أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

باحثون وأكاديميون يؤكدون أن احتلال العراق صب في مصلحة “إسرائيل” بعد إقصاء بغداد من منظومة الصراع العربي الصهيوني

نخبة من الباحثين العراقيين والعرب يشاركون في ندوة خاصة نظمها مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية "راسام" في إسطنبول بمناسبة ذكرى احتلال العراق لبحث مآلات الغزو على المشهد الداخلي والإقليمي.

إسطنبول – الرافدين
أجمع باحثون وأكاديميون ومهتمون بالشأن العراقي على استفادة الكيان الصهيوني من احتلال العراق الذي مثل قرار غزوه ضرورة يقتضيها الأمن القومي للكيان المحتل بهدف إخراج البلاد من منظومة الصراع العربي الصهيوني خلال مشاركتهم في ندوة بحثية خاصة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاحتلال العراق في مدينة إسطنبول.
وشهدت الندوة التي نظمها مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية “راسام” السبت الثاني عشر من نيسان تقديم أوراق بحثية ورؤى تحليلية تحت عنوان: (22 عامًا على احتلال العراق: الذاكرة والتحديات والمسار إلى المستقبل).
وشارك في الندوة الخاصة نخبة من الباحثين العرب والعراقيين الذين كان من بينهم نائب الأمين العام لهيئة علماء المسلمين للشؤون العامة الشيخ الدكتور (يحيى الطائي).

الدكتور يحيى الطائي: السبب الأبرز لغزو العراق لم يكن الثروات النفطية والاقتصادية فحسب، بل اقتضاه الأمن القومي للاحتلال الصهيوني

وتضمنت الندوة أوراقًا بحثية ومداخلات متنوعة؛ قدّمها كل من: الباحث والمحلل السياسي العراقي الدكتور رافع الفلاحي، وعضو رابطة العلماء السوريين الكاتب والباحث السوري الأستاذ ياسر القادري، والكاتب والباحث العراقي الدكتور جاسم الشمّري، فضلاً عن عدد من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالشأن العراقي.
وقال الدكتور يحيى الطائي إن العراق يواجه تحديات جذرية كبيرة طيلة اثنتين وعشرين سنة من الاحتلال، في ظل نظام سياسي هش قائم على المحاصّة الطائفية والعرقية وتغييب الهوية الوطنية الجامعة.
واكد في مستهل الندوة على أن العراق لا يزال يعاني اختلالًا يجعله عرضة لرؤى القوى والأحزاب السياسية المتغولة في مفاصل الدولة، لصالح الدولة العميقة التي تسيطر على البلاد وتتحكم فيه.
وشدد الشيخ الطائي على أن “السبب الأبرز لغزو العراق لم يكن الثروات النفطية والاقتصادية فحسب، بل اقتضاه الأمن القومي للاحتلال الصهيوني، حيث أخرج الاحتلالُ البلادَ من منظومة الصراع العربي الصهيوني، كما أُخرجت مصر قبله بسنوات بعد اتفاقية (كامب ديفيد)”.
واوضح أن “العراق، بدولته الكبيرة وجيشه وقوته الاقتصادية والبشرية، شارك بفاعلية في جميع الحروب العربية لصد العدوان الصهيوني، وكان له تأثير كبير منذ أربعينيات القرن الماضي وامتدادًا بمراحل القضية الفلسطينية المتعاقبة”.

الأستاذ ياسر القادري: احتلال العراق حول جزءًا من الاهتمام العربي والإسلامي من نصرة القضية الفلسطينية نحو التحديات الجديدة التي فرضها الاحتلال

من جانبه أفاد الباحث الأستاذ ياسر القادري، بأن المراكز البحثية أجمعت على أن نتائج الاحتلال كانت كارثية على العراق والدول الإقليمية، حيث كان يمثل مصدًا للجناح الشرقي من التمدد الخارجي، وأن ضعفه أثر مباشرة على المنطقة بأسرها.
ولفت القادري في ورقته التي حملت عنوان (أثر احتلال العراق على المنطقة) إلى أن “احتلال العراق غيّر نظرة غالب الدول العربية للوجود الأمريكي، الذي أصبح وسيلة لتغيير المنطقة بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية، فضلاً عن إسهام الاحتلال في تكريس التشتت الطائفي في العراق، مما غيّر صورة الصراع والتوازنات الإقليمية بشكل سلبي”.
وبين أن “إيران كانت من أكبر المستفيدين من احتلال العراق، حيث سنحت لها فرصة تاريخية لتعزيز نفوذها والتوسع في المنطقة، بينما كان يقف العراق سدًا أمام طموحاتها، مضيفًا أنها أصبحت بعد الاحتلال أكثر قدرة على التأثير والنفوذ، واستغلت الشرخ الطائفي الذي عززه الاحتلال لتحديد استراتيجيتها وتوجهاتها”.
وحول استفادة الكيان الصهيوني من احتلال العراق، إشار إلى دور اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” في واشنطن في تشجيع الغزو، ليس فقط من أجل النفط بل لخدمة مصالح الصهاينة.
وأضاف أن “احتلال العراق حول جزءًا من الاهتمام العربي والإسلامي من نصرة القضية الفلسطينية نحو التحديات الجديدة التي فرضها الاحتلال الذي خلف آثارًا كارثية على العراق نفسه، سياسيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وديموغرافيًا وفكريًا وحضاريًا وتنمويًا، بالإضافة إلى أزمة اللجوء ومقتل أكثر من مليون عراقي بريء”.

الدكتور رافع الفلاحي: تفكيك العراق كان جزءًا من مخطط صهيوني أمريكي بريطاني استمر منذ تأسيس الدولة العراقية حتى سنة 2003

بدوره؛ قال الدكتور رافع الفلاحي إن “بشاعة قصف بغداد قبيل الاحتلال، شبيه بما يحدث الآن في قطاع غزة”.
وأضاف الفلاحي في ورقته الموسومة (الاحتلال ومشاريع ترسيخه) أن “العراق عُزل عربيًا قبل عزله أمريكيًا، مشيرًا إلى أن نظرية “الأمن الإسرائيلي” استندت إلى تفتيت الدول العربية وقواها، وهو ما بدأ مع اتفاقية “سايكس بيكو” التي مزقت الهلال الخصيب”.
وأكد الدكتور الفلاحي أن العراق كان وما يزال يمثل كيانًا كبيرًا، وأن تفكيكه كان جزءًا من مخطط صهيوني أمريكي بريطاني واضح، استمر منذ تأسيس الدولة العراقية عام (1921م) حتى سنة (2003م)، موضحًا أن احتلال العراق وضرب قوته العسكرية والصناعية الهائلة التي خرج بها من الحرب العراقية الإيرانية عام (1988م) كان هدفًا (أمريكيًا – إسرائيليًا)، حيث سعى المحتلون إلى نزع هذه القوة من العراق.
ولفت إلى أن الأمريكيين -عند تشكيل الطبقة الحاكمة الجديدة- عملوا على تعويم الدولة العراقية وإزاحة مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية التي حُلت في البداية.
وأشار إلى أن العراق بتاريخه الممتد لآلاف السنين كان أوسع مما هو عليه الآن، وأن الخرائط والحدود البريطانية اقتطعت الكثير من أراضيه وسيادته.
ولفت إلى “أن مشاريع ترسيخ الاحتلال استندت إلى المحاصّة الطائفية والعرقية التي ظهرت لأول مرة في العراق، وتقسيم المجتمع إلى أكثرية وأقلية، مضيفًا أن هذا النهج استمر في العملية السياسية وقانون إدارة الدولة المؤقت والدستور الذي وصفه بالممزق والمبني على المكونات وليس المواطنة، وهو ما يخالف دساتير العالم”
وشدد الدكتور الفلاحي على أن إشاعة الفوضى والفساد والنهب كانت من أدوات ترسيخ الاحتلال، حيث تركت القوات الأمريكية الأبواب مفتوحة للنهب، بل وجهت مجاميع معينة للقيام بذلك لتصوير العراقيين على أنهم سراق ونهابون، مشيرًا إلى عدد من مخرجات الاحتلال ومشروعه السياسي ومنها التخادم الأمريكي الإيراني الواضح الذي أدى إلى تفشي الفساد وعدم وجود دولة حقيقية.
وبين أن “المشروع الإيراني التوسعي القديم كان جزءًا من أدوات أمريكا في ترسيخ الاحتلال، لا سيما وأن حل الجيش العراقي كان ضربة كبيرة، وأدى إلى ظهور رايات صغيرة طائفية وحزبية وولاءات فردية، مما عوّم الدولة وأضعف الراية الجامعة”.

الدكتور جاسم الشمري: الوضع في العراق في ظل الاحتلال خالٍ من احترام الإنسانية والتعايش السلمي والعدالة

إلى ذلك تضمنت الورقة البحثية للدكتور جاسم الشمري ، تعريفا للمواطنة وارتباطها بالحقوق المدنية والحرية، من قبيل الحفاظ على حياة الإنسان، وحقوقه الإنسانية والقانونية، والحريات العامة، وغير ذلك.
واستعرض الدكتور الشمري في ورقته البحثية التي جاءت بعنوان (التحديات التي تواجه بناء دولة المواطنة) مظاهر غياب دولة المواطنة في العراق في ظل حكومات الاحتلال المتعاقبة.
ولفت إلى غياب الحريّة –بمختلف صورها- في العراق، مستشهدًا بتجاوز السجون لطاقتها الاستيعابية بنسبة كبيرة.
وأكد الدكتور الشمري أن حق الحياة حق أصيل لا يمكن التجاوز عليه، وذلك في سياق تعليقه على الخسائر البشرية الهائلة التي خلفها احتلال العراق، فضلاً عن انتهاك النظام السياسي الحالي للحقوق السياسية، كحق النقد والتظاهر السلمي.
وأشار إلى أن الوضع في العراق في ظل الاحتلال خالٍ من احترام الإنسانية والتعايش السلمي والعدالة، حيث تغلب المصالح الحزبية والشخصية على تحقيق المواطنة، وتميل الأحزاب لمداعبة المشاعر المذهبية والقومية، مع فشل منظمات المجتمع المدني في توعية الناس بحقوقهم.
وتساءل عن حقيقة (الديمقراطية) في العراق الذي يرزح تحت سطوة المحاصّة والطائفية، بينما ينصب حلم العراقيين نحو العيش الآمن بعيدًا عن الصراعات التي تبدو فيها قضية دولة المواطنة بعيدة المنال في المدى المنظور.
وخلص الباحث الدكتور جاسم الشمّري بالقول إن المجتمع المتماسك والواعي قادر على الحصول على حقوقه، بينما المجتمع المتشرذم لا يحقق ذلك.
وشهدت الندوة في ختامها مداولات حوارية تضمنت مداخلات قيمة من الباحثين والإعلاميين المهتمين بالشأن العراقي، الذين أشادوا بأهمية الأوراق البحثية المقدمة وعمق تناولها لتحديات العراق الراهنة بعد عقدين على الغزو، مثمنين جهود المركز في تنظيم هذه الفعالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى