أخبار الرافدين
طلعت رميح

أيجوز أن يغيب عطر روح المقاومة العراقية؟!

كانت لحظة انطلاقتها إعلانًا، بأن الأمة صامده وأن الأمم لا تموت وأن الحضارة الإسلامية قادرة على تحدي وهزيمة أعتى تكنولوجيات القتل والإرهاب والهدم والإبادة، وأن المستقبل لأمتنا، وإن غطت سحابات الغبار على واقعها في هفوة من الزمان.
كانت السماء ملبدة بغيوم الشك والخوف والارتباك والارتياب، التي كانت تغزيها آلة دمار وآلة إعلام، الغزو الأمريكي.
وكان الألم متماديًا، إذ تلفت العراق يسأل عمن يواجه معه تحالف الشر، فلم يجد من يقول نحن لها.
وكان الغدر هو الحاضر، إذ وجدت إيران فرصتها التاريخية لطعن قلب العراق. ووقتها بدى اليأس ضاربا في النفوس. فالعدو هو الولايات المتحدة بقوتها وجبروتها. والأمة التي كانت حققت استقلالها عادت لتجد نفسها في مواجهة عملية احتلال من أشد وأقوى الدول غطرسة وهيمنة، والحرب كانت إبادة حضارية شاملة وليس مجرد حرب لإلحاق الهزيمة العسكرية.
وضعاف النفوس، تفاعلوا مع الغزو والاحتلال إيجابًا، إلى درجة أن تعاونوا مع جنود المحتل وصاروا أدله ومرشدين لهم، بالرغم من إدراكهم بأنهم يقفون ضد بلدهم وحضارتهم ومستقبل شعبهم، وأنهم سيلاحقون بالعار إلى يوم القيامة.
كان الغزو والاحتلال الأمريكي امتحانا عسيرًا للأمة لا للعراق فقطـ، كان القصف أشد إجرامية من كل ما عاشته البشرية، إذ اعتمد الأمريكان خطة الصدمة والترويع.
وكان العالم العربي غارقًا في خلافاته ومنطويًا على ضعفه -يعيد إنتاجه -وكان العالم بلا قدرة حتى على معاندة المحتل.
ووسط هذا الجو الخانق، الذي اعتصر قلوب المخلصين الحادبين على مصالح أمتهم ومستقبلها.
ظهرت الرافدين.
كانت ضياءًا يخترق سحب اليأس والخوف والهزيمة والخيانة، وصوتًا وحيدًا لإعلان الصمود والمقاومة وإرادة البقاء ويقين النصر.
كانت صوت الأمة في العراق وصوت العراق في الأمة، كانت إعلانًا بيقين، أن في الأمة من يأبى الخنوع مهما كان التحدي وكانت إعلانًا من شعب العراق، بأن قوة الجبروت الأمريكي لا تهزم النفوس الأبية وكانت رسالة للأمة بأن العراق لا يموت، وإن انكسر جيشه فشعبه حاضر يذود عن الوطن –الأرض والتاريخ والحضارة-.
وقد ترسخ نهجها المقاوم يومًا بعد يوم، ولم لا ومن صاغ نداءها ورعاه، هو من حملت نفسه مهمة تفوق قدرة الجبال على الصمود.
كان الشيخ حارث الضاري جبل الصمود، فهو رجل بوزن أمه، كان روح المقاومة وبصيرتها، كان يبث روح الثبات في أمة تواجه خطر البقاء. كان الثبات الموقن بالنصر.
أيجوز يا أمتي أن تغيب الرافدين؟
أيجوز يا أمتي أن يغيب عطر روح المقاومة؟
الآن، وبعد أن تثبتت حالة المقاومة وصارت عنوانًا لا يغيب…تغيب الرافدين؟.
الآن، وبعد أن انتهت غمة الجهل وقسوة الصمت والخوف والارتباك وعدم الفهم.
الآن، وبعد أن سقط كل الذين تعاونوا مع المحتل -ولم تسقط أقنعتهم فقط- وصاروا عناوين للعار في الحاضر والمستقبل.
الآن.. الآن.. الآن، أيجوز أن يغيب الصوت الذى شق غمار الفضاء وأثبت أن قوة الصمود والمقاومة أقوى من كل لهيب قنابل وصواريخ أمريكا؟ وأن يغيب الصوت الكاشف لزيف دعاوى العدو؟
الرافدين، ستبقى، هذا ما لا شك فيه.
بل اليقين، أنها باقية ما بقي الرافدان، فحقائق الجغرافيا والتاريخ، باقية إلى أن يرث المولى الأرض ومن عليها.
لكنها الآن عرضه للغياب بشكل طارئ، فمن لها لتكمل رسالتها؟
من لها، لتظل راية المقاومة خفاقة ولتظل الشعوب تتنسم عطر روح الشهداء.
لم تكن الرافدين مجرد قناة فضائية تبث هموم شعب يحارب لأجل الاستقلال، كانت إرادة أمة على صنع الانتصار.
من لها ليتواصل دورها في كشف مخططات أعداء الأمة الذين أفصحوا عن طبيعة حربهم الحضارية؟
ومن لها لكي يكتمل القطاف وهي التي أسست وعبدت طريق الانتصار الذي بات قريبًا؟
من لها وهى تواجه هذا الظرف العصيب؟
أيجوز، يا أبناء أمتنا أن ينفرد منطق البهتان والخيانة بساحة وفضاء الإعلام والسياسه، بعدما انكشف وتراجع وصار العراق قاب قوسين من تحقيق اليقين الذى بشرت به الرافدين، أيجوز أن تعود جرأة الباطل إلى الطغيان على قوة الحق؟
أيجوز، أن تسمح أمتنا بتزوير واقعها المعاصر؟
أكتب تلك الكلمات بروح يوم التقيت بهموم ولواعج كتيبة الرافدين، بروح من رأى وعايش من عملوا بروح المقاومة بأقل الإمكانيات متسلحين بروح المقاومة ويقين الإيمان بالنصر.
قد كان الإدراك كاملا بعمق الصراع وضراوته، إذ كان العراق هو أول عنوان للمواجهة مع أقوى دولة شر في تاريخ البشرية، ووقتها تحدثت عن العراق اليتيم، وكان قصدي أن مقاومته –التي كانت عنوانًا لإرادة أمة تحتشد فبها كل صنوف وآليات المقاومة -تعاني من ضعف المساندة العربية، وكان قصدي أن كوكبة الصمود الإعلامي تعيش صامدة فيما تعاني هزال وعي أمتها بدورها.
أيجوز والأمة تنهض الآن، أن يغيب صوت من كان عنوانًا للصمود في وجه العواصف العاتية.
من لها والأمة الأقرب إلى الانتصار؟
ألم تنتصر سوريا على إيران وميلشياتها، وقد كان النصر عند البعض حلم ليلة صيف؟
ألم يقترب نصر العراق؟
ألم نشهد أعظم انتصار عربي مقاوم في 7 أكتوبر في فلسطين؟
ألم تكن الرافدين نافذة لكل قضايا العرب؟
من لها؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى