مجددًا: التقاء مصالح إيران والصهاينة في سوريا
يمكن تلخيص ما تشهده سوريا الأيام الأخيرة، بأنها تواجه عملية إعادة تفعيل الدورين الصهيوني والإيراني لإنتاج صراعات داخلية، تؤدي نفس الدور الذي كان معتمدًا خلال حكم نظام بشار، والذي استهدف منع سوريا من التحول إلى دولة مستقلة ذات قدره وفاعلية، وقطع الطريق على انتصار الثورة السورية.
فور اندلاع الثورة السورية حدث التقاء مصالح بين إيران والكيان الصهيوني، إذ مثل نظام بشار حاله تحقق مصلحة الطرفين. وقد التقت مصالحهما الآن على معاداة الحكم الجديد، وهذه المرة جاء الأمر مفضوحًا.
كانت إيران والكيان الصهيوني قد أحكما أيديهما على دورة الصراع الداخلي في مواجهة الثورة السورية، والآن يعتمد الصهاينة والإيرانيين نفس استراتيجية التقاء المصالح في مواجهة الثورة السورية، بعد أن وصل الثوار إلى الحكم. والهدف الواضح هو منع تشكيل حكم يحقق وحدة سوريا ويعيدها إلى دورها العربي.
الفارق الآن أن الدورين الإيراني والصهيوني، قد انتقلا من الحفاظ على بقاء النظام القديم، إلى العمل ضد النظام الجديد. وأن كلاهما بدأ يتحرك في جانب من جوانب الجغرافيا السورية، لتحقيق هدف إشاعة الاضطراب في الجغرافيا البشرية للسكان، وفق استراتيجية شد الأطراف لإضعاف الحكم المركزي، وصولًا إلى تقسيم سوريا. ويمكن القول، بأن هذه الاستراتيجية قابلة للتمدد لإعادة ترتيب الوضع الاقليمي لمصلحة الطرفين الايراني والصهيوني عبر تقسيم سوريا، ونقل حركة التقسيم باتجاه لبنان –والعراق في ظرف لاحق- ذلك أن تفكيك سوريا يحرك قطار التقسيم باتجاه لبنان المليء بتناقضات البقاء المشترك، والذي يشهد تفاعلات خطيرة لكل من إيران والكيان الصهيوني أيضًا.
ما نتابعه الآن هو أن إيران تتحرك في غرب سوريا، وأن الصهاينة يتحركون في الجنوب، فيما يتحرك الطرفان بشكل تتقاطع فيه المصالح بينهما في شرق سوريا.
من يتابع المشهد في غرب سوريا يجد نفسه أمام تحركات إرهابية من ميليشيات تابعه لإيران، وأن هذا التحرك يجرى تحت غطاء من الدبلوماسية والدعاية الإيرانية.
عقب نجاح الثورة السورية صدرت تهديدات إيرانية مباشره لنظام الحكم الجديد -ولتركيا باعتبارها لعبت دورًا فى هذا التغيير- ومؤخرًا تحقق التهديد عمليًا.
لقد أعلنت ما تسمى بـ “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” عن تشكيل ميليشيات جديدة تحمل اسم “أُولي البأس”. وكان الناشر والمروج هو الدوائر الايرانية. بعدها بدأت تحركات إرهابية إجرامية لمجموعات مسلحه في الساحل السوري في مناطق متعددة وبتنسيق كامل في الحركة توقيتًا وفعلًا.
ومن يتابع المشهد في جنوب سوريا يجد الكيان الصهيوني يسارع خطواته المتعددة لمنع تشكيل دولة مركزية قوية وتحقيق التقسيم. فور سقوط نظام بشار، قام الطيران الصهيوني بقصف وتدمير كل المعدات والآليات التي كانت لدى جيش بشار، حتى لا تنتقل إلى أيدي الجيش السوري الجديد.
وبعدها تحركت القوات الصهيونية من الجولان المحتل، فاحتلت جبل الشيخ، وواصلت تحركها ووسعت توغلها باتجاه دمشق، ويجد أن القادة الصهاينة كشفوا عن أنهم سيمنعون دخول القوات المسلحة السورية في مناطق الجنوب السوري، وأعلنوا عن فرض حمايتهم على مكونات سكانية تحت دعوى حماية الأقليات.
وقد تبعت التحركات الصهيونية تحركات لميليشيات مدعومة من الجيش الصهيوني، وهي تحركات جرت تحت غطاء من رمز درزي من العاملين مع الجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة، وهو ما دفع السياسي اللبناني وليد جنبلاط لإعلان موقف معادي لتصريحات الرمز الدرزي ووصل حد توجيه الاتهام له بالعمل لمصلحة الكيان الصهيوني.
يبقى المشهد في شرق سوريا، وهناك تحدث الكيان الصهيوني وقيادة قسد بتناغم شديد. والأمر نفسه بات واضحًا بشأن علاقات قسد وإيران.
الصهاينة تحدثوا عن حماية الأكراد، ومظلوم عبدي قائد قسد تحدث علانية عن قبول الدعم الصهيوني.. وكل المعلومات والتقارير تؤكد أن إيران تقدم دعمًا لقسد. وهو ما دفع تركيا لإطلاق تصريحات شديدة اللهجة ضد إيران.
لقد حذر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إيران، من تداعيات أي دعم محتمل تقدمه لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” أو أي أطراف أخرى في سوريا، بغية إثارة الاضطرابات.
وخاطب إيران مشددًا على ضرورة تخلّيها عن سياساتها التقليدية، مشيرًا إلى أن أي محاولة لإثارة القلاقل في بلد آخر قد تؤدي إلى ردود فعل مماثلة.
وهو هدد الايرانيين بالقول: “إذا كنتم تدعمون مجموعة في بلد آخر لإثارة الفوضى، فمن الممكن أن يقوم بلد آخر بدعم مجموعة داخل بلدكم للهدف ذاته”.
والسؤال الآن هو هل تنجح تلك المخططات الإجرامية؟
يمكن التأكيد بأن احتمالات نجاح تلك المخططات ليس كبيرًا.
لقد تمكنت السلطات الجديدة من كسب مشروعيتها الجماهيرية والدولية إلى حد كبير، وهي أخرجت الدولة العميقة التي شكلها بشار من معادلة الصراع الحالي -بعد حل الجيش ومؤسسات الأمن- كما أنها لم تصل للحكم إلا بقدرتها العسكرية، ولأنها تحظى الآن بغطاء عربي وتركي.
وفى المقابل فميليشيات إيران والكيان الصهيوني هي في أضعف حالاتها، بحكم أنها لا تحظى بمشروعية شعبية، كما أن كلا من إيران والكيان الصهيوني ليس واردا لدى أي منهما تصعيد الموقف إلى درجة الاشتباك مع الجيش التركي.