أخبار الرافدين
طلعت رميح

زيارات ترامب وميليشيات إيران في العراق

تركزت الأنظار والتحليلات والرؤى والمواقف، على قضايا المال والاستثمارات التى حققها ترامب خلال زيارته للخليج، وهناك من خرج على طغيان غيمة المال والاتفاقات والهدايا، ليطرح أهمية ما جرى بشأن سوريا، إذ أطلق ترامب تصريحه بشأن رفع العقوبات عنها، والتقى رئيسها، وهناك من طرح خيبة أمل من راهنوا على أن ترامب سيعلن الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية، ولحق بهم من راهنوا على إعلان ترامب عن إدخال المساعدات لأهالى غزة المحاصرين جوعا حتى الموت.غير أن ثمة جوانب أخرى لم تجد اهتماما يذكر، أولها ما ظهرت عليه الولايات المتحدة خلال الزيارة، إذ أعادت الزيارة رسم صورة الولايات المتحدة، وثانيها، ما ظهر عليه الرئيس الامريكي نفسه، فقد أصبح ترامب مكشوفا إلى مدى بعيد، وهو ما دفع البعض للحديث عن تصاعد المخاطر على استمراره في الحكم، لقد بدأت صحف وقيادات أمريكية في ملاحقة تصرفات وقرارات وأقوال ترمب وكيل الاتهامات له، وثالثها يتعلق بتحاشي ترامب خلال زيارته للعواصم العربية الثلاث، ذكر الميليشيات الإيرانية في العراق على الرغم من أحاديثه المطولة عن المفاوضات مع إيران.
لقد ظهرت الولايات المتحدة خلال تلك الزيارات كدولة متسولة للمال، وظهرت كدولة تعرض حماية آخرين عبر جيشها وأسلحتها في مقابل المال، وهو ما واجهته الدول المضيفة بالتركيز على التحالف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة.
هذا الذي جرى خلال الزيارة، أظهر مدى هشاشة الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة على نحو أشد وضوحا، وإذ جرت تلك الزيارة عقب تطورات سياسية واقتصادية باتجاه الصين وروسيا وأوروبا، فقد ظهر مدى تراجع الولايات المتحدة.
سبق الزيارة إطلاق ترامب حربه الاقتصادية على الصين، فكشف صمود الصين ونديتها مدى تراجع هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وسبق الزيارة ظهور بوادر فشل ادعاءات ترامب بحل الأزمة الأوكرانية في دقائق، إذ قدم تنازلات كبرى لروسيا دون أن يحصل على موافقتها على وقف الحرب، وسبق الزيارة وصول الرئيس الصيني لروسيا –وقادة مجموعة دول بريكس- وتأكيده والرئيس الروسي على أن علاقات البلدين لا تتأثر بالتطورات السياسية، فتأكد فشل خطة ترامب وسعيه لفصل الصين عن روسيا، وإضعاف وحدة مجموعة بريكس.
في الزيارة بدى أن الولايات المتحدة بلد مفلس يسعى للحصول على المال من دول الشرق الاوسط، وهو ما يعني أن الاقتصاد الأمريكي غير قادر على سداد الديون المتراكمة، وأن الشركات الأمريكية لم تعد قادرة على المنافسة وباتت بحاجه لتدخل الدولة ودعمها لدى الدول الأخرى، فتحولت الولايات المتحدة للحصول على الأموال من الخارج بالطريقة التي رآها العالم كله.
وهو ما دفع كثيرين للحديث عن ظهور الولايات المتحدة في صورة البلطجي.
وظهر الرئيس كذلك، بما حرك دوائر أمريكية للنيل منه، وفي أغلب التقدير، أن ملفات كبرى يجري ترتيبها الآن داخل الدولة العميقة في الولايات المتحدة للانقضاض القادم على ترامب عقب الانتخابات التي ستشهدها الولايات المتحدة لتجديد مجلسي النواب والشيوخ، والمتوقع أن تنهي سيطرة ترامب وحزبه على القرار التشريعي.
وقد ساهم في زيادة وضوح تلك الصورة لأمريكا ورئيسها، أن ترامب لم يتطرق إلى أهمية أو دور المنطقة في الصراع الاستراتيجي بين مشروعي طريق الحرير والممر الهندي للتنمية، وكلاهما يمر عبر الشرق الأوسط، عدم إثارة قضية الممر الهندي إلى أوروبا الذي تعده الولايات المتحدة أحد اهم مشاريعها الاستراتيجية في مواجهة المد الصيني، زادت التركيز على فكرة التسول المالي لا التخطيط الاستراتيجي.
وكان لافتا لكل المتابعين ذاك الإلحاح في كل أحاديث ترامب على عقد اتفاق مع إيران، وأن بدى قاطعا، طغيان لغة المال والاستثمار في أحاديثه بشأن الاتفاق، لقد بدى الرئيس الأمريكي متلهفا لعقد اتفاق، ولم تكن مصادفة أن جرى الإعلان عن تقديم المفاوضين الأمريكيين صيغة اتفاق للجانب الإيراني خلال الزيارة.
الاستثمار والمشروعات كانت المفردات الوافرة في أحاديث ترامب عن إيران مع تراجع مفردات استخدام القوة.
بقيت عدة ملاحظات هامة.
الأولى، أن ترامب تحاشى الحديث كليا عن العراق والميليشيات الإيرانية هناك، بل هو لم يكرر –حتى -ما قاله مطولا وكثيرا عن خطأ احتلال العراق، وهو ما طرح تساؤلات عما إذا كان أمر الميليشيات متروك للمفاوضات والمساومات الجارية مع إيران الآن.
الثانية، أن ترامب لم يرفع العقوبات كليا عن سوريا، وهو لا يملك القرار النهائي في جميع العقوبات التي تخطت نحو 2000 عقوبة، هناك عقوبات يستطيع رفعها بقرارات منه وهناك عقوبات لا يمكن رفعها إلا بعد مناقشة وموافقة الكونجرس الأمريكي الذى فرضها.
والثالثة، أن ترامب لاشك وجه ضربه للاستثمارات والمصالح الأوروبية في الشرق الاوسط خلال تلك الجولة والأغلب أن اوروبا تعيد حسابتها الآن بشان معركة الرسوم، وربما سنشهد ميلا متسارعا للاقتراب الأوروبي من الصين.
والرابعة، أن نتنياهو لم يبد أي قدر من مراعاة وجود ترامب في المنطقة العربية، إذ تصاعدت أعمال القتل ومعها التصريحات التي تحدثت بسفور أن لا وقف للحرب على الشعب الفلسطيني، وظهر جليا أن الرئيس الامريكي وإدارته لم يقدما شيئا في مقابل إطلاق المقاومة للأسير الصهيوني من أصل أمريكي، ولو على صعيد إدخال بعض شاحنات المساعدات!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى