أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

اختفاء الأدوية من الصيدليات يزيد من معاناة المرضى في العراق

حكومة الإطار التنسيقي لم تتمكن من وضع آليات فعّالة لضبط توزيع الأدوية وضمان وصولها إلى المواطنين بشكل عادل وبأسعار معقولة، ما يؤدي إلى تفشي هذه الأزمة بشكل مستمر ويزيد من الإحباط العام في صفوف المواطنين.

بغداد – الرافدين
أثار نقص الأدوية واختفاؤها المفاجئ من الصيدليات في العراق حالة من الاستياء والقلق بين المواطنين، حيث يعاني العديد منهم من صعوبة الحصول على الأدوية الضرورية لعلاجهم، مما يعكس صورة واقعية عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع الصحة في البلاد.
وعلى الرغم من المبالغ الطائلة التي تُنفق على هذا القطاع الحيوي، إلا أن “الأزمات المتعلقة بتوزيع الأدوية واستبدالها بأدوية من شركات مختلفة، إضافة إلى الفوضى التي تشهدها أسعار الأدوية، ما زالت تتفاقم بشكل مستمر، مما يترك المواطن العراقي في مواجهة تحديات صحية ومالية ضخمة”.
وأكد العديد من المواطنين على أن اختفاء الأدوية المفاجئ من الصيدليات أصبح مشكلة يومية تؤرقهم، حيث يضطرون في الكثير من الأحيان إلى البحث عن بدائل غير فعّالة أو غالية الثمن.
وأشاروا إلى أن أسعار الأدوية تختلف بشكل ملحوظ بين الصيدليات، وهو ما يعكس غياب الرقابة الفعالة على الأسواق، ويزيد من معاناتهم الصحية والاقتصادية في آن واحد.
وأضافوا أن “هذه الفوضى لم تقتصر على اختفاء الأدوية فقط، بل أيضًا على سحب أدوية معينة بشكل مفاجئ، واستبدالها بأخرى من شركات مختلفة دون سابق إنذار، ما يسبب ارتباكًا كبيرًا للمرضى وأطباءهم”.
ولفتوا إلى أن النظام الصحي في العراق يعاني من نقص في التنظيم والشفافية، وهو ما يفاقم معاناتهم في الحصول على الأدوية اللازمة.
وأوضح مختصون في القطاع الصحي أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا الفشل، حيث إن الأموال الطائلة التي تُنفق على قطاع الصحة لم تُترجم إلى تحسينات حقيقية في مستوى الخدمات الصحية.

اختفاء الأدوية من الصيدليات دون سابق إنذار يربك المرضى وأطباءهم

وبينوا أن “حكومة الإطار التنسيقي لم تتمكن حتى الآن من وضع آليات فعّالة لضبط توزيع الأدوية وضمان وصولها إلى المواطنين بشكل منتظم وبأسعار معقولة، ما يؤدي إلى تفشي هذه الأزمة بشكل مستمر ويزيد من الإحباط العام في صفوف المواطنين.
وعلى الرغم من “إطلاق وزارة الصحة في عام 2023 لنظام “كوديا” الرقمي كأول نظام رقمي لتتبع الأدوية، والذي كان من المفترض أن يساهم في تحسين الرقابة على الأدوية وتحصينها من الغش والتهريب، إلا أن هذا النظام لم يتمكن حتى الآن من حل المشكلات الأساسية التي يعاني منها القطاع الصحي في العراق”.
وأثار هذا الواقع تساؤلات حول فعالية الرقابة الرقمية في مواجهة الأزمة الراهنة، مما يضعف الثقة في قدرة الحكومة على إدارة هذا الملف الحيوي والتعامل مع الأزمات الصحية بشكل فعّال.
وقالت لجنة الصحة والبيئة النيابية أن “مشكلة انقطاع الأدوية ليست جديدة، بل هي مشكلة مزمنة تعود لعقود طويلة، ما يعكس فشلًا مستمرًا في معالجة هذا الملف الحيوي”.
وأشار عضو اللجنة، موحان الساعدي إلى أن “سحب الأدوية يحدث بشكل رئيسي في القطاع الخاص وليس الحكومي”، موضحًا أن السبب الرئيسي لهذا الانقطاع يكمن في “عدم وجود منظومة متكاملة لمراقبة الأدوية المتوفرة والمفقودة”، إلى جانب “عدم انتظام استيراد الأدوية عبر شركة كيماديا، التي تتحمل مسؤولية كبيرة في تأخير وصول الأدوية إلى الأسواق”.
وفيما يتعلق بتسعير الأدوية، أكد الساعدي أن “لجنة الصحة تابعت هذا الملف مع وزارة الصحة”، مبينًا أن “نسبة الأدوية المسعرة حاليًا تجاوزت 70 بالمائة”.

موحان الساعدي: السبب الرئيسي لانقطاع الأدوية عن المرضى يكمن في عدم وجود منظومة متكاملة لمراقبة الأدوية المتوفرة والمفقودة

ومع ذلك، لا تزال هناك مشاكل كبيرة في قطاع الأدوية، إذ لا تزال الأدوية منتهية الصلاحية تتواجد في القطاع الخاص، بينما يتم إتلاف الأدوية الفاسدة في القطاع الحكومي وفق الإجراءات القانونية، دون أن تنجح الحكومة في حل هذه المعضلة بشكل جذري.
كما شدد الساعدي على أن “استيراد الأدوية يخضع لشروط صارمة، تشمل ضرورة تسجيل الدواء لدى وزارة الصحة قبل منحه إجازة الاستيراد، إضافة إلى إجراء فحصه في مركز الرقابة الدوائية”. لكن على الرغم من هذه الإجراءات، فإن الإهمال الحكومي وعدم التنسيق بين الجهات المعنية يساهم في استمرار الأزمة.
وأكد الساعدي “عدم وجود احتكار للأدوية”، معترفًا في ذات الوقت بأن الحكومة لم تنجح في تطوير بيئة صحية تضمن سهولة الاستيراد وعدم انقطاع الأدوية، ما يطرح تساؤلات حول فاعلية الخطط الحكومية في مواجهة هذه الأزمة المتفاقمة.
وتعاني الأسواق العراقية من نقص حاد في بعض الأدوية الأساسية، خصوصًا أدوية الالتهاب الرئوي للأطفال، وأدوية أمراض القلب والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى الأدوية الخاصة بعلاج “الصرع” والسرطان وغيرها من الأمراض الحرجة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، انقطاع دواء “الفنستيل” المضاد للإنفلونزا والرشح والحساسية للأطفال لفترة طويلة، قبل أن يعاود الظهور مؤخرًا بعد أشهر من انقطاعه.
ويفتش المواطن “أبو سامر” منذ فترة في الكثير من الصيدليات المنتشرة في مناطق الكرخ ببغداد، على دواء الريفوتريل لابنته المريضة بشلل الدماغ أو الصرع، لكن دون جدوى، من دون أن يعرف سبب “الاختفاء المفاجئ”.
وأعرب الأطباء عن صعوبة إقناع المرضى بتناول الأدوية البديلة بعد انقطاع الأدوية التي اعتادوا عليها، مما يضيف عبئًا إضافيًا على عملهم.
وقال الطبيب أكرم كريم، اختصاصي الباطنية في بغداد، إن “المرضى يطرحون العديد من الأسئلة حول سبب اختفاء الدواء، ويشككون في مدى فعالية البدائل مقارنة بالأدوية التي اعتادوا عليها، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا أمام الأطباء”.
وكشف مصدر في وزارة الصحة أن “بعض المكاتب العلمية المستوردة تتعمد حجب الأدوية عن الصيدليات والمذاخر الطبية لفترات طويلة، ثم تقوم بإعادة طرحها بأسعار مرتفعة”.
وأضاف أن “بعض شركات تصنيع الأدوية تقلل من إنتاج الأدوية الرخيصة، مما يؤدي إلى تصنيعها محليًا، بينما تركز الشركات الكبرى على إنتاج الأدوية باهظة الثمن لتحقيق أرباح أعلى”.
وأشار إلى أن “هناك أدوية مهربة تدخل عبر بعض المنافذ الحدودية دون خضوعها للفحص أو الرقابة، ويتم بيعها بأسعار منخفضة، مما يساهم في التفاوت الكبير في أسعار الأدوية بين الصيدليات”.
ويعاني المواطنون في العراق من تفاوت كبير في أسعار الأدوية، حتى داخل الصيدلية الواحدة، مما يفاقم معاناتهم الصحية والمالية.
وأوضحت المواطنة سهى عبد الأمير، أنها عندما تذهب لشراء دواء لطفلها، تفاجأ بارتفاع سعره بشكل مفاجئ. إذ اشترت دواءً بسعر 3 آلاف دينار، وعادت بعد خمسة أيام لتجده بـ 7 آلاف دينار، دون أي تفسير واضح من الصيدلية.
أما بالنسبة لمرضى الأمراض المزمنة، فتتعدى معاناتهم مجرد ارتفاع الأسعار، إذ تواجههم مشكلة انقطاع الأدوية بشكل متكرر، مما يهدد استقرار علاجهم.
وقال مهدي صاحب، مريض بارتفاع ضغط الدم، إنه كان يعتمد على دواء “تربتيزول” بشكل منتظم، لكنه اختفى من السوق لفترات طويلة، مما اضطره للبحث عن بدائل.
وأوضح أن “الدواء يُستخدم لعلاج الاكتئاب، لكنه يُستعمل أيضًا كمنوم من قبل البعض دون وصفة طبية، مما يسبب سحبه بين الحين والآخر”.

هناك أدوية مهربة تدخل عبر بعض المنافذ الحدودية دون خضوعها للفحص أو الرقابة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى