هيئة علماء المسلمين: الانتخابات الأخيرة أعادت إنتاج الأزمات وأفقدت العراقيين ثقتهم بالتغيير
هيئة علماء المسلمين ترصد في بيان لها فوضى الفتاوى وتسييسها واستغلال المساجد والمنابر في الدعاية الانتخابية، وتحذّر من مخاطر تشويه الخطاب الديني وزرع الانقسام المجتمعي.
عمّان – الرافدين
أكدت هيئة علماء المسلمين في العراق أن الانتخابات النيابية الأخيرة لم تحمل أي فرصة حقيقية للتغيير، بل أعادت إنتاج الأزمات المزمنة التي يعاني منها البلد منذ أكثر من عقدين، محذّرة من أن استمرار العملية السياسية بصيغتها الراهنة سيُبقي العراق في دائرة الانقسام والتبعية وفقدان الإرادة الوطنية.
وأوضحت الهيئة في بيان لها، أن المشهد الانتخابي الأخير جاء نسخة مكررة من دورات سابقة أثبتت التجارب أنها لا تعبّر عن إرادة العراقيين، في ظل هيمنة المال الفاسد وسطوة السلاح، وانعدام البيئة الآمنة، وتراجع معايير المنافسة العادلة؛ الأمر الذي أفقد المواطن ثقته بقدرة صناديق الاقتراع على إحداث أي إصلاح.
وبيّنت الهيئة أن العملية السياسية القائمة حولت الانتخابات من أداة لتجديد الشرعية وتصحيح المسار إلى «منصة لتدوير الوجوه والأزمات»، بعدما أصبحت الميليشيات الطائفية طرفًا فاعلًا في توجيه مسارات الاقتراع والتأثير في نتائجه عبر أساليب التزوير والترهيب وشراء الذمم؛ ما جعل صناديق الاقتراع محاصرة بقوة السلاح أكثر من حمايتها بقوة القانون.
وفي هذا السياق، حذّرت الهيئة من هيمنة شبكات النفوذ والمال السياسي على نتائج الانتخابات، التي أوصلت ـ بحسب بيانها ـ شخصيات بلا مشاريع وطنية أو رؤى إصلاحية إلى البرلمان، لينبثق عنه مجلس «أضعف من أن يضطلع بمسؤولياته»، وتغلب عليه المصالح الضيقة وتتدخل في قراراته قوى خارجية وإقليمية، تُبقي العراق في دائرة الارتهان السياسي.
وأضافت الهيئة أن «اللاجدوى» باتت السمة الأبرز للانتخابات في ظل غياب الضمانات الحقيقية للنزاهة واستمرار اختلال بيئة المنافسة، مشيرةً إلى أن المشكلة ليست في إجراءات الاقتراع وحدها، وإنما في بنية العملية السياسية التي ـ كما قالت ـ «أدمنت الفشل ورفضت إصلاح نفسها»، وأغلقت أبواب التغيير أمام الإرادة الحرة للشعب.
ورصد البيان عددًا من المظاهر السلبية التي رافقت الانتخابات، في مقدمتها فوضى الفتاوى وتسييسها، وتحويلها إلى أدوات ضغط وتوجيه سياسي، فضلًا عن زجّ المساجد والمنابر في الدعاية الانتخابية، وهو ما عدّته الهيئة انحرافًا خطيرًا يُسيء لرسالة الخطاب الديني ويعمّق الانقسام المجتمعي.
كما استنكرت الهيئة الدعوات إلى معاقبة المقاطعين، مؤكدة أن المقاطعة «موقف واعٍ ودستوري» يلجأ إليه المواطن بعد فقدان الثقة بالعملية السياسية، وأن شيطنة هذا الخيار يعكس ـ بحسب البيان ـ حالة ذعر سياسي من حجم الرفض الشعبي المتنامي.
وأشار البيان إلى أن الخطاب الحكومي والحزبي استمر في الترويج لوهم «التغيير عبر المشاركة»، رغم أن العملية السياسية القائمة تُعدّ ـ كما قالت الهيئة ـ مصدر الفساد الأكبر، وأن أدوات الإصلاح الحقيقية معطلة بفعل هيمنة الأحزاب وتضارب المصالح، حتى بات واضحًا أن «إصلاح النظام من داخله لم يعد ممكنًا».
وختمت هيئة علماء المسلمين بيانها بالتأكيد على أن الحل الحقيقي لا يكون بإحداث تحسينات شكلية على العملية السياسية، بل بإعادة بنائها على أسس سليمة تُقيم دولة المواطنة، وتُنهي نفوذ الطوائف والأحزاب والسلاح والمال الفاسد. وأكدت أن العراق «بأمسّ الحاجة إلى ولادة سياسية جديدة»، وإلى عقد وطني جامع يعبر عن إرادة الشعب، لا إلى دورة انتخابية جديدة تُعيد إنتاج الفشل ذاته.





