أخبار الرافدين
طلعت رميح

لم التأكيد أن العراق لا يزال محتلا؟

كان لافتا ودقيقا، ما ورد في التقرير الدوري الصادر عن القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق، من إشارة مستخلصة من دلالات الأحداث الجارية، بأن العراق ما يزال محتلا من قبل القوات الأمريكية.جاءت الإشارة واضحة: “العراق مازال محتلا”، في حديث الدكتور مثنى حارث الضاري مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين، وجاءت ضمن خلاصات للوقائع التي تعرض لها التقرير، وعلى رأسها دلالات انتقال قطاعات من القوات الأمريكية من قواعد لها في سوريا إلى قواعدها “المستقرة” في العراق، دون أن يصدر مجرد تعليق، لا من حكومة الاحتلال التاسعة برئاسة السوداني، ولا من الميلشيات –الإيرانية- التي صدعت رؤوس العراقيين والعرب، بشعارات زائفة عن المقاومة، وعن استهداف طرد القوات الأمريكية.
وأمر احتلال العراق أو أن العراق ما يزال محتلا –رغم وجود حكومة وانتخابات وبرلمان -هو أمر بديهي عند بعض المتابعين ولا يحتاج إلى تأكيد، لكنه يظل قضية جوهرية في مواجهة من يحاول كسب المشروعية “الوطنية” للنظام الحالي، وفي مواجهة من رفع شعارات زائفة عن تقليص قوات الاحتلال بطلب من الحكومة القائمة. ومن قبل ومن بعد، في مواجهة من يقدم ما يجري من أعمال قتل واضطهاد تقوم بها أجهزة الحكم، باعتبارها أخطاء –أو جرائم -لسلطة عراقية، وكأن العراق به حكومة ذات سيادة تقرر وتحاسب على ما تقرره، فيما هي مجرد حكومة تنفيذية لا حكومة سيادية.
وفي ذلك كان هاما للغاية وذو مغزى عميق، ما أورده التقرير من حديث لنوري المالكي –عراب حكومات الاحتلال ومؤسس خطوط حركتها العامة- قال فيه، أن ما جرى من سقوط نظام بشار في سوريا وبعض التهديدات الإرهابية داخل سوريا تجاه العراق، خلقت وضعا أمنيا يهدد البلاد، ولهذا -حسب قوله- فالحكومة تحتاج إلى الخبرة الأمريكية والاستخبارات لدعم القدرات العراقية في مواجهة التحدي الأمني القادم، وقوله، ولهذا ستعطى فرصة لوجود القوات الأمريكية في العراق ..الخ.
لقد أعاد المالكي التأكيد على أن العراق لا يزال محتلا، وأن الحكم لا يستطيع البقاء دون دعم قوات الاحتلال.
ولقد تأكدت دقة التقرير فى رصده للوقائع –والوصول إلى خلاصات موضوعية- في الإشارة إلى الأهمية البالغه للتغييرات الإيجابية التي حدثت في سوريا.
سوريا درس حي بأن لا استمرار للحكم مهما كان جبروته، ومهما كان مدعوما من الاحتلال والميلشيات.
والحقيقة أن تقادم الاحتلال، واستمرار بقاء السلطة التي يشكلها الاحتلال –وكل احتلال يشكل سلطه محلية- لا يمنحها المشروعية أبدا، تلك وقائع ودروس التاريخ، وتلك هي القضية الجوهرية في فهم ما يجري وسيجري في العراق.
التاريخ يؤكد أن لا مشروعية لحكومات شكلها الاحتلال، مهما طال زمن بقائها.
لقد عاشت مصر تحت الاحتلال البريطاني من عام 1882 وحتى منتصف القرن العشرين، وطوال هذا التاريخ، لم يعتبر أحدا أن مصر دولة مستقلة، رغم وجود برلمان وحكومة وملك.
وظل الجزائر بلدا محتلا منذ عام 1830 وحتى مطلع الستينات في القرن العشرين، ولم يقل أحدا أن تقادم الاحتلال لأكثر من قرن من الزمان، يحقق شرعية للسلطة القائمة.
ومن باب أولى، ففلسطين الصامدة لأكثر من قرن في مواجهة احتلال إستيطانى صهيوني مدعوم بآلة قتل غربية كاملة، هي العلم الخفاق على أن جرم الاحتلال لا يسقط بالتقادم، وأن الزمن مهما طال لا يسقط حق الشعب صاحب الأرض في المقاومة، ولا يبدد حلم التحرير الذي يبقي مشرع الأبواب، مضاء بأنوار الحرية.
وفي فلسطين تجربه هامة، فالسلطة التي تشكلت عبر التفاهم والاتفاق مع الاحتلال في أوسلو، إنقلب عليها الاحتلال بعد أن استنفد أهدافه من تشكيلها.
وهنا تبرز أربع قضايا.
الأولى، أن كل الدول التى احتلت جاء الاحتلال نتيجة تعرض جيشها للهزيمة أمام قوات الاحتلال الغازية صاحبة السلاح المتطور، وأن الانتصار كان للسلاح لا للبشر.
والثانية ،أن الشعوب هي من تولت المهمه بعدها وخاضت تجربة مقاومة عبر موجات تعلو وتهبط خلال دورة الزمن، لكن النصر كان حليفا لها فى النهاية، ولو بعد 100 عام وأكثر.
والثالثة، أن الدور الخارجي لا يمنح مشروعية للحكم الذي هندسه ونصبه الاحتلال، وأن المشروعية لأي حكم لا تتحقق إلا بفعل تعبيره عن هوية الشعب ومصالحه في مواجهة خصومه وأعدائه.
وهنا تظهر أهمية إشارة التقرير الدوري للقسم السياسي في هيئة علماء المسلمين لانعقاد القمة العربية.
وفي هذا الشان يمكن للمتابع القول، بأن انعقاد القمة حمل رؤيتان.
رؤية عربية تتصور أن احتضان الحكم الحالي في العراق، يمثل طريقا لتحسين الأوضاع الداخلية، وربما كان هناك من نظر للأمر على نفس المنوال الذي جرى مع حكم بشار، بشأن إضعاف النفوذ الإيراني.
ورؤية للميلشيات، رأت الانعقاد فرصة للحصول على مشروعية عربية رسمية، رأت الميليشيات أن حضور العرب إلى العراق وهو تحت حكم الاحتلال وهيمنتها، يشرعن وجودها.
لكنها لم تفهم دلالة أن بشار سقط بعد القمة بوقت قصير.
والرابعة، والأهم أن شرط استمرار المقاومة على تعرجات قدرتها، في التأكيد الدائم، بأن لا مشروعية للاحتلال ولا لما يشكله من سلطات أيا كان اسمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى