أخبار الرافدين
طلعت رميح

الرافدين ومواجهة خطة تشويه الشخصية العراقية

جاءت لغة ومفردات الأخبار والتحليلات السياسية في قناة الرافدين –وبيانات المقاومة الوطنية العراقية بطبيعة الحال- كنحت دقيق ورقيق للمعالم الحضارية لشخصية الإنسان العراقي، في مواجهة خطة الاحتلالين الأمريكي والإيراني لتشويه صورة العراقي واستبدالها بصورة أخرى تتعايش مع الاحتلال.
فالاحتلال لا يمارس القتل للأرواح وتدمير الأبنية فقط، بل هو بالأساس يمارس حربًا على تشكيلة الإنسان الحضارية، وأخطر أشكال خطط الاحتلال تتمثل في تشويه صورة إنسان المجتمع المحتل وإعادة رسم صوره خانعة خاوية ضعيفة ذليلة مقهورة للفرد والمجتمع الذي يحتله.
وقد حدث تلاق غير مسبوق في ذلك، بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني؛ لقد حمل الاحتلال الأمريكي بعدًا ذاتيًا في خطة تشويه الإنسان العراقي، إذ أمريكا بلد بني على محو حضارة السكان الأصليين –وتشويهها عالميًا- وهي بلد بلا تاريخ حضاري حقيقي، وهي لا تهيمن وتسيطر على العالم إلا بمحو خصوصية الحضارات التاريخية، فيما قدم الاحتلال الإيراني الفارسي للعراق محملًا بأحقاد السنين الطوال ومغالطات التاريخ المتعمدة، وكان هدفه الأعلى هو محو تلك التشكيلة الحضارية التي تشكلت بعد انتهاء الحكم الفارسي في العراق، بظهور الاسلام.
من تابع الرافدين لاشك أدرك أنها كانت الأداة الفعالة في مواجهة محاولة هدم شخصية الإنسان العراقي. وأنها حشدت كل ما ترسخ إيجابيًا في الشخصية العراقية من معالم قوة ورقي وتحضر وقوة ومن احتكام إلى مبادئ راسخة قادرة على الحفاظ على الهوية، وهو ما جعل ظهور وبأس المقاومة الوطنية العراقية حالة طبيعية، وجعل الاحتلال حاله محاصرة غير قادره على التمدد في داخل المجتمع العراقي.
أراد الاحتلال تشويه صورة العراقي الإنسان –الفرد، وكانت أخطر أدوات الاحتلال هي استخدام العملاء الذين حاول من خلال توسيع دورهم، إظهار صورة بديلة –مشوهه خانعه ذليلة- للإنسان العراقي، فحروب الاحتلال لا تعيش في مجتمع محافظ على كينونته والمقاومة هي حالة دفاع عن التاريخ بما ترسخ في تكوينة البشر، وحالة دفاع عن الحاضر في مواجهة ما يجرى خلاله. والمقاومة هي أداة لصناعة المستقبل بما له من مقتضيات؛ وليس لشعب أن ينهض إلا بإيجابيات مستمده من عمقه الحضاري.
لقد حدد الاحتلال خطته في ترويع الإنسان العراقي عبر القتل والتعذيب والتشريد لدفعه للشعور بالعجز عن المواجهة ولتغيير منظومته القيمية ليتحول من مواجهه المحتل لأرضه إلى الإذعان والقبول بالإذلال والتعايش مع الاحتلال.
وكان لافتا في لغة ومفردات قناة الرافدين تركيزها على إظهار صورة الإنسان العراقي الحقيقي، ومحاصرة محاولة صناعة صورة مشوهة له والترويج لها.
والمقاومة الإعلامية هي حالة دفاع عن الأصول وليست مجرد حالة دفع في مواجهة لحدث طارئ يجرى إبراز المعارضة أو الرفض له.
كثيرون لم يدركوا أن أحد أهم خطط الغزو والاحتلال قد استهدفت الإنسان لا السيطرة على الأرض ونهب الثروة فقط. لكن الرافدين أدركت الأمر منذ لحظة ولادتها.
أدركت أن الحرب الإعلامية لا تقل خطرًا عن الحرب العسكرية؛ وأن الحرب الإعلامية ليست مجرد حرب سياسية بل حرب حضارية، وأن المقاومة ليست فعلًا مسلحًا فقط، بل عنوانا لتدافع حضاري، وأن المعركة الجارية هي معركة يستهدف فيها المحتل إعادة تشكيل منظومة القيم والمفاهيم والأفكار للإنسان والمجتمع العراقي.
وكان المثال الأكثر تعبيرًا عن طبيعة الوعي والإدراك بخطط المحتل الأمريكي هو ما اعتمدته الرافدين من خطة إعلامية في التعامل مع ما كشفه المحتل الأمريكي عما جرى في سجن أبو غريب.
في قضية تعذيب سجناء أبو غريب، أطنبت أجهزة إعلام عربية –نقلًا عن أجهزة الإعلام الأمريكية- في توصيف عمليات التعذيب وتعمدت إبراز تفاصيل المشاهد المخزية التي مارسها الضباط والجنود الأمريكيين بحق الأبطال العراقيين، فأكملت المهمة التي استهدفها الاحتلال من فتح الملف للعلن.
أدركت الرافدين أن المحتل يستهدف إشاعة الخوف وفهمت أن المحتل الأمريكي يرسل رساله بأن ما جرى هو مصير كل مقاوم، وفهمت جيدًا أن المقصود هو إظهار جبروت المحتل وجرذانه، وأن قيام الجنود الأمريكيين بارتكاب جرائم مشينه يستهدف صميم مكون بناء الانسان العراقي المحافظ على القيم والمضحي لأجل الحفاظ عليها.
ركزت الرافدين على فضح ادعاءات الاحتلال بجلب الحرية للعراقيين، وعلى كشف البعد الهمجي في خطط المحتل، وعلى إظهار مدى الخواء الحضاري في شخصيات قادة وجنود الاحتلال، وشددت على حجم التضحيات التي يقدمها الإنسان العراقي، وعلى أن المقاومة تخوض حربها للدفاع عن منظومات القيم الإنسانية، وعلى تحويل القضية إلى قضية دفاع عن الإنسانية وفضحت تاريخ ممارسات الاحتلال المشينة ضد كل شعوب العالم المقاومة.
لم تسقط في فخ نشر التخويف وإشاعة الفزع.
ولقد قدمت الرافدين وبدقه ،ملامح الأصالة في الشخصية العراقية، وكيف أنها نتاج متميز لحضارة عريقة بما يميزه وبفارق مهول عن شخصية المحتل الخاوية من كل بعد حضاري وكيف أنها أظهرت ملامح همجية مهجورة في العصر الحديث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى