أخبار الرافدين
طلعت رميح

معركة التفاصيل في غزة.. كيف تنتهي؟

انتهت الحرب، وليس متوقعًا أن تعود للاشتعال في وقت قريب، وفق نمط الإبادة التي عاشتها غزة طوال العامين الماضيين.
وبدأت معركة التفاصيل، التي لن تكون أقل ضراوة من حرب الإبادة، خاصة في مرحلتها الثانية، إذ الصراع مستمر والقضية الأصل لم تحلها بنود خطة ترامب.
في المرحلة الأولى من معركة التفاصيل، سيدور الصراع حول إدخال الغذاء والدواء، وفتح المعابر، وإخراج الجرحى للعلاج في الخارج، والانتهاء من تبادل الجثث، وإعادة تثبيت دور الأجهزة التنفيذية، وإنهاء الفوضى التي استهدف الجيش الصهيوني إشاعتها للتأثير على وحدة المجتمع التي مكّنت من الصمود والمقاومة… إلخ.
وفي المرحلة الثانية، سيجري البحث والتفاوض والصراع السياسي والدبلوماسي حول باقي بنود خطة ترامب، التي تدور حول ما يسمى في الكيان الصهيوني بـ”اليوم التالي”، وهي تتعلق بمن يحكم غزة، ومصير سلاح المقاومة، وعملية تشكيل قوة دولية للانتشار في غزة خلال المرحلة الانتقالية، وتشكيل ما سُمِّي بـ”المجلس الأعلى للسلام وإعادة الإعمار” وغيرها.
فكيف ستجري الأمور؟ وبالدقة، كيف سيتواصل الصراع؟
على الصعيد الصهيوني، فالخطاب معروف من عنوانه.
في المرحلة الأولى، سيلعب نتنياهو لعبته التقليدية التي بات الجميع يعرفها. سيعمل على منع حدوث استقرار في غزة على مختلف المستويات، وسيسعى لاستمرار ضغطه العسكري عبر توجيه ضربات هنا وهناك، وأعمال اغتيال – وفق النموذج الذي اعتمده في لبنان منذ سريان وقف إطلاق النار – وسيتلاعب بكميات الغذاء والدواء التي تدخل القطاع عبر فتح وإغلاق المعابر، وسيواصل اتهام حماس بخرق الاتفاقات ليظهر بمظهر من يحرص على تنفيذ الاتفاقات… إلخ.
وفي المرحلة الثانية، سيتحول نتنياهو إلى حملة الضغط القصوى، والتهديد الدائم بشن حرب شاملة مجددًا. وهو سيستهدف دفع الموقف الأمريكي لاستخدام القوة والاشتباك مع المقاومة في غزة، وزيادة الضغط على الموقف العربي والإسلامي – وربما إثارة النزاع بين المقاومة والأطراف العربية والإسلامية الموقعة على اتفاق شرم الشيخ – كما سيحاول تركيز كل الجهود على تحقيق هدف نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها التنظيمية.
وسيتوجه – مستفيدًا من الانشغال الجاري في غزة – إلى التصعيد في الضفة والقدس إلى الحد الأقصى، عبر المهووسين من أمثال بن غفير وسموتريتش. وسيصعّد خطط التهويد وبناء المستوطنات، وسيتخذ كل ما يستطيع من الإجراءات لإضعاف السلطة الفلسطينية – الضعيفة أصلًا – وقبل هذا وبعده، سيوسع جرائمه ضد المدنيين تحت عنوان “مواجهة المقاومة في الضفة” ومنعها من إعادة 7 أكتوبر في الضفة على غرار ما جرى في غزة… إلخ.
الآن، ماذا عن المقاومة؟ وعن موقف الدول العربية الموقعة على الاتفاق في شرم الشيخ المصرية؟
الأغلب أن المقاومة ستركز اهتمامها على إنفاذ جدول أعمالها وفق أولويات حددتها هي، وستتحاشى فرض نتنياهو جدول أعماله عليها.
ستتركز المقاومة على ترميم أوضاع المجتمع الغزّاوي – الذي سعى نتنياهو لتفكيك وحدته وتدميره – وعلى ترميم أوضاع الأجهزة التنفيذية التي تدير القطاع، بما يعزز عوامل الصمود، ويضع المجتمع والمقاومة في وضع أقوى خلال صراع المرحلة الثانية من الصراع.
وستركز المقاومة جهدها الفكري والسياسي على بحث طبيعة المرحلة الجديدة التي دخلتها القضية الفلسطينية، ووضع خطط لمرحلة ما بعد “طوفان الأقصى”، وبحث كيفية الدفع لاستمرار عزلة إسرائيل، وإعادة بناء العلاقات الفلسطينية–الفلسطينية، التي لم يعد ممكنًا بقاؤها على هذا النحو المليء بالانقسامات والصراعات الهامشية… إلخ.
وفي التعامل مع استفزازات نتنياهو – خلال المرحلة الأولى – فأغلب التقدير أن المقاومة لن تستجيب لتلك الاستفزازات عبر رد عسكري، وأنها ستعمل على تنشيط المواجهة الإعلامية والسياسية، وعلى تنشيط دور الدول العربية والإسلامية الموقعة على اتفاق شرم الشيخ، وستظل تحافظ على زخم التأييد والدعم الدولي – الشعبي والرسمي – للقضية الفلسطينية.
وهي ستولي الأهمية الأولى لحصار الموقف الصهيوني والضغط من أجل دخول الدواء والغذاء وخروج الجرحى… إلخ.
وخلال تلك المرحلة، ستكتفي المقاومة بإرسال إشارات بضرورة أن يكون “اليوم التالي” يومًا فلسطينيًا، وأن لا وجه للمطالبة بتسليم السلاح إلا لسلطة فلسطينية أو لقيادة الدولة الفلسطينية التي اعترف بها العالم بأسره، ما عدا الولايات المتحدة وإسرائيل ودول لا وزن لها.
والأغلب أيضًا أن تراهن المقاومة على عامل الوقت، على اعتبار أن كل يوم يمضي دون تمكين نتنياهو من التصعيد العسكري ضد غزة، يعني ترك مساحة زمنية لتحول الرأي العام الإسرائيلي إلى جدول أعمال محاكمة نتنياهو، والبحث في أسباب الهزيمة في 7 أكتوبر ومن يتحمل المسؤولية، وللدخول في حالة الصراع الانتخابي الذي أطل برأسه الآن.
ما هو جارٍ وما هو قادم هو استمرار لما جرى طوال عامين من الحرب والصراع، لكن عبر نسب مختلفة بين ما هو سياسي وإعلامي وما هو عسكري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى