أخبار الرافدين
طلعت رميح

ترامب: الهجوم الدائم وصناعة عدم اليقين

يتحرك الرئيس الأمريكي ترامب بطريقه هجومية دائما، وهو يبالغ في حدة الهجوم ليظهر أنه الأقوى وبلا منازع من أحد في الكرة الأرضية، هذا الأمر ظاهر إلى درجة، أن هناك من تحدث عن أن الأنسب في التعامل مع ترامب، هو عدم الاصطدام به، وفى تفسير هذا السلوك تعددت الرؤى بين من تحدث عن أن الرجل متأثر بأساليب المصارعة التي كان له باع كبير في نشاطاتها، فيما تحدث آخرون عن أن ترامب يطبق أساليب المفاوضات العقارية، وذهب رأي ثالث إلى أن ترامب يهاجم للتغطية على حالة التراجع التي تمر بها الولايات المتحدة.
وفي فهم جوهر استراتيجية عمل ترامب، فالأمر المؤكد أنها تقوم على إرباك الجميع ليس فقط تحت وقع الهجوم بل عبر صناعة حالة من عدم اليقين لدى حلفائه وخصومه، حتى لا يستطيعوا بناء استراتيجية متماسكه في التعامل مع إجراءاته، ولذلك يقال أن من الصعب معرفة ما سيفعله ترامب وأن ليس لأحد أن يتوقع ردود أفعاله.
يجري إنفاذ تلك الاستراتيجية عبر تحركات في اتجاهات متعددة ومتنوعة تبدو متناقضة في الظاهر، وهو ما ظهر جليا في أسلوب تعامله مع نتنياهو والكيان الصهيوني –كمثال-.
هو منح الصهاينة كل ما طالبوا به من أسلحة إبادة، وكان سابقا لخطواتهم حين طرح علنا أنه يسعى للسيطرة على غزه وطرد الفلسطينيين من أرضهم، لكنه، فرض رسوما جمركية على السلع الصهيونية من جهة، وراح يتفاوض مع الحوثيين ووصل حد الاتفاق معهم على وقف القصف على السفن الأمريكية دون اشتراط وقف القصف على الكيان الصهيوني، والأمر نفسه باد في ما يسعى إليه في مفاوضات البرنامج النووي الإيرانى، إذ يقدم ترامب فكرة السيطرة على الاقتصاد الإيراني من قبل الشركات الأمريكية، على المخاوف الصهيونية التقليدية.
ويجري إنفاذ تلك الاستراتيجية عبر الخروج عن كل الثوابت المستقرة في السلوك الأمريكي أو في ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، كما حدث في التفاوض مع روسيا إذ فصل مسار العلاقات معها عن تطورات الحرب الأوكرانية، وكما جرى حين فرض رسوما جمركية على الحلفاء الدائمين للولايات المتحدة مثل كوريا واليابان وأوروبا، وكان الأشد وضوحا إلى درجة أصابت المتابعين بالذهول، ما أعلنه عن ضم كندا للولايات المتحدة وعن ضم جزيرة جرين لاند أيضا.
كما يجري إنفاذ تلك الاستراتيجية عبر إعلان مواقف متعددة من خلال استخدام منصات بعضها رسمي وبعضها غير رسمي، وفى ذلك فترامب يكتب على موقعه في تطبيق شركته –تروث سوشيال- ما هو أشد صراحة عن ما يرد في تصريحاته في البيت الأبيض، وهو ما يمكنه من إطلاق سلاسل من الأكاذيب –وتلك حاله مشتهره عنه إلى درجة تقديم إحصاءات بشكل دائم عن عدد الأكاذيب التي يطلقها -وعبر استخدام مصطلحات غير معهودة في كلمات الرؤساء والديبلوماسيين، وكان آخرها رسالته بأن الصين ستدفع الثمن.
غير أن كل هذا الذي جرى ويجري لم يعد قادرا على تحقيق الأهداف التي ابتغاها ترامب من وراء اعتماد تلك الاستراتيجية، ويمكن القول بأن تلك الاستراتيجية باتت تتبخر ويحل محلها يقين لدى خصومه والأخطر أن بات ترامب مضطرا لاتخاذ قرارات داخلية، توصف بالديكتاتورية، لمواجهة هذا الانكشاف.
والأسباب لهذا الانكشاف متعددة.
فهناك أن ترامب يرأس بلدا عاش لفترة طويله متمتعا بحريات فردية وإبداعيه ولديه نظام مؤسسي للحكم وترتيب واضح ومحدد للعلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومن يحكم يصعب عليه اعتماد سياسات فردية فجه على هذا النحو غير المسبوق، تلك المؤسسات التي صدمتها تصرفات وتحركات وتصريحات ترامب، انتقلت في الأيام الأخيرة من الصمت تحت وقع الصدمة، إلى تفعيل آليات المواجهة مع ترامب، بترصد وكشف ما يفعل ومواجهته قضائيا وشعبيا، وزاد من فعالية نشاطها أن باتت تشعر بخطر حقيقي على بقائها بعد أن بدأ ترامب يتحرك ضد القواعد المنظمة للعلاقات بين السلطات، ويتجه إلى تأسيس نمط من الديكتاتورية، وهو ما اضطر ترامب للتراجع عن فكرة الترشح لفترة رئاسية ثالثة خلافا للدستور الأمريكي.
وهناك أن ترامب لم يستطيع إخفاء ضعف وتراجع الولايات المتحدة باعتماد سياسات هجومية تصل إلى درجة اللامعقول، ذلك أن الحقائق الثابتة تفرض نفسها في نهاية المطاف ولوجود قوى دولية وازنة تستطيع الدفاع عن مصالحها بندية وهي نجحت في دفع ترامب لإبداء الاستعداد للتراجع عن قراراته الهجومية، بأسرع مما خطط له، ولعل النموذجين الصيني والروسي باتا واضحين، فالصين ردت بإجراءات مضادة كشفت ضعف أمريكا، وروسيا لم تبد لهفة لعودة العلاقات مع الولايات المتحدة، كما أخذت من تراجعات ترامب عن دعم أوكرانيا ما يفيدها ولم تذهب مع ترامب لما أراد.
وهناك أن دول العالم أجمع كانت قد علقت أنظارها على الولايات المتحدة، فدرست كل عوامل قوتها وضعفها لسنوات طوال –بحكم دورها العالمي وصداماتها واعتداءاتها على الشعوب والدول الأخرى- بما جعلها قادرة على كشف الأكاذيب وفهم طبيعة الخطط والاستراتيجيات الأمريكية.
ترامب فى ورطهة الآن، وهو لم يعد قادرا على الاستمرار في إنفاذ تلك الاستراتيجية، وبات مضطرا لإظهار حقيقة أهدافه، وحقيقة الأوضاع الأمريكية التي كان يحاول إخفاءها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى