أخبار الرافدين
طلعت رميح

الإعلام المقاوم في العراق

كانت المقاومة العراقية الأسرع عبر التاريخ الحديث؛ وهو ما جاء تعبيرًا عن العمق الحضاري والوطني للإنسان العراقي، وعن انحيازه بوعي لمضامين الاستقلال السياسي والحضاري لدرجة التضحية بالنفس، في مواجهة القوة العسكرية الأولى فى العالم.وقد ظهرت أشكال متعددة من الإعلام المقاوم وبالدقه من الإعلام الداعم للمقاومة، ظهرت قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع على شبكة الإنترنت، وأقيمت مراكز أبحاث متخصصة في متابعة حالة المقاومة العراقية، وقد ساعد تلك الأشكال الإعلامية والبحثية على تحقيق استقلالها، أن ظهرت فى ظرف كانت المقاومة العراقية بلا أي داعم، لكنه أضعف بالمقابل قدرة معظمها على الاستمرار في أداء دورها لفترة طويلة.
جرى إطلاق قنوات فضائية ومواقع تخصصت أو اقتصرت مادتها الإعلامية على نشر وإذاعة عمليات أو فعاليات المقاومة العراقية، وهي إذ قصرت دورها على هذا النمط، فقد ظل تأثيرها محصورًا فى إظهار قدرة الشعب العراقي على مواجهة الاحتلال عسكريًا، دون طرح المشروع الاستراتيجي المقاوم، وظهرت أشكال إعلامية أخرى، وضعت نفسها فى موضع المدافع عن فصيل أو تيار دون غيره، بما صب دورها النهائي فى خانة التفكيك لا التوحيد.
وهنا اجتمعت عدة عوامل لظهور الرافدين وتميزها واستمرار دورها لفترة طويلة، بقدر ما طرحت ضرورة استمرار دورها، بالأمس واليوم وغدًا.
لقد كان لهيئة علماء المسلمين الدور الحاسم فى جعل الرافدين قادرة على طرح مشروع متكامل للمقاومة، هذا ما ميزها عن غيرها مما ظهر من وسائل الإعلام ليس فقط العراقية، بل على صعيد الإعلام العربي.
لقد مثلت الرافدين نقلة فكرية وسياسية وحرفية وأخلاقية للإعلام العراقي المقاوم وللإعلام العربي أيضًا.
كان الإعلام العربي، قد اعتمد في مرحلة تاريخية سابقة، مدرسة الأبيض والأسود، وكان قد تحول إلى وسائل للدعاية الفجة بالخروج على قواعد الإعلام؛ وكان الأخطر أن وقع فى فخ الترويج لانتصارات زائفة، لم يكن ذلك مقصورًا على الإعلام الحكومي وحده، بل كان ينطبق على إعلام المقاومة وقتها أيضًا.
وقتها طرحت مبررات لهذا النهج، فقيل -في تلك الفترة- أن وظيفة الإعلام هي رفع الروح المعنوية خلال الصراعات والقيام بأعمال الحشد الشعبي عبر التأكيد على مسار ومجريات تحقيق الانتصار، وقد ثبت فيما بعد أن الوقائع تفرض نفسها، وأن مثل هذا الإعلام المزيف للوقائع، يؤدي إلى انهيارات مجتمعية بعد انكشاف الغطاء عن الهزائم.
لم تخف الرافدين انحيازها الوطني، فلا إعلام غير منحاز فى القضايا الوطنية والحضارية، وفي حالات الاحتلال فالانحياز ليس مثارًا لجدل، لكنها تعاملت مع الوقائع بدقة وموضوعية، هي تابعت الوقائع السياسية إلى جانب الوقائع الميدانية، كما هي على أرض الواقع ومن مصادرها المباشرة، وهي طرحت مشروع المقاومة مع التشديد والتدقيق في الوقائع، دون الذهاب في طريق التهويل، وهي طرحت الرؤية الشاملة إلى جانب الوقائع الثابتة.
ولذلك شكل ظهور الرافدين كمدرسة إعلامية، نقلة نوعية للإعلام المقاوم، كما شكلت معلم جديد في الإعلام العربي، وهنا كان واضحًا نموذجهًا الإعلامي من خلال علاقتها وما كانت تنشره عن هيئة علماء المسلمين في العراق، فرغم ما يعلمه الجميع من دور أساسي لهيئة علماء المسلمين فى ظهور الرافدين وتحديد طبيعة مسيرتها، إلا أن الرافدين لم تمارس أي نمط من أنماط الدعاية -على الطريقة المعتادة في الإعلام العربي– للهيئه، فتابعت دورها ونشاطاتها دون الوقوع فى فخ الترويج، وقد حرصت الرافدين أيضًا على التعامل مع المقاومة كحالة وطنية عامة لا كحالة خاصة بفصيل أو بجماعة أو حتى طائفة.
وضمن هذا السياق تمسكت الرافدين بفكرة واضحة بشأن كوادرها الإعلامية، لم تفعل الرافدين ما فعلته قنوات إعلامية أخرى، أتت بغير المتخصصين فى الإعلام لضمان الولاء، إذ  سعت الرافدين لجذب الإعلاميين الوطنيين من كافة الاتجاهات طالما التزموا بالحرفية المهنية والموضوعية فى تناول المواد الإعلامية، وبذلك أصبحت بوتقه للوطنية العراقية الخلاقة بتنوعها وتناغمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى