قسوة البرد تفاقم معاناة ومحنة النازحين المستمرة في العراق
ينهش البرد أجساد الأطفال في مخيم بزيبز وتبقى خيامهم الهزيلة شاهدة على معاناة منسية. سنوات من النزوح ووعود سياسية زائفة، بينما تظل إجراءات وزارة الهجرة والمهجرين بطيئة وعاجزة عن إعادتهم إلى ديارهم
الأنبار – الرافدين
انتقدت أوساط حقوقية الوضع المأساوي الذي يعاني منه النازحون في المخيمات بالعراق، بعد تداول صور توثق معاناتهم في ظل موجات البرد القارس التي تجتاح البلاد.
وأضافت هذه الأوساط أن “الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون تزداد سوءًا مع تدهور الأوضاع الجوية، حيث أظهرت الصور جانبًا من معاناة الأطفال والنساء وكبار السن.
وأكدت أن “الإهمال الحكومي في توفير المساعدات الأساسية، مثل الأغطية والأدوية والمأوى الآمن، ساهم بشكل كبير في تفاقم معاناتهم”.
ولفتت هذه الجهات إلى أن “العديد من المخيمات تفتقر إلى البنية التحتية الملائمة، مما يجعلها بيئة غير صالحة للعيش، خاصة في فصل الشتاء”. وأشارت إلى أن هذا “الإهمال يعكس غيابًا واضحًا للتخطيط الفعال من قبل حكومات الاحتلال المتعاقبة لمواجهة أزمات النزوح، مما يزيد من المأساة الإنسانية لهؤلاء المواطنين الذين أجبروا على ترك ديارهم بسبب الصراعات المسلحة.
وتفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي على الصور المتداول وعلقوا “في مخيم بزيبز، ينهش البرد أجساد الأطفال، وتبقى خيامهم الهزيلة شاهدة على معاناة منسية. سنوات من النزوح ووعود بائسة، بينما تظل إجراءات الوزارة المسؤولة بطيئة وعاجزة عن إعادتهم إلى ديارهم. إلى متى يبقى الوطن بعيدًا؟”.
وأكد آخر أن “النازحون يعانون من درجات حرارة منخفضة جدًا وهذا عار سيلاحق نظام التهجير والإخفاء القسري”.
وأضافوا أنه “وسط هذا البرد القارس النازحون يعيشون في خيام مهترئة وبلا وقود فـي أطراف محافظات الأنبار حيث مخيم بزيبز المخصص لنازحي جرف الصخر والعويسات، مخيم بزيبز وصمة عـار في جبين الحكومة والنظام السياسي”.
ولفت آخر إلى أننا “كلنا نعيش موجة البرد في بيوت دافئة أما النازحون من جرف الصخر وغيرها يواجهون البرد بخيام متهالكة، وتساءل هل يعلم المواطن أن نائب أو وزير واحد يستطيع (بناء مجمع سكني) يأوي نازحي المخيمات التي يمرون بها يوميا!؟”.
وأشاروا إلى أن “أطفال مخيم بزيبز يشعلون النار حتى يحصلوا على دفء لأن بيوتهم التي كانت توفر لهم الدفء صارت أوكار للميليشيات ولأن قرار عودتهم ليس بيد الحكومة وإنما بيد السلاح الطائفي”.
وأوضحوا أن “التاريخ لا ينسى والبرد الذي يعصف بيهم اليوم يحكي قصة تهجير وقهر يعيشونها لذلك هذه الحالة ستصنع جيلا قلبه من نار جيل سيعرف كيف يسترد حقوقه”.
وما يزيد من آلام النازحين في مخيم بزيبز أن معاناتهم هي ذاتها تتجدد باستمرار، وعلى الرغم من توجيههم مناشدات ورسائل مستمرة عبر وسائل الإعلام ومن خلال التواصل مع المنظمات الإنسانية والأحزاب والسياسيين، لكن “دون جدوى” وفق ما يقول عمر النداوي (19 عاما) أحد سكان المخيم.
وأضاف “نحن هنا مواطنون من الدرجة العاشرة، لا نستطيع العودة إلى بيوتنا لأنها تحولت إلى مواقع عسكرية واعتبرنا نحن متهمين بالإرهاب وعلينا تحمل ذنب لم نرتكبه غير أن بعض الإرهابيين تمركزوا في مناطقنا في تلك الفترة بين 2014 و2017”.
ووفق بيانات وزارة الهجرة فإن “1500 عائلة مازالت تسكن في مخيم بزيبز العشوائي أغلبهم من سكان جرف الصخر بمحافظة بابل، والعويسات التابعة لمحافظة الأنبار، لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على موافقات العودة إلى مناطقهم الأصلية، وطالبت العائلات النازحة بوضع حد لرحلة نزوحهم المستمرة منذ عام ألفين وأربعة عشر”.
أبو خضر الجنابي وهو أحد النازحين، قال إن “على الجهات المعنية حل المشكلة، فإما إعادتنا إلى مناطقتنا الأصلية أو تعويضنا ماديا وقطعة أرض في منطقة أخرى نستطيع بناء منازلنا فيها”.
وأضاف “نحن عانينا الكثير وصار 10 سنين ونص وإلى الآن نفس المعاناة ونفس التهجير واليوم يعودونا ويردون ينطونا 4 ملايين ونص دينار عراقي ويهجرونا تهجير جديد”.
وقال الناشط في مجال حقوق الإنسان، علي العزاوي، أن “النازحين لا يريدون سوى العودة الطوعية مع توفير العيش الكريم لهم، مبيناً أن “الجدل السياسي وتقاذف التُّهم لا يصب في صالح النازحين ولا يحقق لهم شيئاً، وأن مطالبهم واضحة للجميع تتلخص في العودة وتوفير العيش الكريم لهم وإعمار مناطقهم المهدمة”.
وسبق أن اتهم عضو لجنة الهجرة والمهجرين النيابية شريف سليمان وزارة الهجرة بالفشل في إنهاء ملف النازحين وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية.
وأوضح النائب سليمان أن “البرامج التي أطلقتها وزارة الهجرة وقالت إن نتائجها كانت جيدة في دعم العائدين طوعاً خلال العام الحالي لم تفض إلى شيء يذكر”.
وشدد على وجوب أن “تغطي البرامج الخاصة بالنازحين جميع جوانب العودة، بما في ذلك توفير البنى التحتية والخدمات الأساسية في مناطقهم، إضافة إلى الدعم المادي لكل أسرة، من خلال استئناف توزيع منحتي المليون و500 ألف دينار، والأربعة ملايين دينار”.
وأكد قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين أن “أزمة النزوح في العراق لا تزال إحدى التحديات الإنسانية الكبرى التي تعكس فشل السياسات الحكومية في معالجة الأسباب الجذرية للصراع والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها النازحون”.
ولفت إلى أنه “طوال العقدين الماضيين، ولاسيما بعد الحرب على داعش، لم تُظهر الحكومات التزامًا حقيقيًا بتوفير الاحتياجات الأساسية للنازحين. على الرغم من تعهدات دولية ومساعدات، إلا أن مخيمات النزوح في ظل الإهمال الحكومي المتعمد ظلت تعاني من ظروف مأساوية”.
وأوضحت أن “هناك شعور لدى معظم النازحين بأن الحكومة تتعامل معهم بشكل غير متساوٍ؛ فالنازحون من مناطق معينة، مثل المحافظات المنكوبة وهي المحافظات السنية في العراق، الذين يشكلون أكثر من 95 بالمائة من إجمالي النازحين داخليا، يعانون من التهميش السياسي، ولا يحصلون على نفس الفرص في إعادة الإعمار أو الرعاية الحكومية مقارنةً بالنازحين من مناطق أخرى”.