كيف أجابت سوريا عن أخطر سؤال عراقي؟
يقارن كثيرون بين الانسحاب الأمريكي من فيتنام وأفغانستان، تحت ضغط وملاحقة المقاومة، وعدم الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الأمريكي من العراق، رغم ضراوة المقاومة العراقية وما أوقعته بقوات الاحتلال من خسائر، جعلت الخبراء والساسة الأمريكيين يعترفون بالهزيمة.
السؤال الناتج عن المقارنة بسيط للغاية، ولكن جوهره عميق، وإجابته تتعلق باستراتيجيات إدارة الصراع، وهو نفس السؤال الذي يعكس أهمية فهم تجربة قناة الرافدين من جهة، ويشدد على ضرورة استمرارها من جهة أخرى.
السؤال طبيعي، لأن هذا ما يراه الناس بأعينهم، إذ لا تزال القوات الأمريكية تحتل العراق؛ وهو سؤال عميق لأنه يطرح قضية استراتيجية بالغة التعقيد، إذ كيف يهزم الاحتلال ولا ينسحب هاربا ولا يرى الناس مشاهد تشفي الصدور مثل تلك التي شاهدوها في نهاية حرب فيتنام وأفغانستان وكيف يهزم الاحتلال والقوات الأمريكية لا تزال على الأرض العراقية؟!.
والإجابة كشفت عنها تجربة الشعب السوري، الذي ظل يواجه النظام عقدًا من الزمان وهو في حكم الساقط عسكريًا وسياسيًا.
لقد تحدث الإيرانيون بصراحة، بأن لولا تدخلهم وميلشياتهم لكان النظام سقط خلال أسبوعين وهو نفس المعنى الذى تحدث به الروس.
ببساطة، إيران هي من مكنت قوات الاحتلال الأمريكية من البقاء بالرغم من إلحاق الهزيمة بها على أرض العراق، إذ لعبت دورًا مختلفًا عن الدور الذي لعبته باكستان كبلد جوار لأفغانستان، والصين كبلد جوار لفيتنام.
أما لماذا يطرح السؤال نفسه وإجابته كذلك، قضية قناة الرافدين، فلأنها امتلكت رؤية استشرافية جلية حول الدور الإيراني، ولأن إنهاء هذا الدور هو الملمح الأساس في فكرة إكمال المرحلة الثانية من استراتيجية تحرير العراق.
والقصة أن الولايات المتحدة، كان لها في العراق، نفس الخطة التي طبقتها في كل من أفغانستان –وفيتنام قبلهما- إذ تقوم خططها في احتلال الدول على تشكيل حكومات محلية -من العملاء-ودعمها، وتشكيل جيش حكومي ودعمه، لتنسحب قوات الاحتلال إلى قواعد ثابتة، فيما تتولى حكومات العملاء وجيشها إخماد الرفض والمقاومة الشعبية -بمساندة قوات الاحتلال -وليتحول القتال ضد الاحتلال إلى نمط مقنع من الاقتتال الأهلي.
كان هناك حكومة وجيش كرازاي في أفغانستان، وعلى نفس المنوال جرى تشكيل حكومة المالكي وجيشه، وقتها.
والفارق هنا، أن باكستان لم تلعب دور إيران في العراق، ولذا كال الإعلام الغربي الاتهامات مطولًا للمخابرات الباكستانية بدعم مقاومة حركة طالبان، كما جرى تهديد باكستان بكل أشكال التهديد حتى أن حاكم باكستان وقتها -برويز مشرف- روى أن الأمريكان هددوا بلاده بإعادتها للعصر الحجري، إذا لم تشارك في الحرب على طالبان .
أما ايران فقد لعبت الدور الأخطر ضد المقاومة العراقية ،ولم يأت دورها امتدادًا لذات الخطة التي اعتمدتها خلال الحرب النظامية ضد الجيش العراقي –فقط- بل كان الأخطر أن لعبت لعبة التجييش الطائفي في داخل العراق لشق وحدة المجتمع، إذ تقوم فكرة المقاومة على توحيده في المواجهة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي، وفى ذلك يخطئ من يتصور أن دور التفكيك المجتمعي بأيدي إيرانية قد اقتصر على بعض المناطق في جنوب العراق، إذ جرى نفس الدور في شرق أو شمال شرق العراق.
جيش الاحتلال يظل ببزته العسكرية، مهما التف لتغيير شكله ومهما شكل من حكومات بأسماء عراقية أو شكل من مجموعات عسكرية بأسماء عراقية –أو افغانية او فيتنامية- فهو لا يستطيع البقاء، والزمار لا يستطيع إخفاء ذقنه.
هنا كان الدور الإيراني هو الأخطر.
لقد أضاف الدور الإيراني العسكري والاستخباري قوة للاحتلال الأمريكي، أضاف قوة إقليمية داعمه للقوة القادمة من خلف المحيط وأضاف قوة متمرسة في الحرب على العراق عبر التغلغل في داخله، وهي فعلت ما لا يستطيع الاحتلال فعله إذ تمثل دورها الأخطر في إضعاف إجماع المجتمع العراقي والتشويش على وحدة المجتمع في مواجهة الاحتلال.
وقد توسع الاختراق الإيراني –تحت الحماية والدعم الأمريكي –ليصل حد تشكيل الميلشيات العسكرية، التي غيرت نمط وحالة الصراع في العراق ونقلتها من الصراع الوطني إلى الصراع الطائفي.
وهذا ما حدث في سوريا ،بما مكن للنظام أن يبقى، وهو ساقط فعليًا، ولذلك انتهى في أيام بعد رفع الغطاء عنه.
في المرحلة الحالية من الصراع، فالمعركة الجوهرية التي تتعلق باستقلال العراق هي في اتجاه إنهاء الدور الإيراني في داخل العراق، والجاهز في تلك المواجهة هو الإعلام العراقي الذي كان واعيًا ومواجهًا للدور الإيراني مبكرًا.
وهنا تأتي أهمية فضائية الرافدين، قلنا إن أحد أهم ما ميز رسالتها الإعلامية هو الوعى الاستراتيجي، وهو ما ترجم هنا في كشف دور الحكم العميل والخادم للاحتلال من جهة، وفي كشف الدور الإيراني مبكرًا من جهة أخرى.
وهنا تأتي الأهمية الحالية والمستقبلية للرافدين، إذ هي من تستطيع لعب الدور الإعلامي والتأسيسي للحركة الاستراتيجية الثانية الساعية لتحرير العراق من الاحتلال الإيراني.
وهنا تطرح قضية استراتيجية هامه للغاية على كل من يرى إيران خطرًا على الإقليم، فهذا الخطر لا يستمر إلا بالسيطرة على العراق، لا إزالة لخطر الدور الإيراني ولا مواجهة للتهديد الذي تمثله إيران للمنطقة العربية، إلا باستقلال العراق.