلاك العراق فرصًا استثمارية كبيرة ومتنوعة.
وأكدوا أن إخفاق حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني في حماية شركات الاستثمار في العراق من سطوة الأحزاب والميليشيات ولوبيات الفساد المتنفذة، أجبر أصحاب هذه الشركات والمستثمرين على ترك مشاريعهم بسبب عدم توفر بيئة استثمارية مناسبة لهم.
وجاءت التحذيرات متزامنة مع تصنيف العراق مجددًا داخل منطقة (الخطر الحمراء) للدول شديدة الخطورة على الأعمال والاستثمارات حسب مؤشر قياس المخاطر العالمي لسنة 2025.
وقال الخبير والباحث الاقتصادي زياد الهاشمي إن “تصنيف العراق مرة اخرى داخل منطقة (الخطر الحمراء) للدول شديدة الخطورة على الأعمال والاستثمارات يعني أن العراق لايزال دولة خطرة طاردة للاستثمارات ولدخول رؤوس الأموال والشركات الدولية بسبب المخاطر الأمنية والاختلالات الاقتصادية والسياسية وانتشار الفساد وجماعات السلاح”.
وبين الهاشمي في منشور له على منصة أكس أن ” هذا التصنيف الحديث يوضح أن الحكومة ومن خلفها النظام السياسي قد أخفقت مرة أخرى في تحسين صورة العراق الاقتصادية وإخراجه من خانة الدول الخطرة أمنيًا والمتعثرة اقتصاديًا، على عكس الادعاءات الرسمية”.
وأضاف أن “الكثير من البرامج الحكومية التنموية ستبقى مجرد حبر على ورق بسبب المخاطر وصعوبة جذب الاستثمارات وإقناع الممولين خصوصًا المشاريع الاستراتيجية مثل مشروع طريق التنمية”.
وخلص الباحث الاقتصادي بالقول إن “الشعب العراقي كان يأمل بتحسن تصنيف العراق أمنيًا واقتصاديًا لكن يبدو أن الحكومة ونظامها السياسي قد خذلتهم وخذلت نفسها مرة أخرى ولم تتمكن من تحقيق هذا الهدف وغيره من أهداف”.

الميليشيات المدعومة من إيران تحت يافطة “الحشد الشعبي” تعمد على إعاقة عمل الشركات الاستثمارية في العراق من خلال فرض الإتاوات عليها

ويتزامن تصنيف العراق في المنطقة الحمراء كبيئة خطرة على الاستثمار وفقًا لمؤشر دولي مرموق بالتزامن مع تبادل الاتهامات بشأن عمليات الابتزاز بين هيئة النزاهة البرلمانية والهيئة الوطنية للاستثمار.
وطفت الخلافات والتراشق الإعلامي حينما أثارت تصريحات أدلى بها رئيس هيئة الاستثمار الحكومية في العراق، حيدر مكيّة، والمتعلقة بتعرضه لضغط سياسي لتمرير مشاريع قال إنها “مشبوهة”، غضب لجنة النزاهة في مجلس النواب، والتي توعّدته باستضافته تحت قبّة البرلمان هذا الأسبوع، للتحقيق في تصريحاته وتهم أخرى تتعلق بـ”التجاوز على المال العام” و”سوء استخدام المنصب”.
وأشار مكّية في مؤتمر صحفي، إلى “بعض الحالات التي تجري أثناء الاستضافات في البرلمان وبعض الأسئلة التي توجهت له بالاستضافة والتي كانت تتمحور حول مشاريع تعود لشخصيات مقربة من نواب، فضلاً عن توسط أحد النواب لإعادة موظف فاسد مقال، إلى الخدمة من جديد”.
وتابع “نحن لن نتقبل هذه الضغوط، ومن يريد أن يأخذ الملفات إلى القضاء فليذهب”.
ولفت إلى إنه “رفع هذه الملفات إلى هيئة النزاهة لإجراء تحقيق في الأمر”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقر فيها مسؤولون حكوميون بوجود مشاكل توصف بالعادة بأنها “غير خافية” في العراق، فيما يتعلق بملف الاستثمار والتدخلات الميليشياوية والسياسية وانهيار الأمن في تراجع الفرص الاستثمارية، إضافة إلى الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة.
ولطالما شدد المسؤولون على أن سبب إخفاق ملف الاستثمار يعود إلى تدخل الميليشيات المسلحة، مبينين أنه يتعين على الشركات إرضاء الميليشيات الموجودة في المنطقة، لتتمكن من إنجاز عملها أو مشروعها يضاف إليها مسألة الروتين والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة.
وينقل نيكولاس بيلهام مراسل مجلة “إيكونوميست” البريطانية في الشرق الأوسط عن سهى النجار، التي ترأست هيئة الاستثمار الحكومية، قولها إن التهديدات أجبرتها على الفرار من البلاد.
وقالت إن “حياتك ستتعرض للتهديد على أي حال، لذلك عليك أن تكون فاسدًا وتكسب المال، لهذا السبب، الجميع فاسدون”.
وأكدت على أن نوّابًا من المولين لإيران كانوا “يأتون إلى مكتبي ويهددونني علنًا أمام موظفيّ بالسجن والقتل”.
وتدفع مثل هذه الضغوطات والصراعات السياسية بين الجهات المعنية بمراقبة الاستثمارات ونموها إلى تحويل البلاد إلى بيئة غير مهيئة للاستثمار مما يجبر العديد من أصحاب الشركات إلى إيقاف عمل شركاتهم، إضافة إلى الاستغناء عن خدمة أعداد كبيرة من الأيدي العاملة العراقية نتيجة للانكماش الكبير والظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في ركود السوق العراقية بشكل ملحوظ.
وتتنافس أحزاب سياسية وميليشيات على تعطيل المشاريع الاستثمارية، قبل أن تضمن حصتها في صفقات فساد مع الشركات الأجنبية، مما تسبب برفض الشركات الدولية استثمارها في العراق، مؤكدة أن تجارب الـ 22 عاما الماضية تؤكد أننا أمام بيئة اقتصادية فاسدة في العراق يصعب العمل فيها.
وتساهم الميليشيات المدعومة من إيران تحت يافطة “الحشد الشعبي” على إعاقة عمل الشركات الاستثمارية في العراق من خلال الاستحواذ على بعض المشاريع الاستثمارية فضلًا عن فرض الإتاوات على الشركات والمستثمرين ولاسيما الأجنبية منها.
وسبق أن قالت السفيرة الألمانية في بغداد كريستيانا هومان في لقاء متلفز، إن “مستثمرين ألمانًا طُلب منهم نوع من الإتاوات في العراق”، مؤكدة أن “المستثمرين لم يدفعوا الإتاوات، لأن هذا الأمر غير قانوني بالنسبة إلينا، وأنهم إذا دفعوا فإنهم سيمثلون أمام القضاء في ألمانيا”.
وأشارت هومان إلى أنه “بالنتيجة فإن تلك الإتاوات تؤثر بالاستثمارات في العراق، كما من المحتمل أن تنسحب الشركات المستثمرة من العراق”.
ورفضت السفيرة الكشف عن الجهات التي طلبت إتاوات من المستثمرين، مؤكدة أنه “بما أن القضية لا تزال سارية، فلا أستطيع الكشف عن التفاصيل”.
وأضافت أن “الأمر يتعلق بالعديد من المشاكل، والإتاوات شملت عقودًا مختلفة قديمة وجديدة”، مشددة على أنه “يجب التصدي للأمر الذي يمثل فسادًا”.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الشركة التي أشارت لها السفيرة تتولى إنشاء محطات توليد جديدة، والاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، فضلًا عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل طواقم وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.
ولم تكشف الجهات الحكومية في العراق عن تفاصيل عمليات الابتزاز تلك بعدما التزمت الصمت ومنها هيئة النزاهة عمّا إذا كانت قد تلقت بلاغًا من السفارة الألمانية بشأن عمليات الابتزاز أو لا.

سفيرة ألمانيا في بغداد كريستيانا هومان: جهات متنفذة تطلب من شركاتنا دفع إتاوات مقابل المشاريع الاستثمارية في العراق

ويرى خبراء اقتصاديون أن الإتاوات والتدخلات غير القانونية من قبل بعض المتنفذين عوامل تضيف أعباءًا إضافية على الشركات ورجال الأعمال الأجانب وأن التحديات لا تقتصر على الإتاوات فحسب وتتعداها إلى البيروقراطية والفساد المستشري بمختلف مفاصل الدولة والذي يؤثر سلبًا على بيئة الاستثمار.
وفي هذا السياق، يوضح نائب رئيس غرفة تجارة محافظة النجف كريم الحلو، أن “الاستثمار المحلي لن ينجح إذا استمر الفساد الإداري وانتشار الرشوة، مما يجعل من الصعب تحقيق نجاح الاستثمار الأجنبي أيضًا”.
وأشار إلى أن “النظام المالي الحالي في العراق غير مشجع للمستثمرين الأجانب، على الرغم من أن السوق العراقية تعد من الأفضل في المنطقة”.
وشدد على “أننا بحاجة إلى بنية تحتية قانونية سليمة لدعم جذب المستثمرين”.
وخلص بالقول إن “الروتين والبيروقراطية يشكلان أبرز العوائق التي تواجه المستثمرين، حيث أن الحصول على الموافقات اللازمة لإنشاء المشاريع قد يستغرق أشهرًا أو حتى سنوات بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة وتعدد الجهات المسؤولة وأن هذه العقبات تحرمنا من الاستفادة من رؤوس الأموال الأجنبية وتضعف البيئة الاستثمارية”.
من جانبه، أشار أستاذ الاقتصاد في جامعة الكوفة في محافظة النجف علي شربة، إلى أن “الاستثمار في العراق لا يزال محدودًا للغاية، مع عدد قليل من المستثمرين الأجانب ومشاريع استثمارية محدودة”.
وأوضح شربة أن “التعقيدات الإدارية تجعل العملية غير واضحة، ما يؤدي إلى معاناة المستثمر المحلي أيضًا”.
وأكد أن “الدولة بحاجة إلى تعزيز الاستثمار لأنه يوفر آلاف فرص العمل، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد وعلى القطاع العام”.
وسبق أن كشف تقرير للبنك الدولي بعدما التقى الأخير بمسؤولين من الحكومة في بغداد في العاصمة الأردنية عمان، على أن مناخ الاستثمار في العراق لا يزال ضعيفًا، مع “غياب تشريعات مواتية للشركات، ومناخ أمني غير مستقرّ، وأوجه قصور إدارية وفساد ممنهج”.
وخرج العراق في وقت سابق من تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024 والصادر عن مؤسسة “فيدي إنتليجن” البريطانية والتي تعنى بالاستثمارات الأجنبية في مختلف الدول.
وكانت مؤسسة الأمم المتحدة للتجارة والتطوير والتنمية (UNCTAD) قد رصدت بدورها خروج استثمارات أجنبية من العراق بقيمة 5 مليارات دولار خلال عام 2023، بسبب هشاشة الوضع الاقتصادي والسياسي وضعف التسويق والترويج لإمكانيات العراق وفرصه الاستثمارية داخليًا وخارجيًا وضعف المؤسسات الحكومية المسؤولة عن ملف الاستثمار الأجنبي داخليا وخارجيا.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” في تقرير لها عام 2024 إن الاقتصاد العراقي لم يتعاف بعد 21 عامًا من الغزو الأمريكي، لأن العراق من أعلى الدول في معدلات الفساد الإداري والمالي الموجود بشكل ملحوظ في مرافق إدارية في البلاد، مثل القضاء والوزارات الأمنية والخدمية، معتبرة السياسيين الكبار بعد 2003 هم أكثر من تحاصرهم تهم الفساد.
وأشارت إلى أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تسهيل عملية انخراط الخريجين الشباب الجدد للعمل في قطاع الطاقة والإنتاج، لذلك كانت النتائج مؤلمة وهو ما أدى لبروز ظاهرة النزوح والهجرة وتعرض المجتمع بشكل عام لمخاطر ومصاعب.
وحل العراق في مرتبة متأخرة في مؤشر تنافسية الاقتصادات العربية، وفق التقرير السابع الصادر عن صندوق النقد العربي لعام 2023.
وجاء العراق في المركز الثاني والعشرين على مستوى المؤشر العام لتنافسية الاقتصادات العربية.
ويستخدم التقرير مؤشرين أساسيين هما مؤشر الاقتصاد الكلي ومؤشر بيئة وجاذبية الاستثمار، حيث يقيس مؤشر الاقتصاد الكلي مدى تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، بما في ذلك استقرار الأسعار وتنفيذ السياسات المالية والنقدية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى