أخبار الرافدين
طلعت رميح

المراهنة على دور أمريكي جديد في العراق!

يمتلئ الفضاء الإعلامي – والسياسي أيضًا – بالحديث عن قرار أو خطة أو دور أمريكي لتغيير الصورة القاتمة التي يعيشها العراق.
وإذ الميليشيات الإيرانية هي أصل الداء والبلاء وحدها – من وجهة نظر هؤلاء – فإن الضغط الأمريكي الذي يجري الحديث عنه أو الترويج له على تلك الميليشيات، يصبح طاقة فرج بالنسبة لمروّجي تلك الرؤية.تتحدث الأنباء المتطايرة هنا وهناك عن احتمالات قيام الجيش الأمريكي بتوجيه ضربات عسكرية حاسمة لتدمير معسكرات الميليشيات وقتل قادتها، والحديث جارٍ عن ضغط مكثف على الحكومة الحالية لنزع سلاح تلك الميليشيات، وعن دفعها لإنهاء حالة جمع تلك الميليشيات بين امتلاك السلاح وإنشاء أحزاب تشارك في العملية السياسية الحالية.
وهذا ما يأخذه هؤلاء باستبشار، ويدفعهم للحديث والترويج لتغيير قادم في العراق عبر تلك الخطة الأمريكية.
تلك الحالة التي يجري التبشير بها في الإعلام ويتمسك بخيوطها بعض السياسيين، تعيد طرح الأسئلة الجوهرية في وضع العراق، منذ الاحتلال وحتى الآن.
وأول تلك الأسئلة حول طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وتلك الميليشيات حين نشأتها، وعن الذي تغيّر حتى يُقال بمثل هذا التقدير الذي يُروَّج له؟
وثاني تلك الأسئلة: هل الولايات المتحدة ترغب حقيقة في إنهاء تلك الظاهرة؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟
والثالث: حول ما تريده الولايات المتحدة تحديدًا، وهل تريد “تطويع” تلك الميليشيات ونقلها من أداء دور لخدمة إيران لتصبح في خدمتها هي وحدها؟ أم هي تريد تغيير موقفها من الخطط الأمريكية في الإقليم؟
والسؤال الأهم من كل ذلك: ماذا عن الاحتلال الأمريكي نفسه، باعتباره الأساس الذي بُني عليه كل هذا الخراب؟!
قصة تلك الميليشيات تجيب عن كل تلك الأسئلة.
هي ظاهرة أنشأتها قوات الاحتلال الأمريكي نفسها، للقيام بدور طائفي إجرامي لتفكيك وحدة إرادة المجتمع العراقي في مواجهة الاحتلال، وللقيام بأعمال إجرام وطني بدورها المعادي للمقاومة الوطنية العراقية.
قوات الاحتلال هي التي أنشأت تلك القوات ودربتها على قتل الشعب العراقي، وهي التي سمحت لإيران – وتحت عينها – أن تلعب لعبتها في التلقين الطائفي الذي لم يكن للمدربين الأمريكيين إجادة القيام به، وكذا لأن السماح بدور لإيران في قيادة جرائم تلك الميليشيات يرتبط بخطط استراتيجية أمريكية في المنطقة.
وحدود الخلاف الحالي بين الولايات المتحدة والميليشيات تتعلق بالدور الذي باتت تلعبه تلك الميليشيات لمصلحة إيران أكثر من مصلحة أمريكا في المرحلة الأخيرة.
والأهم أن الولايات المتحدة في حالة انزعاج شديدة من انعزال الميليشيات داخل البيئة التي كان مطلوبًا من الميليشيات حشدها خلفها لأداء دورها المرسوم عند تشكيلها لإحداث الفتن الطائفية.
تلك الأسباب أفقدت الميليشيات أهميتها لأمريكا، وأضعفت دورها في الخطة المرسومة لاستمرار احتلال العراق.
لقد فقدت الميليشيات القدرة على التأثير الطائفي، بل صارت معزولة عن حاضنتها، وهو ما ظهر جليًا خلال الانتفاضات الشعبية التي أظهرت عداءًا لا متناهيًا لتلك الميليشيات، إلى درجة حرق مقراتها ومطاردة عناصرها.
وهذا الانعزال ترافق مع تحوّل في أعداد وأنواع الميليشيات، إذ تزايد في داخلها عدد الموالين لإيران ولاءًا كاملًا.
وزاد من قلق الولايات المتحدة من دور تلك الميليشيات أن وقف بعض قادتها ضد خطة الولايات المتحدة لإعادة ترتيب الإقليم وفق مشروع “الإبراهيمية”، التزامًا بالموقف الإيراني، وأن الحكم الحالي في العراق يتخوف من اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه بسبب نفوذ ودور تلك الميليشيات.
وهكذا، فما يُثار حول ضربات أمريكية وتغييرات في العملية السياسية – إن كان صحيحًا – لا علاقة له بما يروجه أصحاب نظرية التغيير بالاعتماد على الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة لا تستهدف إحداث تغيير لمصلحة العراق، لا إعادة بناء نظام سياسي مختلف في العراق، ولا تحسين أوضاع الشعب العراقي، ولا تغيير التوازنات التي نشأت في العراق منذ دخول القوات الأمريكية واحتلاله.
هي خطة لاستمرار الاحتلال ولتحقيق أهدافه الاستراتيجية المخطط لها منذ بداية الاحتلال، وهي إنهاء استقلال العراق واستغلال قدراته وطاقاته لمساندة المخططات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
والتغيير في العراق يتعلق أساسًا باستعادة استقلاله وإعادة بناء وحدته الوطنية، وهو ما لا يتحقق إلا بإنهاء احتلال أمريكا للعراق، فهذا الاحتلال هو أصل كل الشرور، ما كان منها متعلقًا بإيران أو بميليشياتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى