أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل هي لعبة من مظلوم عبدي؟

عاشت سوريا الأيام الأخيرة أحداثًا في اتجاهات متعددة، وتلك هي طبيعة المراحل الانتقالية التي تعج بالأحداث، التي يكون بعضها خطرًا ومفاجئًا، وبعضها ضمن مسارات الأحداث المتوقعة.
لقد جرت أحداث عنف خطيرة في مناطق الساحل السوري، بدى خلالها أن إيران وميليشياتها وفلول نظام الأسد، عادوا لخوض المعركة التي لم يخوضوها خلال اجتياح قوات الثوار للمدن السورية وصولًا إلى دمشق.
وإذ نجح الجيش السوري حديث التشكيل وقوات الأمن في إنهاء الجانب الرئيس والمباشر من خطة إيران وعملائها الذين خططوا للسيطرة على مدن الساحل والتحرك نحو الانفصال، فقد فتحت تلك العمليات الطريق لشن حملة تشويه ضد الحكم الجديد، بعد أن جرت تجاوزات خطرة ضد المدنيين خلال الاندفاعة التي جرت لإفشال مخطط التقسيم .
وفي جنوب سوريا، طور الجيش الصهيوني تحركاته واحتل مزيد الأراضي السورية، وكان الأخطر أن صدرت تصريحات كاشفة للموقف الصهيوني من التغيير في سوريا.
بات واضحًا أن للكيان الصهيوني خطة متكاملة ليس فقط للسيطرة على الجنوب، بل لوضع الحكم الجديد تحت ضغط استراتيجي شامل.
لقد تحدث القادة الصهاينة عن منع الحكم الجديد من بناء جيش قوي ومنع تواجد هذا الجيش في جنوب البلاد، وعن وضع الكيان الصهيوني الأقليات في سوريا تحت حمايته.
ومثل الحدث الثالث مفاجأة، لقد حضر قائد ميليشيات سوريا الديموقراطية إلى دمشق ووقع على اتفاق مع الرئيس السوري، تم بمقتضاه نشر قطاعات من الجيش السوري في مناطق شرق سوريا التي تسيطر عليها تلك الميليشيات، وإعادة أجهزة الدولة المركزية للعمل هناك، ووقف إطلاق النار.
وقد أثار الاتفاق الكثير من التساؤلات، بسبب التعقيدات الشديدة في العلاقة بين القيادة السورية وتلك الميليشيات، ولأن تركيا طرفًا رئيسًا في تلك الإشكالية، إذ تعد وجود تلك الميليشيات على حدودها وتسليحها من قبل الولايات المتحدة، خطرًا على الأمن القومي التركي، بما دفع للبحث حول الموقفين الأمريكي والتركي من هذا الاتفاق. وأيضًا لأن تلك الميليشيات تسيطر على النفط السوري وتستغله لتحقيق أهدافها الانفصالية، كما أنها تسيطر على أراضي زراعية هي الأعلى إنتاجية في سوريا.
وكان لتوقيت التوقيع دوره في إثارة التساؤلات، إذ جرى التوقيع بعد أحداث العنف والاقتتال في الساحل.
ودارت الأسئلة الأهم حول احتمالات تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما إذا كان الاتفاق بداية طريق يصل بسوريا إلى بناء دولة مركزية مستقرة، أم أنه مجرد اتفاق أملته ضرورات وقتية، ستعود بعدها الأحداث إلى سابق ما كانت عليه.
وواقع الحال أن الدورين الأمريكي والتركي كانا حاسمين في الوصول لهذا الاتفاق، وبالدقة في دفع الميليشيات لتوقيع الاتفاق.
فالولايات المتحدة في عهد ترامب تحاول تقليل إنفاقها العسكري وكثير من التقارير ترجح أن يتخذ قرار بإخلاء قواعدها في سوريا، بما مثل ضغطًا على ميليشيات قسد.
والموقف التركي بات أكثر قوة في الضغط على تلك الميليشيات بعدما نجحت الضغوط الحكومية في دفع القائد الروحي لتلك الميلشيات –اوجلان- للطلب منها، إلقاء السلاح.
وكذا لأن تركيا بات وجودها ودورها على الأرض السورية في كامل المشروعية على صعيد القانون الدولي بحكم طبيعة علاقاتها مع الحكم الجديد في سوريا.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد وجد الحكم في سوريا نفسه في مواجهة ثلاث معارك في وقت واحد، فإذ العامل الصهيوني ضاغط في الجنوب -بل حتى في دمشق عبر القصف المتكرر- فقد كان للأعمال العسكرية في الساحل دورها في دفع الحكم الجديد للتحرك باتجاه توقيع الاتفاق الذي يضمن وقف إطلاق النار في الشمال.
كما أن قوة رد فعل الحكم الجديد وظهور قدرته على الحسم ومدى جماهيريته، قد أرسل رسالة قوية للميليشيات بضرورة نسيان تلك الحالة التي سمحت لها خلال حكم النظام السابق بالاستمرار في نشاطاتها، وهو ما مثل عامل دفع لها لتوقيع الاتفاق.
وكما هو بادي فحركة النظام الجديد تشير إلى أنه يركز جهوده على استكمال هياكل ومؤسسات الدولة، ومنح حركته أوسع قدر من المشروعية، وهو ما يتعارض مع الدخول في معارك عسكرية مع قوة يرعاها الغرب، ودفعه لتوقيع توقيع اتفاق غير مكتمل الأركان.
والاتفاق لا يحمل ملامح استراتيجية بقدر ما يحمل ملامح تكتيكية.
هناك نقاط معلقه إذا لم تحل ستنقلب الأوضاع من الاتفاق للصراع مجددًا فالاتفاق ينص على استكمال الحوارات لإنجاز ما أتفق عليه وحل الإشكاليات المعلقة خلال نحو 10 أشهر، كما أن الاتفاق لا ينص على حل الميليشيات ونزع سلاحها وانضمامها للجيش السوري كأفراد، وهي قضايا أساسية لا يمكن العبور لاتفاق نهائي دون حلها.
والأهم، أن القرار الاستراتيجي في حركة ميليشيات قسد، ليس بأيدي قادتها.
قسد هي مشروع أمريكي صهيوني بدعم إيراني وهي تتحرك ضمن استراتيجيات تلك الدول الثلاث، وتخضع لمؤثرات مصالحها.
وهو ما يدعو للقول بأن الاتفاق الموقع هو اتفاق مرحلي، وأن على النظام أن يركز جهده على تطوير الأوضاع المجتمعية والتلاقي مع التيارات المتعددة في تلك البقعة، وأن يكرس جهوده على دعم التيارات غير الانفصالية التي يمكن لها أن تستفيد من الاتفاق بتحرير حركتها من قبضة قسد خلال الفترة القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى