الأغذية التالفة تغزو الأسواق العراقية على حساب صحة العراقيين
مختصون ينتقدون ضعف الإجراءات الرقابية وعدم محاسبة الجهات المسؤولة عن إغراق الأسواق المحلية بمنتجات غير صالحة للاستهلاك البشري.
بغداد ــ الرافدين
حذر مختصون من تفشي ظاهرة اغراق الأسواق العراقية بالمنتجات الغذائية منتهية الصلاحية، في ظل ضعف الرقابة الحكومية واستفحال الفساد داخل مؤسسات الدولة، ما أدى إلى تفاقم المخاوف من انتشار الأمراض والتسمم الغذائي بين المواطنين. وتزامن ذلك مع قرب حلول شهر رمضان، حيث يزداد إقبال العراقيين على شراء المواد الغذائية استعدادًا للشهر الفضيل، ما يزيد من خطورة انتشار هذه المنتجات الفاسدة في الأسواق المحلية.
وتواجه فرق الرقابة الصحية في العراق صعوبات متزايدة في منع تدفق المواد الغذائية التالفة التي تغزو السوق المحلية وتُباع للمستهلكين بأسعار زهيدة.
وتعكس هذه الظاهرة التي تتفاقم خلال السنوات الأخيرة ضعف الأجهزة الرقابية وفشل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني، في اتخاذ إجراءات رادعة للحد من تدفق هذه المنتجات، والتي غالبًا ما تدخل عبر المنافذ الحدودية مع إيران، وسط اتهامات بالتواطؤ والتغطية على كبار التجار المتورطين في هذه التجارة الخطيرة.
وكشف مسؤول فرق التفتيش والرقابة في وزارة الصحة جاسم الغزي، عن وجود أكثر من 3000 طن من المواد الغذائية التالفة جرى إتلافها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، معظمها دخل عبر المنافذ الحدودية بطريقة غير قانونية أو تم التلاعب بتاريخ صلاحيتها داخل الأسواق المحلية.
وأضاف أن فرق التفتيش تواجه صعوبات كبيرة بسبب نفوذ بعض التجار الذين يمتنعون عن السماح لنا بتفتيش مخازنهم، بالإضافة إلى تدخل جهات متنفذة لعرقلة عمليات الضبط والإتلاف.
ويرتبط العراق بحدود طويلة مع إيران، تمتد لمسافة تزيد على 1300 كيلومتر، وتُعد منفذًا رئيسيًا للمواد التالفة التي يتم إدخالها إلى البلاد.
وأكد عضو غرفة تجارة بغداد رائد الحجامي، أن التهاون الحكومي في ضبط الحدود أسهم بشكل مباشر في انتشار هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن العامين الأخيرين شهدا تزايدًا ملحوظًا في كميات المواد الفاسدة التي تدخل السوق العراقية.
وأضاف أن هناك تجار جدد دخلوا السوق بفضل دعم جهات متنفذة، وهم مسؤولون عن توريد كميات هائلة من المواد غير الصالحة للاستهلاك، وعلى الرغم من ضبط كميات كبيرة منها إلا أن هؤلاء التجار لا يُحاسبون، بسبب نفوذهم السياسي وعلاقاتهم الوثيقة مع شخصيات داخل الحكومة الحالية.

ويدفع المواطن العراقي الثمن الأكبر في هذه الأزمة، حيث يُجبر على شراء المواد الغذائية الأرخص سعرًا، رغم معرفته بمخاطرها الصحية في ظل غياب الإرادة السياسية لمحاسبة المتورطين.
وقال الدكتور في دائرة صحة الكرخ عبد الله حسن، إن حالات التسمم الغذائي تزايدت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، بسبب انتشار المنتجات الفاسدة.
وأكد أن حالات التسمم التي تصل بشكل يومي إلى المستشفيات، بعضها خطير بسبب تناول أغذية فاسدة، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة مستمرة بسبب غياب الرقابة والمحاسبة الجدية للمتورطين في هذه التجارة المميتة.
ويرى مراقبون أن الحكومة الحالية تتعامل مع الملف باستخفاف، وتتهرب من مسؤولياتها، إذ لم نشهد أي إجراءات صارمة ضد التجار أو المسؤولين المتورطين في تسهيل دخول مواد غير صالحة للاستهلاك.
وقال المحلل الاقتصادي أحمد الربيعي، إن حكومة محمد شياع السوداني لم تفعل شيئًا حقيقيًا لمكافحة هذه الكارثة، بل على العكس فإن انتشار المواد الفاسدة يعكس حجم الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، خاصة في المنافذ الحدودية.
وأضاف أن المنافذ الحدودية مع إيران تعمل خارج سيطرة الدولة، وهي خاضعة لميليشيات وأحزاب متنفذة تستغلها لتحقيق مكاسب مالية هائلة، على حساب صحة العراقيين.
وأجمع المختصون على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تسهيل دخول هذه المنتجات الفاسدة، وفرض إجراءات مشددة للحد من انتشارها.
واقترحوا تشكيل لجنة مستقلة من الجهات الرقابية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لمعالجة هذه الأزمة، مؤكدين أن الحل الحقيقي يكمن في محاربة الفساد داخل المؤسسات الحكومية، وتعزيز الرقابة على المنافذ الحدودية والأسواق المحلية.
وفي ظل استمرار الفساد وضعف الإجراءات الحكومية، تبقى الأسواق العراقية مفتوحة أمام تدفق المزيد من المواد الغذائية الفاسدة، ما يعني أن صحة المواطن العراقي ستظل مهددة، ما لم يكن هناك تحرك جاد وحقيقي لمحاسبة المتورطين في هذه الكارثة الصحية.