ليست قناة وإنما مشروع واعد
منذُ إطلاقها في العاشر من أبريل/نيسان العام 2006 وقناة الرافدين لم تبرح مكانها كقاعدة لمشروع إعلامي وطني لن تتزحزحَ أو تحيدَ عن دَوْرها ومكانتها في فضاء الإعلام، وباتتْ طبقًا لهذا الدَّوْر والمسؤوليَّة تتصدر المشهد الإعلامي.وعلى مدار سنينها وقفتْ «الرافدين» أمام تحدِّيات سياسيَّة وإعلاميَّة وحصارٍ وحجبٍ ومنعٍ، لكن هذه التَّحدِّيات مثَّلتْ عامل قوَّة من أجل الاستمرار في نقل صوت العراقيِّين والتَّعبير عن آمالهم، والعمل معهم من أجْلِ عراقٍ آمِن ومستقر.
لقد تحوَّلتِ الرافدين إلى صوت إعلامي وطني مسؤول جمع العراقيِّين على خِطاب موَحَّد لمواجهة دعوات التَّقسيم الَّذي كان يبشِّر به الاحتلال. وعِندَما توصف قناة «الرافدين» بأنَّها مظلَّة وطنيَّة يقاتل بها العراقيون بصوتهم من أجْلِ توحيد خِطابهم واسترداد حقوقهم المشروعة، فإنَّها لن تتراجعَ عن هذا الدَّوْر وإنَّما كرَّسَتْه في مسار رسالتها الإعلاميَّة على مدَى (19) عامًا من مَسيرة عملها.
ولأنَّها كذلك، فإنَّ توقُّف قناة «الرافدين» هو سحابة صيف عابرة واستراحة ستمهِّد لحقبةٍ واعدة في مَسيرتها الَّتي كانتْ مميَّزة وثريَّة بكُلِّ معاني الصَّبر والثَّبات والأمل.
لقد واجهتِ «الرافدين» تحدِّيات وصعابًا طيلة اغترابها عن الوطن، لكنَّها بقِيَتْ أمينة والعين الَّتي ترصد وتتابع ما يجري في الوطن، وأمينة في نقلِ الحدث ومتابعته بصدقِ المسؤوليَّة، وتحوَّلتْ إلى مصدر للخبر والحدث وللحقيقة الَّتي كان البعض يحجبها بغربال.
تابعتُ «الرافدين» كمنصَّة إعلاميَّة واعدة رغم الصِّعاب والتَّحدِّيات، فكانتْ صوتًا ومنبرًا للمتطلِّعين إلى غدٍ أفضل تَسُودُه العدالة والقانون، وخالٍ من خِطاب الخوف والكراهيَّة، ولم تُثنِ دَوْرها معاول الهدم والفساد والإقصاء، فكانتْ وفيَّة لجمهورها الَّذي رأى فيها خير مُعِين لِتلمُّسِ الحقيقة والطريق الَّذي يؤدي إلى معرفة اتِّجاهاته الصَّحيحة.
وعِندَما نتوقَّف عِندَ أبرز المحطَّات المُضيئة في مَسيرة «الرافدين» فإنَّنا نستذكر المُتحقِّق في مَسيرتها الإعلاميَّة والسِّياسيَّة الَّتي تحوَّلتْ إلى منبرٍ صادِقٍ هدفه البحث عن الحقيقة مهما بلغتِ التَّضحيات للوصول إِلَيْها.
لقد توقَّفتِ «الرافدين»، لكن بَصْمتها في فضاء الإعلام وحتَّى السِّياسي ستبقى حاضرةً في ضمائر المُتابِعِين لِمَسيرتها صوتًا ودَوْرًا وتجربة؛ لأنَّها أسَّستْ لصورةٍ مغايرة عن إعلام يبحث عن الشُّهرة والإثارة والمال والتسقيط السِّياسي، وتَبنِّي خِطاب الكراهية الَّذي ابتعدتْ عَنْه «الرافدين» وعدَّته إعلامًا مزيفًا، وبعضه مدفوع الثَّمن ومكرسًا لخِطاب الفرقة والانحياز، ومشروع إعلامي واعد هدفه الحقيقة ومستند إلى ثوابت الوطن، واشتراط العيش المشترك بَيْنَ أبنائه لا خوف عَلَيْه؛ لأنَّه يُعبِّر عن إرادة وطن لا تنكسر أو تُصادر من قِبل دعاة التَّفرقة والانكسار ومصادرة الحقوق.
ومهما كانتِ الأسباب الَّتي أدَّتْ إلى وقفِ «الرافدين» فإنَّ المُتحقِّق في مَسيرتها يؤكِّد أنَّه مؤقت واستراحة مقاتل سرعان ما تَعُود لمشاهديها صوتًا لن يحجبَ أمام مَنْ يبحث عن الحقيقة ويرنو لوطن أجمل وآمِن، وهذا الأمل ليس ببعيد بعد أن تطلَّ عَلَيْنا مُجدَّدًا «الرافدين» نأمل أن لا يكُونَ طويلًا.