قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين: إغلاق المساجد في وجه المصلين، ومنعهم من أداء صلاة العيد فيها؛ فعل مستنكر وقرار مُدان
قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين: ما جرى من جدل وفوضى في التصريحات وإطلاق الأحكام غير المنضبطة في معالجة النصوص الشرعية والمتبنيات الفقهية؛ مرده التدخل السياسي في الإعلان الشرعي عن موعد عيد الفطر المبارك.
بغداد – الرافدين
قال قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين في العراق إن الإعلان الشرعي عن موعد عيد الفطر المبارك كشف عن خطورة الخلافات والصراعات السياسية وتأثيرها الضار على الموقف الديني في العراق، ومحاولة استقطاب الآراء الدينية لصالح الأحزاب والشخصيات السياسية ومواقفها المتناقضة.
وأعرب قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين في العراق عن أسفه لما شهده العراق في ليلة العيد ويوميه الأولين (30-31 /3 /2025م) من جدل وخلاف بشأن التفاوت في تحديد أوّل أيام العيد وإعلانه، وهو ما ظهر جليًا خلال الأيام الماضية بعد إغلاق المساجد في وجه المصلين.
وقال قسم الفتوى في بيان له الخميس الخامس من شهر شوال الموافق الثالث من شهر نيسان إن “ما جرى يعكس في ظاهره مشكلة يرصدها الناس ويتعاطون معها، على الرغم من أنها في أصلها تدل على خيرٍ وفضلٍ من الله -تعالى- يلمسه أهل النهى، ويدركه أولو الألباب؛ لما فيها من كشف لحقائق، وتأصيل لمواقف، وبيان لمقاصد”.
وبين قسم الفتوى في الهيئة لأبناء العراق والأمّة جميعًا أن “ما حصل هذا العام من اختلاف في تحديد موعد العيد؛ مرّده إلى اختلال الموقف لدى مؤسسة الوقف -بغض النظر عن حقيقة وظيفتها في تحديد أوقات العبادات وشعائر الله عز وجل، من عدمها-.
وأضاف أن “مؤسسة الوقف قد سبق لها أن وقعت في الإشكال نفسه وترددت في إعلان موعد العيد العام الماضي، قبل أن تعود لتتخذ موقف هيئة علماء المسلمين نفسه، وجرت الأمور على خير في ذلك الحين، وهي في هذا العام ترددت أيضًا وتأخرت؛ لكنها أعلنت موقفًا مغايرًا، -ويبدو أنها- لم تكلف نفسها التشاور مع إدارة الوقف في شمال العراق، التي سبقتها في إعلان موقفها، مع الحاجة لذلك”.
ولفت بيان قسم الفتوى إلى أن “ما جرى من جدل وفوضى في التصريحات وإطلاق الأحكام غير المنضبطة في معالجة النصوص الشرعية والمتبنيات الفقهية؛ هو بسبب التدخل السياسي في الموضوع؛ سواء من جانب (حكومة الاحتلال التاسعة) أو من جانب أطراف سياسية أخرى، والتطرف في الجدل، وإبعاد النجعة في التصورات لدى بعض الجهات والشخصيات؛ لا بسبب المتبنى الشرعي نفسه”.
وجاء في البيان أن “الهيئة كانت في سنوات الاحتلال الأولى تتشاور مع مؤسسة الوقف عن طريق قنوات تواصل مخصوصة في هذا الشأن، ولكن إدارات الوقف المتلاحقة قطعت هذا التواصل؛ لأسباب عدة، ليس هذا موطن بيانها أو الحديث عنها”.
وتابع بيان قسم الفتوى أن “ما جرى ليس فيه إشكال كبير على أرض الواقع؛ حيث كانت الصورة واضحة لدى الناس، واتخذ كثير من العراقيين موقفهم وقرارهم، وأبانوا عن وعي جدير بالاحترام في هذا الشأن، وأثبتوا قدرتهم على التصدي لمحاولات الاستقطاب الديني والسياسي التي تمارس بحق العراقيين منذ سنوات طويلة”.
ووفقا لتوصيف بيان قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين فإن “تأثير ما جرى انحصر على مستوى الشخصيات المرتبطة بالمؤسسات الرسمية، ولم تؤثر هذه المشكلة المفتعلة على الحالة العامة لوحدة الصف؛ لأن الأصل في المشهد هو وحدة صف الشعب، وليس وحدة آراء القيادات السياسية أو الدينية المرتبطة بالعملية السياسية، أو القريبة منها، أو المتهادنة والمتخادمة معها بطريقة أو أخرى”.
وأشار إلى أن “إدارة الوقف السني لم تكتفِ عند هذا الحد؛ بل جرى فرض أوامر من قبل مسؤولين في دائرة التفتيش في الديوان بغلق المساجد في بغداد بعد صلاة الفجر مباشرة صبيحة يوم الأحد (30 /3 /2025م)، وتهديد بعض الأئمة والخطباء، والموظفين من: مؤذنين أو عمال خدمة أو حرّاس؛ بالفصل في حال إقامة صلاة العيد، فضلًا عن التهديد باستعمال القوة لمنع إقامة الصلاة بشكل قسري.
وأكد قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين في بيانه أنه “لا يتحدث هنا عما يتم تناقله من شهادات مستفيضة بهذا الصدد -حذرًا من التسييس الذي شاب قسمًا منها لأغراض انتخابية- وإنما يكشف عن واقعة معلومة جرى فيها التهديد بالفصل والعزل من الخطبة والتهديد بالقوات الأمنية لمنع إقامة صلاة العيد، ولديه الشهود العدول عليها، وبصمات صوتية بألسنة موظفي الوقف”.
وقال قسم الفتوى في الهيئة في ضوء ما تقدم من أحداث إنه يرى أن “غلق المساجد في وجه المصلين، ومنعهم من أداء الصلاة فيها؛ فعل مستنكر وقرار مُدان، فهو يعدّ سابقة خطيرة في العراق حيث تستخدم السلطة الإدارية في منع الناس من حقهم في العبادة؛ فضلاً عن أنه من ألوان الظلم الذي حذّر الله -تعالى- منه وتوعّد مرتكبيه بالعقوبة”.
ووصف بيان قسم الفتوى “الحديث عن تأثيم من أفطر يوم الأحد (30/3/2025م)، أو التشكيك في رؤية الهلال في بعض البلاد أو آلياتها ووسائلها المعتمدة في الرؤية، وتحديد بدايات الأشهر القمرية؛ بأنه كلام غير مناسب وليس في محلّه مطلقًا، في بلد لا يمتلك أدنى مقومات ذلك، ولا يملك الاستقلالية في قراره السياسي، وها هو يفقدها في قراره الديني، فضلًا عن أن استغلال وسائل الإعلام الطائفية لهذا الحديث، وعدم ممانعة بعضهم -للأسف- في التعامل معها؛ أعطى انطباعات سلبية، وكشف عن تداعيات مؤسفة لا تصب في مصلحة العراق ولا في صالح حاضره ومستقبله”.
وحول ظاهرة انتقاء الآراء الفقهية تبعًا للمصالح السياسية، قال قسم الفتوى إن “هذا الأمر له مخاطره التي تشوّش على الناس أمور دينهم ودنياهم، فإذا كانت جهة ما قد اعتمدت في تحديد دخول شهر شوال على رأي فقهي مخالف للرأي الفقهي الذي اعتمدته هي نفسها في تحديد دخول شهر رمضان المبارك؛ فإن من حقنا وحق الناس جميعًا الاستفهام عن المنهجية التي يتم اعتمادها من قبل هذه الجهة في التعاطي مع الأمور الشرعية، ومتى نعمد إلى هذا الاتجاه الفقهي ومتى نتنحى عنه إلى اتجاه غيره؟”.
وشدد قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين على أن “من لوازم العبودية وتحصيل التقوى، وحدة المسلمين على أساس العقيدة والدين، دون اعتبار لحدود جغرافية، أو اتجاهات فكرية، أو مصالح سياسية”.
وانتهى اليان بالقول إن قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين يوجه دعوته لأصحاب الرأي، ومنظري الأفكار، والباحثين في الأحكام الشرعية إلى ضرورة العناية بهذه المعاني، بغية الوصول إلى مراد الله -تعالى- فهو وحده الهادي إلى سواء السبيل”.