الرافدين بين السير بقوانين التاريخ وتجديدها
ميز مسيرة الرافدين، قدرتها على تشكيل مزيج متناغم بين السير ضمن إطار قانون التاريخ الإنساني الذي تثبت بدماء الشعوب التي واجهت حالات الاحتلال الخارجي.. والقدرة على المساهمة في عملية صناعة التاريخ، في آن واحد، إذ خرجت الرافدين من موقع المتابع للأحداث إلى موقع المشارك الفاعل في تطور حركتها.وإذ ولدت في ظرف تاريخي فارق، إذ كانت الأمة قد نسيت حقبة الاحتلال المباشر وقبلت بالاستقلال السياسي -لا الاستقلال الحضاري- فقد كانت الرافدين عنوانًا لصحوة أمة كانت قد تراخت عن متابعة دورها أو غفلت عنه، فتجرأ عليها أعداؤها.
كان انتماء الرافدين لفكرة ورؤية وإستراتيجية المقاومة مبنيًا على تجارب الشعوب عبر التاريخ الإنساني، لكنها كانت منخرطة أيضًا، في عملية صناعة التاريخ عبر دورها الفاعل في حركة المقاومة.. ولذلك كانت متميزة، إذ لم تكن أداة لنشر الإيمان بالمقاومة فحسب، بل كانت فاعلة ومنغرسة في عملية صناعة المقاومة التي بذلت الدماء لتغيير الحاضر-الذي أبتلي بالاحتلال- وفتح الأفاق لصناعة المستقبل، وذلك ما جعلها قادرة على إفشال عمليات التشويش التي استهدفتها واستهدفت قضيتها، لقد جرت محاولات عديدة خصصت لها الملايين لصناعة حالة إعلامية مقاومة مزيفه لسحب جمهور الرافدين وإعادة تشكيل وعيه ليقبل بأنصاف الحلول وصولًا للقبول بالاحتلال، لكنها لم تنجح، لأن الرافدين كانت منخرطة في عملية دفع وتطوير حركة المقاومة التي اندلعت في مواجهة الاحتلال، وهذا هو أصل وجوهر حكايتها.
قانون التاريخ الإنساني العام، أن لا احتلال دون مقاومة، وأن ما من شعب قاوم وهزم، وأن كل احتلال مهما طال زمنه انتهى، وأن كل احتلال إلى زوال مهما كان جبروت دولة الاحتلال.
والرافدين لم تجسد تلك الفكرة العامة ولم تحافظ على هذا القانون الذي سجل بدماء كل شعوب العالم التي تعرضت للاحتلال فقط، بل كانت ركنًا من عملية إستراتيجية (سياسية وثقافية ونضالية) جارية ومتفاعله لحظة بلحظة لدحر الاحتلال، وتلك إشكالية كبرى، إذ أصبحت الرافدين في مواجهة من صنع الإعلام الحديث ومن يسيطر عليه بصورة شاملة -من مصادر الأخبار إلى التقارير بل حتى التحليلات والمصطلحات، الى درجة استتباع الآخرين له وعلى نحو حاسم-.
ولدت الرافدين، الفكرة والرؤية، ضمن إطار القانون الإنساني لحركة الشعوب التي أحتلت. وكانت جانبًا متحركًا من عملية نضالية ممهورة بالدم ومعاناة المعتقلات والتعذيب والمنافي. لذا تيسر لها تحقيق استقلالها المهني وهزيمة عمليات التشويش على دورها.
كان طبيعيًا أن تكون الرافدين واعية وأن تكون صادقة. ببساطة لأنها لم تكن مجرد ناقل معزول تتلقى الأخبار من وكالات الأنباء الغربية المسيطرة على فضاء صناعة وتوجيه الرأي العام، بل كانت ناطقًا من الميدان.
وإذ يجري في مثل تلك الحالة حرب إعلامية على مثل الرافدين، وأخطر أشكالها الدس والإيقاع، فقد واجهت الرافدين تلك الحرب الإعلامية دون عناء، لتوفر شرطي، استقاء الفعل من الفاعل لا عبر الناقل، ولأنها تنطق بالمقاومة وتدعو لها وتتسلح بتجاربها، كان لتوفر الضوابط القيمية الأعلى لدى كادرها الإعلامي دوره في الالتزام والصدق.
ولقد تبنت الرافدين منهجًا إعلاميًا شديد الدقة في موضوعيته.
وكان لذلك دور حاسم في الثقة التي منحها جمهورها لها، بل حتى الأعداء والخصوم.
وكم رأيت بعيني كيف كانت القدرة على التعالي على الجراح العامة والشخصية.
فكما هو معلوم، أن كان هناك من أصدر فتاوى للتعاون مع الاحتلال أو عدم الانخراط في مقاومته، وأن كانت هناك رؤى وممارسات فتنوية وصلت حدود القتل الممنهج والإبادة الحضارية كم ميليشيات بعناوين طائفية، وكم كانت شناعة الجرائم التي ارتكبت في حق السنة، لكن الرافدين أعلت القيمة الوطنية والفكرة الجامعة وتحركت لعزل الفتنويين دون الانجرار إلى التطييف.
أدركت الرافدين أن الفتن هي أحد أخطر أساليب المحتل لإنفاذ خططه وأن الجامع الوطني هو ما يحقق النصر-إذ لا انتصار لوطن مفكك متصارع في مفرداته الوطنية- وأن صناع حالة التطييف يعملون لمصلحة الاحتلال ببعديه الأمريكي والإيراني ، فتعالت في رسالتها الإعلامية وتعالى كادرها الإعلامي على الجراح التي لم تترك وطنيًا مقاومًا إلا وأدركته بشرورها.
أمسك صناع قرارها الإعلامي بجمر ملتهب دون إشارة بالشكوى.
لقد ولدت الرافدين في لحظه تاريخية فارقة، وكان لدورها المقاوم أثر التجديد في فكر أمة كانت قد تخلصت من حالات الاحتلال حتى نسيت حقبتها، وللأسف تراخت عن دورها، فكان على الرافدين أن تجدد في الأمة روحها المقاومة، وأن تعيد رسم مستقبلها وفق مقتضيات مستجدة.
وتلك قضية يلعب فيها الزمن دوره، وهي حالة متوسعة باتساع أرجاء الأمة، وتلك مشكلة الرافدين الآن.
لقد استنهضت روح المقاومة في الأمة، فيما كان غيرها منغمسًا في التركيز على ضعف حاضر الأمة، وكان على رأس أولوياتها هدف صناعة المستقبل، فيما كان غيرها غارقًا في تفاصيل ما يجري إلى درجة الإغراق في المفردات.
البعض كان يفعل هذا بقصد التشويش على وضوح الهدف، والبعض كان يفعل هذا لعدم اعتماده رؤية للغد.