أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

هيئة علماء المسلمين: لا ينبغي لذكرى الاحتلال أن تمرَّ دون أن تتولد منها الأفكار التي تفضي إلى مشروع خلاص ناجز

هيئة علماء المسلمين في العراق: تغيير الواقع المظلم في العراق يتطلب جهودًا غير اعتيادية، فهو ليس بأمر يسير؛ لكنه ليس مستحيلا.

عمان- الرافدين
قالت هيئة علماء المسلمين في العراق إن النظام السياسي القائم في العراق تحت مظلة الاحتلال؛ قد شُكّل على وفق أسس طائفية وعرقية، ومحاصّة موغلة بالإثم، فسحت بموجبها سلطات الاحتلال المجال واسعًا للأحزاب السياسية لتطغى في البلاد، وتتبارى وتتنازع، وتتقاسم المغانم، وتتهافت نحو السلطة والنفوذ.
وبينت الهيئة التي تعد في مقدمة القوى الوطنية الرافضة للعملية السياسية، أن الاحتلال الأمريكي -بمنظومته المتراكبة (العسكرية، والسياسية) وما يلزمها من روافد وقنوات على جميع الأصعدة والميادين- سلطت على العراقيين نظامًا سياسيًا يجمع بين الفشل والإخفاق والانحطاط من جهة، وبين السطوة والطغيان والإجرام من جهة أخرى، وعلى الرغم من توفر جميع مؤهلات السقوط فيه منذ أشهره الأولى.
وأكّدت الهيئة في رسالة مفتوحة للشعب العراقي بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاحتلال العراق؛ أن “قوى الاحتلال وحلفاءها ومن هم في دائرتها وفلكها؛ بذلوا وسعهم في محاولات الحفاظ على النظام الذي سلطوه على العراقيين ليبقى قائمًا ولو كان معوجًّا أو مشوّهًا، بغية الاستمرار في تحقيق المكاسب الكثيرة على الصعيد العراقي المحلي، ونظيره الخارجي بشقيه الإقليمي والدولي، تحت ذريعة (الديمقراطية) التي كشف واقع الحال في العراق أنها الفرية الأكثر رواجًا في هذا العالم”.
ولفتت الهيئة إلى أنه “بعد انقضاء اثنتين وعشرين سنة على هذه النازلة الأليمة، التي ما انفكت هي وتداعياتها تولّد الآلام والأوجاع في النفوس لابد من التذكير بأن الاحتلال ومشروعه السياسي، لم ينحصر شرّه ودماره وما تفاقم عنه من أضرار داخل العراق وبين ظهراني شعبه وأمته فقط؛ بل امتد ليكون أحد حبال السوء التي كانت -وما تزال- سببًا في أن يمسّ أهلَنا في بلدان الجوار والمنطقة البأساءُ والضراءُ، فعكست صورة مشوّهة وغير مرضية للعراق -وهو منها براء- بما لا يليق به ولا بأهله ذوي التأريخ الحافل بالمآثر والمناقب والمواقف النبيلة”.
وشددت رسالة الهيئة على أن “ذكرى الاحتلال على الرغم من إيلامها وقسوتها وما تبثّه من شجن وحزن؛ لا ينبغي أن تمرَّ دون أن تتولد منها الأفكار التي تفضي إلى مشروع حقيقي ناجز، يعمل على استئصال الشر الذي يحيق بالعراق وأهله، ويسعى إلى بناء أنموذج وطني رصين، يعيد بلدنا إلى مكانته السامية، ومساراته الرشيدة، ويحقق تطلعات العراقيين نحو الريادة والسمو”.
واستثمرت الهيئة المناسبة بإعادة طرح قناعتها التي طالما أكّدت عليها طوال العقدين الماضيين؛ بأن النظام السياسي الذي ملّكه الاحتلال رقاب العراقيين وزمام الأمور في العراق مجرد عن الأوصاف التي تحظى بها النظم والحكومات الرصينة والمعتبرة، وفقير إلى ما هو دون الإفلاس من وسائل وأدوات الحفاظ على وحدة العراق، وثرواته، وسيادته، وأمنه، وحقوق شعبه، وضمان مستقبل أبنائه، ولا سيّما وأن التجارب المتلاحقة في السنوات الاثنتين والعشرين السالفة تؤكد بما لا يدع مجالًا لشك أن أدوات هذا النظام وأذرعه: من أحزاب وجماعات، وكتل وتشكيلات، وشخصيات ومناصب؛ جميعها لا تمتُّ بالصلة إلى السياسة وغير مؤهلة لإدارة الشأن العام، فضلًا عن إدارة الدولة ورعاية مؤسساتها.
وذكرت الهيئة العراقيين بما كانت تقرأه وتستشرفه، وترصده وتحلله، وتصوغ أفكارها وطروحاتها بشأنه، انطلاقًا من ثوابتها الشرعية وما تقتضيه من لوازم وطنية وإنسانية وأخلاقية، وفي إطار منهجها الذي تعكسه مواقفها الثابتة ومحدداتها وأصولها،
وحذرت الهيئة في ضوء ذلك من “استمرار منهجية تجربة الحلول السابقة والبقاء في دائرة البحث عن الحل داخل إطار العملية السياسية؛ هو عبث تتقادم عليه الأيام والسنوات ولا يخرج متبنّوه إلا بجهود ضائعة، وأمنيات ليس ثمة سبيل إلى تحققها؛ فمحاولات وضع رؤية حل للقضية العراقية من داخل المنظومة الفاسدة التي تدير النظام السياسي، حتى لو توفرت -على سبيل المثال- جهود عربية أو إقليمية داعمة لهذه الرؤية وساندة لها؛ لن يُحقق للعراقيين شيئًا يذكر”.
وبينت أن “من يتبنى التفكير بهذا النوع من الحلول لن يجد في الأفقين القريب أو البعيد سوى الفشل التام والمطلق؛ لأن مسار الحل المفترض هذا يصب -كما نصفه دائمًا- في قالب أعوج، تُبقي مخرجاتُه الجميعَ تحت وطأة المسؤولية؛ نتيجة المضي على خطا حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ سنة (2003م)، التي لم تحظَ أبدًا بمخرجات منزهة عن الإخفاق والفساد”.
وأكدت الرسالة المفتوحة أن “النظام السياسي القائم في العراق؛ أثبت أنه متطرف في تبني المغالطات واعتماد التناقضات، فمن يدرس الحالة العراقية في حقبة الاحتلال وتحت مظلة حكوماته المتعاقبة؛ يألف الأخيرة وهي أكثر من يتحدث عن (السيادة) بينما البلد منتهكة حرماته، ومستباحة ثرواته، ومشرعة حدوده، وحاله مضطرب بين نفوذ عسكري أجنبي وميليشيات طائفية مسعورة، وتحكم سياسي خارجي يهدم ولا يبني ويُفسد ولا يُصلح”.
وتابعت أن “هذا النظام القائم بعد الاحتلال أكثر من يتحدث عن (الديمقراطية) و(الحريات) و(الحقوق) بينما تداعيات الأحداث تؤكد أن سياساته وقوانينه وإجراءاته تفوق في طغيانها أكثر الأنظمة استبدادًا في واقعنا المعاصر؛ من حيث إدمانه على: مصادرة الرأي، والفضائح السياسية في الانتخابات وغيرها، وجرائم التغييب القسري والتغيير الديمغرافي، والقتل على الهوية، والاعتقالات الممنهجة، والإعدامات المفرطة، وقمع الحرّيات، واتخاذ سياسة القبضة الأمنية في الحكم والقضاء”.
وجاء في الرسالة المفتوحة أن “هذا النظام يأكثر من يسرف في الحديث عن (النزاهة) في الوقت الذي يطغى الفساد في مؤسساته إلى الدرجة التي لا ينجو أحد ممن تورط في الدخول في العملية السياسة منه، بعدما صيّر العراق -مع الأسف- محطة لغسيل الأموال، ومأوًى آمنًا للمجرمين وتجار المخدرات، ومن يدور في أفلاكهم”.
وشددت الهيئة على وجوب أن “تترسخ القناعة لدى الجميع؛ بأن الاحتلال الذي تسلط على رقاب العراقيين منذ اثنتين وعشرين سنة؛ ما يزال مستمرًا بأشكاله وصوره كافة: العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وأنه في ثوبه الحالي احتلال مزدوج تتنافس فيه الإرادات الدولية والإقليمية، ويشتعل التنافس في ظله بين أداوتهما، ولا ينال العراقيون منها إلا السوء والأذى؛ لأن رؤى الحل بعيدًا عن هذا التصور لن تكون مجدية، ولن يكتب لها المضي في مسارات النجاح، حين تصطدم بعقبات لم يحسب منظّرو الحلول الجزئية حسابها”.
وخاطبت هيئة علماء المسلمين العراقيين بقولها إن “الذكرى الثانية والعشرين لاحتلال العراق تأتي متزامنة مع متغيّرات وأحداث تشهدها المنطقة العربية ومحيط العراق الجغرافي، ولا سيّما في: فلسطين، ولبنان، وسوريا، وإيران -في ظل تصاعد خلافاتها مع من تتخادم معهم في الساحة العراقية وغيرها-؛ وعليه فينبغي عليكم الحذر كل الحذر من مكائد النظام السياسي في بغداد، ومحاولاته إعادة التموضع واللجوء إلى (تحسين) سياسة تبادل الوجوه عبر تصعيد لغة البحث عن الانتخابات و(الإصلاح) من الداخل”.
وعدت “الاستمرار في ترويج المفاهيم المكذوبة أو المغلوطة بشأن ميليشيات (الحشد الشعبي) ومحاولة إشاعة فوارق غير موجودة بينها وبين ما يسمونها (الفصائل) محاولة لخداع العراقيين -حاشاهم- بإجراءٍ ما ينسجم مع الرغبة الأمريكية ذات (التهديدات) الافتراضية بحل الميليشيات والضغط على النظام في طهران بناءًا على مقاصد سياسية ومصلحية”.
وأوضحت الهيئة أن “في الحالة العراقية حقيقة لا ينبغي لذي لب إغفالها؛ وهي أن هذه الميليشيات صنيعة الاحتلال الأمريكي، الذي رعاها، ودعمها، وسلطها على العراقيين ولا سيما على أبناء (المقاومة العراقية) الحقيقية، وما زال يوفر لها احتياجاتها والدعم اللوجستي، والتغطية العسكرية عند الحاجة؛ بل حتى على مستوى الدعم المالي، الذي طالما غض النظر عن طرقه الواصلة إلى هذه الميليشيات، ومرجعها الرئيس وموجهها -إيران- لسنوات طويلة،
وحذرت في ضوء ما تقدم من أن “أي إجراء داخلي مفترض تحت مسمى (التغيير) قد يشهده المستقبل القريب، لن يكون إلا في إطار المصلحة التخادمية التي تبقي صلاحيات هذه الميليشيات وأحزاب السلطة حتى لو تطلب الأمر إلباسها ثوبًا آخر غير الذي كانت عليه، وفي ظل سياسة التدوير المعروفة”.
وزادت بالقول إن “هذه الخيارات المتوقعة؛ تمثل سدًا منيعًا، ومصدًا صعبًا أمام أي طروحات للحل المعقول، ومشاريع التغيير الحقيقي، ونظريات الإصلاح المعتبر، من أجل تخليص العراق وتحقيق حرية شعبه، بما يبقي الحالة العراقية أسيرة للعملية السياسية ونظام الحكم الذي يتقوى بهذه الميليشيات ورعاية الاحتلال ومشروعه ومصالحه.
وأكّدت الهيئة في رسالتها إلى العراقيين على أن “تغيير الواقع المظلم في العراق يتطلب جهودًا غير اعتيادية، فهو ليس بأمر يسير؛ لكنه ليس مستحيلًا، ولا يمكن لمشروع خلاص ذي بال أن يتحقق على عجل أو بين ليلة وضحاها؛ لكنه يبقى في دائرة الممكن والمستطاع، ولا سيّما وأن النماذج التي يحفل بها تأريخنا كثيرة ومن شأنها منح الثقة لكل مصلح وغيور، ولكل ذي همّة جسور، وإننا إذ نثق تمامًا بأن إرادة العراقيين نحو تكوين مشروع للتغيير مؤهلة لتتبنى ذلك بصدق وطول سعي وصبر وبذل جهد”.
وفي هذا الصدد قالت الهيئة في رسالتها المفتوحة إن “من المفيد القول مرة أخرى -كما نؤكد كل عام في مثل هذه الذكرى- أن هذا النوع من التغيير يحتاج إلى أن يمر بمرحلتين أساسيتين لينطلق بعدهما نحو الفعل الميداني المثمر”.
وكشفت المرحلة الأولى عن “وجوب الإقرار المشفوع بالقناعة التامة بأن نظام العملية السياسية في العراق غير قابل للإصلاح ولا يُرتجى منه صلاح مع الاستمرار والإصرار على محدداته وأطره التي خطها الاحتلال وتكرار مسرحية الانتخابات كل أربع سنوات التي تنتج نمطًا مألوفًا من الحكومات المتعاقبة، ولا بد للشعب العراقي أن يضغط بكل قواه لتغيير هذه القواعد وفرض إرادته في بناء نظام سياسي صالح”.
بينما حثت المرحلة الثانية على “استثمار ما يُتاح من متغيرات محلية وإقليمية ودولية استثنائية -على قلّتها- بشرط أن تكون مخرجاتها مستعلية على السلوكيات المزدوجة في التعامل مع القضايا الأخرى التي يشهدها العالم، ومتجاوزة للانحياز والأثرة التي تُقدم فيها قضايا على حساب أخرى، وتغيّب بسببها الحقائق وتصادر من أجلها الحقوق، وعلى أن توظف بالشكل الصحيح والمناسب لمصلحة العراق وحاضره ومستقبله”.
واستحضرت الرسالة المفتوحة للعراقيين “أمجاد المقاومة العراقية، وتأريخها، ومشروعها، ورؤيتها، ومقاصدها، وعملياتها الفريدة، وصنائعها الفذة؛ فإنها قد فعلت بقوات الاحتلال ما يصلح أن يُدون في فصول الأساطير والمناقب بين صفحات التأريخ، ويكفي أن قادة الاحتلال -العسكريين منهم والسياسيين- قد أقروا مرارًا: بأنهم غيروا من خططهم وإستراتيجياتهم مرات عدة بسبب العمليات المقاوِمة، وأن الكثير من مراحل المشروع الأمريكي تعطلت أو اضطرت الإدارة الأمريكية إلى تغيير مساراتها، نتيجة فشلها لسنوات أمام ضربات المقاومة التي وصلت رقمًا قياسيًا من حيث العدد والنتائج قل أن يكون له نظير معاصر”.
وشددت على أن “المسؤولية اليوم مناطة بالجميع لتدوين أسفار هذه المقاومة ونشر ما قامت به بين أبناء العراق وأجياله الجدد؛ فضلًا عن طباعته في الكتب ووسائل التواصل ومنصات النشر الحديثة؛ لأن محاولات سرقته وادعائه من قبل مجرمي الميليشيات والفصائل المسلحة قد تنطلي على جيل لم يعش العقد الأول من سنيّ الاحتلال”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى