إسرائيل ستضرب مجددًا.. فما العمل؟
يفترض أن يتوقف نتنياهو عن توجيه الضربات وارتكاب جرائم الاغتيال في الدول العربية والإسلامية، بعد الفشل والفضيحة التي أصابته وجيشه في محاولة اغتيال وفد حماس للتفاوض في قطر.
ويمكن افتراض أنه سيُناور في غزة لتهدئة الأجواء التي التهبت ضده وضد جيشه، كما ناور ترامب وإدارته لإبعاد حقيقة مشاركتهم في الاعتداء على حليف لهم – هو قطر – التي تتواجد على أرضها قاعدة أمريكية.
لكن نتنياهو لن يتوقف أو يتراجع، ولن يُناور، بل سيصعّد أكثر – وقد تكون ضربته أو جريمته التالية في وقت قريب – إذ هو مأزوم حتى النخاع؛ فإن تراجع، سقط. وهو سيضرب مجددًا لأنه يتبنى منهج الطرق المتواصل دون توقف. ومن الأصل، هو ليس لديه خطة إستراتيجية تجمع بين السياسة والاقتصاد والإعلام، هو فقط يعتمد إستراتيجية عسكرية للصراع، وأيضًا لأنه يدرك أن كيانه دخل في منحنى الهبوط، وأنه إن لم يُسرع خطواته خلال محاولة مقاومة السقوط، سينتهي أمره.
ويجب ألّا يُفاجأ أحد إذا صعّد نتنياهو باتجاه أخطر. بل يمكن القول إن نتنياهو لا حل أمامه إلا التصعيد إلى مدى أبعد، فهو يعتمد خطة عسكرية تقوم على الصدم والترويع، وتوسيع السطوة بإرهاب الإقليم كله. هو يسعى لفرض قطبية واحدة في الإقليم بالقوة والإرهاب.
والقصة باختصار: أن نتنياهو يواجه ظرفًا غير مسبوق في تاريخ كيانه. لأول مرة، يواجه الجيش الصهيوني مقاومة فلسطينية تخوض معركة برية على الأرض الفلسطينية لنحو عامين، فلا يستطيع هزيمتها. تلك القوة الفلسطينية تواصل المعركة دون هزيمة أو تشتت، وتلك المقاومة ما تزال قادرة على توجيه ضربات قوية للجيش الصهيوني، بعد أن أوصلته إلى حد العجز عن تحقيق الانتصار. وهي تقتل أعدادًا متزايدة من الجنود والضباط الكبار، وتلك هي حالة لم يواجهها لا الكيان ولا الجيش الصهيوني من قبل.
لقد تعوّد الجيش الصهيوني على النجاح والانتصار في مواجهة الجيوش وهزيمتها في وقت قصير – كما حدث في عام 67 – وتعود على تحقيق نصر على المقاومة واحتلال الأرض – كما حدث خلال الوجود الفلسطيني على الأرض اللبنانية – ووصل حد احتلال العاصمة اللبنانية بيروت. وحين تلقى ضربة إستراتيجية في حرب 6 أكتوبر 73 – على يد الجيشين المصري والسوري – فقد تبنت القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية سردية حاولت إقناع نفسها بها، وروّجت لها في المجتمع، بأن ما حدث لن يتكرر مرة أخرى، فجاءت ضربة 7 أكتوبر الفلسطينية لتقول: بل تتكرر، وبوضع القيادة والجيش في وضع أسوأ.
الجيش الصهيوني عالق الآن في غزة؛ تتغير قيادته ولا يحقق نصرًا، وتتغير خططه ولا يحقق نصرًا، بل هو في نزيف دائم. ونتنياهو وجيشه في مأزق مجتمعي، إذ تمزق الإجماع الصهيوني. والحال، على صعيد الرأي العام الدولي، بات يرعب القيادة الصهيونية؛ إذ تبددت كل النجاحات، وسقطت، وانكشفت كل الأكاذيب، وعادت شعوب العالم لتؤيد الشعب الفلسطيني، وتطارد الرواية الصهيونية، وتندد بجرائم الجيش الصهيوني، الذي بات يتابع بألم وقلق إجراءات وقف تصدير ومنع مرور شحنات السلاح من قبل دول غربية، كانت داعمًا بشكل مطلق للكيان والجيش الصهيوني.
إن توقف نتنياهو، سقط؛ فهو موجود في السلطة فقط لأنه يحارب ويضرب هنا وهناك. وإن سقط، فهو ذاهب إلى السجن. وهو إن أظهر مرونة، دار في نفس الدورة، وزاد عليها أن تنامت عوامل الضغط الداخلي والدولي لإنهاء الحرب.
والآن، تعقّد الوضع أكثر، سواء مع الدول العربية أو مع الولايات المتحدة.
من المؤكد أن إدارة ترامب كانت على علم كامل بخطة نتنياهو لقصف قطر، وهي كانت تراهن على أن نجاح المهمة سيضعف الآثار الجانبية، لكن الفشل جعل الولايات المتحدة تشعر بالقلق من تأثير ما جرى على علاقاتها وتحالفاتها في المنطقة، وفي الخليج تحديدًا، إذ كانت تقدم نفسها حاميةً للخليج من المخاطر الخارجية.
ومن المؤكد أن الدول العربية باتت تدرك أن المعركة في غزة لم تتوسع فقط باتجاه إيران ومن يأتمرون بأمرها في الإقليم، بل تدحرجت إلى درجة قصف دولة خليجية على أرضها قاعدة أمريكية، وهو ما سيدفعها لتغيير مواقفها دفاعًا عن نفسها.
إذًا، ماذا سيفعل نتنياهو؟
سيتحرك نتنياهو إلى الأمام. سيصعّد جرائمه، ولن يترك الوقت يمر، حتى لا تزداد ردود الفعل على جريمته في قطر. سيعمل على تعميم الجريمة ليفرض سطوته، مثل القاتل المتسلسل.
لكن ما العمل؟
فكرة واحدة كفيلة بكسب المعركة الآن:
العمل المشترك تحت عنوان: “إبعاد إسرائيل من الأمم المتحدة”.
إسرائيل اليوم، دولة خارج إطار أي التزام بالقوانين الدولية؛ فهي لم تقصف قطر وحدها، بل قصفت العديد من دول الشرق الأوسط، وهي ترتكب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني، يشهد عليها العالم أجمع. والمنظمات والهيئات الدولية في الأمم المتحدة، في وضع الرافض بشدة للسلوكيات الصهيونية، التي وصلت حد إهانة كل تلك الهيئات والمنظمات، وإفقادها المصداقية. والرأي العام العالمي، لا شك سيلتقط الفكرة، كما سبق أن التقط فكرة عزل النظام العنصري في جنوب إفريقيا.
الأمر لا يتعلق بالتضامن فقط مع قطر، بل بالتحول إلى الهجوم، وإعلان ضرورة طرد إسرائيل من الأمم المتحدة.