هل تعرض العراق لإبادة جماعية؟
بات ممكنًا الآن العودة للحوار حول توصيف ما جرى في العراق، باعتباره جريمة حرب إبادة جماعية.لقد جرى الحديث مطولًا في بداية الغزو عن الأهداف الأمريكية من شن تلك الحرب الإجرامية، فجرى التركيز على إطاحة وتغيير النظام السياسي العراقي بالقوة. ونُظر للحرب من زاوية استهداف إدارة بوش الابن ومجموعات المسيحية الصهيونية السيطرة على البترول العراقي ونهبه. وكذا، نُظر للحرب من زاوية التأثير الإقليمي، وفي ذلك جرى التركيز على أن الحرب استهدفت إنهاء الجيش الوطني العراقي وإخراجه من معادلة التوازن والصراع مع الجيش الصهيوني.
كما روج المحتل الأمريكي لأكاذيب منها إحلال الديمقراطية، بالإضافة إلى الحديث عن إنقاذ العالم من احتمال وقوع أعمال إبادة بسبب امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.. إلخ.
لكن كل تلك الأفكار والتصورات حول الأهداف الأمريكية قد انتهت مع مرور الوقت إلى ما هو أبعد، كما ثبت زيف كل الحجج التي ساقها المسؤولون والإعلام الأمريكي، بعدما تابع الناس حجم الدمار ونوعية القصف وطبيعة الأسلحة التي استخدمها الجيش الأمريكي وأعداد الشهداء خلال أعمال القصف التي جرت في بداية الغزو والاحتلال، ومن بعد خلال الجرائم المروعة التي ارتكبت عبر التعاون والتحالف بين جيش الاحتلال وإيران وميليشياتها.
وبات واضحًا أن الهدف الحقيقي للحرب والوصف الحقيقي لها، أنها لم تكن سوى حرب إبادة جماعية.
والإبادة الجماعية وفق ما جرى إقراره في الاتفاقية الدولية الموقعة في عام 1948، هي ارتكاب جرائم قتل أو أذى بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أسس قومية أو عرقية أو على أساس الجنس أو الدين. وهي حرب يكون الهدف منها الإبادة الكاملة أو الجزئية لدولة أو شعب أو أقلية من خلال الإبادة الجماعية أو من خلال تدمير سبل عيشها، سواء جرى الأمر من الخارج أو الداخل.
ووفق هذا المفهوم اعتبر خبراء علم الاجتماع والمؤرخون أن حرب الاستعباد التي شنتها ألمانيا النازية ضد روسيا عام 1941 –خلال الحرب العالمية الثانية– كانت حرب إبادة. كما جرى اعتبار ما قامت به النازية الألمانية ضد اليهود إبادة جماعية.. إلخ. وجرت الاستناد إلى نفس الاتفاقية في توصيف أعمال كثيرة حول العالم باعتبارها إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا.
ومؤخرًا حدث إجماع في الرأي العام في مختلف أنحاء العالم على أن ما جرى في غزة على أيدي الجيش الصهيوني هو حرب إبادة جماعية.
فماذا عن العراق؟
ما جرى في العراق منذ بداية إطلاق العدوان والحرب الأمريكية–الإيرانية ليس إلا حرب إبادة جماعية. بل هي حرب إبادة جماعية للأكثرية، عبر عدوان همجي خارجي استهدف تدمير البنى الاقتصادية وإنهاء وجود الدولة العراقية ونهب الثروات، وتفعيل أدوات القتل وتدمير البنى الاجتماعية والحضارية وسبل الإقامة والعيش وأعمال التهجير القسري وتدمير وسائل العيش.. وهي جرائم جرى ارتكابها من الخارج عبر العدوان والقصف من قبل الجيش الأمريكي، وعبر ميليشيات القتل الطائفي بالتحالف مع إيران.
لقد خاض الأمريكيون الحرب على العراق وفق خطة عنوانها “الصدمة والترويع”، ولم يجر فقط استخدام القنابل بمختلف أنواعها –بما فيها المحرمة دوليًا– ضد المدن والمدنيين والمنشآت الاقتصادية والصحية والوزارات المدنية، بل جرى استخدام قذائف اليورانيوم المنضب الذي يصيب السكان بالسرطان –ويستمر تأثيره على الحياة البشرية لسنوات مديدة ولعدة أجيال– كما جرت أعمال تدمير لسبل معيشة السكان في مناطق بعينها. وكانت الحرب على مدينة الفلوجة البطلة شاهدًا لا تخطئه الأعين على الإبادة الجماعية بكافة أدواتها وصنوفها وأنواعها.
وقد استمرت تلك الحرب عبر الميليشيات الإيرانية التي أسستها وسلحتها قوات الاحتلال –التي لم تغادر وظلت تمسك بخيوط إدارة العراق المحتل– فجرى تنفيذ أعمال القتل على الهوية وأعمال التهجير القسري وإخلاء مناطق كاملة من السكان وجلب مجموعات سكانية للحلول محل السكان الأصليين، بطلب وتحت قيادة قوات الاحتلال.. إلخ.
وهكذا يمكن –بل يجب– القول بأن ما جرى في العراق –ولا يزال يجري– هو حرب إبادة جماعية، ولعل ما تحدث به الحاكم الأمريكي بريمر عن إقصاء طائفة من الحكم –هي ذاتها التي تعرضت لكل أعمال القتل والإبادة– بمثابة اعتراف بارتكاب حرب إبادة جماعية مخططة ومبرمجة.
ولذلك يمكن القول بأن أحد الأدوار المطلوبة الآن في النضال الوطني العراقي حاليًا، يتمثل في فتح أوسع حوار والتحرك على نطاق دولي لاعتبار ما جرى ويجري في العراق حرب إبادة جماعية، وحث الدول والرأي العام الدولي على اتخاذ ما يترتب على ذلك من إجراءات على رأسها مطاردة مجرمي تلك الحرب.
