حزب الله في مأزق استراتيجي غير مسبوق!
دخل حزب الله في مواجهة، بُعدُها الحقيقي، هو التصفية.
الحزب لم يعد يواجه حالة صراع تستهدف إضعافه، ولم يعد في مواجهة احتمال وقوع هجوم جديد كبير من الجيش الصهيوني. الحزب بات محاصرًا ويواجه استراتيجية تصفيته، التي يتكاتف لإنفاذها: الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، ودول أوروبية من جهة، ودول في الإقليم من جهة ثانية، ومن داخل لبنان من جهة ثالثة.الحزب خرج مصابًا بإصابات بليغة خلال العدوان الصهيوني الأخير، كان الأخطر فيها أنه فقد قيادته السياسية والعسكرية التاريخية، وأن تفككت مجموعاته القتالية. ولذلك، قبل بالقرار الأمريكي والصهيوني بالانسحاب من معاقله العسكرية والسياسية في جنوب لبنان.
وإذ بدا أنه قبل بهذا التراجع للحفاظ على ما تبقّى، والحصول على وقت ضروري، لكي يُلملم جراحه السياسية والجماهيرية والتنظيمية، ولاستعادة ثقة حاضنته الطائفية، ليعود للحديث عن أنه لا يزال مشروعًا مقاومًا، فقد انفتحت الآفاق أمام تصفيته هذه المرة من داخل لبنان.
قيل لحزب الله بوضوح، من الرئاسة اللبنانية ومجلس الوزراء: سلِّم سلاحك، فلن يكون في لبنان سوى سلاح الدولة اللبنانية أو الجيش اللبناني. وتوسّعت الحجج والأفكار والأطروحات الداخلية.
قيل للحزب: أنت عرضت البلاد للتدمير، وسلاحك لم يحمِ لبنان، ولم يعد مسموحًا بأن تكون هناك دولة لحزب الله داخل الدولة، ولن يكون لإيران حزب يأتمر بأوامرها وينفذ أهدافها من خلال لبنان.
وهو ما فسره الحزب بخضوع الحكم في لبنان للتهديد والضغط الأمريكي، وبتحرّك أطراف لبنانية مرتبطة بالكيان الصهيوني.
إذًا، كانت الهزيمة أولًا، وجاءت الضربة التالية من الداخل.
لكن حلقة الإحاطة الاستراتيجية بالحزب، وتحول الأهداف من إضعاف الحزب إلى تصفيته من قبل الخارج والداخل، تجري في ظرف إقليمي خطير أيضًا. ظرف إقليمي يُكمِل حلقة حصار الحزب، ويُضيّق قدرته على المناورة، ويجعله أمام خيارات أحلاها أسوأ.
يخوض الحزب معركته الراهنة بعد أن انقطع الحبل السري بينه وبين إيران، التي تلقت ضربات أضعفتها هي الأخرى، ما جعلها تحوّل جهدها الاستراتيجي باتجاه ترميم وضعها الداخلي.
وقد وصل بها الحال إلى أن باتت مطالبة بتغيير استراتيجيتها، من الاعتماد على الأذرع في الطوق الخارجي للأمن القومي الإيراني، إلى الدفاع عن النفس على الأرض الإيرانية ذاتها.
بات الحزب محاصرًا إقليميًا إلى حدّ الخنق، سواء لأن الممر الإيراني أُغلق بعد سقوط نظام بشار الأسد الحليف، أو لأن الجرائم التي ارتكبها الحزب في سوريا جعلت النظام الجديد يضعه في خانة الأعداء، لأن ارتباط الحزب بالمشروع الإيراني وتدخلاته الإجرامية في مختلف دول الإقليم قد ارتدت عليه عداءً من قبل الجميع.
هي إذن لحظات مصيرية.
إن سلّم الحزب سلاحه، فهو وحاضنته الشعبية أمام خطر جسيم، سواء من قبل القوى السياسية والمجتمعية اللبنانية التي عاشت تحت تهديد هذا السلاح، أو من قبل الكيان الصهيوني، الذي سيواصل المعركة ويرفع مطالبات جديدة لن تتوقف حتى إنهاء آخر عناصر الحزب.
وإن لم يسلّم الحزب سلاحه، فسيكون قد قرر الدخول في أتون معركة مع الخارج والداخل. سيكون القرار بمثابة إطلاق حرب أهلية، سيدخلها عاريًا من الغطاء والدعم الإيراني – وحتى من بقية الميليشيات الإيرانية في الإقليم – فيما ستكون الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في موضع الداعم لخصومه، وفي الأغلب سيواجه الحزب بقرارات غربية، أقل التوقعات بشأنها أن تُجرى أعمال ملاحقة للحزب وقياداته على الصعيد الدولي.
فماذا سيفعل الحزب؟
سيحاول الحزب، في السيناريو الأول، اللعب داخل مربع التسكين وقضم الوقت حتى لا يصل إلى لحظة الخيارات الصعبة.
سيمارس قدرًا من الضغط الجماهيري في الشوارع، وسيحاول حشد الحلفاء لاختراق الطوائف الأخرى، وسيزيد من دعمه لحليفه نبيه بري للحركة داخل النظام السياسي لتشتيت حركة الأطراف الأخرى.
ستُجرى ألاعيب متنوعة داخل النظام السياسي القائم لتفكيك حالة الإجماع الحالية في مجلس الوزراء.
وسيستدعي الحزب، بطريقة غير مباشرة، الوجود الفلسطيني لإخافة أطراف داخلية، ولتوسيع مساحة قدرته على التخويف بالحرب الأهلية. وقد يلجأ إلى تشكيل مجموعات جديدة لشن بعض الهجمات على الكيان الصهيوني لتغيير المناخ القائم.
وعلى الصعيد الإقليمي، سيسعى إلى إعادة تقديم نفسه – عبر إيران – كحزب يعتمد سياسة تصالحية مع دول الإقليم، على نفس النمط الإيراني الحالي، لتهدئة المخاوف الإقليمية.
وسيعمل على الظهور بمظهر الرافض للدخول في الحرب الأهلية، مع ممارسة قدر محدود ومخطط من العنف، بهدف التخويف.
وهذا هو السيناريو الأرجح.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في الدفع لإشعال معركة في الجنوب اللبناني دون قصف للأراضي الفلسطينية المحتلة.
والأغلب أن يجري الأمر عبر الدفع بمجموعات من أنصاره للتحرك السلمي – عبر التظاهر – في الجنوب قرب مناطق تواجد القوات الصهيونية، لدفعها للرد بإطلاق النار، وهنا سيبدأ الحزب في إنفاذ خطته للحديث عن معركة لتحرير أراضي الجنوب.
والثالث، يتعلق بخوض غمار الحرب الأهلية، على أن تسبقها مراحل لتغيير تركيبة التحالفات في المجتمع اللبناني.
وهو ما سيسقط كل ادعاءات الحزب بأن سلاحه يمثل ضرورة لمواجهة الكيان الصهيوني.
حزب الله في مأزق كبير.