لبنان ما بعد اغتيال طبطبائي
مثّل اغتيال رئيس أركان حزب الله، هيثم طبطبائي، نقلة نوعية في الضربات التي تشنها القوات الصهيونية على لبنان منذ وقف إطلاق النار. وهو حدث يذكّر بعملية اغتيال رئيس الأركان السابق، فؤاد شكر، التي كانت البداية لتطوير الضربات التي طالت نصر الله وهاشم صفي الدين وتحولت إلى حرب شاملة. وهو ما تهدد به القيادة الصهيونية الآن، إذ تتحدث علنًا عن قرب القيام بعملية توغّل بري، وتنشر تسريبات حول موعد نهاية العام الحالي، للذهاب باتجاه حرب شاملة، إذا لم تنزع الدولة اللبنانية سلاح حزب الله.
كما استهدف الاغتيال توجيه رسائل سياسية مباشرة، للداخل اللبناني ولأطراف خارجية أيضًا.
كانت عملية الاغتيال إعلانًا باستمرار استخدام القوة العسكرية لكسر إرادة حزب الله على القتال، وبأن الاختراق الإسرائيلي داخل الحزب – وعلى أعلى المستويات – لا يزال على حاله، رغم مرور وقت طويل على وقف الحرب، التي كان عنوانها الأبرز: اختراق حزب الله.
وهي استهدفت إظهار عدم صحة ما روّج له قادة الحزب عن التعافي والسعي لاستعادة قوة الردع، والتشديد على أن ما جرى في الحزب طوال الفترة الماضية مكشوف ومتابع بل حتى تحت السيطرة، بما في ذلك محاولات إعادة التسلح، إذ كان رئيس الأركان المغتال أبرز العاملين في حقل التسلح.
ومثّل الاغتيال إشارة تحذير للأمين العام الجديد، نعيم قاسم، بأنه ملاحق، وأن من وصل إلى رئيس أركان حزبه لا شك يملك إمكانية الوصول إليه هو الآخر.
وكانت الرسائل والأهداف السياسية – وهي الأهم – واضحة وفي اتجاهات شتى، فعميـلة الاغتيال وإن كانت عسكرية موجهة للعسكر في حزب الله، إلا أنها حملت رسائل سياسية.
لقد استهدفت التأكيد على أن الولايات المتحدة داعمة ومتناغمة مع خطة إسرائيل لكسر الإرادة واستمرار الملاحقة، إذ جرت الضربة فيما المبعوثون الأميركيون في ذهاب وإياب دائم إلى لبنان. وزاد من وضوح الرسالة أنها جاءت بعد أيام من إلغاء الولايات المتحدة زيارة كانت مقررة لوزير الدفاع اللبناني.
وهي رسالة للرئيس اللبناني ورئيس الحكومة، بأن إسرائيل تطلب تفعيل الضغوط الرسمية على حزب الله، وأن معدلات تنفيذ ما التزمت به الدولة اللبنانية بشأن نزع سلاح حزب الله غير مرضية لإسرائيل، وأنها مصممة على إنجاز هذا الهدف بيديها إن تقاعست الدولة. ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء اللبناني إلى القول بعد العملية: إن سلاح حزب الله لم يردع إسرائيل ولم يحمِ قادة الحزب أو اللبنانيين.
وهي ورقة جديدة تمنحها إسرائيل للأطراف السياسية اللبنانية المعادية للحزب. هي رسالة بأن حزب الله ضعيف، وأن بالإمكان الاعتماد على إسرائيل حال اشتعال الصراع الداخلي ضد الحزب.
وهي رسالة لإيران بأن القرار الإسرائيلي باستمرار ملاحقة ميليشياتها على حاله، وأن إسرائيل لا تقيم وزنًا لزيارات المسؤولين الإيرانيين للبنان، ولِما أبدوه من دعم لحزب الله من فوق الأراضي اللبنانية.
وكانت أخطر الرسائل السياسية هي تلك التي وجهت للرأي العام اللبناني.
كان حزب الله قد اعتمد خطة للعودة إلى حشد الجمهور العام خلف فكرة أنه لا بديل له في مواجهة إسرائيل، وأن الجيش اللبناني – بل الرئيس والحكومة – لا قبل لهم ولا دور حقيقي لهم في مواجهة إسرائيل، وأن استمرار الحديث عن المجتمع الدولي والمراهنة على الموقف الأميركي ودور مجلس الأمن، لن يؤدي إلا لاستمرار الاحتلال وأعمال القصف، ولن يؤدي لإعادة الإعمار.
وقامت تلك الخطة على الالتزام الحرفي بوقف إطلاق النار، وتحمل الخسائر، وعدم الرد على أعمال القصف الإسرائيلية المتتابعة، وترك الرئيس والدولة والجيش والحكومة في المواجهة.
كان الهدف هو الوصول عمليًا بالرأي العام اللبناني إلى أنه لا بديل عن المقاومة، وأن الحديث عن المجتمع الدولي وعقد الاتفاقات لا يحقق شيئًا. كما استهدف الحزب تثبيت مقولة أنه لا يعمل لمصلحة إيران، بل هو الحل اللبناني في مواجهة إسرائيل وتحرير الأرض اللبنانية.
هنا كانت الرسالة الإسرائيلية الموجّهة للرأي العام اللبناني – وللبيئة الشيعية الحاضنة للحزب – بأن لا أمل في تعافي حزب الله، وأن لا قيمة لسلاحه، وأنه لا يستطيع حتى حماية نفسه وقادته، وأن استمرار موقفه الرافض لنزع السلاح هو ما يمنع الإعمار وعودة المهجرين إلى الجنوب.
كانت الرسالة واضحة: ها هو رئيس أركان الحزب يُقتل، والحزب لا يستطيع الرد.
