أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

شبكات الاحتيال الإلكترونية تنصب فخاخًا لسرقة رواتب الموظفين والمتقاعدين في العراق

ارتفاع وتيرة عمليات الاحتيال والقرصنة التي تنفذها شبكات متخصصة في سرقة رواتب الموظفين والمتقاعدين من خلال اختراق بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بهم، وسط عدم مبالاة حكومية وضعف في الإجراءات.

بغداد – الرافدين
يواجه آلاف المتقاعدين والموظفين العراقيين، بخاصة المسنين، عمليات احتيال وقرصنة إلكترونية نتيجة قلة خبرتهم في التعامل مع بطاقاتهم المصرفية، ليتحولوا إلى هدف سهل لشبكات احتيال تمتلك علاقات بموظفين متنفذين في ظل ضعف الإجراءات الوقائية في الأنظمة المصرفية العراقية.
وتتحدث مصادر أمنية عن تلقي ما مجموعه 700 شكوى، تقدم بها موظفون ومتقاعدون متضررون من عمليات الاحتيال الإلكتروني خلال عام 2024 وحده في قفزة كبيرة بالمقارنة مع الأعوام السابقة.
وعن طبيعة عمل شبكات الاحتيال الإلكتروني تلك، تشير المصادر الأمنية إلى أنها تتبع أساليب عدة في التحايل على الموظفين والمتقاعدين، منها نشر الإعلانات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تتضمن فرصًا للحصول على قروض وأرباح مالية.
وتبين المصادر أن “تلك الشبكات تنصب فخاخها للإيقاع بالموظفين والمتقاعدين بالتعاون مع موظفين محتالين عبر إغرائهم بشتى الطرق مشددة على ضرورة الإبلاغ عن أي محاولة سرقة يتعرضون لها، حتى وإن كانت فاشلة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبيها”.
ويرجع علي مصطفى، وهو موظف سابق في واحدة من شركات الدفع الإلكتروني، ما يحصل من “سرقات إلكترونية ممنهجة” حسب توصيفه، إلى “موظفين فاسدين في بعض شركات الدفع الإلكتروني الكبرى التي تعمل في بغداد”.
ويتهمهم علي مصطفى بالتواطؤ وتسريب معلومات العملاء موضحًا أن “محاولات السرقة تبدأ من عندهم باختيار زبائن محددين للإيقاع بهم”.
ويرى أن هناك “غيابًا للضوابط الأمنية، ما يسمح بوصول بعض الموظفين الفاسدين إلى معلومات البطاقات الائتمانية وعناوين الاتصال بأصحابها”.
كما يتهم بعض مكاتب السحب المالي كذلك بالوقوف وراء عمليات احتيال تطال موظفين ومتقاعدين، ويرى أن ذلك يحدث عندما “يسلم المتقاعد أو الموظف، بطاقته ورقمها السري لصاحب المنفذ من دون أن يعي خطورة الأمر، وما قد يترتب عليه من سرقة أمواله بكل سهولة”.
وعن تجربته الخاصة يقول إن “والدتي تعرضت لعملية احتيال إلكتروني، سرقوا راتبها واشتروا به بضائع من تركيا، وعندما واجهت شركة “كي كارد” حاول الموظفون إلقاء اللوم على والدتي، لكن بعدما عرفوا أنني أملك خبرة مالية، تغيرت لهجتهم معي، وبعد أيام من المتابعة استعدنا ما سرق منها”.
وتمنح السلطات الحكومية امتيازات فتح مكاتب لصرف رواتب المتقاعدين بالاتفاق مع مصارف أهلية وحكومية، من بينها مصرفا الرافدين والرشيد الحكوميان، وذلك لتسهيل عملية استلام الموظفين والمتقاعدين رواتبهم في كل المناطق داخل البلاد كونهما الأكثر انتشارًا.
ويحصل مكتب الصرف الذي يديره القطاع الخاص على عمولة من الراتب الذي يسلِّمه، بينما تحصل شركات مثل Qcard التي تصدر بطاقات الصرف، على عمولة أخرى مقابل إيصال الرواتب إلى أماكن قريبة من المستفيدين.

مواطنون يشكون تعرضهم لعمليات احتيال محكمة خسروا بسببها ملايين الدنانير دون أن تتخذ السلطات أي خطوات رادعة

ويفيد متخصصون في مجال القطاع المصرفي، بأن مصرف الرافدين وبعد توطين رواتب الموظفين والمتقاعدين فيه، أبرم اتفاقًا مع شركة Qcard للإشراف بنحو مباشر على جميع العمليات التقنية والإدارية مقابل حصول المصرف على ما نسبته 30 بالمائة من عمولة سحب الرواتب، فيما تحصل شركة كي كارد على نسبة 70 بالمائة”.
ويشكك المتخصصون في نجاح محاولات الدوائر الرقابية للحد من الاحتيال الإلكتروني الذي يستهدف رواتب الموظفين والمتقاعدين نظرًا إلى وجود تفاصيل معلومات الزبائن بحوزة شركات تقنية في القطاع الخاص وليس في عهدة الحكومة الدولة.
ويلقي موظف مصرفي باللائمة على مصرف الرافدين وشركة كي كارد Qcard المتعاقدة معه قائلًا إن “التعاملات المصرفية في مصرف الرافدين تفتقر إلى وجود عملية متكاملة للحماية، ولذلك صارت عرضة للاحتيال الإلكتروني”.
ويذكر الموظف المصرفي شريطة عدم الإشارة الى اسمه أن حالات السرقة الإلكترونية يكون ضحاياها في الغالب من الموظفين والمتقاعدين، والسبب أن مصرف الرافدين متعاقد مع شركة (Qcard) وأن موظفي الأخيرة مطلعون على معلومات نحو ستة ملايين موظف حكومي ومتقاعد، موطّنة رواتبهم في المصرف.
وبين أن ما يحصل هو تسريب معلوماتي من داخل الشركة لعصابات متخصصة، والمواطن هو المتضرر عادة، ويوضح بأن المصرف ما زال يعمل بنظام POC (جهاز سحب نقدي)، وبموجبه يضطر العميل للكشف عن الرقم السري لبطاقته الائتمانية.
ويؤكد المصرفي أن “ذلك لا يحدث في المصارف الخاصة، لكونها تعمل بنظام ATM (ماكينة صراف آلية) وهو نظام أكثر أمنًا، وبإمكان الزبون سحب راتبه مع حماية متكاملة، من دون أن يعطي الرقم السري للبطاقة إلى صاحب المنفذ”.
بدوره يكشف الموظف في وزارة التربية ضياء ناجي، عن تقديمه شكوى رسمية إلى مكتب رئيس الوزراء لشؤون المواطنين، تعلقت بتعرضه لعملية نصب واحتيال، متهمًا فيها موظفًا في الشركة العالمية للبطاقة الذكية ماستر كارد – فرع الرصافة، أثناء تجديد بطاقته المصرفية.
وقال ضياء الذي يسكن في منطقة الأعظمية ببغداد، في شكواه إنه “عند تجديد بطاقتي، أخبرني الموظف بأنه سيتم التواصل معي خلال 72 ساعة، وبتاريخ الثالث عشر من أيار 2024، تلقيت بالفعل مكالمة هاتفية استُدرجت خلالها لتقديم بعض المعلومات الشخصية المرتبطة ببطاقتي، وبعد انتهاء المكالمة، راجعت رصيدي لأكتشف أن ثلاثة ملايين و852 ألف دينار قد سرقت مني، ولم يتبق لدي سوى 227 دينارًا فقط”.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي الثاني من حزيران 2024، سُرق مليون و250 ألف دينار من حسابه مؤكدًا أن عمليتَي الاحتيال اللتين تعرض لهما كانتا بعد اتصالين تلقاهما عبر تطبيق واتسآب، وأن الرقم الأول كان يحمل شعار الشركة الرسمية (كي آي)، بينما الرقم الثاني كان يحمل شعارًا مزورًا.
وذكر أن “محكمة تحقيق الأعظمية وجهت كتابًا رسميًا في الرابع من حزيران 2024 للشركة لمعرفة الجهة التي استحوذت على راتبي، وكيف تمت عملية السرقة، من دون أن يتم تنفيذ طلب المحكمة أو اتخاذ أي خطوة جادة لمعالجة الأمر”.
ولا تختلف قصة المدرس المتقاعد فائز حسين أحمد (65 عامًا) عن قصة ضياء بعدما تعرض لعملية احتيال مالي إلكتروني في 26 تموز 2024 أفقدته كل ما يملك في بطاقته المصرفية التي كانت تحتوي على ثلاثة ملايين دينار عراقي (نحو 2000 دولار أمريكي).
ويوضح فائز حسين أن ذلك حدث عندما تلقت زوجته رسالة من موقع إلكتروني، على أنها مرسلة من بنك التجارة العراقي، وضمت طلبًا بتحويل مبلغ مقداره 3,960,000 دينار كشرط لإتمام معاملة الحصول على مبلغ 3000 دولار بسعر الدولة الرسمي خلال السفر لإداء مناسك العمرة في المملكة العربية السعودية.
وبسبب قلة معرفتها بخطورة التعامل مع مثل هذه الرسائل، استجابت الزوجة للطلب وأجرت التحويل المطلوب، وبعد لحظات فقط أدركت أن الحساب قد استُنزف بالكامل، وأنها وزوجها قد وقعا للتوّ ضحية لعملية احتيال إلكتروني منظّمة.
يأخذ فائز نفسًا عميقًا، قبل أن يقول وهو يضرب كفّيه ببعضهما إننا “لم نكن نتوقع مطلقًا أن نتعرض لمثل هذا النوع من الاحتيال، ظننت أن أموالي في أمان، الكثيرون مثلي يقعون فريسة عصابات تنشط في هذا المجال”.
وتقدّم المدرّس المتقاعد، الذي يعتمد على راتبه في إعالة أسرته، بشكوى لدى جهاز الأمن الوطني، ووعدوه هناك بالتواصل معه لاحقًا، إلا أنه لم يتلقّ ردًا أبدًا، وهو متيقّن من أن العصابة التي سرقته ما زالت تفعل ذلك مع آخرين من دون أن يتم ردعها.
وفي حادثة أخرى تظهر تفاقم عمليات النصب الإلكتروني التي تستهدف (موظفي الدولة والمتقاعدين)، تلقت شروق الساعدي (47 عامًا) وهي موظفة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، مكالمة هاتفية يوم الخامس عشر من كانون الأول 2024، حاول فيها المتصل الاحتيال عليها، بإقناعها بوجود علاوة وترفيع مالي بقيمة 500 ألف دينار، وأنه يحتاج فقط الى بيانات بطاقتها لتفعيل ذلك.
وتروي الساعدي تفاصيل المكالمة بالقول “لقد وردني الاتصال عبر رقم من شركة آسيا سيل وادعى المتحدث بأنه يمثل (مصرف الرافدين)، وطلب مني رقم بطاقة الماستر كارد الخاصة بي بحجة إضافة ترفيع على راتبي، لكن عندما بدأت بالتحقق من هويته والجهة التي يعمل لصالحها، تهرب من الإجابة، وأصرّ على أنه من مصرف الرافدين، فعلمت حينها أنه محتال”.
ونجت شروق من محاولة الاحتيال تلك، كونها استمعت إلى قصص عدة قبلها لموظفين ومتقاعدين وقعوا ضحايا لمحتالين، ومساهمة منها في توعية الآخرين، نشرت عبر حسابها في فيسبوك، رقم هاتف “المحتال” الذي اتصل بها عبر حسابها الشخصي، وروت بإيجاز ما حدث.

تتحدث مصادر أمنية عن تلقي ما مجموعه 700 شكوى، تقدم بها موظفون ومتقاعدون متضررون من عمليات الاحتيال الإلكتروني خلال عام 2024

وتعاقب المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، بالحبس الشديد لخمس سنوات، كل من تسلم أو نقل أو حاز مالًا منقولًا أو مملوكًا للغير، من خلال استخدام طرق احتيالية، أو اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، إن الشبكات التي تقف وراء جريمة سرقة رواتب الموظفين أو المواطنين من خلال البطاقات المصرفية، يمكن أن يتعرض أفرادها إلى عقوبتين قضائيتين، الأولى تتعلق بـ “انتحال الصفة” على اعتبار أن المتصل ينتحل صفة موظف في مصرف حكومي أو خاص، وعقوبتها تصل إلى “السجن لمدة عشر سنوات وفقاً للمادة أولاً من قانون 160 لسنة 1983″.
بينما تتعلق الثانية بـ”جريمة النصب والاحتيال عملًا بأحكام المادة 456 من قانون العقوبات وعقوبتها حبس شديد يصل إلى خمس سنوات”.
ويوضح التميمي، أن الموظف أو المتقاعد الذي يتعرض لسرقة راتبه يمكنه تقديم شكوى إلى الجهات الأمنية المتخصصة، كما يمكن رفع الشكوى مباشرة إلى محكمة التحقيق “إذ تُعد مثل هذه الجرائم جنايات”.
ويذكر أنه بعد إلقاء القبض على المتهمين واستكمال التحقيقات، تُحال القضية إلى محكمة الجنايات للنظر فيها، مشيرًا الى أنه في ظل غياب القوانين الخاصة بالاحتيال الإلكتروني، فإن ما يطبق في مثل هذه الحالات هو قانون العقوبات العراقي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى