أخبار الرافدين
طلعت رميح

ليست كحرب العراق.. هي ضربات لتعديل التوازنات

لم تندلع الحرب الشاملة بعد.
رغم كل تلك الضربات المتبادلة والدمار الحاصل على طرفي المواجهة، ورغم أن ما حدث سيعيد إنتاج مشهد جديد في الإقليم، إلا أن الحرب الشاملة لم تندلع بعد. ولذلك تشخص الأنظار الإيرانية والصهيونية إلى الموقف الأمريكي.
ولفهم الأمر، وإدراك الفارق بين الضربات المتبادلة الجارية بين إيران والكيان الصهيوني، والحرب الشاملة، يجب العودة إلى ما جرى من حرب عدوانية على العراق.
حتى اللحظة، ما يجري هو ضربات متبادلة لتعديل توازنات القوة، لفتح الطريق أمام استكمال المفاوضات بعد تطويع إرادة النظام الإيراني ليوقّع على ما هو معروض على الطاولة.
ومن الجانب الآخر، تحاول إيران الحفاظ على توازن القوة – بالمفهوم الشامل – عبر إطالة أمد المعركة واستنزاف القدرة الصهيونية، وإيصال المعادلة إلى نمط من توازن الضربات على الأقل، لكي تدخل المفاوضات دون انكسار يؤدي إلى استسلامها وفق ما يطلب ترامب.
الهجوم الصهيوني الأول، وُلد قراره – أمريكياً وصهيونياً – من رحم المفاوضات، ورُسمت حدود الضربات بالنظر إلى طبيعة المصاعب التي واجهتها المفاوضات بعد رفض الطرف الإيراني للشروط الأمريكية. وحتى الآن، يظل الهدف هو العودة للمفاوضات. ولذلك، لا يزال الموقف الأمريكي في موقع التهديد باستخدام القوة من جهة، وفي موقع المستعد لاستكمال التفاوض من جهة أخرى.
الأمر جاء مختلفاً عن الحرب والعدوان على العراق.
فالحرب تُحدَّد لها أهداف استراتيجية وسياسية. وكما هو معلوم، فالحرب ليست قتالاً من أجل القتال، وتلك الأهداف هي ما يحدد طبيعة الحرب عسكرياً.
كان المستهدف في العدوان على العراق تدمير البلاد حضارة ومقدّرات، وتفكيك المجتمع، وإطاحة النظام السياسي، وإنهاء وجود الجيش الوطني العراقي، واحتلال الأرض العراقية.. إلخ.
ولذا، كانت الولايات المتحدة على رأس قوة الفعل العدواني، حيث لا يستطيع الكيان الصهيوني وجيشه تحقيق مثل تلك الأهداف، وكان القصف لتدمير كل شيء.. حتى الآثار (ما عدا النفط طبعاً).
لكن القرار بشأن العدوان على إيران مختلف. فأهداف العدوان تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وبتغيير توجهات النظام على الصعيد الدولي والإقليمي دون إسقاطه. ولو كانت الأهداف مثل تلك التي كانت في حالة العراق، لكانت الولايات المتحدة على رأس قوة الفعل منذ اللحظة الأولى، ولَكانت الضربات قد وُجهت لكل المقدّرات الإيرانية، ولرأينا طهران في ذات الموضع الذي كانت عليه بغداد خلال العدوان الأمريكي.
يتصور البعض أن الاقتصار على هذا النمط من الضربات، دون الذهاب إلى ذات التدمير الكلي كما في العراق، يعود لاتساع مساحة إيران، وقدرة جيشها، وصعوبة دخول القوات البرية الأمريكية – باعتباره مغامرة على عكس العراق – لكن تلك التصورات غير دقيقة، في ظل تفكك إيران مجتمعياً وجغرافياً، ووجود آلاف من القوات المحلية الجاهزة للزحف على طهران من بلوش وأكراد وأذريين.. إلخ.
الاختلاف يعود إلى طبيعة الأهداف الاستراتيجية والسياسية بين حالتي العدوان على العراق وإيران، وليس إلى الأبعاد الفنية أو الصعوبات والخطط العسكرية بالدرجة الأولى. بل يمكن القول إن معركة إيران المعزولة إقليمياً والمفككة داخلياً قد تكون أسهل، لا أصعب.
ووفقاً لتلك الأهداف المختلفة في حالة إيران، وقفت الولايات المتحدة خلف الكيان الصهيوني، لتمارس قوة الضغط والتهديد بهدف الدفع لاستكمال المفاوضات، إذ إن تدخلها العسكري سيحوّل الضربات إلى حرب شاملة.
ولذا، ركّز ترامب في أهم تصريحاته على خامنئي، لإشعار الإيرانيين بأن التدخل الأمريكي يعني تغيير أهداف الحرب من إنهاء البرنامج النووي إلى الإطاحة بالنظام السياسي، ورمزه المرشد.
الهدف العام للضربات الجارية الموجهة لإيران هو إعادة الاستراتيجية الإيرانية إلى “ضبط المصنع”، أي إعادة إيران إلى دورها السابق في الاستراتيجيات الغربية – تاريخياً – وأن تعود إلى دورها الإقليمي السابق، والدولي بعيداً عن الصين وروسيا، وألا تعود إلى مزاحمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على الدور والنفوذ في الإقليم العربي.
تلك الضربات هي إعلان بانتهاء الدور الإيراني، الذي كانت الولايات المتحدة والغرب قد فتحا الطريق له ودعماه لتفكيك المجتمعات والدول العربية. هذا الدور انتهى، واليوم يُعاد النظام الإيراني إلى “رشده”، بعد أن زاحمت إيران الغرب والكيان الصهيوني على النفوذ، وتصورت أن بإمكانها البناء على ما تحقق – بمساندة أمريكا في العراق وروسيا في سوريا – لإحياء الإمبراطورية الفارسية.
المهمة السابقة في العراق وسوريا واليمن ولبنان انتهت، وعلى إيران العودة إلى حدودها، وإلى سابق دورها التاريخي، كدولة تُخيف المحيط العربي، وجاهزة للتدخل ضد العالم العربي الإسلامي حين يكون في مواجهة مع الدول الغربية.
والأسئلة المحورية الآن تتعلق بكيف يمكن للمشروع العربي الإسلامي أن يكون على بصيرة بما يجري، وأن يكون في موقع القادر على البناء على نتائج الصراع لمصلحته – جزئياً على الأقل – ذلك أن طرفي الصراع سيخرجان أضعف، لا أقوى.
الحرب الشاملة لم تبدأ بعد، حتى إن إيران لم تُعلن حالة الحرب رسمياً، رغم كل ما جرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى