عودة النهب الاستعماري بالقوة المسلحة
يعود التاريخ الاستعماري ليتجدد الآن بصيغته التقليدية وما يجري الآن ليس مجرد حالة يمثلها شخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشلة رجال الأعمال المتحالفين معه، إذ العالم أمام حقبه جديدة ستستمر لسنوات طوال. وما يجري من تهافت القادة الأوروبيين على البيت الأبيض ليس فقط، بسبب الخوف والهلع من تأثير نتائج الحرب الأوكرانية، بل هو أيضا لاستكشاف أبعاد التحول في رؤية أمريكا بشأن استراتيجيات الاستعمار، للالتحاق بها، لتقاسم المصالح والنفوذ، وفقا لهذا التغيير الجديد.
بنيت حقبة الاستعمار الغربي -الأوروبي أساسا- على الاحتلال المباشر للدول الأضعف بالقوة العسكرية واستنزاف ثروات الشعوب الطبيعية، بل حتى البشرية إذ جرت أشنع عمليات استعباد البشر ونقلهم للعمل في المزارع كعبيد، وجرى الانتقال إلى ما سمي بالاستعمار الحديث، نتيجة لتطور وتنامي الحركات الوطنية في الدول المحتلة من جهة، ولضعف الدول الاستعمارية جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهو ما أنتج النظام الدولي الراهن.
الآن يعود الغرب إلى حقبة النهب المباشر ولصوصية قطاع الطرق المنظمين والمسلحين في جيوش متطورة، لأن الدول الغربية صارت تتراجع اقتصاديا وعلى صعيد التوازنات الدولية، حتى باتت على أبواب فقد السيطرة على النظام الدولي، الذي أسسته خلال الانتقال من الحقبة الاستعمارية الأولى إلى الثانية التي عنوانها الاستعمار الحديث.
وإذ يتحدث ترامب اليوم، كقاطع طريق في شأن الاستيلاء على غزة والضفة الغربية على الطريق، وضمها وإقامة مشروعات أمريكية عليها وهو ما يضمن لأمريكا الاستيلاء على الثروات من نفط وغاز قبالة سواحلها، فهو يستولي الآن على ثروات أوكرانيا من المعادن النادرة، ويتحدث في ذات الوقت، عن الاستيلاء على دولة كندا وعلى جزيرة غرينلاند في أوروبا وعلى قناة بنما.
ما يجرى ليس حاله استثنائية، بل هو تدشين لحقبة استعمارية جديدة. وعلى دول العالم أن تستعد، فالقادم أن دول أوروبا ستسير على نفس الطريق، بما يغير المشهد في العالم كله. أوروبا ستسارع الخطى على هذا الطريق والأغلب أنها ستبدأ رحلتها من إفريقيا، إذ ترامب سيصعد حملته الاستعمارية في أمريكا اللاتينية أولا وباتجاه آسيا لتعويض ما حدث من تراجع النفوذ والمصالح الأمريكية في القارة التي شكلت منطقة نفوذ لها بلا منازع.
وما يروج له الآن بإلحاح عن ضرورة رفع نسب الميزانيات العسكرية وتطوير القدرات ليس إلا إعدادا لأوروبا لتلك الحقبة.
فإذا كان العنوان هو مواجهة تصاعد القوة العسكرية الروسية خوفا على أوروبا، فالعالم أجمع يعلم أن لا حرب مباشرة بين الغرب وروسيا، باختصار لأن كل حرب بين الطرفين لن تكون إلا حرب تدمير نووي شامل للطرفين. وإذا كان العنوان الثاني، هو كبح جماح الصين ومنعها من الاستيلاء على تايوان وغيرها، فالعام أجمع يعلم أيضا أن كل حرب مع الصبيين، ستكون مثل الحرب مع روسيا.
هي استعدادات للتحول إلى حقبة استعمارية جديدة- قديمة، عنوانها اللصوصية باستخدام القوة العسكرية كظاهرة عامة سيشهد فيها العالم ما لا يدور في الكوابيس. وقد نكون أمام تحوير دور الجيش الأمريكي، ليكون في خدمة مصالح رجال الأعمال.
لا تستغربوا يوما يجتمع فيه التهديد باستخدام القوة والضغط والحصار، لدولة من الدول البترولية، تحت عنوان تخفيض أسعار النفط أو الثروات المعدنية التي تستهلكها المصانع الغربية. وإن يجري منعها من التصدير بالقوة، إن رفضت. ولا تستغربوا يوما يقال فيه، إن ديونا واستثمارات دول العالم في الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، قد جرت السيطرة عليها بهذه النسبة أو تلك –سواء تجميد أو بإسقاطها- تحت عنوان، أن تلك الدول حققت ثرواتها تحت حماية وفرتها الدول الاستعمارية، أو لأن تلك الثروات جرى تراكمها عبر استخدام تقنية غربية وأن لولا هذه التقنية ما كان ممكنا لتلك الدول أن تستخرج وتستفيد من تلك الثروات.
ولا تستغربوا يوما، تطلب فيه الدول الاستعمارية منحها أراض من دول أخرى أو حتى ضم دول كاملة، لهذه الدولة الغربية أو تلك.
قد يجرى الأمر تحت ظلال حديث عن ضرورات الأمن القومي للدول الاستعمارية أو تحت عنوان حماية الثروات التي تستخدمها المصانع الغربية وتأمين حرية الوصول لها أو تحت عنوان منع الصين أو روسيا أو غيرها من السيطرة عليها.
وقد لا يتصور البعض إمكانية حدوث أي من ذلك، فليتذكر تلك الأيام التي شنت خلالها كل من بريطانيا وفرنسا حربا على الصين، لأن إمبراطور الصين منع دخول الأفيون من بريطانيا وفرنسا إلى بلاده وكان عنوان الحرب هو اعتداء إمبراطور الصين على حرية التجارة!
ما نعيشه الآن، هو بداية حقبة استعمارية جديدة-قديمة، سيجري خلالها استخدام القوة للاستيلاء على الأراضي والثروات والدول، وستشهد إعادة تقسيم الدول الضعيفة بين الدول الكبرى.
وفى كل ذلك، فالصهاينة لا يقفزون في الهواء حين يوسعون سيطرتهم في الإقليم. هم يعلمون تمام العلم، أن العالم متجه إلى حقبة السيطرة على أراض ودول وثروات. وهم يدشنون هذا التغيير لتحقيق أهدافهم، ويعلمون أن لا رادع لهم.