لم تخاف الميليشيات من انسحاب قوات الاحتلال؟
انقلب الحال، بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني في العراق، فانكشفت الادعاءات المزيفة للميليشيات الإيرانية في العراق. أصبح من كان يدّعي، أنه يقاوم الوجود العسكري الأمريكي، متسولًا لبقاء قوات الاحتلال واستمرار انتشارها في وسط العراق.الميليشيات التي ادّعت زورًا وبهتانًا أنها تقاوم الاحتلال الأمريكي – وأنفقت الكثير من الوقت والمال لكي تُضفي على نفسها صفة المقاومة – تملأ العراق ضجيجًا الآن، ويهرب قادتها خوفًا، لمجرد إعلان قوات الاحتلال الأمريكي عن إعادة الانتشار من قاعدة “عين الأسد” في محافظة الأنبار، إلى قواعد لها في شمال العراق.
من يتابع الإعلام التابع لتلك الميليشيات وحكومتها، يجد النواح سيد الموقف: ستقصفنا القوات الأمريكية. أمريكا ترفض قانون الحشد الجديد. أمريكا ترفض بقاء الميليشيات وتطالب بحلها. أمريكا تريد نزع سلاح الحشد، مثلما تريد نزع سلاح حزب الله في لبنان.
وهكذا، وبعيدًا عن كل التزييف الإعلامي، فقد عادت الميليشيات لتُقر بأن العراق محتل أمريكيًا، وأن قوات الاحتلال هي صاحبة القرار السياسي في العراق، وأن الميليشيات لا تزال تعتمد في وجودها وسطوتها على وجود قوات الاحتلال الأمريكية، وبالدقة، على تناغم طرفي الاحتلال في العراق (أمريكا وإيران). الميليشيات ترى أن إعادة انتشار القوات الأمريكية بمثابة كارثة عليها، وأن تغيير مناطق الانتشار يعني أنها تفكر في شن هجمات على الميليشيات. وهو ما أثبت مجددًا زيف ادعاءاتها بالمقاومة، وزيف ما كانت تروّجه عن نفسها من عمل ضد قوات الاحتلال. وهو أيضًا ما جعل الكثيرين يتساءلون: وماذا لو انسحبت القوات الأمريكية، إذن؟
مجدّدًا أظهرت تلك الميليشيات، أنها لا تزال تعيش ضمن مفاعيل معادلة تشكيلها الأولى، كأداة بيد الاحتلال، وصنيعة ونتيجة للتعاون الأمريكي الإيراني، الذي استُهدف من خلال تشكيلها تفكيك المجتمع، وإثارة التنازع والاحتراب الأهلي، وإحداث وتوسيع الشرخ الطائفي، ومن قبل ومن بعد، مواجهة المقاومة الوطنية العراقية.
كانت المعادلة التي منحت الميليشيات فرصة التشكيل والتسليح والانتشار، هي معادلة التعاون الأمريكي الإيراني، للسيطرة على العراق، ونهب ثروات هذا البلد وتخريبه، ومواجهة الرفض الشعبي العراقي للاحتلال. فلما تغيّرت المعادلة الأمريكية الإيرانية لغير مصلحة إيران، بعد أن دخلت أمريكا على خط الحرب بين إيران والكيان الصهيوني، باتت الميليشيات قلقة، بل مرعوبة؛ لا لخوفها على العراق واستقلاله وسيادته، بل بسبب المخاطر التي تُحيط بما جمعته من ثروات، وما حققته من نفوذ وسيطرة على حساب العراق والمواطنين العراقيين.
وتلك هي الحقيقة المُرّة، بعيدًا عن الشعارات الزائفة.
وما يجري هو أن إيران ضعفت، وأن الصراع الصهيوني الإيراني على النفوذ في المنطقة العربية شهد تطورًا حادًا، وأن الولايات المتحدة أقدمت فعليًا على قصف إيران، بما جعل الميليشيات ترى أن الدور قادم عليها، باعتبارها ظهرت وتشكلت ضمن إطار حالة التعاون بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني. وما قانون الحشد الجديد سوى محاولة لضمان بقاء تلك الميليشيات، وتقليل تأثير هذا الصراع على مصالحها، وللحفاظ على مراكز نفوذها، وعلى المال الذي نهبته من ثروات الشعب العراقي.
لقد جرى تشكيل تلك الميليشيات تحت عين وبصر الاحتلال الأمريكي، وكان التدريب والإعداد العسكري أمريكيًا، والسياسي إيرانيًا. وهو جاء تكرارًا لتجربة تشكيل فرق الموت، التي شكلتها المخابرات والجيش الأمريكي بواجهات محلية في دول أمريكا الجنوبية، للقيام بأعمال القتل الممنهج للقيادات الوطنية التي كانت تعمل لأجل إجلاء الاحتلال الأمريكي من بلدان القارة.
وبعيدًا عن تاريخ نشأة تلك الميليشيات ومسيرة جرائمها، فالأهم الآن: ماذا يجري؟
هناك ثلاثة سيناريوهات:
الأول: أن تكون عملية إعادة انتشار الجيش الأمريكي – تحت غطاء ضجيج الميليشيات – مقدمة لإعادة توظيف تلك الميليشيات لارتكاب أعمال إجرامية جديدة، ضمن مخططات إجهاض الحراك الوطني في العراق، عبر إعادة الصراع الطائفي إلى واجهة الأحداث، وهو ما يتطلب الحذر.
الثاني: أن ينتهي الضجيج الحالي إلى ضمّ الميليشيات إلى الجيش الحالي، ليكون حلًا وسطًا بين المحتلين، الإيراني والأمريكي.
الثالث: أن تُسلّم الميليشيات سلاحها شكليًا، وأن تُطوّر عملها الإعلامي والسياسي، لتُسيطر كليًا على الدولة والسلطة السياسية في العراق، عبر سياسة الإغراق.
ولذلك، فالحذر الحذر يا أهل العراق.