التغيير الديموغرافي والتحول نحو الطائفية والعرقية في العراق أضعف الانتماء الوطني
قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين: مثل التعداد السكاني في العراق واحدة من أخطر الحلقات في سلسلة مخطط التغيير الديموغرافي الذي شهدته البلاد إذ كان جزءًا من استراتيجية كبيرة تهدف إلى المصادقة على ما تم تنفيذه من مخطط إعادة تشكيل التركيبة السكانية لصالح القوى الطائفية المدعومة من إيران.
عمان- الرافدين
تناول المحور العاشر من التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق 2024، الذي أصدرته هيئة علماء المسلمين، التغيير الديموغرافي ومخاطر التفكك الاجتماعي
وعالج التقرير السنوي لحالة حقوق الإنسان في العراق – 2024 تحت عنوان “واحد وعشرون عامًا من الموت والخراب والفساد وتفكيك البلاد” أبرز قضايا حقوق الإنسان في العراق التي تم التعامل معها على مدار العام 2024، ويبين الأهداف التي أُعد لأجلها، والوسائل المتبعة لتحقيقها، وفق رؤية القسم والرسالة التي يحملها على عاتقه.
وتطلب إعداد هذا التقرير تحليلًا دقيقًا للأدلة والمعلومات، مع الالتزام بالمعايير القانونية والحقوقية الدولية في إخراجها إخراجًا دقيقًا وحياديًا، بهدف تقديم تقرير موضوعي، قائم على الحقائق، ويسعى لتحقيق العدالة والمحاسبة.
وتنشر قناة “الرافدين” المحور العاشر كجزء من نشر التقرير كاملا على أجزاء.
التغيير الديموغرافي ومخاطر التفكك الاجتماعي
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، دخلت البلاد في مرحلة من التحولات الجذرية على مختلف الأصعدة السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية، وكان أبرز هذه التحولات هو التغيير الديموغرافي الذي تعرض له العراق بشكل غير مسبوق والذي بدأ منذ اليوم الأول للاحتلال. ولم يكن التغيير الديموغرافي في العراق مجرد نتيجة طبيعية للاضطرابات التي نشأت بعد الاحتلال، بل كان له أبعاد استراتيجية وسياسية، لاسيما في سياق الانقسامات الطائفية والعرقية وعمليات الفرز المناطقي التي بدأت تتسع وتتعزز في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة.
وفي عام 2024، شهد العراق تغييرات ديموغرافية هامة، مثل زيادة معدل الهجرة بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة. كما شهدت بعض المدن زيادة في أعداد السكان نتيجة لتوزيع النازحين الداخليين والعودة التدريجية لبعض المهجرين إلى مناطقهم الأصلية بعد الحروب السابقة. وظلت الهجرة من العراق في تصاعد مستمر منذ الاحتلال الأمريكي في 2003 وحتى اليوم، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وبينما شهدت الهجرة موجات كبيرة خلال فترات الأزمات، فإن الأسباب نفسها لا تزال قائمة ولا تزال تدفع المزيد من العراقيين ولاسيما الشباب منهم للبحث عن حياة أفضل في الخارج.
وسيتناول هذا التقرير في محور التغيير الديموغرافي في العراق بعد الاحتلال عدة جوانب، خصوصاً تأثير الاحتلال على التوزيع السكاني، والتغيرات السياسية، والتحولات في الهويات الاجتماعية.
الاحتلال الأمريكي وعواقبه المباشرة
في عام 2003، أدى الغزو إلى انهيار السلطة المركزية في العراق، مما فتح المجال لاحتلال قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. هذا الاحتلال لم يقف عند حدود سقوط النظام البعثي، بل سرع من حدوث تغييرات جذرية في بنية الدولة العراقية على مستوى التوازنات الطائفية والسياسية. كان العراق، قبل الاحتلال، يشهد نوعًا من الاستقرار السياسي النسبي. ومع انهيار النظام السابق وحلّ الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، نشأت فراغات سياسية وأمنية، مما فتح الباب أمام تدخلات إقليمية، لا سيما من إيران، التي كان لها تأثير كبير في إعادة تشكيل الخارطة السياسية.
التغيير الطائفي والعرقي بعد 2003
فرض الاحتلال الأمريكي منهجية الفراغ الأمني في معظم أنحاء العراق، ما أسهم في تأجيج النزاعات الطائفية، وتزايد التوترات العرقية. وأصبح العراق بعد الاحتلال ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، فإيران لعبت دورًا حيويًا في دعم الأحزاب الحاكمة والميليشيات عبر تزويدها بالتمويل والأسلحة والإعداد والتدريب. هذه التوترات تسببت في إحداث التهجير الطائفي والعرقي في تسع محافظات عراقية، لا سيما في حزام بغداد وديالى والبصرة وبابل والأنبار ونينوى والتأميم، حيث تعرضت معظم المناطق السنية للهجوم من قبل ميليشيات مسلحة مدعومة من الحكومة، ما أدى إلى تهجير العديد من العائلات السنية. في المقابل، شهدت المناطق ذات الأغلبية الشيعية تدفقًا للمقاتلين والمستشارين الإيرانيين، مما ساهم في تعزيز الهيمنة الإيرانية على تلك المناطق.
التأثيرات على التركيبة السكانية
أحد أبرز مظاهر التغيير الديموغرافي كان التهجير الجماعي الذي تعرض له الملايين من العراقيين بسبب النزاعات الطائفية. فمع ارتفاع وتيرة العنف الطائفي، انقسمت العاصمة بغداد إلى مناطق طائفية محضة. الشيعة انتقلوا إلى مناطق ذات أغلبية شيعية، بينما اضطر السنة إلى مغادرة المناطق التي أصبحت خاضعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. في معظم الأحيان، شهدت هذه المناطق تغييرات ديموغرافية تم من خلالها إعادة توطين السكان من الطائفة الشيعية في الأماكن التي كان يسيطر عليها السنة. هذا التغيير لم يكن عفويًا، بل كان جزءًا من سياسة مدروسة لتعزيز التوازن الطائفي على حساب وحدة الهوية العراقية.

إلى جانب ذلك، تأثرت مناطق شمالي العراق أيضًا بالتغيير الديموغرافي بعد الاحتلال، حيث انفصلت محافظات كردستان بشكل شبه كامل عن باقي العراق، ثم أصبحت هناك ضغوط لتغيير تركيبتها السكانية لصالح الأكراد، سواء عبر توطين الأكراد في مناطق ذات أغلبية عربية أو عبر زيادة النفوذ الكردي في مناطق متنازع عليها مثل كركوك. وهذه السياسة التي دعمها الاحتلال أضرت بالتركيبة العرقية في بعض المناطق، وأسهمت في تعميق الانقسامات بين العرب والأكراد.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
في الوقت الذي كانت فيه آثار التغيير الديموغرافي واضحة على الأرض، فقد كان لها أيضًا تداعيات كبيرة على الاقتصاد العراقي. وقد تضررت البنية الاقتصادية للعراق بشكل كبير، لا سيما في المحافظات المنكوبة التي تعرضت للتدمير نتيجة الحروب والنزاعات وسيطرة الميليشيات، مما تسبب في انهيار الخدمات الأساسية وزيادة معدلات الفقر والبطالة. من جهة أخرى، أصبح توزيع الموارد الاقتصادية في ظل حكومات الاحتلال محكومًا بالانتماءات الطائفية، فالمناطق التي كانت تُعتبر ذات أغلبية سنية شهدت تهميشًا كبيرًا بعد سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكومة.
تداعيات الصراعات على هوية الوطن ومستقبل التعايش
التغيير الديموغرافي الذي حدث في العراق بعد 2003 كان له تأثير مباشر وعميق على الهوية الوطنية العراقية؛ فالتحول نحو الطائفية والعرقية في العراق أضعف الانتماء الوطني الواحد، وزاد من الهوة بين مختلف المكونات. وفي حين كان العراق قبل الاحتلال يتسم بوحدة نسبية وانتماء وطني، إلا أن الاحتلال والتغييرات الديموغرافية التي رافقته أسهمت في تقسيم الشعب إلى طوائف ومجموعات، مما أضعف الشعور بالوحدة الوطنية.
لقد كان التغيير الديموغرافي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 نتيجة لمجموعة من العوامل، أبرزها السياسات التي فرضها الاحتلال وتبنتها حكوماته المتعاقبة، والتدخلات الإقليمية السلبية، والميليشيات الطائفية، إضافة إلى الحروب والنزاعات الداخلية. هذا التغيير لم يكن محصورًا في تغييرات سكانية فقط، بل أثر أيضًا على التوازنات السياسية والاجتماعية في البلاد، مما تسبب في تعزيز الانقسامات الطائفية التي أثرت بشكل كبير على الهوية الوطنية للعراق. وإن فهم هذا التغيير هو جزء أساسي من فهم الوضع الحالي في العراق، وما يواجهه من تحديات تتعلق بالاستقرار السياسي والاجتماعي.
التغيير الديموغرافي “مشروع الاحتلال” لتمزيق العراق
التغيير الديموغرافي في العراق يعتبر من أبرز القضايا التي أثارت الجدل بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003، حيث يراه معظم العراقيين جزءًا من “مشروع الاحتلال” الذي يهدف إلى تمزيق العراق وتفكيك هويته الوطنية. وهذا التغيير الديموغرافي، الذي يشمل التهجير القسري للعرب السنة وتهديد الأقليات غير المسلمة، وتوزيع القوى على أسس طائفية وعرقية، أسهم في تعزيز الانقسامات داخل المجتمع العراقي وأدى إلى تداعيات خطيرة على الوحدة الوطنية.
بعض النقاط التي تبرز العلاقة بين التغيير الديموغرافي ومشروع الاحتلال:
1. التقسيم الطائفي والعرقي:
بعد الاحتلال، تمت إعادة تشكيل النظام السياسي في العراق بشكل يعزز الطائفية والعرقية، مما أدى إلى تهميش فئات وتقوية أخرى. الطائفية السياسية قد ساهمت في تعزيز الولاءات الطائفية على حساب الانتماء الوطني، مما خلق بيئة من التوترات والصراعات الداخلية.
2. التهجير القسري:
شهد العراق بعد الاحتلال موجات من التهجير القسري لأبناء العرب السنة الذين تعرضوا لعمليات تهجير داخلي ممنهجة، سواء كانت نتيجة للعنف والتهديد المباشر أو بسبب تدمير المنازل والأحياء من جراء القصف العشوائي، فضلاً عن تهجير الأقليات غير المسلمة، مثل المسيحيين والإيزيديين، أسهمت في تغييرات ديموغرافية كبيرة.
3. إضعاف الهوية الوطنية:
من خلال تعزيز الولاءات الطائفية والمذهبية في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة، بدأ العراق يفقد هويته الوطنية الموحدة، مما ساعد في توسيع الهوة بين المكونات الاجتماعية وخلق بيئة غير مستقرة في البلاد.
4. التجنيس والهجرة:
تفيد التقارير بأن مئات الآلاف من الإيرانيين تم تجنيسهم في العراق، الذين تم منحهم الجنسية العراقية في سياق تنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي. بالمقابل اضطر الملايين من العراقيين للهجرة بسبب الأوضاع الأمنية والاستهداف المباشر والظروف الاقتصادية، ما ساهم في تقليص التنوع الديموغرافي في معظم المناطق في البلاد.
وبشكل عام أدت هذه التغيرات إلى تداعيات خطرة على استقرار العراق، حيث يشكل التغيير الديموغرافي تهديدًا للوحدة الوطنية ويعزز من الصراعات الداخلية. وأصبحت الطائفية والعرقية معوقين رئيسيين لبناء دولة موحدة ومستقرة. ويعد مخطط التغيير الديموغرافي في ظل الاحتلال تهديد كبير على مستقبل العراق، باعتباره مشروع طويل الأمد لتمزيق العراق عبر استهداف نسيجه الاجتماعي وتعزيز الانقسامات.

لتحقيق الاستقرار، يحتاج العراق إلى تغيير سياسي جذري ينتج عنه نظام وطني يواجه هذه التحديات الديموغرافية ويعمل على استعادة الوحدة الوطنية وتعزيزها.
قانون التجنيس من أدوات التغيير الديموغرافي
قانون التجنيس في العراق هو القانون الذي يحدد شروط وأحكام منح الجنسية العراقية للأشخاص الذين لا يحملون الجنسية العراقية، سواء كانوا من الأجانب أو من المواليد الجدد في العراق من أصول غير عراقية. ويعد هذا القانون أحد الأدوات القانونية المهمة التي تتحكم في التركيبة السكانية للعراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث شهدت البلاد تغييرات ديموغرافية كبيرة كان جزء منها مرتبطًا بمنح الجنسية أو التجنيس لأشخاص ذوي خلفيات طائفية أو عرقية مختلفة.
الإطار القانوني للتجنيس في العراق
يعتبر قانون الجنسية العراقية أن المرسوم رقم (26) لعام 2006 هو الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم عملية منح الجنسية للأفراد في العراق. وقد نص هذا القانون على مجموعة من الشروط والإجراءات الخاصة التي يجب أن يستوفيها الشخص لكي يتمكن من الحصول على الجنسية العراقية.
أهم شروط قانون التجنيس في العراق
1. المولود في العراق:
الشخص الذي يولد في العراق يُعتبر عراقيًا إذا كان أحد والديه يحمل الجنسية العراقية، أو إذا كان الولد المولود في العراق وأبواه غير معروفين، أو إذا كان الولد المولود في العراق لوالدين أجانب شريطة أن يكونا لا يملكان جنسية أخرى.
2. الأجانب الذين يعيشون في العراق:
الأجنبي الذي يقيم في العراق لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات يمكنه التقدم بطلب للحصول على الجنسية العراقية بشرط أن يكون قد استوفى شروط معينة مثل: الاستقرار المالي، وإثبات الالتزام بالقوانين العراقية، فضلاً عن اللغة العربية.
3. الأجانب الذين يخدمون في العراق:
الأجانب الذين قدموا خدمات معينة للعراق يمكن أن يحصلوا على الجنسية، مثل الأشخاص الذين خدموا في الجيش أو الذين قدموا مساعدات إنسانية أو دعموا العراق في مجالات مختلفة.
4. إعفاءات وتسهيلات:
يمكن منح الجنسية العراقية للأشخاص الذين قدموا مساهمات كبيرة في الاقتصاد العراقي، أو الذين يمكنهم دعم مشروع استثماري كبير في العراق ما بعد الاحتلال الذي شهد تجنيس الأفراد المرتبطين بالنظام السياسي الجديد.
تجنيس الإيرانيين في العراق
من أبرز القضايا التي أثارت جدلاً بعد الاحتلال كانت التجنيس الجماعي للإيرانيين في العراق. بعد عام 2003، تم تسهيل دخول الإيرانيين إلى العراق، حيث سعى مئات الالاف من الإيرانيين للانتقال إلى العراق بعد أن تعرضت البلاد لصراعات داخلية. وظهرت تقارير تفيد بأن معظم هؤلاء الإيرانيين قد تم تجنيسهم بموجب القانون العراقي، مما ساعد في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق سياسيًا وثقافيًا.
وتشير التقارير إلى أن عمليات تجنيس الإيرانيين في العراق بدأت منذ العام 2003، حيث منحت حكومات الاحتلال المتعاقبة الجنسية العراقية لعدد كبير من الإيرانيين، خاصة في محافظة ديالى. وفقًا لمصادر، تم منح جنسية عراقية لأكثر من 5,000 عائلة إيرانية في ديالى، في وقت كان فيه عشرات الآلاف من العائلات العراقية الأصلية محرومين من العودة إلى منازلهم. كما أُشير إلى أن عمليات التجنيس جرت بأوامر مباشرة من الحكومة وكانت تتم بسرية وكتمان. وتُقدّر التقارير أن العدد الإجمالي للمجنسين الإيرانيين في العراق قد يصل إلى أكثر من مليون شخص. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعلومات مستخلصة من مصادر أمنية مطلعة ولكنها غير مخولة بالإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، ولكن لا توجد بيانات رسمية تؤكد دقة هذه الأرقام.
التجنيس في سياق التغيير الديموغرافي
في سياق ما بعد الاحتلال، كانت قضية التجنيس واحدة من الأدوات التي تم استخدامها ضمن مخطط التغيير الديموغرافي في العراق. فبعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، تساهلت الحكومات المتعاقبة بمنح الجنسية لمئات الآلاف من الأشخاص الذين لم يكونوا من أصل عراقي، وخاصة الإيرانيين الذين سهلت لهم السلطات الحكومية الحصول على الجنسية. هذا التغيير في التركيبة السكانية كان له تأثيرات سياسية واجتماعية كبيرة على العراق، مما أدى إلى تعزيز النفوذ الإيراني في البلاد.
وبشأن تطبيق قانون التجنيس؛ أشار الكثير من المراقبين إلى أن بعض السياسات المتعلقة بالجنسية قد تم استغلالها لإضفاء الشرعية على الوجود الإيراني في العراق بعد الاحتلال. كما أن العديد من خبراء الديموغرافيا رأوا أن التجنيس في العراق بعد الاحتلال يستخدم كأداة لتغيير التوازن الديموغرافي في بعض المناطق لصالح بعض المكونات على حساب أخرى، مما يزيد من الاستقطاب الطائفي في البلاد.
ضبابية الإجراءات المرتبطة بالتجنيس
على الرغم من أن هناك تشريعات واضحة، إلا أن إجراءات التجنيس في العراق غالبًا ما تكون غير شفافة، مما جعل من الصعب تتبع العدد الفعلي للأشخاص الذين تم تجنيسهم، كما تميزت الإجراءات ببعض التعقيدات البيروقراطية. فقد كانت هناك حالات تجنيس غير قانونية أو تجنيس جماعي للأفراد المقربين من القوى السياسية السائدة، مما يؤكد أن عملية التجنيس في ظل حكومات الاحتلال لم تكن أبدًا في مصلحة الوطن.
ويعد قانون التجنيس في العراق بعد 2003، أداة قانونية مهمة لدى جميع الحكومات المتعاقبة تستغلها في التحكم بتحديد هوية الدولة وتركيبتها السكانية، خاصة في عمليات التجنيس الجماعي للإيرانيين وغيرهم، التي أثرت على التركيبة الديموغرافية للعراق. إن التجنيس في العراق ما بعد الغزو الأمريكي لا يعد عملية إدارية فقط، بل إنه جزء من التغيير السياسي الذي فرضه الاحتلال الذي يسعى من خلاله إلى نسف الهوية الوطنية الجامعة وتعزيز الانقسامات الطائفية أو العرقية في البلاد.
المدن والبلدات والقرى الممنوع أهلها من العودة إليها
في ظل الاحتلال المستمر عبر حكوماته المتعاقبة، يوجد أكثر من 350 مدينة وبلدة وقرية تتوزع على تسع محافظات عراقية، مُنع سكانها من العودة إليها بعد استعادتها من تنظيم الدولة (داعش)، وذلك بسبب سيطرة الميليشيات المسلحة على هذه المناطق. وفيما يلي بعض أبرز هذه المناطق:
جرف الصخر: تقع في محافظة بابل، وتسيطر عليها ميليشيات مثل “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”عصائب أهل الحق” ومنذ عام 2014، يُمنع سكانها، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 170 ألف نسمة، من العودة إليها.
العوجة: تقع في محافظة صلاح الدين. نزح سكانها خلال العمليات العسكرية ضد “داعش”، وما زالت الميليشيات تمنع الأهالي من العودة إليها.
يثرب وعزيز بلد: تقعان في محافظة صلاح الدين، وتسيطر عليهما الميليشيات الموالية لإيران التي تمنع السكان من العودة.
قرى الطوز وقرى مكحول: تقع في محافظة صلاح الدين، وتُمنع عودة سكانها بسبب سيطرة الميليشيات الولائية.
العويسات وذراع دجلة: تقعان في محافظة الأنبار، وتُمنع عودة سكانهما بسبب سيطرة الميليشيات الموالية لإيران.
قرى المقدادية وحوض العظيم: تقع في محافظة ديالى، وتُمنع عودة سكانها بسبب سيطرة الميليشيات الولائية.
قرى شمال شرقي ديالى: العشرات من القرى في ديالى أصبحت مهجورة بالكامل بعد أن اضطر أهلها إلى مغادرتها بسبب الهجمات المستمرة من قبل الميليشيات المسلحة.

مناطق من الطارمية: مثل العديد من المناطق العراقية، شهدت تواجد الميليشيات التي لها تأثيرات سلبية على السكان المحليين، بما في ذلك الممارسات التي تزيد من معاناة المدنيين.
ربيعة وقرى سنجار: تقع في محافظة نينوى، وتُمنع عودة سكانها بسبب سيطرة الميليشيات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من تغييرات ديموغرافية في مناطق سهل نينوى مثل برطلة وقراقوش، حيث ازداد تواجد أقلية الشبك بعد استعادتها من “داعش”، مما أثار قلق السكان المسيحيين الأصليين.
وتُعزى القيود على عودة السكان إلى سيطرة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، التي تستخدم هذه المناطق كمعسكرات ومخازن أسلحة، وتمنع حتى القوات الحكومية من دخولها. هذا الوضع أدى إلى استمرار نزوح مئات الآلاف من العراقيين عن ديارهم.
التغيير الديموغرافي تهديد وجودي للأقليات غير المسلمة
التغيير الديموغرافي في العراق بعد الاحتلال، يشكل تهديدًا وجوديًا للأقليات غير المسلمة في البلاد، حيث يعاني العديد من هذه الأقليات من ضغوط سياسية، اجتماعية، واقتصادية، مما يؤدي إلى تراجع أعدادهم بشكل كبير. بعد الغزو الأمريكي وما أعقبه من الحروب والصراعات التي مر بها العراق، بما في ذلك سيطرة الميليشيات الموالية لإيران بشكل كامل على المحافظات المستهدفة في الحرب ضد تنظيم الدولة “داعش”، تعرضت المجتمعات غير المسلمة في العراق لمخاطر كبيرة، مثل التهجير القسري، والاستهداف العنيف، وعمليات الإبادة الجماعية.
من أبرز الأقليات غير المسلمة في العراق هم المسيحيون، الإيزيديون، الصابئة المندائيون، والتركمان. العديد من هذه الجماعات وجدت نفسها مهددة في ظل سيطرة الميليشيات على المشهد العراقي، مما دفع الكثير من أفرادها إلى مغادرة العراق بحثًا عن الأمن والأمان في دول أخرى. هذا التغيير الديمغرافي يؤدي إلى تآكل التنوع الثقافي والديني الذي يعد جزءًا من هوية العراق.
من الجوانب المؤثرة في التغيير الديمغرافي:
1. التهجير القسري: بعد الغزو والاحتلال، تعرضت الأقليات غير المسلمة في العراق لهجمات عنيفة وتم تهجيرهم من مناطقهم التقليدية. على سبيل المثال، المسيحيون تعرضوا للتهديدات والعنف والتهجير من مناطق سهل نينوى شمالي العراق.
2. الهجرة إلى الخارج: بسبب الخوف من سطوة الميليشيات وعدم الاستقرار، يهاجر الآلاف من أفراد الأقليات إلى الخارج، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادهم في العراق. هذا يساهم في تآكل التعددية الدينية والعرقية في البلاد.
3. التغييرات السياسية: سياسات الإقصاء والتهميش المعتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة تؤثر كثيرا على وضع الأقليات غير المسلمة. وعلى الرغم من أن الدستور النافذ يضمن حقوق الأقليات، إلا أن هناك تقارير مطردة عن انتهاكات لهذه الحقوق.
4. الضغط الثقافي والديني: في بعض المناطق، تواجه الأقليات غير المسلمة ضغوطًا ثقافية ودينية ممنهجة تتسبب في فقدانهم لهويتهم الثقافية.
إن الضعف الممنهج لدور الحكومة في حماية الأقليات غير المسلمة في العراق، يؤكد أن دور الحكومة غير فعّال أو حتى متواطئ في مواجهة التحديات التي تواجه هذه الأقليات؛ ففي ظل التهديدات المستمرة من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة التي تستهدف هذه الأقليات، يظل الفشل الحكومي في توفير الحماية الأمنية الكافية للأقليات غير المسلمة هو سيد الموقف. وتُعد العديد من الهجمات ضد هذه المجتمعات مثالًا على العجز الحكومي في تأمين حياتهم وممتلكاتهم.
ويزاد عليه أن جميع الحكومات المتعاقبة لم تضع تدابير فعالة لحماية حقوق الأقليات غير المسلمة أو لضمان عدم تعرضهم للتمييز، وأن التعطيل الممنهج للقانون العراقي في تطبيق حمايات شاملة لهذه الأقليات، أدى إلى تدهور وضعهم الاجتماعي والاقتصادي في العراق الجديد.
وفي سياق التحديات التي يواجهها المجتمع العراقي بعد عام 2003، فإن الحكومات المتعاقبة لم تعطِ اهتمامًا كافيًا لتمثيل الأقليات في المؤسسات السياسية بشكل عادل. ونتيجة لذلك، يشعر أبناء الأقليات بأنهم تم تهميشهم سياسيًا ولا يتمكنون من الحصول على حقوقهم بشكل كامل.
من هذا المنظور، يمكن القول إن الحكومات المتعاقبة في العراق بعد الاحتلال مسؤولة عن الظروف الصعبة التي تعيشها الأقليات غير المسلمة في العراق، وسط غياب كامل لأي تحرك جاد يضمن توفير الحماية الفعالة لهذه الأقليات، وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم العدالة للجميع بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي.
التعداد السكاني أخطر حلقات مخطط التغيير الديموغرافي
منذ اليوم الأول للاحتلال، بدأت عملية إعادة تشكيل المجتمع العراقي على أساس طائفي وعرقي بشكل غير مباشر. كان العراق، قبل الاحتلال، يتسم بتركيبة سكانية متنوعة، حيث كان العرب السنة يشكلون الأغلبية في بعض المناطق بينما كانت المناطق الأخرى تتميز بوجود عدد كبير من الشيعة. لكن بعد الاحتلال، بدأت عملية الفرز المناطقي وإعادة توطين السكان بشكل انتقائي، حيث شهدت بعض المناطق تغييرات ديموغرافية سريعة نتيجة للتهجير القسري، وزيادة نسبة السكان الشيعة في مناطق كانت في السابق ذات أغلبية سنية، مثل: بغداد وديالى والأنبار.
وأصبح النظام السياسي القائم بعد 2003، بحاجة إلى إيجاد توازنات طائفية، بحيث يتم توزيع المناصب الحكومية، والموارد، والمقاعد البرلمانية وفقًا للتمثيل الطائفي والعرقي. وبما أن التعداد السكاني يعد أداة قياس حيوية لهذا التوزيع، تم استخدامه كوسيلة لتحديد النفوذ الطائفي في مختلف المناطق. هذا أدى إلى تحولات كبيرة في توزيع السكان، حيث تم تهجير السكان السنة من بعض المناطق لصالح السكان الشيعة.
وأصبحت إيران من أكبر اللاعبين في العراق بعد الاحتلال، حيث قامت بدعم الأحزاب المشاركة بالعملية السياسية التي فرضها الاحتلال، والسعي لتعزيز وجودها في البلاد من خلال تغيير التركيبة السكانية لصالح الطائفة الشيعية. هذا التغيير الديموغرافي كان جزءًا من استراتيجية إيرانية تهدف إلى تقوية نفوذها في المنطقة من خلال الوجود الشيعي في العراق. وعبر دعم الميليشيات الشيعية، التي كانت تقوم بعمليات تهجير قسرية للسكان العرب السنة، استطاعت إيران إعادة توزيع السكان بما يتماشى مع مصلحة النظام القائم في طهران.

وفي تسع محافظات عراقية بينها العاصمة بغداد، تعرض السكان العرب السنة لعمليات تهجير جماعي على يد الميليشيات المدعومة من إيران، مما أثر بشكل كبير على التعداد السكاني في تلك المحافظات. حيث شهدت العديد من المناطق في تلك المحافظات تدفقًا للسكان الشيعة بسبب الدعم السياسي والعسكري من إيران، التي كانت تعمل على توطين الشيعة في مناطق كانت تعتبر تاريخيًا مناطق ذات أغلبية سنية.
ومثل التعداد السكاني في العراق واحدة من أخطر الحلقات في سلسلة مخطط التغيير الديموغرافي الذي شهدته البلاد بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003. ولم يكن هذا التعداد مجرد أداة إحصائية، بل كان جزءًا من استراتيجية كبيرة تهدف إلى المصادقة على ما تم تنفيذه من مخطط إعادة تشكيل التركيبة السكانية لصالح القوى الطائفية المدعومة من إيران. من خلال إعادة توطين الطوائف في مناطق جديدة، وتمكين الطائفة الشيعية من الهيمنة على المزيد من المناطق، استطاع هذا المخطط أن يعزز الفجوات الطائفية والعرقية في المجتمع العراقي. لقد كان التعداد السكاني ليس فقط أداة لقياس التوزيع السكاني، بل جزءًا من عملية سياسية تهدف إلى فرض هيمنة طائفية، مما أثر بشكل كبير على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في العراق، وأدى إلى تزايد الانقسامات التي ما زالت تعصف بالبلاد حتى اليوم.
التعداد السكاني كأداة استراتيجية
مع بداية الاحتلال، أصبح العراق ساحةً لتوزيع القوى الطائفية والعرقية من خلال سلسلة من السياسات التي تهدف إلى إعادة تشكيل التركيبة السكانية بما يتوافق مع المصالح السياسية للأحزاب الحاكمة. فقد تم استغلال التعداد السكاني كأداة للاستيلاء على بعض المناطق كواقع حال، مما أتاح للأحزاب المتنفذة تحديد أولوياتها في التوزيع الجغرافي للموارد، كما أنه سهل الاستيطان الطائفي في تلك المناطق على حساب الكثافة السكانية المختلفة.
وكان الهدف الأساسي من عملية التعداد السكاني، هو تثبيت النفوذ السياسي للمكونات الطائفية المهيمنة في مناطق معينة. الأحزاب الشيعية، بدعم من إيران، استخدمت التعداد السكاني كوسيلة لتعزيز مواقعهم في البرلمان العراقي، خاصة في المناطق التي شهدت إعادة توطين للشيعة. ففي العديد من الأحيان، استخدمت النتائج السكانية كأداة لتحديد حجم التأثير السياسي للطوائف المختلفة، وبالتالي التأثير في العملية السياسية والتوزيع العادل للموارد.
إعادة توطين السكان وتأثيره على التركيبة السكانية
أحد أبرز مظاهر التغيير الديموغرافي كان عمليات إعادة التوطين التي شملت التهجير القسري للسكان العرب السنة. في العديد من الحالات، جرى تغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة من خلال نقل مجموعات سكانية إلى مناطق أخرى، مستندة إلى اعتبارات طائفية، مما أدى إلى زيادة الغلبة الطائفية على حساب التوازنات السابقة. على سبيل المثال، جرى تهجير العديد من العائلات السنية من العاصمة بغداد ولاسيما مناطق الحزام ومن المحافظات العراقية الأخرى مثل ديالى والأنبار ونينوى وصلاح الدين، في وقت تزايد فيه تدفق السكان الشيعة إلى هذه المناطق.
ولعبت إيران دورًا كبيرًا في هذا السياق من خلال دعم الأحزاب الشيعية وإرسال مقاتلين إلى العراق، مما سهل تنفيذ عملية إعادة توطين جماعات شيعية في مناطق كانت تعتبر تاريخيًا مناطق ذات أغلبية سنية. هذا النوع من التحولات في التعداد السكاني لم يكن عرضيًا، بل كان جزءًا من مخطط طويل الأمد يهدف إلى ترسيخ الهيمنة الإيرانية على الأرض العراقية.
التعداد السكاني وتحويل الهوية السياسية
لا يقتصر التعداد السكاني على جمع البيانات فقط، بل تحول إلى أداة لتوزيع السلطة السياسية. فمن خلال معرفة التوزيع السكاني، يمكن للحكومة توجيه السياسات الانتخابية بطريقة تدعم الأحزاب الحاكمة. على سبيل المثال، كان التعداد السكاني أداة لتحديد عدد المقاعد البرلمانية التي يتم تخصيصها لكل طائفة أو فئة عرقية.
في العراق ما بعد الاحتلال، اعتمدت العملية السياسية التي فرضها الاحتلال على التمثيل الطائفي المجحف، حيث تم تخصيص المناصب الحكومية والمقاعد البرلمانية وفقًا لذلك بدلاً من تقديم معايير وطنية تشمل الجميع. بالتالي، أصبح التعداد السكاني أداة لتكريس الانقسامات الطائفية.
الدور الإيراني في تعزيز التغيير الديموغرافي عبر التعداد السكاني
لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم الأحزاب المتنفذة والميليشيات في العراق، واستخدمت التعداد السكاني بشكل غير مباشر لتعزيز وجودها السياسي في البلاد. من خلال دعم المليشيات والأحزاب المؤيدة لطهران، ساهمت إيران في تشجيع الاستيطان الشيعي في مناطق كانت تاريخيًا ذات أغلبية سنية. كما أن الأحزاب المدعومة من إيران، استفادت من هذه التغييرات السكانية لتحقيق هيمنتهم على العراق بعد الاحتلال.
بعد الاحتلال، أصبح العراق في حالة من الفوضى الأمنية، مما فتح الباب أمام التدخلات الإقليمية وخاصة من إيران. خلال هذه الفترة، بدأت إيران في استخدام الميليشيات التابعة لها لفرض وجودها العسكري والسياسي في العراق. لكن، لم يكن الدعم العسكري والسياسي هو العنصر الوحيد في هذا المخطط، بل كانت هناك أيضًا حركة استيطانية من خلال تسهيل دخول الإيرانيين إلى العراق.
ومع الدعم العسكري الإيراني، بدأ العديد من الجنود الإيرانيين والمتطوعين الشيعة من بلدان أخرى في التوطن داخل العراق كجزء من الميليشيات، مثل ميليشيا بدر وكتائب حزب الله، التي كانت جزءًا من المشروع الإيراني لتحقيق الهيمنة على العراق. وتم كذلك تسهيل دخول الإيرانيين إلى العراق من خلال التهديدات الأمنية التي واجهها العراقيون، وكذلك عبر توفير فرص استيطانية للعائلات الإيرانية، خاصة في المناطق ذات الاستراتيجية العالية. وكثير من الإيرانيين الذين دخلوا العراق لم يكونوا مقاتلين فقط، بل كانوا أيضًا من المواطنين الإيرانيين الذين استقروا في مختلف المدن العراقية. وفقًا للتقارير، فقد وصل العدد إلى أكثر من مليون إيراني استقروا في مناطق بغداد ومحافظات الجنوب العراقي، وهي مناطق ذات غالبية شيعية، إضافة إلى مناطق أخرى. هذا التوافد أدى إلى زيادة الوجود الإيراني في العراق بشكل ملحوظ، ليس فقط على المستوى العسكري والسياسي ولكن أيضًا على المستوى السكاني.
وبالنسبة لإيران فإن التعداد السكاني هو أحد أبعاد السيطرة السياسية على العراق. فبوجود أغلبية شيعية مهيمنة في بعض المناطق العراقية، يتمكن النظام الإيراني من تقوية نفوذه في تلك المناطق، وبالتالي ضمان وجود سياسي مستدام في العراق. كما أن إدخال الإيرانيين الذين تم تسكينهم في العراق ضمن التعداد السكاني العراقي كان خطوة حاسمة في إطار إعادة هيكلة التركيبة السكانية، مما سمح بزيادة التأثير الإيراني على المستوى السكاني بشكل كبير.
التأثيرات السلبية للتعداد السكاني على التماسك الوطني
إن استخدام التعداد السكاني في تنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي كان له تأثيرات سلبية على التماسك الوطني في العراق. حيث إن ما تم إنجازه من مراحل مخطط التغيير الديموغرافي تمت المصادقة عليها وتعزيزها من خلال التعداد السكاني ما يؤدي إلى المزيد من الاستقطاب بين المكونات المختلفة للشعب العراقي. وبدلًا من أن تكون عملية التعداد السكاني أداة لفهم تكوين الشعب العراقي وتعزيز وحدته، أصبحت وسيلة لتعزيز الانقسامات الطائفية، مما أثر على الهوية الوطنية وجعلها أقل قدرة على التغلب على التوترات الطائفية والعرقية.

المسيحيون ضحايا الفساد الحكومي والميليشيات مثل كل العراقيين
مما تقدم تبين أن التعداد السكاني في العراق بعد الاحتلال كان من أخطر حلقات التغيير الديموغرافي التي مر بها البلد. فقد تم استخدامه كأداة لتعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية، وكان له دور كبير في إعادة تشكيل الخارطة السكانية لمصلحة جهات خارجية على حساب المصلحة الوطنية. كما أسهم هذا التغيير في تفاقم المشاكل السياسية والاجتماعية، مما ساهم في إضعاف التماسك الوطني العراقي وتعميق الصراعات الطائفية والعرقية التي ما زالت تؤثر على استقرار العراق حتى يومنا هذا.
آثار التغيير الديموغرافي على العراق
1. تغيير التركيبة السكانية في تسع محافظات عراقية، ليشمل أعدادًا كبيرة من الإيرانيين الذين تم منحهم تسهيلات كبيرة للإقامة. هذا التغيير جعل بعض المناطق تتحول بشكل تدريجي إلى مناطق تهيمن عليها إيران بشكل كامل، مما أثر على الهوية السكانية الأصلية لتلك المناطق.
2. تعزيز الهيمنة الإيرانية: إن الوجود الإيراني الكبير في العراق أثر في العملية السياسية، حيث تم تعزيز نفوذ الأحزاب المدعومة من إيران. مع تزايد عدد الإيرانيين في العراق، أصبح هذا الوجود أداة لتعزيز هيمنة إيران على القرار السياسي في العراق.
3. التأثير الثقافي والديني: بالإضافة إلى التغيير السياسي، أدى التواجد الإيراني إلى تأثير ثقافي وديني كبير في العراق. فإيران قامت بتعزيز نشر الثقافة الصفوية في العراق، وكذلك إضافة طقوس دينية غريبة والترويج لها. كما تم زيادة الهيمنة الإيرانية في مدن جنوبي العراق، وخاصة النجف وكربلاء.
4. زيادة الانقسامات الطائفية: نتيجة لهذا التغيير السكاني، تأثرت الوحدة الوطنية العراقية بشكل كبير، حيث شعر العراقيون العرب السنة أنهم مهددون في مناطقهم بسبب التدفق الإيراني الكبير، مما زاد من الاحتقان الطائفي وعمق الانقسامات بين مكونات الشعب العراقي.
إن إدراج أكثر من مليون إيراني ضمن التعداد السكاني في العراق هو أحد أبرز وأخطر الجوانب في مخطط التغيير الديموغرافي الذي تم تنفيذه بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003. كان ذلك جزءًا من استراتيجية سياسية وطائفية تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، وجعله أكثر ارتباطًا بالوجود الإيراني على جميع الأصعدة، سواء على المستوى الطائفي أو العرقي أو السياسي. وكان التعداد السكاني بمثابة اللحظة الحاسمة في خطة إيران لتوسيع سيطرتها في العراق، بما يعكس أبعادًا سياسية وثقافية تمتد إلى عمق التغيير الهيكلي في المجتمع العراقي.
معدل الهجرة من العراق ما بعد الغزو الأمريكي في تصاعد مستمر
زيادة معدل الهجرة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وحتى اليوم تمثل واحدة من النتائج البارزة للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. يمكن تقسيم هذه الزيادة إلى فترات محددة تترافق مع الأحداث الكبيرة التي أثرت في استقرار البلاد. ويُقدّر أن أكثر من 4 مليون ونصف المليون عراقي هاجروا أو نزحوا منذ عام 2003، بحسب التقارير الدولية. وشهدت الأقليات غير المسلمة أيضا موجات من التهجير داخل العراق والهجرة إلى خارجه.
ففي الفترة ما بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة، شهد العراق حالة من الفوضى الأمنية والانهيار الكامل للبنية التحتية. وظهرت الميليشيات وانتشرت في أنحاء البلاد، مما خلق بيئة غير آمنة، ما دفع عشرات الآلاف من العائلات العراقية للهرب من البلاد بحثًا عن الأمان. وبدأت الهجرة إلى الدول المجاورة؛ وهاجرت أعداد كبيرة من العراقيين إلى سوريا والأردن ولبنان بسبب الظروف الأمنية، حيث كانت هذه الدول تعد وجهات رئيسية للهجرة. وشهد العراق موجات من التهجير القسري نتيجة العنف الطائفي ولاسيما بعد التداعيات الطائفية والأمنية التي تلت تفجير الضريح العسكري في سامراء في 22 فبراير 2006، التي ساعدت في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق من خلال دعم الحكومة والمليشيات الموالية لها، مما أسفر عن نزوح جماعي داخل العراق وإلى خارجه.

وارتفعت معدلات الهجرة بسبب الاضطرابات الداخلية والنزاعات التي تفتعلها الميليشيات. ومع تدهور الوضع الأمني في العراق، بدأ العديد من العراقيين في طلب اللجوء إلى الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا. واستمر العنف والتدهور الأمني بالرغم من انسحاب القوات الأمريكية في 2011، لم يشهد العراق استقرارًا دائمًا، حيث استمرت المليشيات المسلحة والاقتتال الطائفي. ومع بداية عام 2014، تصاعد العنف بشكل أكبر بعد اجتياح تنظيم “داعش” للمناطق الغربية والشمالية، مثل الموصل وتكريت، ما دفع مزيدًا من العائلات إلى النزوح داخل العراق والخروج منه. ومع تفاقم الوضع الأمني، زادت أعداد العراقيين الذين طلبوا اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا والسويد.
وعلى الرغم من استعادة الحكومة في العراق لمعظم الأراضي من تنظيم “داعش” في عام 2017، لا يزال الوضع الأمني هشًا في البلاد بسبب الصراعات السياسية والوجود المستمر للميليشيات المسلحة. وحتى في ظل التحسن الأمني النسبي، يظل العنف الطائفي المستمر والتوترات السياسية القائمة عاملاً مؤثرًا في قرار الهجرة.
وإلى جانب الأوضاع الأمنية المضطربة، أصبحت التحديات الاقتصادية في العراق بعد الاحتلال عاملاً رئيسيًا آخر يدفع الكثير من العراقيين للهجرة. فقد تزايدت معدلات البطالة بشكل كبير، وارتفعت مستويات الفقر، بينما استشرى الفساد الحكومي بشكل يعيق أي تقدم اقتصادي حقيقي. في ظل غياب الفرص الاقتصادية وضعف الخدمات الأساسية أو غيابها التام في كثير من مناطق العراق، باتت الحياة اليومية تزداد صعوبة، مما دفع عشرات الآلاف من العراقيين إلى البحث عن ملاذات آمنة ومستقبل أفضل في دول أخرى، حيث لا تزال الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق تشهد تدهورًا مستمرًا، مما يزيد من حوافز الهجرة وقبول طلبات اللجوء.